بازگشت

العلم


كان الامام العسكري عليه السلام أعلم أهل زمانه، و قد بدت عليه مظاهر العلم و المعرفة منذ حداثة سنه، فقد روي المؤرخون «أنه رآه بهلول [1] و هو صبي يبكي و الصبيان يلعبون، فظن أنه يتحسر علي ما في أيديهم، فقال: أشتري لك ما تلعب به؟ فقال: ماللعب خلقنا. فقال له: فلماذا خلقنا؟ قال: للعلم و العبادة. فقال له: من أين لك هذا؟ قال: من قوله تعالي: (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا و أنكم الينا لا ترجعون) [2] ثم وعظه بأبيات من الشعر حتي خر مغشيا عليه». [3] .

و شهد للامام عليه السلام برجاحة العلم طبيب البلاط بختيشوع، و كان ألمع شخصية في علم الطب في عصره، فقد احتاج الامام عليه السلام الي طبيب فأرسل اليه



[ صفحه 135]



بختيشوع بعض تلامذته و أوصاه قائلا: «طلب مني ابن الرضا من يفصده، فصر اليه، و هو أعلم في يومنا هذا بمن هو تحت السماء، فاحذر أن لا تعترض عليه فيما يأمرك به». [4] .

و استطاع الامام عليه السلام بعلمه الذي لا يجاري و فكره الثاقب و نظره الصائب أن يكشف الحقائق و يظهر الدقائق، و من ذلك أن السلطة أخرجته من السجن بعد أن شك الناس في دينهم و صبوا الي دين النصرانية، لأن أحد الرهبان كان يستسقي فيهطل المطر، بينما يستسقي المسلمون فلم يسقوا، فكشف الامام عليه السلام عن حيلة الراهب الذي كان يخفي عظما لأحد الأنبياء عليهم السلام بين أصابعه، فأزال الشك عن قلوب الناس و هدأت الفتنة. [5] .

قال الحر العاملي في ارجوزته:



و في حديث الراهب النصراني

معجزة من أوضح البرهان



اذ كان في الحبس فصار جدب

و كان سؤل المسلمين الخصب



فخرجوا يدعون للاستسقا

ثلاثة و الأرض ليس تسقي



فخرج الراهب و النصاري

يستمطرون الصيب المدرارا



فجاءهم غيث غزير هاطل

و كلما دعوا أجاب الوابل



فافتتن الناس و راموا الردة

لما رأوا من فرج و شدة



فطلبوا الامام حتي خرجا

ثم دعا الله فنال الفرجا



و عندما أراد يدعو الراهب

و قرب الغيث و فاز الطالب



[ صفحه 136]



أمر عبده الامام فأخذ

من يده عظما فعندهما نبذ



انقشع الغيم و زال المطر

و زال عن دين الاله الخطر



قال الامام انه عظم نبي

فليس ما رأيتم بعجب



اذ كلما أظهر للسماء

أمطرت الغيث بلا دعاء [6] .



و للامام عليه السلام رصيد علمي و عطاء معرفي علي صعيد ترسيخ أصول الاعتقاد و الأحكام و الشرائع، و التصدي لبعض الدعوات المنحرفة و الشبهات الباطلة، سنأتي الي ذكره في الفصل السادس باذن الله.


پاورقي

[1] لعل المراد به بهلول بن اسحاق بن بهلول (204 - 298 ه) أو أخوه المعروف بابن بهلول، و هو أحمد بن اسحاق بن بهلول (231 - 318 ه) وكلاهما من العلماء المعاصرين له عليه السلام. راجع: سير أعلام النبلاء 13: 535/ 268 و 14: 497 / 281، أعلام الزركلي 1: 95.

[2] سورة المؤمنون: 23 / 115.

[3] راجع: احقاق الحق 12: 473 و 19: 620 و 29: 65 عن عدة مصادر منها: الصواعق المحرقة لابن حجر، و نور الأبصار للشبلنجي، و وسيلة المآل للحضرمي، و روض الرياحين لعفيف الدين اليافعي و غيرها.

[4] الخرائج و الجرائح 1: 422 / 3، بحارالأنوار 50: 260 / 21.

[5] راجع تخريجات الحادثة في آخر الفصل الثاني.

[6] احقاق الحق 12: 462 - 463.