بازگشت

هداية الخلق الي الخالق


و هذا عطاء فكري آخر، لكنه يدخل في اطار التأثر بالسيرة العملية للامام العسكري عليه السلام المتمثلة بسمو الاخلاق و حسن السمت و الهدي و الصلاح، مما له الأثر في هداية و استبصار المترددين و المخالفين، و اخراجهم من ظلمات الجهل



[ صفحه 187]



و الضلال الي نور العلم و صراط الهداية. فقد جاء في الأخبار أن أباالعلاء صاعد ابن مخلد النصراني [1] ، وزير المعتمد، أسلم علي يد الامام العسكري عليه السلام بعد أن رأي دلالاته و هديه و مكارمه [2] .

كما أسلم علي يده راهب دير العاقول، ورد أن الامام العسكري عليه السلام أراد مرة أن يفتصد، فبعث الي بختيشوع الطبيب طالبا أن يرسل اليه أخص أصحابه عنده ليفصده، فبعث اليه أعلم تلامذته، و قال له: «قد طلب مني ابن الرضا من يفصده، فصر اليه و هو أعلم في يومنا هذا بمن هو تحت السماء، فاحذر أن لا تعترض عليه فيما يأمرك به» فوصف له الامام عليه السلام طريقة في الفصد لم يألفها في الطب، ففصده و قدم له تخت ثياب و خمسين دينارا، و قال عليه السلام: «خذ هذا و اعذرنا و انصرف» فتحير الطالب و استاذه بختيشوع في معرفة ما وصفه الامام عليه السلام في الفصد، فبعث بختيشوع تلميذه و معه كتاب الي راهب دير العاقول، و كان أعلم النصاري في الطب، في ذلك الوقت، فلما قرأ الكتاب طلب منه أن يوافي معه الي سامراء، فوصلوا الي دار الامام عليه السلام و قد بقي من الليل ثلثه، و مكث عنده عليه السلام الي الصباح، ثم خرج الراهب و قد رمي بثياب الرهبانية، و لبس ثيابا بيضا و قد أسلم، فقال: «خذ بي الآن الي دار استاذك،قال: فصرنا الي دار بختيشوع، فلما رآه بادر يعدو اليه، ثم قال: ما الذي أزالك عن دينك؟



[ صفحه 188]



قال: وجدت المسيح فأسلمت علي يده. قال: وجدت المسيح؟ قال: أو نظيره، فان هذه الفصدة لم يفعلها في العام الا المسيح، و هذا نظيره في آياته و براهينه، ثم انصرف اليه و لزم خدمته الي أن مات» [3] .

و ذكرنا في الفصل الثاني أن الامام العسكري عليه السلام حبس أكثر من مرة، و نقلت لنا الأخبار كيف كان تأثيره في محيط السجن، بحيث انقلب المتصدون لسجنه من بغضه و الحقد عليه الي حبه و الاخلاص له، ذلك لأن الانسان في السجن يعيش حالة نفسية صعبة، لكنهم و جدوه عليه السلام في أعلي درجات الارتباط بالله سبحانه و في أعمق مواقع الاخلاص له تعالي.

روي ثقة الاسلام الكليني بالاسناد عن محمد بن اسماعيل العلوي، قال: «حبس أبومحمد عليه السلام عند علي بن نارمش، و هو أنصب الناس، و أشدهم علي آل أبي طالب، و قيل له: افعل به و فعل، فما أقام عنده الا يوما حتي وضع خديه له، و كان لا يرفع بصره اليه اجلالا و اعظاما، فخرج من عنده و هو أحسن الناس بصيرة و أحسنهم فيه قولا» [4] .

و هكذا يستسلم السجان للسجين الذي لا يملك حولا و لا قوة غير تأثيره الروحي، فيضع خديه له متذللا خاضعا، و لا يرفع بصره اجلالا و هيبة، لأنه استطاع أن يقلب تفكيره و وجدانه و سلوكه، فتحول من عدو شديد العداوة الي صديق شديد الصداقة، بل تحول الي داعية الي الامام عليه السلام.



[ صفحه 189]



و في رواية بهذا الاتجاه عن علي بن عبدالغفار، قال: «دخل العباسيون علي صالح بن وصيف، عندما حبس أبامحمد عليه السلام، فقالوا له: ضيق عليه و لا توسع. فقال لهم صالح: و ما أصنع به؟! قد وكلت به رجلين من شر من قدرت عليه، فقد صارا من العبادة و الصلاة و الصيام الي أمر عظيم، ثم أمر باحضار الموكلين فقال لهما: و يحكما ما شأنكما في أمر هذا الرجل؟ فقالا له: ما نقول في رجل يصوم النهار و يقوم الليل كله، لا يتكلم و لا يتشاغل بغير العبادة، فاذا نظر الينا ارتعدت فرائصنا، و داخلنا ما لا نملكه من أنفسنا، فلما سمع العباسيون ذلك انصرفوا خاسئين.» [5] .

اذن فالامام عليه السلام استطاع أن يؤثر فيهما بقوة شخصيته الرحبة، و بالجو الروحاني الذي لم يجدا مثله، الأمر الذي جعل صالح بن وصيف المتولي لسجن الامام قد أعيته الحيل و الوسائل كلها في التأثير علي الامام عليه السلام.

و امتدت آثار الامام الروحية الي قاعدة واسعة من الناس، بما فيهم عوائل المتولين للسجن، فقد روي الشيخ الكليني بالاسناد عن علي بن محمد، عن بعض أصحابنا، قال: «سلم أبومحمد عليه السلام الي نحرير، فكان يضيق عليه و يؤذيه، قال: فقالت له امرأته، ويلك اتق الله، لا تدري من في منزلك؟ و عرفته صلاحه و قالت: اني أخاف عليك منه...» [6] .

هذه هي بعض آثار الامام العسكري عليه السلام في مخالفيه، فعلينا أن ننفتح عليها لنزداد هديا من هديه، و علما من علمه، ووعيا مما يعطينا من عناصر الوعي.



[ صفحه 191]




پاورقي

[1] قال الذهبي في ترجمته: الوزير الكبير، أبوالعلاء الكاتب، أسلم، و كتب للموفق، ثم وزر للمعتمد، و هو من نصاري كسكر، و له صدقات و بر و قيام ليل، توفي سنة 276 ه. سير أعلام النبلاء 13: 326 / 149.

[2] بحارالأنوار 50: 281 / 57 عن فرج المهموم لابن طاوس.

[3] الخرائج و الجرائح 1: 422، بحارالأنوار 50: 260 / 21.

[4] أصول الكافي 1: 508 / 8 - باب مولد أبي محمد الحسن بن علي عليه السلام من كتاب الحجة.

[5] أصول الكافي 1: 512 / 23 - من نفس الباب المتقدم، الارشاد 2: 334.

[6] أصول الكافي 1: 513 / 26 - من نفس الباب المتقدم.