بازگشت

مع الفيلسوف الكندي


ان الأئمة عليهم السلام يعتبرون أنفسهم - كما يقول الأستاذ عبدالقادر أحمد اليوسف - أحق من غيرهم، لا بل هم المكلفون بعد الرسول صلي الله عليه و آله و سلم بنشر الاسلام، و المحافظة علي السنن و الشرائع المحمدية، لما لهم من وشائج القربي، و نقاوة النفس و تفهم التنزيل [1] .

فقد استقام هذا الدين بدفاع جدهم الامام أميرالمؤمنين عليه السلام عنه، و بذله في سبيله نفسه المقدسة فقد عرفت مواقفه عليه السلام منذ مبيته علي فراش الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم واقياً له بمهجته، متحدياً جبابرة قريش و طواغيتها، ثم تلا هذا الموقف مواقفه في حروب النبي صلي الله عليه و آله و سلم و غزواته، حتي قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في موقفه يوم الخندق: لمبارزة علي لعمرو بن عبد ود أفضل من أعمال أمتي الي يوم القيامة [2] .



بني الدين فاستقام ولولا++

ضرب ماضيك ما استقام البناء



و استمر أبناؤه عليهم السلام علي التضحية من أجل هذا الدين و اعلاء كلمته فكان موقف السبط الشهيد يوم عاشوراء؛ و ما قدمه من تضحيات تتضاءل عندها كل تضحية و فداء.

و عاش الأئمة عليهم السلام في عهد الدولتين: الأموية و العباسية تحت وطأة الحاكمين، و عانوا منهم الأمرين، فقد تتبعوهم قتلا و سجناً و تشريداً، و هم مع شدة



[ صفحه 297]



ظروفهم، و قساوة الظالمين معهم، يذودون عن هذا الدين ما أمكنهم الذود، يردون أباطيل علماء الأديان، و شطحات الفلاسفة، و قد مر عليك في هذه السلسلة بعض مواقف الامام الصادق و الامام الرضا عليه السلام مع بعض هؤلاء، و نسجل في هذا الفصل موقفاً للامام أبي محمد العسكري عليه السلام مع الفيلسوف الكندي:

ان اسحاق الكندي كان فيلسوف العراق في زمانه، أخذ في تأليف تناقض القرآن، و شغل نفسه بذلك، و تفرد به في منزله، و ان بعض تلامذته دخل يوماً علي الامام الحسن العسكري عليه السلام، فقال له أبومحمد: أما فيكم رجل رشيد يردع أستاذكم الكندي عما أخذ فيه من تشاغله بالقرآن؟

فقال التلميذ: نحن من تلامذته، كيف يجوز منا الاعتراض عليه في هذا أو في غيره؟

فقال أبومحمد: أتؤدي اليه ما ألقيه اليك؟

قال: نعم.

قال: فصر اليه و تلطف في مؤانسته و معونته علي ما هو بسبيله، فاذا وقعت الأنسة في ذلك فقل: قد حضرتني مسألة أسألك عنها، فانه يستدعي ذلك منك فقل له: ان أتاك هذا المتكلم بهذا القرآن هل يجوز أن يكون مراده بما تكلم منه غير المعاني التي قد ظننتها أنك ذهبت اليها؟ فانه سيقول لك: من الجايز، لأنه رجل يفهم اذا سمع، فاذا أوجب ذلك فقل له: فما يدريك لعله أراد غير الذي ذهبت أنت اليه، فتكون واضعاً بغير معانيه.

فصار الرجل الي الكندي، و تلطف الي أن ألقي عليه هذه المسألة فقال له أعد علي فأعاد عليه، فتفكر في نفسه و رأي ذلك محتملاً في اللغة و سائغاً في النظر.

فقال: أقسمت عليك الا أخبرتني من أين لك؟

فقال: انه شي ء عرض بقلبي فأوردته عليك.

فقال: كلا، ما مثلك من اهتدي الي هذا، و لا من بلغ هذه المنزلة، فعرفني من أين لك هذا؟



[ صفحه 298]



فقال: أمرني به أبومحمد.

فقال: الآن جئت به، و ما كان ليخرج مثل هذا الا من ذلك البيت.

ثم انه دعا بالنار و أحرق جميع ما كان ألفه [3] .



[ صفحه 299]




پاورقي

[1] انظر كتابه الحسن بن علي ص 42.

[2] كنز العمال 6 - 158.

[3] المناقب 2 / 459.