بازگشت

الثورات الشعبية و الحركات المتطرفة


تعددت الثورات الشعبية التي قادها الطالبيون ضد الدولة العباسية من جهة، و تنامت الحركات المتطرفة التي عصفت بالأمة من جهة أخري، مما نجم عنه ازهاق نفوس كثيرة، و تبديد ثروات طائلة، مع هدر الطاقات و فقدان الأمن، و شيوع حالة الفوضي و الاضطراب.

أما عن الثورات و الانتفاضات الشعبية التي انطلقت في هذا العصر لتقف بصلابه في وجه الحكم العباسي، فقد تزعمها الطالبيون، و كانت من افرازات تردي الأحوال العامة و القهر و الاستبداد و الطغيان و الجور التي عمت آثارها علي الامة بشكل عام و علي الطالبيين بشكل خاص؛ لأنهم يعانون من شدة الوضع العام، و من السياسة العباسية القاضية باضطهادهم و مطاردتهم و اتباع



[ صفحه 27]



شتي وسائل الضغط عليهم، فكانت واعزا يحفز الثوار منهم علي الخروج المسلح بين آونة و اخري.

و قد تعرضوا في زمان المتوكل لمحنة عظيمة، اذ فرض عليهم حصارا جائرا، و استعمل لهذا الغرض عمر بن الفرج الرخجي، فمنعهم من التعرض لمسألة الناس و منع الناس من البر بهم، فكان لا يبلغه أن أحد أبر أحدا منهم بشي ء الا أنهكه عقوبة و أثقله غرما، حتي كان القميص يدور بين جماعة من العلويات يصلين فيه واحدة بعد أخري. [1] .

و تعرض الكثير من آل أبي طالب في هذه الفترة لشتي أنواع الاضطهاد و التنكيل، و انزلت فيهم أقصي العقوبات، فتفرق كثير منهم في النواحي كي يتواروا عن الأنظار أو يعلنوا الثورة المسلحة ضد الدولة، و شرد بعضهم من المدينة الي سامراء، و أودع بعضهم السجون حتي ماتوا فيها أو سموا، هذا فضلا عمن قتلوا علي أيدي قادة العباسيين و رجال دولتهم كموسي بن بغا و علي بن أوتامش و صالح بن وصيف و سعيد الحاجب و غيرهم، مما سنشير اليه في الفصل الثاني.

و قد تضمنت كتب التاريخ أسماء ثمانية عشر ثائرا من الطالبيين في أقل من ثلاثين سنة (232 - 260 ه) و هو عدد يشير الي حجم معاناة الطالبيين و مدي الحيف و الظلم الذي لحقهم علي أيدي السلطات، و الا لما تطلب جميع هذه



[ صفحه 28]



التضحيات الجسام. [2] .

و أما عن الحركات المتطرفة التي ظهرت هي هذا العصر، فتتمثل بحركة الزنج (255 - 270 ه) التي كانت من أشد الحركات المتطرفة التي عصفت بالحكم العباسي، فضلا عن عدم مراعاة تلك الحركة لمثل الاسلام و قيمه العليا، نظرا لما قامت به تلك الحركة من انتها كانت خطيرة بحيث حرقت فيها حتي دور العبادة كالمساجد و الجوامع فضلا عن القتل الذريع و سبي النساء و فعل كل قبيح.

و كان صاحب الزنج من الأدعياء الذين زعموا الانتساب الي الذرية الطاهرة في حين اجمع العلماء علي كذبه و دجله و أنه دعي لا غير. [3] .

و يؤيد ذلك ما كتبه الامام العسكري عليه السلام الي محمد بن صالح الخثعمي في خصوص فرية صاحب الزنج، حيث بين عليه السلام في كتابه كذب هذا المفتري، اذ



[ صفحه 29]



جاء في الكتاب: «صاحب الزنج ليس من أهل البيت». [4] و في هذا دليل قاطع علي كذب و افتراء صاحب الزنج لعنه الله في انتسابه الي الذرية الطاهرة.

و من تلك الحركات المتطرفة التي عبثت كثيرا، هي حركة الخوارج الشراة الذين زعموا أنهم شروا الآخرة بالدنيا! فشنوا حربا شعواء علي كل من خالفهم الرأي لا يفرقون في هذا بين العباسيين و غيرهم، و كانوا صورة لاسلافهم الذين مرقوا من الدين كما يمرق السهم من الرمية.

و قد ظهروا في هذا العصر في الموصل سنة 248 ه و قويت شوكتهم حتي وصلوا قرب العاصمة سامراء، و اشتبكوا مع العباسيين في معارك طاحنة، و استولوا علي مناطق كثيرة من السواد، مما ترك هذا أثره البالغ في تدهور الأمن و ضياع الهدوء و الاستقرار. [5] .



[ صفحه 31]




پاورقي

[1] مقاتل الطالبيين: 396.

[2] راجع أسماء الثائرين (الثمانية عشر) علي بني العباس في تلك الفترة في تاريخ الطبري 6: 158 و 204 و 227 و 238 و 246 و 336، و تاريخ اليعقوبي 2: 497 و 506، و مروج الذهب 4: 406 - 410 و 424 و 428 - 429، و مقاتل الطالبيين: 397 و 406 و 419 - 424 و 429 - 432 و 435، و الفخري في الآداب السلطانية: 240، و الكامل في التاريخ 6: 107 و 156 - 158 و 161 و 179 - 181 و 192 و 213 و 226 - 227 و 242، و البداية و النهاية 10: 314 و 11: 5 - 6 و 9 و 12 و 15 - 16 و 24 و 30.

[3] راجع أخبار ثورة الزنج في: مروج الذهب / المسعودي 4: 438، تاريخ الخلفاء / السيوطي: 282، تاريخ اليعقوبي 2: 507، الفخري في الآداب السلطانية: 250، البداية و النهاية 11: 18 و ما بعدها، و أحداث سنة 255 - 270 في تاريخ الطبري و الكامل و سائر التواريخ.

[4] المناقب / ابن شهرآشوب 4: 462 - دار الأضواء - بيروت - ط 1 - 1421 ه.

[5] راجع حركة الخوارج تلك في: تاريخ اليعقوبي 2: 497 و 502، و الكامل في التاريخ 6: 186 و 190 و 195 و 205 و 212 و 219، و 234 و 272 و 345 و 346، و البداية و النهاية 11: 22 و 30.