بازگشت

وقفة للتامل


لو تأملنا فيما مر بنا من روايات هذا الفصل، خصوصا فيما قاله الأعداء الذين عاصروه، نراه عليه السلام الشخصية العظيمة التي ملأت وجدان الامة في عصرها، و التي لا مثيل لها و لا بديل، فان طغاة عصره، و منهم المعتمد العباسي، كانوا يعتقدون به غاية الاعتقاد، رغم محاصرتهم له و تضييقهم عليه، فهذا الخليفة العباسي يلتمس منه مرة الدعاء له بالبقاء عشرين سنة، و اخري يخرجه من الحبس و يطلب منه أن يزيل الشك عن قلوب المسلمين، فلو لم يعتقد بأنه امام مستجاب الدعوة لما طلب منه أن يدعو له، و هكذا لو لم يعلم أنه الفرد الوحيد الذي يقدر أن يقف أمام الراهب [1] و يزيل الشك عن امة رسول الله، لما أخرجه من الحبس.

و لو تأملنا فيما قاله عبيد و ابنه - أيضا - و فيما قاله بختيشوع الطبيب، و ذلك الراهب النصراني؛ الذي كان أعلم أهل النصرانية علي الأرض يومئذ، لملأت مظلومية هذا الامام العظيم حزنا و لضاق صدرنا مما جني عليه أكثر الكتاب و المؤرخين قديما و حديثا؛ الذين أخفوا كل شي ء؛ حتي اسمه و نسبه الشريف. و لم يذكره الا القليل منهم.

لا أدري ما عذر المؤرخين الذين عاشوا في عصره، كالطبري و غيره، و رأوا و سمعوا حوله أشياء مما لو ذكروه في تواريخهم لكانوا أقرب الي الانصاف مما هم عليه بالفعل، لكنهم لم يذكروا و لم يثبتوا في الغالب الا اسمه و سنة وفاته فقط.

و ما عذر أرباب التأليف و كتاب الطبقات الذين دونوا كل شي ء؛ من حق و باطل و صحيح و سقيم، حتي لقد كتبوا كل شي ء عن الفسقة و الفجرة و الضعفاء و المجاهيل و أصحاب المذاهب الفاسدة، ولكنهم مع الأسف تركوا ذكر الامام العسكري عليه السلام الذي كان له مئات القضايا و الحوادث و المناقب.

فهل من الانصاف أن مؤرخا يملأ كتبه من ذكر الحوادث التاريخية الكاذبة، و من



[ صفحه 110]



ذكر تراجم الجواري و المغنيات و الراقصات التي كانت تغص بها قصور الخلفاء المستهترين، و يترك ذكر الامام العسكري عليه السلام.

و يعتذر بعضهم لعدم ذكر مناقبه و مآثره: بأنه لم تطل أيامه في الدنيا ليظهر للناس مآثره و مزاياه [2] .

و الذي يجرح القلب قول بعضهم؛ كابن حجر - ذاك الحاقد علي أهل البيت - حيث يتعرض لذكر الامام الحسن العسكري عليه السلام فيقول: ضعفه ابن الجوزي في الموضوعات [3] .

و العجب هنا من ابن الجوزي كيف يشهد بصحة الحديث المروي عنه في كتابه المسمي بتحريم الخمر و يقول:

«أشهد بالله لقد سمعت أباعبدالله الحسين بن علي يقول: أشهد بالله لقد سمعت عبدالله بن عطا الهروي... يقول أشهد بالله لقد سمعت الحسن بن علي العسكري...» الخ.

ثم ينقل في آخره عن الفضل بن دكين قوله:

«هذا حديث صحيح ثابت روته العترة الطيبة الطاهرة و رواه جماعة عن رسول الله» [4] .

ثم يجعله في الضعفاء في كتاب آخر له؛ حينما ينقل حديثا في مناقب الزهراء يكون في سنده الحسن بن علي، يقول:

«هذا حديث موضوع و الحسن بن علي صاحب العسكر هو الحسن بن علي بن موسي بن جعفر أبومحمد العسكري آخر من تعتقد فيه الشيعة بالامامة، روي هذا الحديث عن آبائه و ليس بشي ء» [5] .



[ صفحه 113]




پاورقي

[1] الفصول المهمة ص 269.

[2] تاريخ الدول للقرماني ص 117.

[3] لسان الميزان ج 2، ص 240.

[4] راجع تذكرة الخواص ص 324.

[5] الموضوعات لابن الجوزي ج 1، ص 414.