بازگشت

وقفة للتأمل


من أخلاق الامام و شؤونه الخاصة به أن يكون وضعه المادي و الظاهري؛ و خصوصا في المأكل و الملبس، مساويا مع أضعف الامة لكيلا يؤثر الفقر في وجوه بعض المسلمين، الذين كانوا يعانون الفقر المادي، و لما كان غالب المسلمين في بداية



[ صفحه 115]



الاسلام حالتهم ضعيفة جدا، كان اللازم علي أئمة العدل و أهل بيت العصمة أن يلبسوا من الثياب أخشنها و يأكلوا من الطعام أجشبها، كما فعله النبي كريم صلي الله عليه و آله و الامام أميرالمؤمنين علي عليه السلام، ولكن بمرور خمسين عاما علي ظهور الاسلام، تغيرت الشرايط و تحسن أوضاع المسلمين، و لذلك نري أن الأئمة الذين عاشوا في ذلك الزمان، كالباقر و الصادق عليهماالسلام مثلا، تغيرت أوضاعهم من حيث الظاهر، و صاروا كأوساط المسلمين فأننا نري أنهم لم يغيروا ظاهرهم الا بعد التغيير الذي حصل في عامة المسلمين، و لو أنهم لم يفعلوا ذلك و بقوا علي لبس تلك الألبسة التي كان يلبسها جدهم رسول الله صلي الله عليه و آله و أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لأعرض عامة الناس عنهم، و لا تهموهم بالرهبانية؛ التي أبطلها الاسلام، ولكن رغم هذا التغيير في الظاهر لم يتركوا سنة الأنبياء و الأولياء المقربين، و كانوا يلبسون الثياب الخشنة ملاصقة للبدن تحت الثياب الناعمة و لم يشعر بذلك أحد.

و كان هذا العمل منهم تماما في مقابل المرائين؛ كالثوري و عباد البصري [1] و غيرهما من المتزهدين المتصنعين، الذين كانوا يلبسون الثياب الخشنة في الظاهر و الثياب الناعمة تحتها لخداع العامة و نتيجة خداع هؤلاء المرائين تخيل بعض الغفلة و الجهلة، بأن الاسلام الصحيح هو ما يعرضه الثوري و أمثاله و لذلك أخذ ينتقد الأئمة؛ و خصوصا الامام العسكري، - و ان لم يظهره - و كان يخفيه في النفس فقط و يقول: كيف يجوز للامام أن يلبس الثياب الناعمة، و يترك طريقة هؤلاء المتزهدين؟!

تخيل هذا المعني، كامل بن ابراهيم حينما دخل علي الامام العسكري، فاضطر الامام عليه السلام أن يدفع الشبهة التي حصلت في ذهن كامل و أمثاله، مما رآه من هؤلاء المتزهدين، و ما رآه من الامام عليه السلام، و لذلك نري الامام عليه السلام يكشف عما كان مستورا من كل أحد، و يري كامل ذلك الثوب الخشن الذي كان قد لبسه تحت ثيابه، كي ينتبه بأن أمثال الثوري ليسوا علي الطريقة المستقيمة، بل هدفهم اغواء الناس فقط.



[ صفحه 116]




پاورقي

[1] وسائل الشيعة ج 3، ص 347، و ص 350.