بازگشت

التمهيد العملي للغيبة


من البديهي أنه لوغاب الامام الحجة عليه السلام عن شيعته، و أوكل ادارة امورهم ابتداء الي القيم أو السفير الذي يعينه لأداء هذه المهمة، لكان ذلك مدعاة للاستغراب، و لتولد عنه مضاعفات و نتائج غير محمودة.

من هنا فقد اتخذ الامام العسكري عليه السلام و من قبله أبوه عليه السلام اسلوبا شبيها بمنهج الامام المهدي عليه السلام في الاحتجاب عن الناس و ايكال أمر تبليغ الأحكام و قبض الحقوق المالية و ايصال التواقيع الصادرة عن الامام الي الوكلاء الذين يختارهم من خاصة أصحابه، لغرض تهيئة الذهنية العامة كي تستسيغ هذا الاسلوب و يحسن تقبلها له.



[ صفحه 149]



قال المسعودي في أواخر (اثبات الوصية): «روي أن أباالحسن صاحب العسكر عليه السلام احتجب عن كثير من الشيعة الا عن عدد يسير من خواصه، فلما أفضي الأمر الي أبي محمد عليه السلام كان يكلم شيعته الخواص و غيرهم من وراء الستر الا في الأوقات التي يركب فيها الي دار السلطان، و ان ذلك انما كان منه و من أبيه قبله مقدمة لغيبة صاحب الزمان عليه السلام لتألف الشيعة ذلك، و لا تنكر الغيبة، و تجري العادة بالاحتجاب و الاستتار». [1] .

و حينما يطغي اسلوب الاحتجاب علي معظم حياة الامام عليه السلام، يكون اتخاذ نظام الوكلاء ألزم و أقرب، و كان هذا النظام - أي نظام الوكلاء - معمولا به حتي قبل الامامين العسكريين عليهماالسلام لأنه يحقق ارتباط الأئمة عليهم السلام بالبلاد البعيدة ذات القواعد الموالية لهم عليهم السلام، لكنه أصبح ظاهرة ملموسة تمارسها حتي القواعد القريبة خلال امامة العسكريين عليهماالسلام.

و كان من بين الوكلاء الذين اعتمدهم الامام العسكري عليه السلام للنهوض بهذا الأمر: ابراهيم بن عبدة النيسابوري، و أحمد بن اسحاق الأشعري، و أيوب بن نوح بن دراج، و جعفر بن سهيل الصيقل، و حفص بن عمرو العمري، و أبوعمرو عثمان بن سعيد العمري، و علي بن جعفر الهماني، و القاسم بن العلاء الهمداني، و محمد بن أحمد بن جعفر القمي، و أبوجعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري، و محمد بن صالح بن محمد الهمداني و غيرهم.

و يمكن القول ان وكالة عثمان بن سعيد للامام العسكري عليه السلام كانت بمثابة التمهيد للسفارة المهدوية؛ لأن عثمان بن سعيد كان السفير الأول للامام



[ صفحه 150]



الحجة عليه السلام، و ذلك مما يزيد من ثقة الشيعة به، سيما و انه منصوص علي ثقته و أمانته و عدالته و صلاحه لهذا الأمر من قبل الامامين العسكريين عليهماالسلام. [2] .

و كانت أداة الامام عليه السلام في الاتصال بشيعته هي المكاتبات و التواقيع التي يتحمل الوكيل العب ء الأكبر في ايصالها من والي الامام، فكان الأصحاب يكتبون الي الامام عليه السلام بعض المسائل التي تشكل عليهم في امور دينهم و دنياهم، و الامام عليه السلام يجيب عليها عن طريق التواقيع.

و قد تفشي هذا الاسلوب حتي اتخذت المكاتبات و التواقيع حيزا واسعا في تراث الامامين العسكريين، و بلغت من الكثرة بحيث أصبحت مادة للجمع و التأليف من قبل بعض الأصحاب المعاصرين للعسكريين عليهماالسلام، و منهم: عبدالله بن جعفر الحميري، الذي صنف (مسائل الرجال و مكاتباتهم أباالحسن الثالث عليه السلام) و (مسائل لأبي محمد الحسن عليه السلام علي يد محمد بن عثمان العمري) و (مسائل أبي محمد و توقيعاته) [3] و علي بن جعفر الهماني البرمكي، و له (مسائل لأبي الحسن عليه السلام) [4] ، و محمد بن الحسن الصفار ت 290 ه، و له (مسائل كتب بها الي أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام) [5] ، و محمد بن الريان بن الصلت الأشعري، و له (مسائل لأبي محمد الحسن العسكري عليه السلام) [6] ، و محمد بن سليمان ابن الحسن الزراري، و له (مسائل و جوابات لأبي محمد الحسن



[ صفحه 151]



العسكري عليه السلام) [7] ، و محمد بن علي بن عيسي القمي، و له (مسائل لأبي محمد العسكري عليه السلام) [8] و غيرهم.

و صفوة القول ان الامام العسكري عليه السلام استطاع من خلال التخطيط للارتباط به عن طريق الوكلاء، أن يمهد لنفس الأسلوب الذي اعتمده ولده الامام المهدي عليه السلام خلال غيبته الصغري (260 - 329 ه) و بذلك اعتاد الشيعة هذا الأمر و تقبلوه بشكل تدريجي يزيح معه كل عوامل الارتياب و الشك، و هكذا كانت غيبة الامام الصغري أيضا تمهيدا للغيبة الكبري التي أمر الامام عليه السلام شيعته بالرجوع الي رواة حديثهم و اتباع الفقهاء العدول من أتباع مدرستهم.


پاورقي

[1] اثبات الوصية: 272.

[2] راجع: كتاب الغيبة / للشيخ الطوسي: 354 / حديث 315 و ما بعده.

[3] رجال النجاشي: 220 / 573.

[4] رجال النجاشي 280 / 740.

[5] الفهرست / للشيخ الطوسي: 408 / 622.

[6] رجال النجاشي: 307 / 1009.

[7] رجال النجاشي: 347 / 937.

[8] رجال النجاشي، 371 / 1010.