بازگشت

كلماته في التوحيد


ففي باب التوحيد لم يدع الامام عليه السلام مناسبة دون أن يوجه أصحابه الي التوحيد الخالص و التحذير من رواسب الشرك مهما دقت و صغرت، و من ذلك ما رواه أبوهاشم الجعفري قال: «سمعت أبامحمد عليه السلام يقول: من الذنوب التي لا تغفر قول الرجل: ليتني لا اؤاخذ الا بهذا، فقلت في نفسي: ان هذا لهو الدقيق، ينبغي للرجل أن يتفقد من أمره و من نفسه كل شي ء».

فكأن الامام عليه السلام عرف ما في نفسه، و هناك أحاديث كثيرة عنه و عن آبائه عليهم السلام تذكر أن بعض الناس كان يسمع الجواب من الامام و هو يفكر، أي لم يطرح السؤال بعد، حيث ان الملكة القدسية تجعله عليه السلام يعرف ما يضمرون من قبل أن يتحدثوا به. فقال عليه السلام: «يا أباهاشم، صدقت فالزم ما حدثت به نفسك، فان الاشراك في الناس أخفي من دبيب الذر علي الصفا في الليلة المظلمة، و من دبيب الذر علي المسح الأسود». [1] .

و كان الجدل يدور في صفات الله تعالي منذ عهد الامام الباقر عليه السلام حتي عهد الامام العسكري عليه السلام، و لعل أبرز المسائل التي كانت مدار البحث و الجدل هي



[ صفحه 143]



مسألة الرؤية و التجسيم و التصوير، و كان منهج الائمة عليهم السلام هو أنهم يتحدثون بلغة القرآن و باسلوبه و بمفرداته في العقيدة، ليوجهوا الناس الي الأخذ بالعناوين الكبري في العقيدة من القرآن الكريم لا من غيره.

فعن يعقوب بن اسحاق، قال: «كتبت الي أبي محمد عليه السلام أسأله: كيف يعبد العبد ربه و هو لا يراه؟ فوقع عليه السلام: يا أبايوسف، جل سيدي و مولاي و المنعم علي و علي آبائي أن يري».

قال: و سألته: «هل رأي رسول الله صلي الله عليه و آله ربه؟ فوقع عليه السلام: ان الله تبارك و تعالي أري رسوله بقلبه من نور عظمته ما أحب». [2] .

و عن سهل بن زياد، قال: «كتب الي أبي محمد عليه السلام سنة خمس و خمسين و مائتين: قد اختلف يا سيدي أصحابنا في التوحيد» و هذا يدل علي أن الجدل الكلامي في التوحيد كان يدور حتي في أوساط اتباع أهل البيت عليهم السلام «فمنهم من يقول هو جسم، و منهم من يقول: هو صورة، فان رأيت يا سيدي أن تعلمني من ذلك ما أقف عليه و لا أجوزه، فعلت متطولا علي عبدك؟» و العبودية هنا من باب التواضع.

«فوقع بخطه عليه السلام: سألت عن التوحيد، و هذا منكم معزول، الله واحد أحد، لم يلد و لم يولد، و لم يكن له كفوا أحد، خالق و ليس بمخلوق، يخلق تبارك و تعالي ما يشاء من الأجسام و غير ذلك و ليس بجسم، و يصور ما يشاء و ليس بصورة جل ثناؤه و تقدست أسماؤه أن يكون له شبه، هو



[ صفحه 144]



لا غيره، ليس كمثله شي ء و هو السميع البصير». [3] .

فلقد أراد عليه السلام أن يقول للسائل بأن لا يستغرق في الجدل الكلامي عندما يتحدث عن الله سبحانه و تعالي، و لكن طلب اليه أن يقرأ كتاب الله فيما أنزله من آياته، فهو أعرف بنفسه من مخلوقاته كلها؛ لأن المخلوق لا يستطيع أن يعرف من ربه الا ما عرفه ربه، و الا فلا يمكن للعقل أن يدرك صفاته جل جلاله ذاتيا، فهو ليس بجسم لأنه خالق الأجسام، و هو ليس بصورة لأنه خالق الصورة و مبدعها.

و عن أبي هاشم الجعفري، قال: «سأل محمد بن صالح الأرمني أبامحمد عليه السلام عن قول الله تعالي: (يمحوا الله ما يشاء و يثبت و عنده أم الكتاب) [4] فقال: هل يمحو الا ما كان، و هل يثبت الا ما لم يكن. فقلت في نفسي: هذا خلاف ما يقول هشام: انه لا يعلم الشي ء حتي يكون. فنظر الي أبومحمد عليه السلام فقال: تعالي الجبار العالم بالأشياء قبل كونها، الخالق اذ لا مخلوق، و الرب اذ لا مربوب، و القادر قبل المقدور عليه، فقلت: أشهد أنك ولي الله و حجته و القائم بقسطه، و أنك علي منهاج أميرالمؤمنين» [5] ، فلقد أكد أن المخلوقين يحتاجون الي معرفة الأشياء في صورتها الوجودية، أما الله سبحانه فهو الذي



[ صفحه 145]



يخلق الوجود، فهو يعرف ما يريد أن يخلقه قبل أن يخلقه.


پاورقي

[1] الغيبة / الشيخ الطوسي: 207 / 176، الثاقب في المناقب: 567 / 509، اثبات الوصية: 249، الخرائج و الجرائح 2: 688 / 11.

[2] أصول الكافي 1: 95 / 1 - باب ابطال الرؤية من كتاب التوحيد، التوحيد / الشيخ الصدوق: 108 / 2 - باب ما جاء في الرؤية.

[3] أصول الكافي 1: 103 / 10 - باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه تعالي من كتاب التوحيد، التوحيد / الشيخ الصدوق: 101 / 14 - باب أنه عز و جل ليس بجسم و لا صورة.

[4] سورة الرعد: 13 / 39.

[5] اثبات الوصية: 249، الغيبة / الشيخ الطوسي: 430 / 421،الثاقب في المناقب: 566 / 507، الخرائج و الجرائح 2: 687 / 10.