بازگشت

المقدمة


«بسم الله الرحمن الرحيم»

الحمد لله الذي جعل الحمد مفتاحا لذكره و دليلا علي نعمه و آلائه و صلي الله علي سيدنا و نبينا محمد و آله الطاهرين.

و بعد فلا ريب في أن كتابة التاريخ و تدوين وقائع حياة الانسان علي هذه الأرض من أكبر الانجازات البشرية حتي الآن... و لا شك في أن المؤرخين علي تعاقب العصور قد خدموا الانسانية فيما بذلوه من جهود كبيرة علي صعيد ربط حاضر الانسان بماضيه من أجل مستقبل أفضل.

غير أن هناك مؤاخذات علي التراث التاريخي تضطرنا ابتداء الي عدم التسليم بصحة كل ما ورد فيه، و تدفعنا الي تحقيق هذا التراث بروح علمية موضوعية غايتها الكشف عن الحقيقة و تنقيتها مما هو باطل.

و أهم هذه المؤاخذات هي أن جل التراث التاريخي لم ينج من تأثير واحد أو أكثر من العوامل النفسية و الاجتماعية و السياسية التي تحرف قلم المؤرخ عن سواء السبيل سبيل الحق و الصدق.

و لعل أقوي هذه العوامل المضلة المانعة من قبول الحق و تدوينه، عامل التملق الي السلطان و التزلف اليه طمعا في عطائه أو خوفا من بطشه، و عامل التعصب الأعمي



[ صفحه 12]



و التلقي عن تقليد لاعن دليل، و فرض الرأي المسبق علي وقائع التاريخ بلا تحليل علمي واع و لا نظر موضوعي منصف فكم من حقيقة مظلومة قابعة في طيات التراث التاريخي الغاص بالتضليل و التزييف... و كم من قمة من قمم الانسانية السامقة غمطت الأقلام المأجورة حقها، و كم من حثالة من البشر هي كالبهيمة بل أضل سبيلا جعلت منها الأقلام الطامعة أو الخائفة رمزا انسانيا يشار اليه... بل كم من ظالم غاصب لعين كانت الأجيال المتعاقبة و لا تزال تقرؤه رمزا للعدل و الاحسان!!

لكن الحمد لله الذي جعل من سنته التي لا تتحول و لا تتبدل... ان الزبد يذهب جفاء... و أن ما ينفع الناس يمكث في الأرض... و أنه يقذف بالحق علي الباطل فيدفعه فاذا هو زاهق.

و لامامنا الحادي عشر الحسن بن علي العسكري عليه السلام مظلوميته الخاصة في ساحة التراث التاريخي، اضافة الي نصيبه المفروض من مظلومية أهل بيت العصمة عليهم السلام عامة.

فلقد أعرض بعض المؤرخين حتي عن ذكر اسمه المقدس فيها كتب عن تاريخ عصره امعانا في تجاهله و ظلمه، و كأنه لم ير لهذا الامام الظاهر في زمانه أي وجود علي صفحة تاريخ ذلك الزمان.

و اكتفي بعضهم بذكر اسمه و سنة وفاته معرضا عن ذكر مآثره و مناقبه بحجة أنه لم يعش الا قليلا من السنين فلم تبن فضائله و لم تظهر مآثره!!

و نظر اليه بعضهم نظر الأرمد الي قرص الشمس في رأد الضحي، فلا هو يطيق النظر اليه و لا هو يقوي علي انكاره... و مع هذا... فقد كان هنالك بعض المؤرخين الذين أنصفوا الحق و تركوا طريق اللجاج و العناد فذكروا ما عرفوا من ملامح الحقيقة، كابن الصباغ المالكي و الكنجي الشافعي، و محمد بن طلحة الشافعي، و سبط بن الجوزي، و الشبراوي الشافعي، و القندوزي الحنفي و آخرون غيرهم... اذ أفردوا للامام العسكري (ع) فصولا في كتبهم و ذكروا ما عرفوا من مناقبيته و معالي أموره عليه السلام.