بازگشت

تردي الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية


كان نتيجة اضطراب السلطة و ضعفها و سوء ادارتها أن تركزت الثروات بيد قلة من أبناء الاسرة الحاكمة و المتنفذين في السلطة، فتفشي التفاوت الطبقي بين أبناء الأمة تبعا للولاء و القرب و البعد من البلاط و حاشيته، فهناك قلة متخمة تستأثر برأس المال و الثراء الفاحش و تبدده في حياة البذخ و الترف لاشباع شهواتهم و ملاذهم، و غالبية مسحوقة تعيش حياة البؤس و الفقر و الحرمان، و تنهكها النزاعات و الحروب، و تئن تحت وطأة الغلاء و فتك الأوبئة و مختلف الامراض و الكوارث الطبيعية التي ازدادت في هذا العصر، مما ترك آثارا و خيمة علي بنية المجتمع و سلوك أفراده.

فمن تداعيات الحروب الداخلية و علي رأسها ثورة الزنج (255 - 270 ه) التي أثارت الخوف و الجوع و استهلكت الأموال و الأنفس و الثمرات، أن ارتفعت الأسعار و اشتدت المجاعة في سائر ديار الاسلام، و قلت البضاعة، و هجر بعض الناس بلدانهم طلبا للقمة العيش.

فذكروا في حوادث سنة 251 ه أنه بلغ سعر الخبز في مكة ثلاثة أواق بدرهم. و اللحم رطل بأربعة دراهم، و شربة الماء بثلاثة دراهم. [1] .

و في حوادث سنة 251 و 252 ه نتيجة الحرب التي دارت رحاها بين المعتز و المستعين علي كرسي الخلافة شمل أهل بغداد الحصار و الغلاء بالأسعار و اجتمع



[ صفحه 22]



علي الناس الخوف و الجوع. [2] .

و قال اليعقوبي في حوادث سنة 252 ه: و غلت الأسعار ببغداد و سر من رأي حتي كان القفيز بمائة درهم، و دامت الحروب، و انقطعت الميرة، و قلت الأموال. [3] .

و ذكر الطبري و غيره في حوادث سنة 260 ه أنه في هذه السنة اشتد الغلاء في عامة بلاد الاسلام، فانجلي عن مكة من شدة الغلاء من كان بها مجاورا الي المدينة و غيرها من البلدان، و رحل عنها عاملها الذي كان بها مقيما و هو بريه، و ارتفع السعر ببغداد، فبلغ الكر الشعير عشرين و مائة دينار، و الحنطة خمسين و مائة، و دام ذلك شهورا. [4] .

أما الأمراض و الأوبئة التي غالبا ما تكون من افرازات الحروب و تردي الأوضاع الاقتصادية، فقد تحدث عنها المؤرخون كثيرا في هذا العصر. قال السيوطي مشيرا الي أيام المعتمد (256 - 279): و في أيامه دخلت الزنج البصرة و أعمالها و أخربوها و بذلوا السيف و أحرقوا و خربوا و سبوا، و جري بينهم و بين عسكره عدة وقعات... و أعقب ذلك الوباء الذي لا يكاد يتخلف عن الملاحم بالعراق، فمات خلق لا يحصون. [5] .

و يبدو أنه قد بلغ التدهور أوجه في أيام المعتمد، ففي حوادث سنة 258 ه



[ صفحه 23]



يقول ابن كثير و غيره: و فيها وقع في الناس و باء شديد و موت عريض ببغداد و سامراء و واسط و غيرها من البلاد، و حصل للناس ببغداد داء يقال له القفاع. [6] .

و يقول اليعقوبي: وقع فيها و باء بالعراق، فمات خلق من الخلق، و كان الرجل يخرج من منزله فيموت قبل أن ينصرف، فيقال انه مات ببغداد في يوم واحد اثناعشر ألف انسان. [7] .


پاورقي

[1] الكامل في التاريخ 6: 181، البداية و النهاية 11: 10.

[2] البداية و النهاية 11: 9.

[3] تاريخ اليعقوبي 2: 499.

[4] تاريخ الطبري 9: 510، الكامل في التاريخ 6: 248، سير أعلام النبلاء 12: 543، البداية و النهاية 11: 31.

[5] تاريخ الخلفاء / السيوطي: 282.

[6] البداية و النهاية 11: 30، الكامل في التاريخ 6: 238.

[7] تاريخ اليعقوبي 2: 510.