هدم قبر الامام الحسين
و الاجراء التعسفي الآخر الذي أقدم عليه المتوكل، فسود به وجه التاريخ الانساني، هو أنه أمر في سنة 236 ه بهدم قبر الامام السبط الشهيد الحسين عليه السلام، و قد بعث رجلا من أصحابه يقال له الديزج، و كان يهوديا فأسلم، الي قبر الحسين عليه السلام، و أمره بكرب القبر و محوه و اخراب كل ما حوله، فمضي لذلك و خرب ما حوله، و هدم البناء، و كرب ما حوله نحو مائتي جريب،
[ صفحه 62]
ثم أمر أن يبذر و يزرع، و وكل به مسالح بين كل مسلحتين ميل، فلا يزوره زائر الا أخذوه و وجهوا به اليه، فقتل عدد كبير من زواره أو انهكوا عقوبة، و نودي بالناس في تلك الناحية: من وجدناه عند قبره بعد ثلاثة أيام حبسناه في المطبق. [1] .
و جاء في بعض الأخبار: «أنه لما صار الماء فوق مكان القبر وقف و افترق فرقتين، يمينا و شمالا، و دار حتي التقي تحت المكان، و بقي الوسط خاليا من الماء، و الماء مستدير حوله، فسمي من ذلك اليوم بالحائر». [2] .
و تألم المسلمون من ذلك و كتب أهل بغداد شتم المتوكل علي الحيطان و المساجد، و هجاه الشعراء، و منهم دعبل بن علي الخزاعي (ت 246) و البسامي [3] الذي يقول:
تالله ان كانت امية قد أتت
قتل ابن بنت نبيها مظلوما
فلقد أتي بنو أبيه بمثله
هذا لعمري قبره مهدوما
[ صفحه 63]
أسفوا علي أن لا يكونوا شاركوا
في قتله فتتبعوه رميما [4] .
و لم يكتف المتوكل بالاعتداء علي المكان المقدس الذي شهد ملحمة البطولة بين معسكر الحق بقيادة سيد الشهدا عليه السلام و معسكر الباطل بقيادة يزيد ابن معاوية، بل اعتدي علي الزمان الذي بقي رمزا يختزن الشجاعة و التحدي للظلم و الطغيان علي مر الدهور، فجعل المتوكل العاشر من المحرم الحرام سنة 256 ه يوما لافتتاح مدينته التي بناها بالماحوزة، و نزوله في قصر الخلافة فيها الذي سماه اللؤلؤة، و كان يوما مشهودا يعج بأصحاب الملاهي و المطربين، فاعطي فيه و أطلق، و قيل: انه وهب فيه أكثر من ألفي ألف درهم. [5] .
پاورقي
[1] راجع: مقاتل الطالبيين: 395، الكامل في التاريخ 6: 108، تاريخ ابن الوردي 1: 216 - المطبعة الحيدرية - النجف، البداية و النهاية 315:10، تاريخ الخلفاء / السيوطي 268.
[2] بحارالأنوار 45: 403، التتمة في تواريخ الأئمة عليهم السلام / للسيد تاج الدين العاملي: 137.
[3] هو أبوالحسن، علي بن محمد بن نصر بن منصور ابن بسام، المعروف بالبسامي، أو ابن بسام، الشاعر المشهور في زمن المقتدر العباسي، و قد هجا الخلفاء و الوزراء، توفي سنة 302 ه. سير أعلام النبلاء 14: 112 / 56.
[4] سير أعلام النبلاء 12: 35، تاريخ الخلفاء / للسيوطي: 269.
[5] راجع: البداية و النهاية: 10: 347، الكامل في التاريخ 6: 130.