بازگشت

نفوذ الأتراك و ضعف العباسيين


تميز هذا العصر بغلبة الأتراك و الفراغنة و المغاربة و غيرهم من الموالي و تدخلهم في مقاليد الحكم، و كان أول ذلك في عصر المعتصم الذي اعتني منذ توليه الحكم سنة 218 ه، باقتناء الترك، فبعث الي سمرقند و فرغانة و النواحي في شرائهم، و بذل فيهم الأموال، و ألبسهم أنواع الديباج و مناطق الذهب، فكانوا يطردون خيلهم في بغداد و يؤذون الناس، و ضاقت بهم البلد، فاجتمع اليه أهل بغداد و قالوا: ان لم تخرج عنا بجندك حاربناك، فكان سبب بنائه سر من رأي و تحوله اليها سنة: 220 و قيل: 221 ه. [1] .

و بعد ذلك ازداد نفوذ الأتراك في عاصمة العسكر سامراء، و تسنموا



[ صفحه 14]



مناصب هامة كولاة و عمال و قادة جيش، و منهم بغا الكبير، و ابناه موسي و محمد، و بابكيال، و ياركوج، و اذ كو تكين، و بغا الصغير الشرابي، و وصيف بن باغر و غيرهم. و بعد عصر المتوكل ازدادت سيطرتهم علي مقاليد الحكم فأهانوا الخلفاء العباسيين و سلبوا ارادتهم، و تدخلوا في شؤون الملك، و تلاعبوا ببيوت الأموال، و انتهكوا مصالح الامة و مقدراتها: فقد قتلوا المتوكل و المهتدي، و خلعوا المعتز و المؤيد ابني المتوكل من ولاية العهد، و استخلفوا للمستعين، و استولوا علي الأموال في عهده، و قاتلوه حين غضب عليهم، فاعتصم ببغداد و بايغوا للمعتز من بعده.

قال ابن طقطقا: كان الأتراك قد استولوا منذ قتل المتوكل علي المملكة، و استضعفوا الخلفاء، فكان الخليفة في يدهم كالأسير ان شاءوا أبقوه، و ان شاءوا خلعوه، و ان شاءوا قتلوه. [2] .

و قد وصف بعض الشعراء الحالة التي انتهت اليها الخلافة العباسية في زمن المستعين الذي ليس له حول و لا قوة مع امراء الجند الأتراك و منهم و صيف و بغا بقوله:



خليفة في قفص

بين و صيف و بغا



يقول ما قال له

كما تقول الببغا [3] .



و من مظاهر سيطرة امراء الأتراك علي جميع أفراد الدولة بما فيهم الخليفة في زمان المعتز بالله، ما ذكره اليعقوبي في تاريخه حوادث سنة 255 ه، قال: وثب



[ صفحه 15]



صالح بن وصيف التركي علي أحمد بن اسرائيل الكاتب وزير المعتز، و علي الحسن بن مخلد صاحب ديوان الضياع، و علي عيسي بن ابراهيم بن نوح و علي ابن نوح، فحبسهم و أخذ أموالهم و ضياعهم و عذبهم بأنواع العذاب، و غلب علي الأمر، فهم المعتز بجمع الأتراك، ثم دخل اليه فأزاله من مجلسه، و صير في بيت، و أخذ رقعته بخلع نفسه، و توفي بعد يومين، و صلي عليه المهتدي. [4] .


پاورقي

[1] تاريخ الخلفاء / السيوطي: 259، معجم البلدان / ياقوت الحموي - المجلد الثالث: 10 - 13 - (مدينة سامراء) دار احياء التراث العربي - بيروت - 1417 ه.

[2] الفخري في الآداب السلطانية / ابن الطقطا: 243، نشر الشريف الرضي، قم.

[3] تاريخ الخلفاء / السيوطي: 278.

[4] تاريخ اليعقوبي 2: 504، سير أعلام النبلاء / الذهبي 12: 535 - مؤسسة الرسالة - بيروت - 1419 ه.