بازگشت

مزاعم بعض المرتابين بامامة العسكري


أصر بعض المرتابين بامامة أبي محمد عليه السلام علي تبني اعتقادهم حتي بعد سماعهم النص عليه و وفاة أبي جعفر في حياة أبيه، فقالوا بامامة أبي جعفر المعروف بالسيد محمد بن الامام الهادي عليه السلام و توقفوا عنده، و اعتقد بعضهم بغيبته و هم المحمدية، و اعتقد آخرون بوفاته و امامة جعفر بن علي بعده. و هم لم يعتمدوا في ذلك سوي الأراجيف و الأباطيل التي كان يبثها ضعاف النفوس و المتربصين بالتشيع، و لم تكن لديهم في أقوالهم تلك أدني حجة أو برهان، و مما يدل علي فساد قولهم أمور عديدة، و هي:

1- عدم وجود النص الذي يثبت مدعاهم.

2- ثبوت النص علي أبي محمد عليه السلام و ولده الامام المهدي عليه السلام، كما في الأحاديث التي قدمناها، و منها ما يصرح بالنص علي امامة الامام الحسن



[ صفحه 117]



العسكري عليه السلام في حياة أبي جعفر، و الملاحظ أن النص علي أبي محمد عليه السلام كان في فترات تاريخية تستغرق معظم الاعوام الاثنين و العشرين التي قضاها مع أبيه، فقد نص عليه بصريا و لما يزل صغيرا في المدينة كما مر، و نص عليه بعد وفاة أبي جعفر أي نحو سنة 252 ه، كما تقدم في جملة من الأحاديث، و نص عليه قبل وفاته بأربعة أشهر كما في الحديث الأول، و أخبر بعض أصحابه أن الامام هو الذي يصلي عليه، فصلي عليه أبومحمد عليه السلام، و نحو هذا مما تقدم في أحاديث النص عليه بالامامة.

3- ثبوت موت أبي جعفر في حياة أبيه الامام الهادي عليه السلام موتا ظاهرا معروفا، و قد ورد خبر موته رضي الله عنه متواترا. [1] و من هنا قال شيخ الطائفة: و أما المحمدية الذين قالوا بامامة محمد بن علي العسكري و أنه حي لم يمت، فقولهم باطل لما دللنا به علي امامة أخيه الحسن بن علي أبي القائم عليه السلام، و أيضا فقد مات محمد في حياة أبيه عليه السلام موتا ظاهرا، كما مات أبوه و جده، فالمخالف في ذلك مخالف في الضرورات [2] ، ثم أورد ما يدل علي وفاته من الحديث.

4- شهادة المخالفين بامامة أبي محمد العسكري عليه السلام و اقرارهم بفضله، و منهم المعتمد الذي قصده جعفر الكذاب بعد وفاة أبيه عليه السلام ملتمسا دعم السلطة له في دعواه الامامة، فقال له المعتمد: «ان منزلة أخيك لم تكن بنا، انما كانت



[ صفحه 118]



بالله، و نحن كنا نجتهد في حط منزلته و الوضع منه، و كان الله يأبي الا أن يزيده كل يوم رفعة لما كان فيه من الصيانة، و حسن السمت، و العلم و العبادة، فان كنت عند شيعة أخيك بمنزلته، فلا حاجة بك الينا، و ان لم تكن عندهم بمنزلته، و لم يكن فيك ما كان في أخيك، لم نغن عنك في ذلك شيئا». [3] .

و من رجال البلاط عبيدالله بن يحيي بن خاقان، الذي كان للامام العسكري عليه السلام مجلس معه، فتعجب ابنه أحمد بن عبيدالله لمظاهر الحفاوة و الاكرام و التبجيل التي حظي بها الامام عند أبيه عبيدالله فقال له: «يا أبه من الرجل الذي رأيتك بالغداة فعلت به ما فعلت من الاجلال و الكرامة و التبجيل و فديته بنفسك و أبيك؟ فقال عبيدالله ابن خاقان: يا بني ذاك امام الرافضة، ذاك الحسن ابن علي المعروف بابن الرضا. فسكت ساعة، ثم قال: يا بني لو زالت الامامة عن خلفاء بني العباس ما استحقها أحد من بني هاشم غير هذا، و ان هذا ليستحقها في فضله و عفافه و هديه و صيانته و زهده و عبادته و جميل أخلاقه و صلاحه و لو رأيت أباه رأيت رجلا جزلا نبيلا فاضلا.

قال أحمد: فازددت قلقا و تفكرا و غيظا علي أبي و ما سمعت منه و استزدته في فعله و قوله فيه ما قال: فلم يكن لي همة بعد ذلك الا السؤال عن خبره و البحث عن أمره، فما سألت أحدا من بني هاشم و القواد و الكتاب و القضاة و الفقهاء و سائر الناس، الا وجدته عنده في غاية الاجلال و الاعظام و المحل الرفيع و القول الجميل و التقديم له علي جميع أهل بيته و مشايخه، فعظم قدره



[ صفحه 119]



عندي، اذ لم أر له وليا و لا عدوا الا و هو يحسن القول فيه و الثناء عليه...». [4] .

5- انقراض هذه الفرقة و كذلك تلك التي تفرعت عنها، في وقت متقدم من نشأتها، و في هذا دليل علي بطلانها، و في هذا قال الشيخ المفيد: «فلما توفي [الامام ابوالحسن عليه السلام] تفرقوا بعد ذلك، فقال الجمهور منهم بامامة أبي محمد الحسن بن علي عليه السلام و نقلوا النص عليه و أثبتوه.

و قال فريق منهم: ان الامام بعد أبي الحسن، محمد بن علي أخو أبي محمد عليه السلام، و زعموا أن أباه عليا عليه السلام نص عليه في حياته، و هذا محمد كان قد توفي في حياة أبيه، فدفعت هذه الفرقة وفاته، و زعموا أنه لم يمت، و أنه حي، و هو الامام المنتظر.

و قال نفر من الجماعة شذوا أيضا عن الأصل: ان الامام بعد محمد بن علي ابن محمد بن علي بن موسي عليه السلام، أخوه جعفر بن علي، و زعموا أن أباه نص عليه بعد مضي محمد، و أنه القائم بعد أبيه.

فيقال للفرقة الاولي: لم زعمتم أن الامام بعد أبي الحسن عليه السلام ابنه محمد. و ما الدليل علي ذلك؟ فان ادعوا النص طولبوا بلفظه و الحجة عليه، و لن يجدوا لفظا يتعلقون به في ذلك، و لا تواتر يعتمدون عليه، لأنهم في أنفسهم من الشذوذ و القلة علي حد ينفي عنهم التواتر القاطع للعذر في العدد، مع أنهم قد انقرضوا و لا بقية لهم، و ذلك مبطل أيضا لما ادعوه.



[ صفحه 120]



و يقال لهم في ادعاء حياته، ما قيل للكيسانية و الناووسية و الواقفة، و يعارضون بما ذكرناه، و لا يجدون فصلا، فأما أصحاب جعفر فان أمرهم مبني علي امامة محمد، و اذا سقط قول هذا الفريق لعدم الدلالة علي صحته و قيامها علي امامة أبي محمد عليه السلام، فقد بان فساد ما ذهبوا اليه». [5] .


پاورقي

[1] راجع علي سبيل المثال:: أصول الكافي 1: 326 - 328 الأحاديث رقم 5 و 6 و 7 و 8 و 9 و 12 باب الاشارة و النص علي أبي محمد عليه السلام من كتاب الحجة، و اكمال الدين: 382 / 8 باب 37، و كتاب الغيبة / الشيخ الطوسي: 203 / 107 و غيرها كثير.

[2] الغيبة / الشيخ الطوسي: 198 و 200، و راجع ص: 83.

[3] اكمال الدين: 479 - آخر باب 43، الخرائج و الجرائح 3: 1109.

[4] أصول الكافي 1: 504 / 1 باب مولد أبي محمد الحسن بن علي عليه السلام من كتاب الحجة، اكمال الدين: 42 مقدمة المؤلف، الارشاد 2: 322، روضة الواعظين: 250، إعلام الوري 2: 147.

[5] الفصول المختارة / السيد المرتضي: 317، دار المفيد - 1414 ه.