بازگشت

المهتدي


(255 - 256 ه)

هو محمد بن الواثق بن المعتصم، بويع بالخلافة في رجب سنة 255 ه، و قد نقل المؤرخون في ترجمته أنه كان من أحسن خلفاء بني العباس مذهبا، و أجودهم طريقة، و أكثرهم ورعا و عبادة و زهادة، و أنه اطرح الغناء و الشراب، و منع أصحاب السلطان من الظلم، و كان يجلس للمظالم، و يتقلل في مأكوله و ملبوسه. [1] .



[ صفحه 82]



و هو بهذا التصرف استطاع الترفع علي سيرة أسلافه العباسيين المعروفين بالترف و الاسراف و المجون و معاقرة الخمور و غيرها من مظاهر الانحراف، لكن ثمة فرقا بين السيرة الصالحة التي تكون و اعزا للحق و العدل و الانصاف و تمنع صاحبها عن الظلم و الجور، و السيرة التي يفتعلها صاحبها أو يتصنعها لأجل الخروج عن الاطار الشكلي الحاكم علي الخلفاء المتقدمين، و قد صرح بعض المؤرخين بأن المهتدي كان يتشبه بعمر بن عبدالعزيز [2] ، و التشبه غير التطبع.

و نقل آخر عنه أنه قال لأحد جلسائه حين سأله عما هو فيه من التقشف في الأكل، فقال: «اني فكرت في أنه كان في بني امية عمر بن عبدالعزيز، و كان من التقلل و التقشف علي ما بلغك، فغرت علي بني هاشم، فأخذت نفسي بما رأيت». [3] .

فالتزهد هنا ناتج عن غيرة لا عن طبيعة و فطرة سليمة، و بنوهاشم هنا خصوص بني العباس لا عمومهم، لأن فيهم من قال فيه تعالي: (و انك لعلي خلق عظيم) [4] و فيهم آل البيت المعصومون عليهم السلام، و يبين ذلك الخصوص في تصريحه بقول آخر: «أما تستحي بنوالعباس أن لا يكون فيهم مثل عمر بن عبدالعزيز؟!» [5] ، فكانوا يطلقون لفظ بني هاشم علي العباسيين في مقابل



[ صفحه 83]



بني أمية.

و لو كان المهتدي محمود السيرة لخالف أسلافه في التعامل مع الامام عليه السلام و أصحابه و شيعته، لكنه انتهج نفس أساليبهم، و كما يلي:


پاورقي

[1] راجع: تاريخ الخلفاء / السيوطي: 281، الكامل في التاريخ 6: 223 - 224، البداية و النهاية 11: 23، سير أعلام النبلاء 12: 535، الفخري في الآداب السلطانية: 246.

[2] الفخري في الآداب السلطانية: 246.

[3] تاريخ الخلفاء للسيوطي: 281.

[4] سورة القلم: 68 / 4.

[5] الكامل في التاريخ 6: 224.