بازگشت

مداهمة دار الامام


تقوم أجهزة السلطة بذرائع مختلفة بالتفتيش المفاجئ لدار الامام الهادي عليه السلام في سامراء، و علي رأسها الوشايات التي ترتفع الي المتوكل من النواصب المحيطين به، فتثير في نفسه كوامن الخوف و الشك و الحقد التي اشتملت علي كيانه و أحاطت جوانبه، فيأمر بكبس داره، و في كل حوادث الدهم التي تعرضت لها دار الامام يرجع المأمورون و بالتالي الوشاة بالخيبة و الفشل الذريعين، لأنهم لم يجدوا شيئا مريبا و لا أي نشاط غريب، و ليس ثمة الا الامام عليه السلام و هو يتلو القرآن أو يقيم الصلاة.

عن ابراهيم بن محمد الطاهري - في حديث طويل - قال: «سعي البطحاني [1] بأبي الحسن عليه السلام الي المتوكل، و قال: عنده سلاح و أموال، فتقدم المتوكل الي سعيد الحاجب أن يهجم ليلا عليه، و يأخذ ما يجده عنده من الأموال و السلاح و يحمله اليه. قال ابراهيم: فقال لي سعيد الحاجب: صرت الي



[ صفحه 59]



دار أبي الحسن بالليل، و معي سلم، فصعدت منه الي السطح، و نزلت من الدرجة الي بعضها في الظلمة، فلم أدر كيف أصل الي الدار، فناد اني أبوالحسن من الدار: يا سعيد، مكانك حتي يأتوك بشمعة، فلم ألبث أن أتوني بشمعة، فنزلت فوجدت عليه جبة صوف و قلنسوة منها، و سجادته علي حصير بين يديه، و هو مقبل علي القبلة. فقال لي: دونك البيوت، فدخلتها و فتشتها فلم أجد فيها شيئا...». [2] .

و مرة اخري وشي بالامام عليه السلام الي المتوكل، فأرسل الأتراك علي حين غرة الي دار الامام، و قد أمرهم هذه المرة بحمله عليه السلام اليه حتي و ان لم يجدوا ما يثير الريبة و الاستغراب، ذلك لأنه كان عازما علي الاستخفاف بالامام عليه السلام بطرق اخري أمام ندمائه حينما لم يجد متسعا لتنفيذ رغباته عن طريق سعاية الوشاة، و ما كان يتوقع أن الامام عليه السلام سوف يصفعه بعظات نزلت كالصاعقة علي أسماعه و أسماع ندمائه، لأنها تصور ما سيؤول اليه أمره و أمر أمثاله من الطغاة عبيد الأهواء و الشهوات.

روي المسعودي بالاسناد عن محمد بن يزيد المبرد، قال: «قد كان سعي بأبي الحسن علي بن محمد الي المتوكل، و قيل له: ان في منزله سلاحا و كتبا و غيرها من شيعته، فوجه اليه ليلا من الاتراك و غيرهم من هجم عليه في منزله علي غفلة ممن في داره، فوجده في بيت وحده مغلق عليه، و عليه مدرعة من شعر، و لا بساط في البيت الا الرمل و الحصي، و علي رأسه ملحفة من الصوف



[ صفحه 60]



متوجها الي ربه، يترنم بآيات من القرآن في الوعد و الوعيد، فأخذ علي ما هو عليه، و حمل الي المتوكل في جوف الليل، فمثل بين يديه و المتوكل يشرب و في يده كأس، فلما رآه أعظمه و أجلسه الي جنبه، و لم يكن في منزله شي ء مما قيل فيه و لا حالة يتعلل عليه بها، فناوله المتوكل الكأس الذي في يده، فقال: يا أميرالمؤمنين، ما خامر لحمي و دمي قط فاعفني منه، فعفاه، و قال: انشدني شعرا استحسنه، فقال: اني قليل الرواية للأشعار. فقال: لابد أن تنشدني. فأنشده:



باتوا علي قلل الأجبال تحرسهم

غلب الرجال فما أغنتهم القلل



و استنزلوا بعد عز من معاقلهم

و أسكنوا حفرا يا بئس ما نزلوا



ناداهم صارخ من بعد ما قبروا

أين الأسرة و التيجان و الحلل



أين الوجوه التي كانت منعمة

من دونها تضرب الأستار و الكلل



فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم

تلك الوجوه عليها الدود يقتتل



قد طالما أكلوا دهرا و ما شربوا

فأصبحوا بعد طول الاكل قد اكلوا



[ صفحه 61]



و طالما عمروا دورا لتحصنهم

ففارقوا الدور و الأهلين و انتقلوا



و طالما كنزوا الأموال و ادخروا

فخلفوها علي الأعداء و ارتحلوا



أضحت منازلهم قفرا معطلة

و ساكنوها الي الأجداث قد نزلوا



قال: فأشفق كل من حضر علي علي، و ظن أن بادرة تبدر منه اليه، قال: و الله لقد بكي المتوكل بكاء طويلا حتي بلت دموعه لحيته، و بكي من حضره، ثم أمر برفع الشراب، ثم قال له: يا أباالحسن، أعليك دين؟ قال: نعم، أربعة آلاف دينار، فأمر بدفعها اليه ورده الي منزله من ساعته مكرما». [3] .


پاورقي

[1] في الكافي: البطحائي العلوي: و هو يشير الي أن الدولة تستعمل الضد النوعي للتجسس علي الامام، الامر الذي تمارسه حكومات الطغيان و الاستبداد في هذا الزمان.

[2] أصول الكافي 1: 499 / 4 باب مولد أبي الحسن علي بن محمد عليه السلام من كتاب الحجة، الارشاد 2: 303، الخرائج و الجرائح 1: 676 / 8.

[3] مروج الذهب 4: 367 - 368، و راجع أيضا: تذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي 322 - مؤسسة أهل البيت - بيروت - 1401 ه، البداية و النهاية 11: 15، و فيات الأعيان / لابن خلكان 3: 272 - منشورات الرضي - قم، الائمة الاثنا عشر عليهم السلام لابن طولون: 107 - منشورات الرضي - قم.