بازگشت

الامام و السلطة


علي الرغم من الضعف الذي انتاب هيكل الخلافة في هذا العصر، و الانحلال الذي بدأ يستشري في أوصال الدولة العباسية، فقد بقي العباسيون علي نفس المنوال الذي سار عليه أسلافهم ابان عصر القوة و الازدهار في التصدي لمدرسة الأئمة عليهم السلام و شيعتهم و النكاية بهم؛ ذلك لأن علاقة الحاكم بالامام تقوم علي أساس ثابت، و هو الخوف من نشاط الامام و دوره الايجابي في الحياة الاسلامية، و الشعور بخطورة هذا الدور حتي وصل لدي الزعامات العباسية في هذه الفترة الي درجة الرعب، فطوقوا الامام بحصار شديد و رقابة صارمة عليه، و تربصوا به و بأصحابه، و أخيرا تآمروا علي حياته فسقط شهيدا في محراب الجهاد و لما يبلغ الثلاثين.

كان العباسيون يعيشون أوضاعا سلبية علي مستوي الالتزام الديني، و قدم غالبيتهم نموذجا سيئا في هذا الاتجاه، فكانوا يضيقون ذرعا بأي امام من معاصريهم، لما يتمتع به من سمو المكارم و من شخصية علمية و روحية فذة تجتذب مختلف أوساط الامة، التي تري في الامام الممثل الحقيقي لسيرة السلف الصالح و المصداق الأصيل لرسالة السماء، و عندما تري تلك الأوساط تذمر



[ صفحه 32]



الامام في مواقفه تجاه السلطة و عدم رضاه عنها تزداد تمسكا به، و من هنا يبرز تخوف السلطة من الانقلاب علي نظامها لمصلحة خط الامامة، الأمر الذي تحرص معه علي ربط الامام بالجهاز الحاكم و تقريبه بشتي الوسائل؛ كالسجن كما فعل الرشيد مع الامام الكاظم عليه السلام، أو ولاية العهد كما فعل المأمون مع الامام الرضا عليه السلام، أو الحجز و الحصار كما فعل العباسيون من المعتصم الي المعتمد مع الامام الجواد و الهادي و العسكري عليهم السلام و ذلك لدوام مراقبة الامام و تحديد حركته و فصله عن أتباعه و مواليه و محبيه المؤمنين بمرجعيته الفكرية و الروحية.

لقد رافق الامام العسكري عليه السلام أباه في رحلته المضنية من المدينة المنورة الي سامراء و لما يزل صبيا، و ذلك حينما استدعي الامام الهادي عليه السلام من قبل المتوكل الي عاصمة البلاط العباسي آنذاك، ليكون محجوزا و مراقبا و معزولا عن قاعدته العريضة، و بعد أن وافاه الأجل في سنة (254 ه) استمر العباسيون بسياستهم تلك تجاه الامام العسكري عليه السلام و كما يلي: