مقامه عند وزراء بني العباس
روي الصدوق عن من حضر مجلس أحمد بن عبيدالله بن خاقان، و هو عامل السلطان يومئذ علي الخراج و الضياع (بكورة قم)، و كان من أنصب خلق الله و أشدهم عداوة لهم، فجري ذكر المقيمين من آل أبي طالب بسر من رأي، و مذاهبهم و صلاحهم و أقدارهم عند السلطان؛ فقال أحمد:
... فاني كنت قائما ذات يوم علي رأس أبي - و هو يوم مجلسه للناس - اذ دخل عليه حجابه فقالوا: ان ابن الرضا عليه السلام علي الباب.
فقال بصوت عال: ائذنوا له!
فدخل رجل أسمر أعين حسن القامة جميل الوجه، جيد البدن، حدث السن، له جلالة و هيبة.
فلما نظر اليه أبي قام فمشي اليه خطوات، و لا أعلم فعل هذا بأحد من بني هاشم و لا بالقواد، و لا بأولياء العهد.
فلما دني منه عانقه و قبل وجهه و منكبيه و أخذ بيده فأجلسه علي مصلاه الذي كان عليه، و جلس الي جنبه مقبلا عليه بوجهه و جعل يكلمه و يكنيه و يفديه بنفسه و بأبويه و أنا متعجب مما أري منه، اذ دخل عليه الحجاب فقالوا: الموفق قد جاء، و كان الموفق اذا جاء و دخل علي أبي تقدم حجابه و خاصة قواده فقاموا بين مجلس أبي و بين باب الدار سماطين الي أن يدخل و يخرج.
فلم يزل أبي عليه مقبلا يحدثه حتي نظر الي غلمانه الخاصة فقال حينئذ: اذا شئت فقم جعلني الله فداك يا أبامحمد! ثم قال لغلمانه: خذوا به خلف السماطين كيلا يراه الأمير - يعني الموفق -.
فقام و قام أبي فعانقه و قبل وجهه و مضي.
فقلت لحجاب أبي و غلمانه: و يلكم من هذا الذي فعل به أبي هذا الذي فعل؟
فقالوا: هذا رجل من العلوية، يقال له الحسن بن علي، يعرف بابن الرضا.
فازددت تعجبا، فلم أزل يومي ذلك قلقا متفكرا في أمره و أمر أبي و ما رأيت منه.
[ صفحه 96]
حتي كان الليل و كانت عادته أن يصلي العتمة ثم يجلس فينظر فيما يحتاج اليه من المؤامرات و ما يرفعه الي السلطان، فلما جلس جئت و سلمت و جلست بين يديه.
فقال: يا أحمد ألك حاجة؟
قلت: نعم يا أبي، ان أذنت لي سألتك عنها.
فقال: قد أذنت لك يا بني فقل ما أحببت.
فقلت: يا ابي، من الرجل الذي رأيتك الغداة فعلت به ما فعلت؛ من الاكرام و التبجيل، و فديته بنفسك و أبويك؟
فقال: يا بني ذاك ابن الرضا؛ امام الرافضة.
ثم سكت ساعة ثم قال: يا بني، لوزالت الخلافة من بني العباس ما استحقها أحد من بني هاشم غير هذا، و انه يستحقها في فضله و عفافه و هديه و صيانة نفسه و زهده و عبادته و جميل أخلاقه و صلاحه، و لو رأيت أباه لرأيت رجلا جليلا نبيلا خيرا فاضلا [1] .
- قال ابن شهرآشوب: و اجتهد جعفر في المقام مقامه فلم يقبله أحد، بل برأوا منه، و لقبوه الكذاب، فورد الي عبدالله بن خاقان و قال: اجعل لي مرتبة أخي و أنا أوصل اليك في كل سنة عشرين ألف دينار! فزبره و قال: يا أحمق، ان السلطان جرد السيف في الذين زعموا أن أباك و أخاك أئمة ليردهم عن ذلك فلم يتهيأ له، فان كنت عند شيعة أبيك و أخيك اماما فلا حاجة بك الي مرتب ثم أمر أن يحجب عنه [2] .
پاورقي
[1] كمال الدين ج 1، ص 40.
[2] مناقب ابن شهرآشوب ج 4، ص 422.