مقامه عند أهل الكتاب
1- روي عن أبي جعفر أحمد القصير البصري، قال: حضرنا عند سيدنا أبي محمد عليه السلام بالعسكر، فدخل عليه خادم من دار السلطان؛ جليل.
فقال له: أميرالمؤمنين يقرء عليك السلام و يقول لك: كاتبنا أنوش النصراني، يريد أن يطهر ابنين له، و قد سألنا مسألتك أن تركب الي داره و تدعو لابنه بالسلامة و البقاء. فأحب أن تركب و أن تفعل ذلك، فانا لم نجشمك هذا العناء الا لأنه قال: نحن نتبرك بدعاء بقايا النبوة و الرسالة.
فقال مولانا عليه السلام: الحمد لله الذي جعل النصاري أعرف بحقنا من المسلمين.
ثم قال: أسرجوا لنا.
فركب حتي وردنا أنوش فخرج اليه مكشوف الرأس حافي القدمين، و حوله القسيسون و الشماسة و الرهبان، و علي صدره الانجيل، فتلقاه علي باب داره.
و قال له: يا سيدنا أتوسل اليك بهذا الكتاب الذي أنت أعرف به منا الا غفرت لي ذنبي في عناك، و حق المسيح عيسي بن مريم و ما جاء به من الانجيل من عندالله، ما سألت أميرالمؤمنين مسألتك هذا الا لأنا وجدناكم في هذا الانجيل مثل المسيح عيسي بن مريم عندالله.
فقال مولانا عليه السلام: الحمدلله.
و دخل علي فرشه و الغلامان علي منصة و قد قام الناس علي أقدامهم.
فقال: أما ابنك هذا فباق عليك، و أما الآخر فمأخوذ عنك بعد ثلاثة أيام، و هذا الباقي يسلم و يحسن اسلامه و يتولانا أهل البيت!
فقال انوش: و الله يا سيدي ان قولك الحق و لقد سهل علي موت ابني هذا لما عرفتني أن الآخر يسلم، و يتولاكم أهل البيت!
فقال له بعض القسيسين: ما لك لا تسلم؟
فقال له أنوش: أنا مسلم و مولانا يعلم ذلك.
فقال مولانا عليه السلام: صدق، و لولا أن يقول الناس: انا خبرناك بوفاة ابنك و لم يكن لك
[ صفحه 99]
كما أخبرناك، لسألنا الله تعالي بقاءه عليك.
فقال أنوش: لا أريد يا سيدي الا ما تريد!
قال أبوجعفر احمد القصير: مات و الله ذلك الابن بعد ثلاثة ايام، و أسلم الآخر بعد سنة؛ و لزم الباب معنا الي وفاة سيدنا أبي محمد عليه السلام [1] .
2- و من جملة كبراء النصاري في عصره؛ راهب دير العاقول، الذي سمع بكراماته الغريبة، و رآه؛ و أسلم علي يديه و كان أعلم الناس في النصرانية؛ بالطب.
فانه لما قرأ كتاب بختيشوع الطبيب حول فصد الامام العسكري نزل من ساعته و قال لتلميذ بختيشوع: أنت الرجل الذي فصدت؟ قلت نعم. قال: طوبي لامك.
و ركب بغلا و مر، فوافينا سر من رأي و قد بقي من الليل ثلثه.
قلت: أين تحب؟ دار استاذنا، أو دار الرجل؟
قال: دار الرجل.
فصرنا الي بابه قبل الأذان، ففتح الباب و خرج الينا غلام أسود و قال: أيكما راهب دير العاقول؟
فقال: أنا، جعلت فداك.
فقال: انزل، و قال لي الخادم: احتفظ بالبغلتين، و أخذ بيده و دخلا.
فأقمت الي أن أصبحنا و ارتفع النهار، ثم خرج الراهب و قد رمي بثياب الرهبانية و لبس ثيابا بيضاء؛ و قد أسلم.
فقال: خذني الآن الي دار استاذك.
فصرنا الي دار بختيشوع، فلما رآه بادر يعدو اليه ثم قال: ما الذي أزالك عن دينك؟
قال: وجدت المسيح فأسلمت علي يده!
قال: وجدت المسيح؟
قال: أو نظيره، فان هذه الفصدة لم يفعلها في العالم الا المسيح، و هذا نظيره في
[ صفحه 100]
آياته و براهينه.
ثم انصرف اليه و لزم خدمته الي أن مات [2] .
پاورقي
[1] سفينة البحار ج1، ص 260 عن حلية الأبرار ج 2، ص 498.
[2] البحار ج 50، ص 261.