بازگشت

صاحب الزنج و قتله أهل البصرة


كانت البصرة و سكانها أكثر من تضرر، نتيجة الفوضي التي سببتها حركة صاحب الزنج، فمنذ ابتداء تمرده كان قد هاجم البصرة عدة مرات، و قتل من أهلها مقتلة عظيمة، و سلب الكثير من أموال الناس و ممتلكاتهم خلال اغارته علي البصرة، كما أحرق مسجدها الجامع.

كتب ابن كثير في أحداث تلك السنة - 257 - قائلا:

«و في ليلة الرابع عشر من شوال من هذه السنة - 257- كسف القمر و غاب أكثره، و في صبيحة هذا اليوم دخل الجيش الخبيث الزنجي الي البصرة قهرا، فقتل من أهلها خلقا و هرب نائبها بغراج و من معه، و أحرقت الزنج جامع البصرة و دورا كثيرة، و انتهبوها، ثم نادي فيهم ابراهيم بن المهلبي، أحد أصحابه الزنجي الخارجي: من أراد الأمان فيلحضر، فاجتمع عنده خلق كثير من أهل البصرة، فرأي أنها فرصة، فغدر بهم، و أمر بقتلهم، فلم يفلت منهم الا الشاذ.

كانت الزنج تحيط بجماعة من أهل البصرة، ثم يقول بعضهم لبعض: كيلو، و هي الاشارة بينهم الي القتل، فيحملون عليهم بالسيوف. فلا يسمع الا قول: أشهد أن لا اله الا الله، و من اولئك المقتولين و ضجيجهم عند القتل - أي صراخ الزنج و ضحكهم - فانا لله و انا اليه راجعون، و هكذا كانوا يفعلون في كل محال البصرة، في عدة أيام نحسات، و هرب منهم كل مهرب، و حرقوا الكلأ من الجبل الي الجبل، فكانت النار تحرق ما وجدت من شي ء من انسان أو بهيمة أو أثار أو غير ذلك، و أحرقوا المسجد الجامع، و قد قتل في هؤلاء جماعة كثيرة من الأعيان و الأدباء و الفضلاء و المحدثين و العلماء، فانا لله و انا اليه راجعون» [1] .

و قال ابن أبي الحديد:

«و استخفي من سلم من أهل البصرة في آبار الدور؛ و لم يقدروا علي شي ء منها،



[ صفحه 281]



فكانوا يظهرون ليلا فيطلبون الكلاب فيذبحونها و يأكلونها، و الفأر و السنانير، فأفنوها حتي لم يقدروا علي شي ء منها، فصاروا اذا مات الواحد منهم أكلوه، فكان يراعي بعضهم موت بعض، و من قدر علي صاحبه قتله و أكله، و عدموا مع ذلك الماء. و ذكر عن امرأة منهم: أنها حضرت امرأة قد احتضرت، و عندها اختها، و قد احتوشوها ينظرون أن تموت، فيأكلوا لحمها، قالت المرأة: فما ماتت حسناء حتي ابتدرناها، فقطعنا لحمها فأكلناه، و لقد حضرت اختها و نحن علي شريعة عيسي بن حرب و هي تبكي، و معها رأس الميت فقال لها قائل: ويحك مالك تبكين؟

فقالت اجتمع هؤلاء علي اختي، فما تركوها تموت حسناء حتي قطعوها، و ظلموني فلم يعطوني من لحمها شيئا الا الرأس، و اذا هي تبكي شاكية من ظلمهم لها في اختها» [2] .


پاورقي

[1] البداية و النهاية ج 11، ص 28.

[2] شرح نهج البلاغة ج 8، ص 150.