بازگشت

كيفية وفاته


قال المفيد في الارشاد: مرض ابومحمد عليه السلام في اول شهر ربيع الاول و توفي في الثامن منه و روي الكليني في الكافي و الصدوق في كمال الدين بسنديهما عن جماعة و بين الروايتين تفاوت بالزياده و النقصان و نحن نجمع بينهما قالوا حضرنا في شعبان سنه ثمان و سبعين و مائتين بعد وفاة الحسن العسكري (ع) بثماني عشرة سنة او اكثر مجلس احمد بن عبيدالله بن خاقان و هو عامل السلطان يومئذ علي الخراج و الضياع بكورة قم و كان شديد النصب و الانحراف من اهل البيت فجري في مجلسه يوما ذكر المقيميين من آل ابي طالب بسر من رأي و مذاهبهم و صلاحهم و اقدارهم عند السلطان فقال ما رأيت و لا أعرف بسر من رأي رجلا من العلوية مثل الحسن بن علي بن محمد بن علي بن الرضا في هديه و سكونه و عفافه و نبله و كرمه عند اهل بيته و السلطان و بني هاشم كافة و تقديمهم اياه علي ذوي السن منهم و الخطر و كذلك حاله عند القواد و الوزراء و الكتاب و عامة الناس كنت يوما قائما علي رأس أبي و هو يوم مجلسه للناس اذ دخل حجابه فقالوا أبومحمد بن الرضا بالباب فقال بصوت عال ائذنوا له فتعجبت منه و منهم و جسارتهم أن يكنوا رجلا بحضرة أبي و لم يمكن يكني عنده الا خليفة أو ولي عهد أو من أمر السلطان أن يكني فدخل رجل اسمر اعين حسن القامة جميل الوجه جيد البدن حديث السن له جلالة و هيئة حسنة فلما نظر اليه أبي



[ صفحه 192]



قام فمشي اليه خطوات و لا أعلمه فعل هذا بأحد من بني هاشم و القواد و أولياء العهد فلما دنا منه عانقه و قبل و جهه و صدره و منكبيه و أخذ بيده و أجلسه علي مصلاه الذي كان عليه و جلس الي جنبه مقبلا عليه بوجهه و جعل يكلمه و يفديه بنفسه و أبويه و انا متعجب مما أري منه اذ دخل الحاجب فقال جاء الموفق و هو اخو المعتمد الخليفة العباسي و كان الموفق اذا دخل علي أبي تقدمه حجابه و خاصة قواده فقاموا بين مجلس ابي و بين باب الدار سماطين الي ان يدخل و يخرج، فلم يزل ابي مقبلا علي ابي محمد يحدثه حتي نظر الي غلمان الموفق، فقال له حينئذ: اذا شئت جعلني الله فداك ابامحمد، ثم قال لحجابه: خذوا به خلف السماطين لا يراه هذا يعني الموفق، فقام و قام ابي فعانقه و مضي، فقلت لحجاب ابي و غلمانه و يحكم من هذا الذي كنيتموه بحضرة ابي و فعل به ابي هذا الفعل فقالوا هذا علوي يقال له الحسن بن علي يعرف بابن الرضا فازددت تعجبا و لم ازل يومي ذلك قلقا متفكرا في امره و امر ابي و ما رأيته منه حتي كان الليل و كانت عادته ان يصلي العتمة ثم يجلس فينظر فيما يحتاج اليه من الامور و ما يرفعه الي السلطان فلما صلي و جلس جئت فجلست بين يديه، فقال الك حاجة قلت نعم فان اذنت سألتك عنها، قال قد اذنت قلت من الرجل الذي رايتك بالغداة فعلت به ما فعلت من الاجلال و الكرامة و فديته بنفسك و ابويك، فقال يا بني ذاك امام الرافضة الحسن بن علي المعروف بابن الرضا و سكت ساعة ثم قال لو زالت الامامة عن خلفاء بني العباس ما استحقها احد من بني هاشم غيره لفضله و عفافه و صيانته و زهده و عبادته و جميل اخلاقه و صلاحه ولو رايت اباه رجلا جزلا نبيلا فاضلا. فازددت قلقا و تفكرا و غيظا علي ابي و ما سمعته منه فيه و رأيته من فعله به فلم تكن لي همة بعد ذلك الا السؤال عن خبره و البحث عن امره فما سألت احدا من بني هاشم و القواد و الكتاب و القضاة و الفقهاء و سائر الناس الا وجدته عندهم في غاية الاجلال و الاعظام و المحل الرفيع و القول الجميل و التقديم له علي جميع اهل بيته و مشائخه، فعظم قدره عندي اذ لم أر له وليا و لا عدوا الا و هو يحسن القول فيه و الثناء عليه، فقال له بعض من حضر مجلسه من الاشعريين فما حال اخيه جعفر؟ فقال و من جعفر فيسأل عن خبره او يقرن به و لقد ورد علي السلطان و اصحابه في وقت وفاة الحسن بن علي ما تعجبت منه و ما ظننت انه يكون، و ذلك انه لما اعتل الحسن بعث الي ابي ان ابن الرضا قد اعتل فركب من ساعته الي دار الخلافة ثم رجع مستعجلا و معه خمسة من خدم اميرالمؤمنين كلهم من ثقاته و خاصته فيهم نحرير و امرهم بلزوم دار الحسن و تعرف حاله و بعث الي نفر من المتطببين



[ صفحه 193]



فأمرهم بالاختلاف اليه و تعهده صباحا و مساء فلما كان بعد ذلك بيومين او ثلاثة أخبر انه قد ضعف فركب حتي بكر اليه و امر المتطببين بلزوم داره و بعث الي قاضي القضاة و امره ان يختار عشرة ممن يوثق به في دينه و ورعه و امانته فبعث بهم الي دار الحسن و امرهم بلزومه ليلا و نهارا، فلم يزالوا هناك حتي توفي، فلما ذاع خبر وفاته صارت سر من رأي ضجة واحدة: مات ابن الرضا ثم اخذوا في تجهيزه و عطلت الاسواق و ركب بنوهاشم و القواد و الكتاب و القضاة و المعدلون و سائر الناس الي جنازته فكانت سر من رأي يومئذ شبيها بالقيامة فلما فرغوا من تهيئته بعث السلطان الي ابي عيسي بن المتوكل فامره بالصلاة عليه، فلما وضعت الجنازة للصلاة دنا ابوعيسي منه فكشف عن وجهه فعرضه علي بني هاشم من العلوية و العباسية و القواد و الكتاب و القضاة و المعدلين و قال هذا الحسن بن علي بن محمد الرضا مات حتف انفه علي فراشه و حضره من خدم اميرالمؤمنين فلان و فلان من المتطببين فلان و فلان ثم غطي وجهه و صلي عليه و كبر خمسا و امر بحمله فحمل من وسط داره و دفن في البيت الذي دفن فيه ابوه عليهماالسلام. قال احمد بن عبيدالله و لما دفن جاء جعفر اخوه الي ابي و قال له: اجعل لي مرتبة ابي و اخي و اوصل اليك في كل سنة عشرين الف دينار فزبره ابي و اسمعه ما كره، و قال له يا احمق ان السلطان اعزه الله جرد سيفه و سوطه في الذين زعموا ان أباك و أخاك أئمة ليردهم عن ذلك فلم يقدر عليه و جهد ان يزيل أباك و أخاك عن تلك المرتبة فلم يتهيأ له ذلك، فان كنت عند شيعة ابيك و اخيك اماما فلا حاجة بك الي سلطان يرتبك مراتبهما و لا غير سلطان و ان لم تكن عندهم بهذه المنزلة لم تنلها، و استقله ابي عند ذلك و استضعفه و امر ان يحجب عنه فلم يؤذن له بالدخول عليه حتي مات ابي و خرجنا و هو علي تلك الحال.

و روي الصدوق في اكمال الدين بسنده عن ابي الاديان قال كنت اخدم الحسن بن علي العسكري عليهماالسلام و احمل كتبه الي الامصار فدخلت اليه في علته التي توفي فيها فكتب معي كتبا و قال تمضي بها الي المدائن و خرجت بالكتب الي المدائن و اخذت جواباتها و دخلت سر من رأي يوم الخامس عشر فاذا انا بالواعية في داره و اذا انا بجعفر بن علي اخيه بباب الدار و الشيعة حوله يعزونه و يهنونه، فقلت في نفسي: ان يكن هذا الامام فقد حالت الامامة. ثم خرج عقيد الخادم فقال يا سيدي قد كفن اخوك فقم للصلاة عليه فدخل جعفر و الشيعة



[ صفحه 194]



من حوله فلما صرنا بالدار اذا نحن بالحسن بن علي عليهماالسلام علي نعشه مكفنا فتقدم جعفر ليصلي عليه فلما هم بالكتبير خرج صبي بوجهه سمرة بشعره قطط باسنانه تفليج فجذب رداء جعفر بن علي و قال تأخر يا عم فانا احق بالصلات علي ابي فتأخر جعفر و قد اربد وجهه فتقدم الصبي فصلي عليه و دفن الي جانب قبر ابيه. و قال الصدوق في اكمال الدين وجدت في بعض كتب التواريخ انه لما توفي ابومحمد الحسن العسكري عليه السلام كان في ليلة وفاته قد كتب بيده كتبا كثيرة الي المدينة و لم يحضره في ذلك الوقت الا صقيل الجارية و عقيد الخادم و من علم الله غيرهما، قال عقيد فدعا بماء قد اغلي بالمصطكي فجئنا به اليه فقال ابدأ بالصلاة و بسطنا في حجره المنديل و اخذ من صقيل الماء فغسل به وجهه و ذراعيه مرة مرة و مسح علي رأسه و قدميه مسحا و صلي صلاة الصبح علي فراشه و اخذ القدح ليشرب فاقبل القدح يضرب ثناياه و يده ترتعد فأخذت صقيل القدح من يده و مضي من ساعته صلي الله عليه و صار الي كرامة الله جل جلاله. و روي انه عليه السلام مضي مسموما سمعه المعتمد.