سبب شهادته
ان دراسة الأخبار الواصلة الينا عن المدة القصيرة من امامة الامام العسكري عليه السلام (254 - 260 ه) تقودنا الي الاعتقاد بأن السلطة العباسية كانت منذ زمن المعتز (252 - 255 ه) بصدد الفتك بالامام قبل أن يولد له، ذلك لأنها تعتقد أن المولود هو المهدي الموعود خاتم أئمة الاثني عشر الذي يقصم
[ صفحه 195]
الجبارين، و يبدد دول الظالمين، و يرسي دعائم دولة الحق، و ينشر العدل و القسط، و قد حاول المعتز تنفيذ تلك السياسة، حيث أمر سعيد بن صالح الحاجب أن يحمل الامام العسكري عليه السلام الي الكوفة و يضرب عنقه في الطريق، فاجتهد الامام عليه السلام بالدعاء عليه، فقتل قبل أن ينفذ عزمه [1] .
و روي ثقة الاسلام الكليني بالاسناد عن أحمد بن محمد بن عبدالله، قال: «خرج عن أبي محمد عليه السلام حين قتل الزبيري: هذا جزاء من اجترأ علي الله في أوليائه، يزعم أنه يقتلني و ليس لي عقب، فكيف رأي قدرة الله فيه؟ و ولد له ولد سماه محمدا» [2] .
و حاول المهتدي العباسي (255 - 256 ه) تنفيذ هذه السياسة، فهدد الامام عليه السلام بالقتل قائلا: «و الله لأجلينهم عن جديد الأرض» غير أنه قتل قبل تنفيذ هذا الغرض [3] .
و لم يخرج المعتمد (256 - 279 ه) عن هذا الاطار، فتعرض الامام العسكري عليه السلام في زمانه لشتي أنواع التحديات و الضغوط، و حاول قتل الامام عليه السلام لنفس السبب الذي قدمناه، و هو الاطمئنان لانقطاع الامامة دون
[ صفحه 196]
نسل، علي الرغم من حدوث الولادة في زمان المعتمد، لأن الدولة علي المستوي الرسمي لم تكن مطلعة عليها، بسبب اجراءات الامام عليه السلام القائمة علي أساس الكتمان و السرية في هذا الأمر، و أبي الله سبحانه الا أن يتم نوره، فأخفي وليه الذي ينتظره العالم كله ليملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا.
روي الشيخ الصدوق بالاسناد عن سعد بن عبدالله، قال: حدثني موسي ابن جعفر بن وهب البغدادي، أنه خرج من أبي محمد عليه السلام توقيع: «زعموا أنهم يريدون قتلي ليقطعوا هذا النسل، و قد كذب الله عزوجل قولهم و الحمدلله» [4] و تكذيب قولهم كان بحدوث الولادة المباركة و حفظه مع أبيه عليهماالسلام من تحديات السلطة.
و مما تقدم يتبين أن واقع الحال يشير الي أن المعتمد متهم بقبل الامام عليه السلام، فضلا عن أنه ورد التصريح بموت الامام عليه السلام مسموما عن كثير من محدثي الشيعة و غيرهم.
قال أمين الاسلام الطبرسي: «ذهب كثير من أصحابنا الي أنه عليه السلام مضي مسموما، و كذلك أبوه وجده و جميع الأئمة عليهم السلام خرجوا من الدنيا بالشهادة، و استدلوا علي ذلك بما روي عن الصادق عليه السلام من قوله: مامنا الا مقتول شهيد. و الله أعلم بحقيقة ذلك» [5] .
[ صفحه 197]
بناء علي ذلك فان جميع الأئمة عليهم السلام خرجوا من الدنيا بالقتل، و ليس فيهم من يموت حتف أنفه، و قاتلهم دائما هو الحاكم الذي يحذر نشاطهم و يتوجس منهم خيفة، لأنهم يمثلون جبهة المعارضة ضد الانحراف الذي يمثله الحاكم [6] .
و صرح بعض أعلام الشيعة في أرجازهم بموت الامام عليه السلام مسموما من قبل المعتمد، مؤكدين علي ما يقوي هذا الاحتمال و هو كون الامام عليه السلام في سن الشباب، و أوج الصحة و القوة و العنفوان.
قال الحر العاملي في ارجوزته:
قتله بسمه المعتمد
بقوة يرق منها الجلمد
و عمره تسع و عشرون و قد
قيل ثمان بعد عشرين فقد
و عاش من بعد أبيه خمسا
و قيل ستا ثم حل الرمسا [7] .
و قال الشيخ محمد حسين الاصفهاني:
حتي قضي العمر بما يقاسي
فسمه المعتمد العباسي
قضي علي شبابه مسموما
مضطهدا محتسبا مظلوما
فناحت الحور علي شبابه
و صبت الدموع في مصابه
[ صفحه 198]
و انصدعت لرزئه الجبال
كأنه الساعة و الأهوال [8] .
پاورقي
[1] راجع: المناقب لابن شهر آشوب 4: 464، غيبة الطوسي: 208 / 177، الخرائج و الجرائح 1: 451 / 36، دلائل الامامة: 427 / 391.
[2] أصول الكافي 1: 329 / 5 باب الاشارة و النص صاحب الدار، اكمال الدين: 430 / 3 باب 42.
[3] أصول الكافي 1: 510 / 16 باب مولد أبي محمد الحسن بن علي عليه السلام الارشاد 2: 333، و راجع: اثبات الوصية: 245، مهج الدعوات: 343، المناقب لابن شهر آشوب 4: 463، غيبة الطوسي: 173 / 205 و 233 / 187.
[4] اكمال الدين: 3 / 407 باب 38.
[5] أعلام الوري 2: 131، و ورد التصريح بموت الامام العسكري عليه السلام مسموما في عدة مصادر اخري، منها: الفصول المهمة 2: 1093، مصباح الكفعمي: 510 و قال: سمه المعتمد، دلائل الامامة 424، الصواعق المحرقة: 206، بحارالأنوار 50: 335 / 12، احقاق الحق 12: 474 عن ينابيع المودة 3: 113 و 12: 475 عن أئمة الهدي ص 138 تأليف: محمد عبدالغفار الهاشمي الحنفي، و قال فيه: دس له المعتمد العباسي سما، فتوفي منه.
[6] راجع بحثا مفصلا حول هذا الموضوع في تاريخ الغيبة الصغري / للسسيد محمد صادق الصدر: 229.
[7] احقاق الحق 12: 462، عن نزهة الجليس للسيد عباس المكي 2: 121.
[8] الأنوار القدسية / الشيخ محمد حسين الأصفهاني: 109 - مؤسسة الوفاء - بيروت.