بازگشت

في تاريخ ولادته و شهادته و فيما يتعلق بالامام العسكري


ولد سيدنا و مولانا أبومحد العسكري عليه السلام في يوم الجمعة لثمان خلون من ربيع الآخر و قبض ايضا في يوم الجمعة الثامن من ربيع الأول أبوه علي الهادي (ع) و أمه أم ولد يقال لها سوسن و قيل تسمي حديثة أو سليل و يقال لها جده اسمه الشريف الحسن و ألقابه الرفيق الزكي التقي السراج الهادي العسكري و كنيته أبومحمد و عمره الشريف تسع و عشرون سنة أو ثمان و عشرون سنة و كان مقامه مع أبيه ثلاثا و عشرين سنة و أشهرا و بعد أبيه خمس سنين و ثمانية أشهر و ثلاثة عشر يوما و كانت في سني امامته بقية ملك المعتز و في رواية المستعين ثم المعتز أشهرا ثم المهتدي بالله أحد عشر شهرا ثم ملك احمد الملقب بالمعتمد علي الله ابن جعفر المتوكل و بعد مضي أربع سنين من ملك المعتمد قبض العسكري مسموما و لقد تحمل (ع) مع قصر عمره من هذه الخلفاء الثلاثة أو الاربعة ما لم يتحمله أحد و جري عليه منهم ما لم نقدر علي بيانه منهم المستعين بالله هم الرجل بقتله و تقدم الي سعيد الحاجب و قال أخرج أبامحمد العسكري الي الكوفة و أضرب عنقه في الطريق و انتشر الخبر بذلك و بلغ الشيعة و أقلقهم



[ صفحه 331]



و كان (ع) في الحبس فكتبوا اليه بلغنا جعلنا الله فداك خبرا أقلقنا و غمنا و بلغ منا فكتب (ع) بعد ثلاث يأتيكم الفرج فخلع المستعين في اليوم الثالث و أقعد المعتز و نجا الأمام و خرج من الحبس فما مضت الا أيام قلائل حتي أمر المعتز بقبض أبي محمد العسكري (ع) مع عدة من الطالبيين و حبسهم في السجن و ضيق عليهم الأمر بحيث لا يدخل عليهم أحد و لا يخرج منهم أحد فاضطربت الشيعة من ذلك و أقلقهم فعلم الأمام (ع) ذلك كان يبعث الي أصحابه و شيعته سيروا الي موضع كذا و كذا و الي دار فلان بن فلان العشاء و العتمة في ليلة كذا و كذا فانكم تجدوني هناك و كان الموكلون به لا يفارقون باب الموضع الذي حبس فيه بالليل و النهار و يعزل في كل خمسة أيام الموكلون و يولي آخرون بعد أن يجدد عليهم الوصية بحفظه فكان أصحابه و شيعته يصيرون الي الموضع و كان (ع) قد سبقهم اليه فيعرفون اليه حوائجهم فيقضيها لهم علي منازلهم و طبقاتهم و ينصرفون الي أماكنهم و يرجع الأمام الي حبسه فلم يزل في ضيق و شدة حتي هلك المعتز و جلس المهتدي مكانه و كان الرجل أشد عداوة من المعتز علي أمامنا العسكري بحيث كلما يراه يهدده و يقول و الله لأجلونكم عن جدد الارض و كان الأمام (ع) يتواري عنه ثم بعد مضي أيام من جلسته علي سرير الملك أحضر الأمام و أغلظ في الكلام معه و هدده و أخافه و حبسه في سجن و جعل يقتل العلويين و الأشراف و عزم علي قتل العسكري فاضطربت الشيعة من ذلك و كتب احمد بن محمد الي الأمام بذلك فاجابه العسكري بخطه الشريف يا احمد بن محمد قل لشيعتنا لا يستوحشون فان ذلك أقصر لعمره عد من يومك هذا خمسة أيام و يقتل



[ صفحه 332]



هذا الطاغي في اليوم السادس بعد هو ان و استخفاف و كان كما قال (ع) لأن الاتراك لما عرفوا من قوله بالأعتزال و القدر هجموا عليه في اليوم السادس و أعانتهم الأمة فقتلوه و نصبوا مكانه المعتمد علي الله و بايعوا له و هذا الرجل هو الذي سم امامنا العسكري بعد ما كان يؤذيه تارة يحبسه و أخري يطلق عنه و كان روحي له الفداء يخاف علي نفسه و علي شيعته بحيث يخرج توقيعه الي شيعته اذ رأيتموني في الطريق فلا يسلمن علي أحد و لا يشير الي بيده و لا يؤمي الي ببنانه فانكم لا تؤمنون علي أنفسكم و يقول لبعض غلمانه اذا سمعت لنا شاتما فامض لسبيلك التي أمرت بها و اياك أن تجاوت من يشتمنا أو تعرفه من أنت فانا ببلد سوء و مصر سوء و امض في طريقك و مع تلك المظلومية كانت له مهابة عظيمة بحيث اذا نظر الي شر من هو علي الأرض ارتعدت فرائصه و يضع خده علي الأرض خضوعا و خشوعا له (ع) و لما حبس (ع) عند (صالح بن وصيف) دخل العباسيون عليه و قالوا له ضيق علي أبي محمد قال و ما أصنع به و قد وكلت به رجلين شر من قدرت عليه فقد صار في العبادة و الصلاة في أمر عظيم ثم أمر باحضار الرجلين فقيل لهما و يحكما ما شأنكما في أمر هذا الرجل فقالا ما نصنع برجل يصوم نهاره و يقوم ليله كله و لا يتشاغل بغير العبادة فاذا نظر الينا ارتعدت فرائصنا و دخلنا ما لا نملكه من أنفسنا فاخرج من ذلك الحبس و حبس عتد (علي بن أرقاش) و كان غليظا علي آل أبي طالب و شديد العداوة لأبي محمد وسعوا اليه ليضيق عليه فما أقام الا يوما حتي وضع خده لأبي محمد و كان يرفع بصره اليه اجلالا و اعظاما له و خرج من عنده و هو أحسن الناس بصيرة و أحسنهم قولا فيه ثم بعد ذلك سلموه



[ صفحه 333]



الي تحرير زنديق شديد العداوة لآل محمد و كان يضيق عليه و يؤذيه فقالت له امرأته ويلك اتق الله فانك لا تدري من في منزلك و اني أخاف عليك منه و ذكرت له ضلاحه و عبادته فاشتد عداوته و قال و الله لأرمينه بين السباع ثم استأذن في ذلك فاذن له فرمي الأمام بين السباع و الأسود و لم يشكوا في أكلها اياه فنظروا الي الموضع ليعرفوا الحال فوجدوا الأمام قائما يصلي و السباع حوله تلوذ به و لم يزل ثلاثة أيام بين الاسود و هو يصلي و يدعو علي حاله فخاف اللعين من الفتنة فدخل ليخرج الأمام و اذا بالسباع قد هجمت عليه من كل جانب و ناحية و مزقوه و أكلوه و خرج الأمام سالما فاخبر بذلك المعتمد و دخل علي العسكري و اعتذر اليه و تضرع عنده و سأل أن يدعو له بالبقاء عشرين سنة في الخلافة فقال (ع) مد الله في عمرك فاجيب دعائه و نعم ما قال الشاعر: اريد حياته و يريد قتلي يدعو الأمام (ع) له بالبقاء و طول العمر و هو يسقيه السم و يقطع كبده قطعا قطعا بعد ما حبسه مدة مديدة قال علي بن حزين حبس المعتمد أبامحمد عندي و حبس مع أبي محمد أخاه جعفرا و كان المعتمد يسألني عن أخباره في كل وقت فاخبره أنه يصوم النهار و يصلي الليل فسألني يوما من الأيام عن خبره فاخبرته بمثل ذلك فقال لي امض الساعة اليه و اقرأه مني السلام و قل له انصرف الي منزلك قال علي بن حزين فجئت الي باب الحبس فوجدت حمارا مسرجا فدخلت عليه فوجدته جالسا و قد لبس خفه و طيلسانه و شاشته فلما رآني نهض فأديت الرسالة فركب فلما استوي علي الحمار وقف قلت له ما وقوفك يا سيدي؟ فقال لي حتي يجيي ء جعفر فقلت انما أمرني باطلاقك دونه فقال لي ترجع اليه فتقول له خرجنا من دار



[ صفحه 334]



واحدة جميعا فاذا رجعت و ليس هو معي كان في ذلك مالا خفاء به عليك فمضي و عاد و قال له يقول لك قد أطلقت جعفر لك لأني حبسته بجنايته علي نفسه و عليك و ما يتكلم به و خلي سبيله فصار معه الي داره و كان المعتمد يؤذيه كثيرا حتي سقاه السم و لما سقي السم مرض مرضا شديدا فبلغ ذلك المعتمد في مرضه قيل له ان ابن الرضا قد اعتل و مرض فامر الرجل نفرا من المتطببين بالأختلاف اليه و تعاهده صباحا و مساء و بعث خمسة نفر كلهم من ثقاته و خاصته و أمرهم بلزوم دار أبي محمد العسكري و تعرف خبره و حاله فلما كان بعد ذلك بيومين جاء من أخبره بان العسكري قد ضعف فركب المعتمد حتي بكر اليه ثم أمر المتطببين بلزومه و بعث الي قاضي القضاة و عشرة من أصحابه ممن يثق به و أرسلهم الي الحسن العسكري (ع) و أمرهم بلزومه ليلا و نهارا فلم يزالوا هناك حتي كانت الليلة التي قبض فيها فرأوه و قد اشتد به المرض يغشي عليه ساعة بعد ساعة علموا انه قد قرب به الموت تفرقوا عنه فلم يكن عنده في تلك الليلة الا جاريته صيقل و عقيد الخادم و ولده الحجة (عج) و قد مضي من عمر الحجة في ذلك الوقت خمس سنين و كتب الامام بيده الشريفة في تلك الليلة كتبا كثيرة الي المدينة قال عقيد فدعا (ع) بماء قد أغلي بالمصطكي فجئناه به اليه فقال (ع) ابدأ بالصلاة جيئوني بماء لأتوضأ به فجئناه به و بسط في حجره المنديل و توضأ ثم صلي صلاة الغداة في فراشه و أخذ القدح ليشرب فاقبل القدم يضرب ثناياه و يده ترتعد فشرب منه جرعة و أخذت صيقل القدح من يده ثم أخذ ولده الحجة و ضمه الي صدره الشريف و جعل يقبله و يودعه و يبكي و يوصيه بوصاياه و سلمه و دائع الامامة



[ صفحه 335]



ثم سكن أنينه و عرق جبينه و غمض عينيه و مد يديه و رجليه و مضي من ساعته و هو يوم الجمعة مع صلاة الغداة قال الراوي فما طلعت الشمس حتي سمعنا المنادي ينادي ألا مات العسكري فصارت سر من رأي ضجة واحدة و كانت شبيهة بالقيامة و عطلت الاسواق و حضر السلطان و الاشراف و بنوهاشم الي جنازته و أخذوا في تجهيزه فلما غسلوه و حنطوه و كفنوه بعث المعتمد الي قاضي القضاة و هو أبوعيسي المتوكل فأمر بالصلاة عليه فلما وضعت الجنازة للصلاة دنا أبوعيسي فكشف عن وجهه فعرضه علي بني هاشم و العلويين و الاشراف و قال هذا الحسن بن علي بن محمد بن الرضا مات حتف أنفه علي فراشه حضره من خدم أميرالمؤمنين و من ثقاته فلان و فلان و من الاطباء فلان و فلان و من القضاة فلان و فلان ثم غطي وجهه و قام و صلي عليه كما فعل ذلك بجده موسي بن جعفر (ع) لما مات (ع) في حبس السندي لعنه الله جمع هارون الرشيد شيوخ الطالبية و بني هاشم و بني العباس و الحكام و احضر موسي بن جعفر فقال هذا موسي بن جعفر قد مات حتف أنفه و ليسه به أثر جراحة و لا خنق فانظروا اليه فدخل سبعون رجلا من شيعته و نظروا اليه و في رجليه أثر الحناء في راحتيه خضرة هي أثر السم ولكن ما تكلم أحد منهم خوفا من الرشيد ثم أخذه سليمان بن أبي جعفر فتولي غسله و كفنه و دفنه فلما فرغوا من الصلاة علي سيدنا أبي محمد العسكري حملوه من وسط داره و دفنوه في البيت الذي دفن فيه أبوه علي الهادي (ع) هذا هو المرسوم يدفن المرء في مكان دفن فيه أقاربه و ان لم يوص به و لا سيما اذا كانت القرابة قريبة كالوالد و الولد و ما أشبههما أما تري أن زين العابدين لما



[ صفحه 336]



و اري أباه و بني هاشم خص من بينهم شبيه رسول الله علي الاكبر (ع) و جاء به و دفنه عند رجلي الحسين (ع) اذا ساعد الله قلب الحسين (ع) و هو ينظر في كل حين الي ولده فيراه مشقوق الرأس مقطعا بالسيوف اربا اربا الخ.