بازگشت

دعاء المظلوم علي الظالم


بقي المتوكل يتوجس خيفة من نشاط الامام عليه السلام الذي لم تتضح له كامل أبعاده، ففرض عليه ملازمة داره و منعه من الركوب الي أي مكان [1] ، و من ثم أمر باعتقاله، فبقي رهن الاعتقال عند علي بن كركر [2] ، و قبل مقتل المتوكل بأيام أمره أن يترجل و يمشي بين يديه يوم الفطر: و كان يوما قائظا شديد الحر، فمشي عليه السلام مع بني هاشم حتي تفصد عرقا، و كان عليه السلام لا يستطيع السير الا متكأ لمرض ألم به، فما كان من الامام عليه السلام الا أن يتوجه الي الله سبحانه بدعاء طويل



[ صفحه 67]



يكشف عما يعانيه عليه السلام و شيعته من ظلم المتوكل و عدوانه و طغيانه، و عن احساسه عليه السلام العميق بمعاناة الامة من الحيرة و الضياع و الحدود المعطلة و الأحكام المهملة و غيرها من مظاهر التردي.

روي المسعودي «أنه لما كان يوم الفطر في السنة التي قتل فيها المتوكل، أمر بني هاشم بالترجل و المشي بين يديه، و انما أراد بذلك أن يترجل له أبوالحسن عليه السلام، فترجل بنوهاشم، و ترجل عليه السلام فاتكأ علي رجل من مواليه، فاقبل عليه الهاشميون، فقالوا له: يا سيدنا، ما في هذا العالم أحد يستجاب دعاؤه فيكفينا الله! فقال لهم أبوالحسن عليه السلام: في هذا العالم من قلامة ظفره أكرم علي الله من ناقة ثمود، لما عقرت و ضج الفصيل الي الله، فقال الله: (تمتعوا في داركم ثلاثة ايام ذلك وعد غير مكذوب) [3] ، فقتل المتوكل في اليوم الثالث. و روي أنه عليه السلام قال و قد أجهده المشي: أما انه قد قطع رحمي، قطع الله أجله» [4] ، و هذا يوافق ما جاء في التاريخ، فقد قتل المتوكل في الرابع من شوال سنة 247 ه.

و جاء الخبر الذي رواه المسعودي مفصلا في رواية قطب الدين الراوندي، و السيد ابن طاوس الذي رواه في أكثر من طريق، و تضمن الدعاء الطويل الذي سماه الامام عليه السلام (دعاء المظلوم علي الظالم) قال عليه السلام: «لما بلغ مني الجهد رجعت الي كنوز نتوارثها من آبائنا، و هي أعز من الحصون و السلاح و الجنن، و هو دعاء المظلوم علي الظالم، فدعوت به عليه فأهلكه الله».



[ صفحه 68]



و فيما يلي مقطع منه يعكس لك شدة معاناة الامام عليه السلام: «اللهم انه قد كان في سابق علمك و قضائك، و ماضي حكمك و نافذ مشيئتك في خلقك أجمعين، سعيدهم و شقيهم، و فاجرهم و برهم، أن جعلت لفلان بن فلان علي قدرة فظلمني بها، و بغي علي لمكانها، و تعزز علي بسلطانه..، و تجبر علي بعلو حاله..، و غره املاؤك له، و أطغاه حلمك عنه، فقصدني بمكروه عجزت عن الصبر عليه، و تعمدني بشر ضعفت علي احتماله، و لم أقدر علي الانتصار لضعفي، و الانتصاف منه لذلي، فوكلته اليك، و توكلت في أمره عليك، و تواعدته بعقوبتك، و حذرته سطوتك، و خوفته نقمتك، فظن أن حلمك عنه من ضعف، و حسب أن املاءك له من عجز، و لم تنهه واحدة عن اخري، و لا انزجر عن ثانية باولي، و لكنه تمادي في غيه، و تتابع في ظلمه، و لج في عدوانه، و استشري في طغيانه، جرأة عليك يا سيدي، و تعرضا لسخطك الذي لا ترده عن القوم الظالمين، و قلة اكتراث ببأسك الذي لا تحبسه عن الباغين.

فها أنا يا سيدي مستضعف في يديه، مستضام تحت سلطانه، مستذل بعقابه، مغلوب مبغي علي، مقصود و جل خائف مروع مقهور، قد قل صبري، و ضاقت حيلتي، و انغلقت علي المذاهب الا اليك، و انسدت علي الجهات الا جهتك، و التبست علي اموري في رفع مكروهه عني، و اشتبهت علي الآراء في ازالة ظلمه، و خذلني من استنصرته من عبادك، و أسلمني من تعلقت به من خلقك طرا، و استشرت نصيحي فأشار علي بالرغبة اليك،



[ صفحه 69]



و استرشدت دليلي فلم يدلني الا عليك...». [5] .


پاورقي

[1] راجع: الخرائج و الجرائح 1: 396 / 3، بحارالأنوار 50: 144 / 28.

[2] راجع: المناقب لابن شهرآشوب 4: 439، الثاقب في المناقب: 536، اعلام الوري 2: 123.

[3] سورة هود: 11 / 65.

[4] اثبات الوصية: 240.

[5] مهج الدعوات: 330 - 337، بحارالأنوار 95: 234 - 240 / 30.