بازگشت

اظهار الدلالة


فقد طالب بعض المشككين الامام عليه السلام بالدلالة، و كان عليه السلام يستجيب بما اوتي من الحكمة و فصل الخطاب، لمن يعتقد أنه يسكن اليها. و يدل عليه ما رواه الشيخ الصدوق بسنده عن القاسم الهروي، قال: خرج توقيع من أبي محمد عليه السلام الي بعض بني أسباط، قال: «كتبت اليه عليه السلام أخبره عن اختلاف الموالي و أسأله اظهار دليل. فكتب الي: انما خاطب الله عز و جل العاقل، ليس أحد يأتي بآية أو يظهر دليلا أكثر مما جاء به خاتم النبيين و سيد المرسلين، فقالوا: ساحر و كاهن و كذاب، و هدي الله من اهتدي، غير أن الأدلة يسكن اليها كثير من الناس، ذلك أن الله عز و جل يأذن لنا فنتكلم، و يمنع فنصمت، و لو أحب أن لا يظهر حقا ما بعث النبيين مبشرين و منذرين، فصدعوا بالحق في حال الضعف و القوة، و ينطقون في أوقات ليقضي الله أمره و ينفذ حكمه».

ثم أشار عليه السلام الي طبقات الناس في أخلاصهم له أو ابتعادهم عنه، مبينا أن بعضهم يعيش البصيرة في عقله و في قلبه و في روحه من أجل أن ينجو عندما يقف بين يدي الله، و هذا متمسك بهدي الامام و سبيله، و بعضهم أخذ العلم ممن



[ صفحه 122]



يملك مسؤولية العلم و عمقه و ممن لا يملكهما، أو ممن يملك تقوي الحقيقة و ممن لا يملكها، و هؤلاء مذبذبون ليس لديهم قاعدة ثابتة ينطلقون منها و لا أرض يقفون عليها، و بعضهم استحوذ عليهم الشيطان فأعمي بصيرتهم، و ليس لهم شأن الا مواجهة أهل الحق.

قال عليه السلام مواصلا كتابه الأول: «الناس في طبقات شتي، فالمستبصر علي سبيل نجاة متمسك بالحق، متعلق بفرع أصيل، غير شاك و لا مرتاب، لا يجد عنه ملجأ، و طبقة لم تأخذ الحق من أهله، فهم كراكب البحر يموج عند موجه، و يسكن عند سكونه. و طبقة استحوذ عليهم الشيطان، شأنهم الرد علي أهل الحق و دفع الحق بالباطل، حسدا من عند أنفسهم، فدع من ذهب يمينا و شمالا، فالراعي اذا أراد أن يجمع غنمه جمعها في أهون السعي.

ذكرت، ما اختلف فيه موالي، فاذا كانت الوصية و الكبر فلا ريب، و من جلس مجالس الحكم فهو أولي بالحكم، أحسن رعاية من استرعيت، و اياك و الاذاعة و طلب الرئاسة، فانهما يدعوان الي الهلكة.

ذكرت شخوصك الي فارس، فاشخص خار الله لك، و تدخل مصر ان شاء الله آمنا، و اقرأ من تثق به من موالي السلام، و مرهم بتقوي الله العظيم، و أداء الأمانة، و أعلمهم أن المذيع علينا حرب لنا. قال: فلما قرأت: و تدخل مصر ان شاء الله، لم أعرف معني ذلك، فقدمت الي بغداد، و عزيمتي الخروج الي فارس، فلم يتهيأ ذلك فخرجت الي مصر». [1] .



[ صفحه 123]



و هكذا كان عليه السلام يثبت امامته لبعض المشككين باظهار الدلالة، مما يسكن قلوبهم، و يكون له الأثر في هدايتهم الي سواء السبيل.

روي علي بن جعفر عن الحلبي، قال: «اجتمعنا بالعسكر و ترصدنا لأبي محمد عليه السلام يوم ركوبه، فخرج توقيعه: ألا لا يسلمن علي أحد، و لا يشير الي بيده و لا يومئ، فانكم لا تأمنون علي أنفسكم. قال: و الي جنبي شاب فقلت: من أين أنت؟ قال: من المدينة. قلت: ما تصنع هاهنا؟ قال: اختلفوا عندنا في أبي محمد عليه السلام فجئت لأراه و أسمع منه، أو أري منه دلالة ليسكن قلبي، و اني لولد أبي ذر الغفاري.

فبينما نحن كذلك، اذا خرج أبومحمد عليه السلام مع خادم له، فلما حاذانا نظر الي الشاب الذي يجنبي. فقال: أغفاري أنت؟ قال: نعم. قال: ما فعلت امك حمدويه؟ فقال: صالحة، و مر. فقلت للشاب: أكنت رأيته قط و عرفته بوجهه قبل اليوم؟ قال: لا. قلت: فينفعك هذا؟ قال: و دون هذا». [2] .

و عن يحيي بن المرزبان، قال: «التقيت مع رجل من أهل السيب سيماه الخير، فأخبرني أنه كان له ابن عم ينازعه في الامامة و القول في أبي محمد عليه السلام و غيره، فقلت: لا أقول به أو أري منه علامة، فوردت العسكر في حاجة فأقبل أبومحمد عليه السلام فقلت في نفسي متعنتا: ان مد يده الي رأسه، فكشفه ثم نظر الي ورده قلت به. فلما حاذاني مد يده الي رأسه فكشفه، ثم برق عينيه في ثم ردها، و قال: يا يحيي، ما فعل ابن عمك الذي تنازعه في الامامة؟ فقلت: خلفته



[ صفحه 124]



صالحا. فقال: لا تنازعه، ثم مضي». [3] .

كما كان عليه السلام يحذر من لا يعتقد بامامته الا ببرهان ثم يعطي ذلك و يبقي علي عناده بمصير وخيم يوم يفد علي الله فردا بلا ناصر أو معين.

روي المسعودي بالاسناد عن الربيع بن سويد الشيباني، قال: حدثني ناصح البارودي، قال: «كتبت الي أبي محمد عليه السلام اعزيه بأبي الحسن عليه السلام و قلت في نفسي و أنا أكتب: لو قد خبر ببرهان يكون حجة لي. فأجابني عن تعزيني، و كتب بعد ذلك: من سأل آية أو برهانا فاعطي، ثم رجع عمن طالب منه الآية، عذب ضعف العذاب، و من صبر أعطي التأييد من الله، و الناس مجبولون علي جبلة ايثار الكتب المنشرة، فاسأل السداد، فانما هو التسليم أو العطب، و لله عاقبة الأمور». [4] .



[ صفحه 125]




پاورقي

[1] اثبات الوصية: الخرائج و الجرائح 1: 448 / 35، بحارالأنوار 50: 296 / 70.

[2] الخرائج و الجرائح 1: 439 / 20، بحارالأنوار 52: 269 / 24.

[3] الخرائج و الجرائح 1: 440 / 21، بحارالأنوار 50: 270 / 25.

[4] اثبات الوصية: 247، تحف العقول: 360 مختصرا.