بازگشت

النص علي ولده المهدي و عرضه علي أصحابه


و هذا الأمر يتطلب المزيد من الحذر و الحزم و الموازنة بين نقيضين؛ الأول يتطلب عرض الامام المهدي عليه السلام علي أصحابه للتأكد من ولادته و الاشهاد عليها و اثبات النص عليه، و الثاني يتطلب اخفاء ولادته و التكتم علس شخصه خشية من السلطة التي كانت مستعدة لبذل مختلف وسائل الاغراء و التهديد في سبيل القبض عليه.

و قد استطاع الامام العسكري عليه السلام الموازنة بين الأمرين متحريا الحيطة و الدقة، متبعا أقصي درجات السرية و الكتمان، حيث حدثت الولادة المباركة في النصف من شعبان سنة 255 ه، و جهد الامام العسكري عليه السلام خلال السنوات



[ صفحه 152]



الخمس التي قضاها مع ابنه المهدي عليه السلام من أجل اخفاء ولادته و اسمه و مكانه و سائر اموره عن أسماع السلطة و مراقبة عيونها.

فمن أساليب الكتمان أنه عليه السلام لم يعق عن ابنه عليه السلام في داره، بل أوصي أحد أصحابه لأداء هذه المهمة، و قد روي أنه أمر أباعمرو عثمان بن سعيد أن يعق عنه بكذا و كذا شاة [1] ، كما روي أنه عليه السلام وجه الي ابراهيم بن ادريس بكبشين، و كتب اليه «عق هذين الكبشين عن مولاك، و كل هنأك الله، و أطعم اخوانك». [2] .

أما من حيث تبليغ أصحابه بالولادة أو النص، فمن الطبيعي أنهم يختلفون في مقدار ضبطهم و صمودهم أمام وسائل الاغراء و التهديد من قبل الجهاز الحاكم، لهذا اختار الامام العسكري عليه السلام من أصحابه الأشخاص الذين يتوقع منهم صلابة الارادة و قوة الايمان و عمق الاخلاص، و حملهم أمانة الوصية و مسؤولية النص علي ولده الحجة عليه السلام بعد عرضه عليهم.

ورد في الحديث أنه عليه السلام كان يتخير لهذه المهمة الأقرب لقرابته و الأولي لولايته و ذوي الكرامة عندالله سبحانه، و مع ذلك يأخذ عليهم بالكتمان و يوصيهم بالستر و السرية.

ففي كتاب له عليه السلام بخطه بعثه الي أحمد بن اسحاق بن سعد الأشعري، جاء فيه: «ولد لنا مولود، فليكن عندك مستورا، و عن جميع الناس مكتوما، فانا



[ صفحه 153]



لم نظهر عليه الا الأقرب لقرابته و الولي لولايته...». [3] .

و جاء في حديث آخر: «يا أحمد بن اسحاق، لولا كرامتك علي الله عز و جل و علي حججه، ما عرضت عليك ابني هذا، انه سمي رسول الله صلي الله عليه و آله و كنيه الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما».

الي أن قال: «يا أحمد بن اسحاق هذا أمر من أمر الله، و سر من سر الله، و غيب من غيب الله، فخذ ما آتيتك و اكتمه، و كن من الشاكرين تكن معنا في عليين». [4] .

و يمكن القول ان اسلوب الاحتجاب الذي اعتمده الامام عليه السلام ساعد كثيرا علي اخفاء الولادة المباركة، فضلا عن انشغال الدولة آنذاك بحوادث كبري أشرنا اليها في الفصل الأول، كان علي رأسها ثورة صاحب الزنج و حركات يعقوب بن الليث الصفار و بعض الخوارج الشراة و غيرهم، مما شغل الدولة عن الالتفات الي الولادة، و فوق ذلك كله القدرة علي الاستتار عن الانظار التي حباها الله لوليه الحجة بن الحسن عليه السلام، فكان مثله في هذه الامة مثل الخضر عليه السلام و مثل ذي القرنين، كما جاء في كثير من الروايات التي تحدثت عن صفة القائم المهدي عليه السلام. كل ذلك جعل السلطة تسقط اسم الحجة عليه السلام من حسابها القانوني علي الأقل، كما ورد علي لسان أوثق أصحاب الامام عليه السلام، و هو أبوعمرو عثمان



[ صفحه 154]



ابن سعيد العمري حينما سأله عبدالله بن جعفر الحميري عن اسم الامام عليه السلام فقال: «اياك أن تبحث عن هذا، فان عند القوم أن هذا النسل قد انقطع». [5] .

و في حديث آخر عنه أيضال قال الحميري: «قلت: فالاسم؟ قال العمري: محرم عليكم أن تسألوا عن ذلك، و لا أقول هذا من عندي، فليس لي أن أحلل و لا احرم، و لكن عنه عليه السلام، فان الأمر عند السلطان أن أبامحمد عليه السلام مضي و لم يخلف ولدا، و قسم ميراثه، و أخذه من لا حق له فيه، و هو ذا عياله يجولون ليس أحد يجسر أن يتعرف اليهم أو ينيلهم شيئا، و اذا وقع الاسم وقع الطلب فاتقوا الله و أمسكوا عن ذلك». [6] .

و تحريم السؤال عن الاسم الوارد في هذا الحديث هو من أساليب الكتمان التي انتهجها الامام العسكري عليه السلام لاخفاء ولده، لأن الاسم يدل علي المسمي، فاذا أشير الي المسمي وقع الطلب عليه، و لعل التحريم كان للتقية و يقتصر علي تلك الفترة التي اشتد الطلب بها علي الامام الثاني عشر عليه السلام و كثر السؤال عنه، كما ذكر بعض الأعلام، [7] .



[ صفحه 155]



و الا فانه عليه السلام معلوم الاسم و الكنية منذ زمن الرسول صلي الله عليه و آله و أصحابه.

ثم ان اشارة العمري رضي الله عنه الي تقسيم الميراث، هي دلالة واضحة علي أن السلطة قد غضت النظر عن الامام الحجة عليه السلام و لو في حساباتها القانونية الآنية، و ثبت ذلك عند القاضي، كما جاء في حديث أحمد بن عبيدالله بن خاقان، و هو من رجال السلطة، قال: «فلما دفن - أي الامام العسكري عليه السلام - و تفرق الناس، اضطرب السلطان و أصحابه في طلب ولده، و كثر التفتيش في المنازل و الدور، و توقفوا علي قسمة ميراثه، و لم يزل الذين وكلوا بحفظ الجارية التي توهموا عليها الحبل ملازمين لها سنتين و أكثر حتي تبين لهم بطلان الحبل، فقسم ميراثه بين امه و أخيه جعفر، و ادعت امه وصيته، و ثبت ذلك عند القاضي...». [8] .

علي أن السلطة لم تغض النظر علي المدي البعيد، بل يبقي هاجس الخوف يساورها الي ما بعد 18 سنة من شهادة الامام العسكري عليه السلام، كما جاء في مجلس أحمد بن عبيدالله بن خاقان الذي عقده في شعبان سنة 278 ه حينما كان عاملا من قبل السلطان علي الخراج و الضياع في قم، و جاء في آخر المجلس: «والسلطان يطلب أثر ولد الحسن بن علي عليه السلام حتي اليوم» [9] و قوي الشر الي اليوم ما انفكت تخشي من اسم المهدي و من حكومته الموعودة في يوم الخلاص و الانعتاق من الظلم و الجور الذي غطي أنحاء الأرض.

و مهما يكن فان الامام العسكري عليه السلام استطاع أداء التكليف المتعلق به، و هو التبليغ لولده الحجة عليه السلام بعرضه علي أصحابه و الاشهاد علي ولادته و النص



[ صفحه 156]



عليه، بالقدر الذي تقوم به الحجة علي الناس مع الضمان الكامل لنجاته من تطلب الجهاز الحاكم، و فيما يلي نقتصر علي ذكر الأشخاص الذين حملهم الامام العسكري عليه السلام مسؤولية حفظ النص علي ولده بالامامة، أو اولئك الذين أثبت عليم الحجة قولا و عملا بعرض ولده المهدي عليه السلام عليهم، دون أن نذكر الأحاديث بلفظها كي لا يطول بنا المقام.


پاورقي

[1] اكمال الدين: 431 / 6 باب 42 ما روي في ميلاد القائم صاحب الزمان حجة الله ابن الحسن عليه السلام.

[2] اثبات الوصية: 260: غيبة الطوسي: 246 / 214.

[3] اكمال الدين: 433 / 16 باب 42 ما روي في ميلاد القائم صاحب الزمان حجة الله بن الحسن عليه السلام.

[4] اكمال الدين: 384 / 1 باب 38 ما روي عن أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام من وقوع الغيبة بابنه القائم عليه السلام.

[5] اكمال الدين: 442 / 14 باب 43 ذكر من شاهد القائم عليه السلام و رآه و كلمه.

[6] أصول الكافي 1: 330 / 1 باب في تسمية من رآه.

[7] و قد تعارضت الأخبار في هذه المسألة بين مانع و مجوز للتسمية، و تعارف عند الشيعة ذكره عليه السلام بالقابه كالحجة و القائم و الخلف و صاحب الدار و الناحية و الغلام و الغريم و غيرها، و للسيد محسن الأمين رأي يجمع بين الأخبار خلاصته أن التصريح بالاسم مكروه مطلقا، و التسمية تصريحا و كناية محرمة في زمان الخوف. راجع: المجالس السنية / السيد محسن الأمين 5: 678 - دار التعارف - بيروت، في رحاب أئمة أهل البيت عليهم السلام / السيد محسن الامين - القسم الخامس: 5 - 6 - دار التعارف - بيروت.

[8] اكمال الدين: 43 - المقدمة.

[9] اكمال الدين: 43 - المقدمة - و المجلس يبدأ من ص 40 - 43.