بازگشت

الدعاء علي أعدائهم


و قد ذكرنا آنفا أنه عليه السلام كان يرفدهم بالدعاء في أحرج الظروف و أحوجها، و من ذلك الدعاء الذي رواه عبدالله بن جعفر الحميري، قال: كنت عند مولاي أبي محمد الحسن بن علي العسكري صلوات الله عليه، اذ وردت اليه رقعة من الحبس من بعض مواليه، يذكر فيها ثقل الحديد و سوء الحال و تحامل السلطان، فكتب اليه: «يا عبدالله، ان الله عز و جل يمتحن عباده ليختبر صبرهم، فيثيبهم علي ذلك ثواب الصالحين، فعليك بالصبر، و اكتب الي الله عز و جل رقعة و انفذها الي مشهد الحسين بن علي صلوات الله عليه، و ارفعها عنده الي الله عز و جل، و ادفعها حيث لا يراك أحد، و اكتب في الرقعة» ثم أورد دعاء طويلا كان منه قوله عليه السلام: «اللهم اني قصدت بابك، و نزلت بفنائك، و عتصمت بحبلك، و استغثت بك، و استجرت بك، يا غياث المستغيثين أغثني، يا جار المستجيرين أجرني، يا اله العالمين خذ بيدي، انه قد علا الجبابرة في



[ صفحه 42]



أرضك، و ظهروا في بلادك، و اتخذوا أهل دينك خولا، و استأثروا بفي ء المسلمين، و منعوا ذوي الحقوق حقوقهم التي جعلتها لهم، و صرفوها في الملاهي و المعازف، و استصغروا آلاءك، و كذبوا أولياءك، و تسلطوا بجبريتهم ليعزوا من أذللت، و يذلوا من أعززت، و احتجبوا عمن يسألهم حاجة، أو من ينتجع منهم فائدة...». [1] .

و في هذا الدعاء يشير الامام العسكري عليه السلام الي مظاهر الفوضي و الفساد و الظلم التي طبعت الحياة السياسية آنذاك، فذكر استئثار رجالات السلطة بفي ء المسلمين، و منعهم ذوي الحقوق حقوقهم التي جعلها الله لهم، و تبديدها في أسباب اللهو علي حساب فقر الفقراء و المصالح التي تفوت بذلك.

و من دعاء طويل له عليه السلام علي موسي بن بغا الذي شكاه أهل قم لجوره و ظلمه، قال عليه السلام: «اللهم و قد شملنا زيغ الفتن، و استولت علينا غشوة الحيرة، و قارعنا الذل و الصغار، و حكم علينا غير المأمونين في دينك، و ابتز امورنا معادن الابن [2] ممن عطل حكمك، و سعي في اتلاف عبادك، و افساد بلادك.

اللهم و قد عاد فيئنا دولة بعد القسمة، و امارتنا غلبة بعد المشورة، و عدنا ميراثا بعد الاختيار للامة، فاشتريت الملاهي و المعازف بسهم اليتيم



[ صفحه 43]



و الأرملة، و حكم في أبشار المؤمنين أهل الذمة [3] ، و ولي القيام بامورهم فاسق كل قبيلة، فلا ذائد يذودهم عن هلكة، و لا راع ينظر اليهم بعين الرحمة، و لا ذو شفقة يشبع الكبد الحري من مسغبة، فهم أولو ضرع بدار مضيعة، و اسراء مسكنة و حلفاء كآبة و ذلة.

اللهم و قد استحصد زرع الباطل، و بلغ نهايته، و استحكم عموده، و استجمع طريده، و خذرف وليده، و بسق فرعه، و ضرب بجرانه، اللهم فأتح له من الحق يدا حاصدة تصرع قائمه، و تهشم سوقه، و تجب سنامه، و تجدع مراغمه، ليستخفي الباطل بقبح صورته، و يظهر الحق بحسن حليته...». [4] .


پاورقي

[1] بحارالأنوار / المجلسي 102: 238 / 5 عن الكتاب العتيق للغروي - المكتبة الاسلامية.

[2] الابن: جمع ابنة، الحقد و العداوة و العيب.

[3] قد يقال: ان الخلفاء في هذا العصر خصوصا المتوكل قد فرضوا قيودا صارمة علي أهل الذمة، لكن المتصفح لكتب التاريخ يري أنهم يشكلون جزءا مهما من جيوش الخلافة، و بعضهم كانوا ذوي مناصب عالية في الجيش، منهم أبوالعباس الوارثي النصراني، الذي وجهه بغا الي أرمينية. راجع: الكامل في التاريخ: 116، و منهم صاعد بن مخلد النصراني كاتب الموفق و وزير المعتمد. راجع: سير أعلام النبلاء 13: 326 / 149.

[4] مهج الدعوات لابن طاوس: 67 - طهران - 1323 ه، بحارالأنوار 85: 229 / 1.