بازگشت

المقدمة


الحمد لله رب العالمين، و سلامه علي عباده المصطفين محمد و آله الميامين.

و بعد: ان البحث في سيرة الأئمة المعصومين عليهم السلام باعتبارهم قادة رساليين و قدوة حسنة تتمثل بهم خصائص العظمة و الاستقامة، يعكس دورهم الايجابي في تحريك طاقات الأمة باتجاه الوعي الرسالي للشريعة، و تعميق حركة الاسلام الأصيل في وجدانها، و حماية الرسالة من حالة التردي بالوقوف في وجه التيارات الفكرية المنحرفة.

و يقابل ذلك البحث في سيرة الزعامات المعاصرة لهم عليهم السلام التي نقرأ فيها الوجه المشوه للرسالة علي المستوي النظري و التطبيقي، علي الرغم من تماهي أصحاب السلطة و الصولجان في كتابة تاريخهم و اغداقهم أسخي الهبات علي كتابهم و شعرائهم.

من هنا كان نصيب السيرة الأولي الخلود و السمو و المجد رغم اقصاء رموزها المعصومين عليهم السلام عن مركزهم في زعامة الأمة، و رغم كونهم ملاحقين و معزولين عن قواعدهم و شهداء في نهاية المطاف، و كان نصيبهم أيضا أن تمسكت بهم غالبية الأمة و منحتهم كل مظاهر التبجيل و الثناء و الود و الثقة، لا لأنهم من أبناء الرسول صلي الله عليه و آله لأن المنتسبين اليه كثيرون، بل لما تستشعره الأمة من سيرتهم الغنية بالعطاء و دورهم المشرق في كل اتجاه، ذلك لأن الأمة لا تمنح ثقتها و حبها اعتباطا، يقول الامام الكاظم عليه السلام لهارون الرشيد: «أنا امام



[ صفحه 8]



القلوب، و أنت امام الجسوم» [1] .

و نحن مع امامنا الحادي عشر عليه السلام نستشعر تمسك الأمة بالامام و عظم محبته في قلوبهم و هيبته في نفوسهم في عدة مواقف لعل أبرزها حينما اشخص العسكري مع أبيه عليهماالسلام من مدينة جدهم صلي الله عليه و آله الي عاصمة الملك سامراء بأمر المتوكل، فقد روي المؤرخون و المحدثون عن يحيي بن هرثمة و هو المكلف باشخاص الامام عليه السلام أنه قال: «فذهبت الي المدينة، فلما دخلتها ضج أهلها ضجيجا عظيما ما سمع الناس بمثله... و قامت الدنيا علي ساق...» [2] و حينما نعاه الناعي ابان شهادته «صارت سامراء ضجة واحدة: مات ابن الرضا... و عطلت الأسواق، و ركب سائر الناس الي جنازته، فكانت سامراء يومئذ شبيها بالقيامة» [3] و لم يكن ذلك الا لشعور الأمة بعطاء الامام عليه السلام و دوره الفعال في حماية الرسالة، الأمر الذي جعل حتي أعداءه من رجال البلاط يذعنون بفضله و هديه، و منهم وزير المعتمد عبيدالله بن خاقان الذي قال لابنه أحمد عامل الخراج و الضياع في قم في اشارة الي الامام العسكري عليه السلام: «يا بني لو زالت الامامة عن خلفائنا بني العباس ما استحقها أحد من بني هاشم غيره لفضله و عفافه و هديه و صيانته و زهده و عبادته و جميل أخلاقه و صلاحه» [4] .

و لا ريب أن عطاءات الامام العسكري عليه السلام و الأدوار التي قام بها علي



[ صفحه 9]



مستوي الرسالة، تمتاز بالخصوصية و الاستثناء نظرا للمقطع الزماني الخطير الذي عاشه عليه السلام و الذي يتمثل في شدة السلطان و امعانه في عزل الامام و مراقبة حركاته و سكناته، بل و لجوئه الي شتي وسائل القمع لانهائه و الاجهاز عليه و الحاقه بمن سبقه من سلالة هذا البيت الكرام عليهم السلام، و ذلك لكونه والد الامام الحجة عليهماالسلام الذي عرفوا بما اثر عندهم من الأحاديث و الآثار أنه يقيم دولة الحق و يقوض اسس الباطل، و يملأ الأرض عدلا و قسطا بعد ما ملئت جورا و ظلما.

قال الامام العسكري عليه السلام: «زعموا أنهم يريدون قتلي ليقطعوا هذا النسل، و قد كذب الله قولهم، و الحمد لله» [5] لقد ظنوا أنهم يستطيعون النيل من حجة الله المودع بعين الله و حفظه، فخيب الله ظنهم.

و رغم الظروف السياسية الحالكة استطاع امامنا العسكري عليه السلام أن يقدم للامة عطاء واسعا، و يمثل دورا فاعلا في ايصال سنن جده المصطفي صلي الله عليه و آله و آبائه المعصومين عليهم السلام أن يعد جيشا عقائديا و طليعة واعية تؤمن بالغيبة كمبدأ عقائدي أصيل يعيش في وجدانها، و تمكن بالاشراف علي شيعته عن طريق التواقيع و المراسلات و الوكلاء أن يخطط لسلوكها و يحمي وجودها و ينمي و عيها و يمدها بكل الأساليب التي تساعد علي صمودها و ارتقائها الي مستوي الحاجة الاسلامية.

و تمكن الامام العسكري عليه السلام من انقاذ الامة من حالة التعثر في مهاوي الضلال و التيه، عن طريق مقاومة الفكرية المنحرفة عن الجادة و جس مواقع تأثيرها و تشخيصها و هي في بدايتها تقديرا لشدة مضاعفاتها و تخطيطا



[ صفحه 10]



للقضاء عليها، و لعل خير مصاديق ذلك هو اهتمام الامام العسكري عليه السلام بمشروع كتاب يصنفه الكندي حول متناقضات ادعاها في القرآن الكريم، اذ اتصل به عن طريق بعض المنتسبين الي مدرسته، فاحبط المحاولة و أقنع مدرسة الكندي بأنها علي خطأ. [6] .

و سنعيش مع فصول هذا الكتاب السبعة أدوارا اخري و عطاءات كثيرة امتدت منذ نشأة الامام عليه السلام حتي وفاته في سامراء شهيدا و شاهدا علي الأمة بعد سنين من المحنة و فصول من الجهاد.

و لسنا ندعي هنا بأننا قد أحطنا بكل جوانب حياة هذا الامام الهمام و سيرته المعطاء، و لكنا قدمنا جهدا متواضعا نرجو أن يفي بعض الحق الذي في أعناقنا لأئمتنا الهداة الميامين، سائلين المولي العزيز أن يسدد خطانا، و يلهمنا الصواب في القول و العمل، و منه تعالي نستمد العون و التوفيق، و هو من وراء القصد.



[ صفحه 11]




پاورقي

[1] ينابيع المودة / 30: 120.

[2] تذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي: 322 - مؤسسة أهل البيت عليهم السلام - بيروت.

[3] اكمال الدين / الشيخ الصدوق: 43 - المقدمة - جماعة المدرسين - قم.

[4] اكمال الدين: 41 - المقدمة.

[5] اكمال الدين: 407 - باب 38.

[6] راجع: المناقب / ابن شهرآشوب 4: 457 - دار الأضواء - بيروت - 1421 ه.