بازگشت

تصرف السلطة


ورد في حديث طويل عن أحد أقطاب السلطة ما يبين موقف السلطة قبل شهادة الامام عليه السلام و بعدها، و يستعرض موقف جعفر بن علي أخي الامام عليه السلام الذي كان يتربص الفرصة لاحتلال موقع الامامة كذبا و بهتانا علي الله سبحانه، و الحديث بمجموعه يشير الي تأكيد تهمة السلطة بدم الامام عليه السلام.

قال أحمد بن عبيدالله بن خاقان في مجلس له بتاريخ شعبان سنة 278، يصف موقف جعفر بعد وفاة أخيه الامام الحسن العسكري عليه السلام، قال: «و لله لقد ورد علي السلطان و أصحابه في وقت وفاة الحسن بن علي عليه السلام ما تعجبت منه، و ما ظننت أنه يكون، و ذلك أنه لما اعتل بعث الي أبي أن ابن الرضا قد اعتل، فركب من ساعته مبادرا الي دارالخلافة، ثم رجع مستعجلا و معه خمسة نفر من خدام أميرالمؤمنين كلهم من ثقاته و خاصته، فمنهم نحرير، و أمرهم بلزوم دار الحسن بن علي عليه السلام و تعرف خبره و حاله، و بعث الي نفر من المتطببين فأمرهم بالاختلاف اليه و تعاهده صباحا و مساء، فلما كان بعد ذلك بيومين جاءه من أخبره أنه قد ضعف، فركب حتي بكر اليه، ثم أمر المتطببين بلزومه، و بعث الي القضاء فأحضره مجلسه، و أمره أن يختار من أصحابه عشرة ممن يوثق به في دينه و أمانته و ورعه، فأحضرهم فبعث بهم الي دار الحسن عليه السلام و أمرهم بلزوم داره ليلا و نهارا، فلم يزالوا هناك حتي توفي عليه السلام لأيام مضت من شهر ربيع



[ صفحه 199]



الأول من سنة ستين و مائتين، فصارت سر من رأي ضجة واحدة: مات ابن الرضا.

و بعث السلطان الي داره من يفتشها و يفتش حجرها، و ختم علي جميع ما فيها، و طلبوا أثر ولده، و جاءوا بنساء يعرفن بالحبل، فدخلن علي جواريه فنظرن اليهن، فذكر بعضهن أن هناك جارية بها حمل، فأمر بها فجعلت في حجرة، و وكل بها نحرير الخادم و أصحابه و نسوة معهم، ثم أخذوا بعد ذلك في تهيئته، و عطلت الأسواق، و ركب أبي و بنوهاشم و القواد و الكتاب و سائر الناس الي جنازته عليه السلام، فكانت سر من رأي يومئذ شبيها بالقيامة.

فلما وضعت الجنازة للصلاة دنا أبوعيسي منها، فكشف عن وجهه فعرضه علي بني هاشم من العلوية و العباسية و القواد و الكتاب و القضاة و الفقهاء و المعدلين، و قال: هذا الحسن بن علي بن محمد، ابن الرضا، مات حتف أنفه عل فراشه، حضره من خدم أميرالمؤمنين و ثقاته فلان و فلان، و من المتطببين فلان و فلان، و من القضاة فلان و فلان، ثم غطي وجهه و قام فصلي عليه و كبر عليه خمسا، و أمر بحمله فحمل من وسط داره، و دفن في البيت الذي دفن فيه أبوه عليه السلام.

فلما دفن و تفرق الناس اضطرب السلطان و أصحابه في طلب ولده، و كثر التفتيش في المنازل و الدور، و توقفوا علي قسمة ميراثه، و لم يزل الذين و كلوا بحفظ الجارية التي توهموا عليها الحبل ملازمين لها سنتين و أكثر حتي تبين بطلان الحبل، فقسم ميراثه بين امه و أخيه جعفر،و ادعت امه وصيته، و ثبت ذلك عند



[ صفحه 200]



القاضي، و السلطان علي ذلك يطلب أثر ولده...» [1] .

فهذا الخبر يدل علي أن المعتمد لم يكن بريئا من دم الامام عليه السلام لذلك أراد من خلال تلك الاجراءات المذكورة في الخبر أن يدفع التهمة عن نفسه و يبقي ثوبه نقيا منها علي المستوي العام الذي يشير اليه باصبع الاتهام، و ذلك بادعاء موته عليه السلام حتف أنفه مع الاشهاد علي ذلك، و لو لم يكن ضالعا في تلك الجريمة النكراء، لما طلب من أول و فد أرسله الي دار الامام بملازمته و تعرف خبره و حاله، لأنه في ذلك يجزم بموت الامام عليه السلام و لا يبدي أدني احتمال في شفائه، سيما و أنه شاب قوي البنية لا تؤثر في مثله الأمراض عادة، كما أنه عين جماعة يترقبون موته لكشف السر الذي لازال يحتفظ به الامام عليه السلام منذ خمسة أعوام، و هو المهدي عليه السلام الذي أخفي مولده و ستر أمره، لصعوبة الوقت و شدة طلب السلطان له و اجتهاده في البحث عنه، من هنا فقد أمر السلطان قبل كل شي ء أن تفتش داره و يختم علي محتوياتها، و أن يطلب أثر الولد، و حينما تعييهم الوسائل يقبضون علي أم الامام المهدي عليه السلام (صقيل) و لم تنج من قبضتهم الا بعد سنتين أو أكثر لجملة أحداث شغلتهم عنها.

روي الشيخ الصدوق و الطبري الامامي عن محمد بن الحسين بن عباد، قال: «قدمت ام أبي محمد عليه السلام من المدينة و اسمها (حديث) حين اتصل بها الخبر الي سر من رأي، فكانت لها أقاصيص يطول شرحها مع أخيه جعفر و مطالبته اياها بميراثه و سعايته الي السلطان و كشفه ما أمر الله عزوجل بستره، فادعت عند ذلك صقيل أنها حامل، فحملت الي دار المعتمد، فجعل نساء المعتمد و خدمه



[ صفحه 201]



و نساء الموفق و خدمه و نساء القاضي ابن أبي الشوراب [2] يتعاهدون أمرها في كل وقت، و يراعون الي أن دهمهم أمر الصفار [3] و موت عبيدالله بن يحيي بن خاقان بغتة، و خروجهم من سر من رأي، و أمر صاحب الزنج بالبصرة و غير ذلك، فشغلهم ذلك عنها» [4] .


پاورقي

[1] اكمال الدين - المقدمة: 42 - 43.

[2] هو قاضي القضاة أبومحمد الحسن بن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب الأموي، ولي قضاء المعتمد، و قد ناب في قضاء سامراء منذ سنة 240 ه، مات بمكة سنة 261 ه. سير أعلام النبلاء 12: 518 / 193.

[3] هو يعقوب بن الليث الصفار، مؤسس الدولة الصفارية منذ سنة (247 ه) كانت له حرب طاحنة مع جيش الدولة العباسية في زمان المعتمد، حينما أراد أن يستولي علي بغداد، و توفي سنة 265 ه. سير أعلام النبلاء 12: 513 / 191، أعلام الزركلي 8: 201.

[4] اكمال الدين: 474، دلائل الامامة: 424 نحوه.