ما ورد عنه في سورة البقرة
قوله تعالي: (الم - ذَلِكَ الْكِتَبُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًي لِّلْمُتَّقِينَ): 2 / 2.
1 - الشيخ الصدوق(ره): حدّثنا محمّد بن القاسم الأستراباديّ المعروف بأبي الحسن الجرجانيّ المفسّر-(رضي اللّه عنه)- قال: حدّثني أبو يعقوب يوسف ابن محمّد بن زياد، وأبو الحسن عليّ بن محمّد بن سيّار، عن أبويهما، عن الحسن ابن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسي بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ ابن أبي طالب صلوات اللّه عليهم أجمعين، أنّه قال: كذّبت قريش واليهود
[ صفحه 19]
بالقرآن، وقالوا: سحر مبين تقوّله.
فقال اللّه: (الم - ذَلِكَ الْكِتَبُ) أي يا محمّد! هذا الكتاب الذي أنزلناه عليك هو الحروف المقطّعة التي منها ألف، لام، ميم، وهو بلغتكم، وحروف هجائكم، فأتوا بمثله إن كنتم صادقين.
واستعينوا علي ذلك بسائر شهدائكم، ثمّ بيّن أنّهم لا يقدرون عليه بقوله: (قُل لَّل-ِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَي أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْءَانِ لَايَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ي وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا). [1] .
ثمّ قال اللّه: (الم) هو القرآن الذي افتتح ب(الم) هو (ذَلِكَ الْكِتَبُ) الذي أخبرت به موسي فمن بعده من الأنبياء، فأخبروا بني إسرائيل: أن سأُنزل عليك يامحمّد كتاباً عزيزاً (لَّايَأْتِيهِ الْبَطِلُ مِن م بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ي تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ). [2] .
(لَا رَيْبَ فِيهِ) لا شكّ فيه لظهوره عندهم كما أخبرهم به أنبياؤهم: أنّ محمّداً ينزل عليه كتاب لا يمحوه الباطل، يقرؤه هو وأُمّته علي سائر أحوالهم.
(هُدًي) بيان من الضلالة (لِّلْمُتَّقِينَ) الذين يتّقون الموبقات، ويتّقون تسليط السفه علي أنفسهم حتّي إذا علموا ما يجب عليهم علمه، عملوا بمايوجب لهم رضا ربّهم.
قال: وقال الصادق(عليه السلام): ثمّ الألف حرف من حروف قول اللّه، دلّ بالألف علي قولك اللّه، و دلّ باللام علي قولك الملك العظيم القاهر للخلق أجمعين، ودلّ بالميم علي أنّه المجيد المحمود في كلّ أفعاله.
[ صفحه 20]
وجعل هذا القول حجّة علي اليهود، وذلك أنّ اللّه لمّا بعث موسي بن عمران ثمّ من بعده من الأنبياء إلي بني إسرائيل لم يكن فيهم أحد إلّا أخذوا عليهم العهود والمواثيق ليؤمننّ بمحمّد العربيّ الأُمّيّ المبعوث بمكّة الذي يهاجر إلي المدينة، يأتي بكتاب من الحروف المقطّعة افتتاح بعض سوره، يحفظه أُمّته، فيقرءونه قياماً وقعوداً ومشاةً، وعلي كلّ الأحوال.
يسهّل اللّه عزّ وجلّ حفظه عليهم، ويقرنون بمحمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم) أخاه ووصيّه عليّ ابن أبي طالب(عليه السلام) الآخذ عنه علومه التي علّمها، والمتقلّد عنه الأمانة التي قدّرها ومذلّل كلّ من عاند محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم) بسيفه الباتر، ويفحم كلّ من جادله، وخاصمه بدليله الظاهر، يقاتل عباد اللّه علي تنزيل كتاب اللّه حتّي يقودهم إلي قبوله طائعين، وكارهين.
ثمّ إذا صار محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم) إلي رضوان اللّه عزّ وجلّ، وارتدّ كثير ممّن كان أعطاه ظاهر الإيمان، وحرّفوا تأويلاته، وغيّروا معانيه، ووضعوها علي خلاف وجوهها، قاتلهم بعد ذلك علي تأويله حتّي يكون إبليس الغاوي لهم هو الخاسر الذليل المطرود المغلول.
قال: فلمّا بعث اللّه محمّداً وأظهره بمكّة، ثمّ سيّره منها إلي المدينة، وأظهره بها، ثمّ أنزل إليه الكتاب، وجعل افتتاح سورته الكبري ب (الم) يعني: (الم - ذَلِكَ الْكِتَبُ) وهو ذلك الكتاب الذي أخبرت أنبيائي السالفين أنّي سأنزله عليك يامحمّد، (لَا رَيْبَ فِيهِ).
فقد ظهر كما أخبرهم به أنبياؤهم أنّ محمّداً ينزل عليه كتاب مبارك لايمحوه الباطل يقرؤه هو وأُمّته علي سائر أحوالهم، ثمّ اليهود يحرّفونه عن جهته، ويتأوّلونه علي غير وجهه، ويتعاطون التوصّل إلي علم ما قد طواه اللّه عنهم من حال آجال هذه الأُمّة، وكم مدّة ملكهم.
[ صفحه 21]
فجاء إلي رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم) منهم جماعة، فولّي رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم) عليّاً(عليه السلام)، فخاطبهم، فقال قائلهم: إن كان ما يقول محمّد -(صلي اللّه عليه وال وسلم) - حقّاً لقد علمناكم قدر ملك أُمّته، هو إحدي وسبعون سنة الألف واحد، واللام ثلاثون، والميم أربعون.
فقال عليّ(عليه السلام): فما تصنعون ب(المص) وقد أنزل عليه؟
قالوا: هذه إحدي وستّون ومائة سنة.
قال: فماذا تصنعون ب(الر) وقد أُنزلت عليه؟
فقالوا: هذه أكثر، هذه مائتان وإحدي وثلاثون سنة.
فقال عليّ(عليه السلام): فما تصنعون بما أُنزل عليه (المر)؟
قالوا: هذه مائتان وإحدي وسبعون سنة.
فقال عليّ(عليه السلام): فواحدة من هذه له أو جميعها له؟
فاختلط كلامهم، فبعضهم قال: له واحدة منها، وبعضهم قال: بل يجمع له كلّها وذلك سبعمائة وأربع وثلاثون سنة، ثمّ يرجع الملك إلينا يعني إلي اليهود.
فقال عليّ(عليه السلام): أكتاب من كتب اللّه نطق بهذا، أم آراؤكم دلّتكم عليه؟
قال بعضهم: كتاب اللّه نطق به، وقال آخرون منهم: بل آراؤنا دلّت عليه.
فقال عليّ(عليه السلام): فأتوا بالكتاب من عند اللّه ينطق بما تقولون.
فعجزوا عن إيراد ذلك، وقال للآخرين: فدلّونا علي صواب هذا الرأي.
فقال: صواب رأينا دليله أنّ هذا حساب الجمل.
فقال عليّ (عليه السلام): كيف دلّ علي ما تقولون، وليس في هذه الحروف إلّامااقترحتم بلا بيان؟!
أرأيتم إن قيل لكم: إنّ هذه الحروف ليست دالّة علي هذه المدّة لملك أُمّة محمّد، ولكنّها دالّة علي أنّ كلّ واحد منكم قد لعن بعدد هذا الحساب، أو أنّ عدد ذلك لكلّ واحد منكم ومنّا بعدد هذا الحساب دراهم أو دنانير، أو أنّ لعليّ علي كلّ
[ صفحه 22]
واحد منكم دين عدد ماله مثل عدد هذا الحساب؟
قالوا: يا أبا الحسن! ليس شي ء ممّا ذكرته منصوصاً عليه في (الم)، و(المص)، و(الر)، و(المر).
فقال عليّ(عليه السلام): ولا شي ء ممّا ذكرتموه منصوص عليه في (الم)، و(المص)، و(الر)، و (المر)، فإن بطل قولنا لما قلنا بطل قولك لما قلت.
فقال خطيبهم ومنطيقهم: لا تفرح يا عليّ، بأن عجزنا عن إقامة حجّة فيما تقولهنّ علي دعوانا، فأيّ حجة لك في دعواك؟ إلّا أن تجعل عجزنا حجّتك، فإذا ما لنا حجّة فيما نقول، ولا لكم حجّة فيما تقولون.
قال عليّ(عليه السلام): لا سواء، إنّ لنا حجّة، هي المعجزة الباهرة، ثمّ نادي جِمال اليهود: يا أيّتها الجمال! أشهدي لمحمّد ولوصيّه.
فتبادر الجمال: صدقت، صدقت، يا وصيّ محمّد! وكذب هؤلاء اليهود.
فقال عليّ(عليه السلام): هؤلاء جنس من الشهود، يا ثياب اليهود! التي عليهم، أشهدي لمحمّد و لوصيّه.
فنطقت ثيابهم كلّها: صدقت، صدقت، يا عليّ! نشهد أنّ محمّداً رسول اللّه حقّاً، وأنّك يا عليّ! وصيّه حقّاً، لم يثبت محمّداً قدماً في مكرمة إلّا وطأت علي موضع قدمه بمثل مكرمته، وأنتما شقيقان من اشراق أنوار اللّه، فميّزتما إثنين، وأنتما في الفضائل شريكان إلّا أنّه لا نبيّ بعد محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم).
فعند ذلك خرست اليهود، وآمن بعض النظارة منهم برسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم)، فغلب الشقاء علي اليهود وسائر النظارة الآخرين.
فذلك ما قال اللّه: (لَا رَيْبَ فِيهِ) إنّه كما قال محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم)، ووصيّ محمّد عن قول محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم)، عن قول ربّ العالمين.
ثمّ قال: (هُدًي) بيان وشفاء (لِّلْمُتَّقِينَ) من شيعة محمّد وعليّ، أنّهم اتّقوا
[ صفحه 23]
أنواع الكفر فتركوها، واتّقوا الذنوب الموبقات فرفضوها، واتّقوا إظهار أسرار اللّه وأسرار أزكياء عباده الأوصياء بعد محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم) فكتموها، واتّقوا ستر العلوم عن أهلها المستحقّين لها وفيهم نشروها. [3] .
قوله تعالي: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَمِمَّا رَزَقْنَهُمْ يُنفِقُونَ): 2 / 3
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
ثمّ وصف هؤلاء المتّقين الذين هذا الكتاب هديً لهم فقال: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) يعني بماغاب عن حواسّهم من الأمور التي يلزمهم الإيمان بها كالبعث
[ صفحه 24]
[والنشور] والحساب، والجنّة، والنار، وتوحيد اللّه تعالي، وسائر ما لا يعرف بالمشاهدة.
وإنّما يعرف بدلائل قد نصبها اللّه عزّ وجلّ [عليها] كآدم وحوّاء وإدريس ونوح وإبراهيم والأنبياء الذين يلزمهم الإيمان [بهم، و] بحجج اللّه تعالي وإن لم يشاهدوهم، ويؤمنون بالغيب، وهم من الساعة مشفقون. [4] .
2 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام): يعني (وَمِمَّا رَزَقْنَهُمْ) من الأموال والقوي في الأبدان والجاه والمقدار.
(يُنفِقُونَ) يؤدّون من الأموال الزكوات، ويجودون بالصدقات، ويحتملون الكلّ يؤدّون الحقوق اللازمات كالنفقة في الجهاد إذا لزم، وإذا استحبّ، وكسائر النفقات الواجبات علي الأهلين، وذوي الأرحام القريبات، والآباء، والأُمّهات.
وكالنفقات المستحبّات علي من لم يكن فرضاً عليهم النفقة من سائر القرابات، وكالمعروف بالإسعاف، والقرض، والأخذ بأيدي الضعفاء والضعيفات، ويؤدّون من قوي الأبدان المعونات، كالرجل يقود ضريراً وينجيه من مهلكة، أو يعين مسافراً، أو غير مسافر علي حمل متاع علي دابّة قد سقط عنها، أو كدفع عن مظلوم [قد] قصده ظالم بالضرب أو بالأذي.
ويؤدّون الحقوق من الجاه بأن يدفعوا به عن عرض من يظلم بالوقيعة فيه، أو يطلبوا حاجة بجاههم لمن [قد] عجز عنها بمقداره.
فكلّ هذا إنفاق ممّا رزقه اللّه تعالي. [5] .
[ صفحه 25]
3 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قوله عزّ وجلّ: (وَيُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَمِمَّا رَزَقْنَهُمْ يُنفِقُونَ).
قال الإمام(عليه السلام): ثمّ وصفهم بعد [ذلك] فقال: (وَيُقِيمُونَ الصَّلَوةَ) يعني بإتمام ركوعها، وسجودها، وحفظ مواقيتها، وحدودها، وصيانتها عمّا يفسدها وينقضها. [6] .
قوله تعالي: (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالأَْخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ): 2 / 4.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
ثمّ وصف بعد هؤلاء الذين يقيمون الصلاة، فقال: (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ- يا محمّد - وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ) علي الأنبياء الماضين، كالتوراة، والإنجيل، والزبور، وصحف إبراهيم، وسائر كتب اللّه تعالي المنزلة علي أنبيائه بأنّها حقّ وصدق من عند ربّ العالمين العزيز الصادق الحكيم.
(وَبِالأَْخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) وبالدار الآخرة بعد هذه الدنيا يوقنون [و] لايشكّون فيها أنّها الدار التي فيها جزاء الأعمال الصالحة بأفضل ممّاعملوه، وعقاب الأعمال السيّئة بمثل ما كسبوه. [7] .
[ صفحه 26]
قوله تعالي: (أُوْلَئكَ عَلَي هُدًي مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ):2 / 5
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
ثمّ أخبر (عن جلالة) هؤلاء الموصوفين بهذه الصفات الشريفة فقال: (أُوْلَئكَ) أهل هذه الصفات (عَلَي هُدًي) وبيان وصواب (مِّن رَّبِّهِمْ) وعلم بما أمرهم به، (وَأُوْلَئكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، الناجون ممّا منه يوجلون، الفائزون بما يؤملون. [8] .
قوله تعالي: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَايُؤْمِنُونَ): 2 / 6
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام): [ف] لمّا ذكر [اللّه] هؤلاء المؤمنين ومدحهم ذكر الكافرين المخالفين لهم في كفرهم، فقال: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ) باللّه وبما آمن به هؤلاء المؤمنون بتوحيد اللّه تعالي، وبنبوّةمحمّد رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم)، وبوصيّه عليّ وليّ اللّه ووصيّ رسول اللّه، وبالأئمّة الطاهرين الطيّبين خيار عباده الميامين القوّامين بمصالح خلق اللّه تعالي.
(سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ) خوّفتهم (أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ) لم تخوّفهم [فهم] (لَايُؤْمِنُونَ). [أخبر عن علمه فيهم، وهم الذين قد علم اللّه عزّ وجلّ أنّهم لايؤمنون]. [9] .
[ صفحه 27]
قوله تعالي: (خَتَمَ اللَّهُ عَلَي قُلُوبِهِمْ وَعَلَي سَمْعِهِمْ وَعَلَي أَبْصَرِهِمْ غِشَوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ): 2 / 7.
1 - أبو منصور الطبرسيّ(ره): وبالإسناد المقدّم ذكره [10] : أنّ أبامحمّد العسكريّ(عليه السلام) قال - في قوله تعالي -: (خَتَمَ اللَّهُ عَلَي قُلُوبِهِمْ وَعَلَي سَمْعِهِمْ وَعَلَي أَبْصَرِهِمْ غِشَوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [11] أي وسمها بسمة يعرفها من يشاء من ملائكته إذا نظر إليها بأنّهم الذين لا يؤمنون. وعلي سمعهم كذلك بسمات، وعلي أبصارهم غشاوة، وذلك بأنّهم لمّا أعرضوا عن النظر فيماكلّفوه، وقصروا فيما أُريد منهم، وجهلوا ما لزمهم الإيمان به، فصاروا كمن علي عينيه غطاء لا يبصر ما أمامه.
فإنّ اللّه عزّ وجلّ يتعالي عن العبث والفساد، وعن مطالبة العباد بمامنعهم بالقهر منه، فلا يأمرهم بمغالبته، ولابالمصير إلي ما قد صدّهم بالقسر [12] عنه.
ثمّ قال: (وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) يعني في الآخرة العذاب المعدّ للكافرين، وفي الدنيا أيضاً لمن يريد أن يستصلحه بما ينزل به من عذاب الاستصلاح لينبّهه
[ صفحه 28]
لطاعته، أو من عذاب الإصطلام ليصيّره إلي عدله وحكمته. [13] .
قوله تعالي: (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَتًا فَأَحْيَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ): 2 / 28.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم) لكفّار قريش واليهود: (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ الذي دلّكم علي طرق الهدي، وجنّبكم إن أطعتموه سبل الردي، (وَكُنتُمْ أَمْوَتًا) في أصلاب آبائكم وأرحام أُمّهاتكم.
(فَأَحْيَكُمْ) أخرجكم أحياء (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) في هذه الدنيا ويقبركم، (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) في القبور وينعّم فيها المؤمنين بنبوّة محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم) وولاية عليّ(عليه السلام) ويعذّب فيها الكافرين بهما، (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) في الآخرة بأن تموتوا في القبور بعد، ثمّ تحيوا للبعث يوم القيامة، ترجعون إلي ما وعدكم من الثواب علي الطاعات إن كنتم فاعليها، ومن العقاب علي المعاصي إن كنتم مقارفيها. [14] .
فقيل له: يا ابن رسول اللّه! ففي القبر نعيم وعذاب؟
قال: إي والذي بعث محمّداً(صلي اللّه عليه وال وسلم) بالحقّ نبيّاً وجعله زكيّاً هادياً مهديّاً.
[ صفحه 29]
وجعل أخاه عليّاً بالعهد وفيّاً، وبالحقّ مليّاً، ولدي اللّه مرضيّاً، وإلي الجهاد سابقاً، وللّه في أحواله موافقاً، وللمكارم حائزاً، وبنصر اللّه علي أعدائه فائزاً، وللعلوم حاوياً، ولأولياء اللّه موالياً، ولأعدائه مناوياً، وبالخيرات ناهضاً، وللقبائح رافضاً، وللشيطان مخزياً، وللفسقة المردة مقصياً، ولمحمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم) نفساً، وبين يديه لدي المكاره تُرساً [15] وجنّة.
آمنت به أنا وأبي عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) عبد ربّ الأرباب المفضّل علي أولي الألباب، الحاوي لعلوم الكتاب، زين من يوافي يوم القيامة في عرصات الحساب بعد محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم)، صفيّ الكريم العزيز الوهّاب.
إنّ في القبر نعيماً يوفّر اللّه به حظوظ أوليائه، وإنّ في القبر عذاباً يشدّد اللّه به علي أعدائه.
إنّ المؤمن الموالي لمحمّد وآله الطيّبين المتّخذ لعليّ بعد محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم) إمامه الذي يحتذي مثاله، وسيّده الذي يصدّق أقواله، ويصوّب أفعاله، ويطيعه بطاعة من يندبه من أطائب ذرّيّته لأمور الدين، وسياسته إذا حضره من أمر اللّه تعالي مالايردّ، ونزل به من قضائه ما لا يصدّ، وحضره ملك الموت وأعوانه وجد عندرأسه محمّداً(صلي اللّه عليه وال وسلم) رسول اللّه [سيّد النبيّين من جانب، ومن جانب آخر عليّاً(عليه السلام) سيّد الوصيّين، وعند رجليه من جانب الحسن(عليه السلام) سبط سيّد النبيّين، ومن جانب آخر الحسين(عليه السلام) سيّد الشهداء أجمعين، وحواليه بعدهم خيار خواصّهم ومحبّيهم، الذين هم سادة هذه الأُمّة بعد ساداتهم من آل محمّد.
فينظر إليهم العليل المؤمن، فيخاطبهم بحيث يحجب اللّه صوته عن
[ صفحه 30]
آذان حاضريه كما يحجب رؤيتنا أهل البيت، ورؤية خواصّنا عن عيونهم ليكون إيمانهم بذلك أعظم ثواباً، لشدّة المحنة عليهم فيه.
فيقول المؤمن: بأبي أنت وأُمّي يا رسول ربّ العزّة! بأبي أنت وأُمّي ياوصيّ رسول [ربّ] الرحمة، بأبي أنتما وأُمّي يا شبلي محمّد وضرغاميه، و[يا] ولديه وسبطيه، و[يا] سيّدي شباب أهل الجنّة المقرّبين من الرحمة والرضوان.
مرحباً بكم [يا] معاشر خيار أصحاب محمّد وعليّ، وولديهما ما كان أعظم شوقي إليكم! وما أشدّ سروري الآن بلقائكم!
يا رسول اللّه! هذا ملك الموت قد حضرني، ولا أشكّ في جلالتي في صدره لمكانك ومكان أخيك منّي، فيقول رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم): كذلك هو.
ثمّ يقبل رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم) علي ملك الموت، فيقول: يا ملك الموت! استوص بوصيّة اللّه في الإحسان إلي مولانا وخادمنا ومحبّنا ومؤثرنا، فيقول [له] ملك الموت: يا رسول اللّه! مره أن ينظر إلي ما قد أعدّ [اللّه] له في الجنان، فيقول له رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم): انظر إلي العلوّ!
فينظر إلي ما لا تحيط به الألباب ولا يأتي عليه العدد والحساب.
فيقول ملك الموت: كيف لا أرفق بمن ذلك ثوابه، وهذا محمّد وعترته زوّاره؟ يارسول اللّه! لولا أنّ اللّه جعل الموت عقبة لا يصل إلي تلك الجنان إلّا من قطعها لما تناولت روحه، ولكن لخادمك ومحبّك هذا أُسوة بك، وبسائر أنبياء اللّه ورسله وأوليائه الذين أُذيقوا الموت بحكم اللّه تعالي. ثمّ يقول محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم): يا ملك الموت! هاك أخانا قد سلّمناه إليك، فاستوص به خيراً، ثمّ يرتفع هو ومن معه إلي ربض الجنان، وقد كشف عن الغطاء والحجاب لعين ذلك المؤمن العليل، فيراهم المؤمن هناك بعد ما كانوا حول فراشه.
فيقول: يا ملك الموت! ألوحا ألوحا، تناول روحي ولا تلبثني ههنا فلاصبر
[ صفحه 31]
لي عن محمّد وعترته، وألحقني بهم.
فعند ذلك يتناول ملك الموت روحه،، فيسلّها كما يسلّ الشعرة من الدقيق، وإن كنتم ترون أنّه في شدّة فليس في شدّة، بل هو في رخاء ولذّة.
فإذا أدخل قبره وجد جماعتنا هناك، فإذا جاء منكر ونكير، قال أحدهما للآخر: هذا محمّد، و[هذا] عليّ والحسن والحسين وخيار صحابتهم بحضرة صاحبنا، فلنتّضع لهم.
فيأتيان ويسلّمان علي محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم) سلاماً [تامّاً] منفرداً، ثمّ يسلّمان علي عليّ سلاماً تامّاً منفرداً، ثمّ يسلّمان علي الحسن والحسين سلاماً يجمعانهما فيه، ثمّ يسلّمان علي سائر من معنا من أصحابنا.
ثمّ يقولان: قد علمنا يا رسول اللّه! زيارتك في خاصّتك لخادمك ومولاك، ولولا أنّ اللّه يريد إظهار فضله لمن بهذه الحضرة من أملاكه -ومن يسمعنا من ملائكته بعدهم- لما سألناه، ولكن أمر اللّه لابدّ من امتثاله.
ثمّ يسألانه فيقولان: من ربّك؟ وما دينك؟ ومن نبيّك؟ ومن إمامك؟ وماقبلتك؟ ومن إخوانك؟
فيقول: اللّه ربّي، ومحمّد نبيّي، وعليّ وصيّ محمّد إمامي، والكعبة قبلتي، والمؤمنون الموالون لمحمّد وعليّ و[آلهما] وأوليائهما، والمعادون لأعدائهما إخواني، [و] أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّ أخاه عليّاً وليّ اللّه، وأنّ من نصبهم للإمامة من أطائب عترته وخيار ذرّيّته خلفاء الأُمّة، وولاة الحقّ، والقوّامون بالعدل.
فيقول: علي هذا حييت، وعلي هذا متّ، وعلي هذا تبعث إن شاء اللّه تعالي، وتكون مع من تتولّاه في دار كرامة اللّه ومستقرّ رحمته.
قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم): وإن كان لأوليائنا معادياً، ولأعدائنا موالياً،
[ صفحه 32]
ولأضدادنا بألقابنا ملقّباً.
فإذا جاءه ملك الموت لنزع روحه، مثّل اللّه عزّ وجلّ لذلك الفاجر سادته الذين اتّخذهم أرباباً من دون اللّه، عليهم من أنواع العذاب ما يكاد نظره إليهم يهلكه، ولا يزال يصل إليه من حرّ عذابهم ما لا طاقة له به.
فيقول له ملك الموت: [يا] أيّها الفاجر الكافر! تركت أولياء اللّه إلي أعدائه فاليوم لا يغنون عنك شيئاً، ولا تجد إلي مناص سبيلاً.
فيرد عليه من العذاب ما لو قسّم أدناه علي أهل الدنيا لأهلكهم.
ثمّ إذا أدلي في قبره رأي باباً من الجنّة مفتوحاً إلي قبره يري منه خيراتها، فيقول [له] منكر ونكير: انظر إلي ما حرمته من [تلك] الخيرات.
ثمّ يفتح له في قبره باب من النار يدخل عليه منه [من] عذابها، فيقول: ياربّ! لا تقم الساعة، [ياربّ!] لا تقم الساعة. [16] .
قوله تعالي: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَي إِلَي السَّمَآءِ فَسَوَّل-هُنَّ سَبْعَ سَمَوَتٍ وَهُوَ بِكُلِ ّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ - وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَئكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَاتَعْلَمُونَ -
[ صفحه 33]
وَعَلَّمَ ءَادَمَ الْأَسْمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَي الْمَلَل-ِكَةِ فَقَالَ أَم نبُِونِي بِأَسْمَآءِ هَؤُلَآءِ إِن كُنتُمْ صَدِقِينَ - قَالُواْ سُبْحَنَكَ لَا عِلْمَ لَنَآ إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَآ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ - قَالَ يََادَمُ أَم نبِئْهُم بِأَسْمَآلِهِمْ فَلَمَّآ أَم نبَأَهُم بِأَسْمَآلِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ): 2 / 29 - 33.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
لمّا قيل لهم: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا) الآية.
قالوا: متي كان هذا؟
فقال اللّه عزّ وجلّ -حين قال رّبك للملائكة الذين كانوا في الأرض مع إبليس، وقد طردوا عنها الجنّ بني الجانّ وخفّت العبادة-: (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) بدلاً منكم، ورافعكم منها.
فاشتدّ ذلك عليهم لأنّ العبادة عند رجوعهم إلي السماء تكون أثقل عليهم، ف(قَالُوا) ربّنا (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَآءَ) كما فعلته الجنّ بنوالجانّ الذين قد طردناهم عن هذه الأرض (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ) ننزهك عمّا لا يليق بك من الصفات (وَنُقَدِّسُ لَكَ)، نطهّر أرضك ممّن يعصيك.
قال اللّه تعالي: (إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَاتَعْلَمُونَ) إنّي أعلم من الصلاح الكائن فيمن أجعله بدلاً منكم ما لا تعلمون.
وأعلم أيضاً أنّ فيكم من هو كافر في باطنه [ما] لا تعلمون[ه] - وهو إبليس لعنه اللّه -.
ثمّ قال: (وَعَلَّمَ ءَادَمَ الْأَسْمَآءَ كُلَّهَا) أسماء أنبياء اللّه وأسماء محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم) وعليّ وفاطمة والحسن والحسين والطيّبين من آلهما وأسماء خيار شيعتهم وعتاة أعدائهم، (ثُمَّ عَرَضَهُمْ) - عرض محمّداً، وعليّاً، والأئمّة -(عَلَي الْمَلَئكَةِ)
[ صفحه 34]
أي عرض أشباحهم، وهم أنوار في الأظلّة.
(فَقَالَ أَم نبُِونِي بِأَسْمَآءِ هَؤُلَآءِ إِن كُنتُمْ صَدِقِينَ) أنّ جميعكم تسبّحون وتقدّسون، وأنّ ترككم ههنا أصلح من إيراد من بعدكم، أي فكما لم تعرفوا غيب من [في] خلالكم فالحرّي أن لا تعرفوا الغيب الذي لم يكن كما لاتعرفون أسماء أشخاص ترونها.
قالت الملائكة: (سُبْحَنَكَ لَا عِلْمَ لَنَآ إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَآ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) [العليم] بكلّ شي ء الحكيم المصيب في كلّ فعل.
(قَالَ) اللّه عزّ وجلّ: (يََادَمُ) أنبي ء هؤلاء الملائكة (بِأَسْمَآلِهِمْ)، أسماء الأنبياء والأئمّة، (فَلَمَّآ أَم نبَأَهُم) فعرفوها أخذ عليهم العهد والميثاق بالإيمان بهم والتفضيل لهم، (قَالَ) اللّه تعالي عند ذلك: (أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَتِ وَالْأَرْضِ -سرّهما- وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ) [و] ماكان يعتقده إبليس من الإباء علي آدم إن أُمر بطاعته وإهلاكه إن سلّط عليه، ومن اعتقادكم أنّه لا أحد يأتي بعدكم إلّا وأنتم أفضل منه، بل محمّد وآله الطيّبون أفضل منكم الذين أنبأكم آدم بأسمائهم. [17] .
قوله تعالي: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَئكَةِ اسْجُدُواْ لِأَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلَّآ إِبْلِيسَ أَبَي وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَفِرِينَ): 2 / 34.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
قال اللّه عزّ وجلّ: كان خلق اللّه لكم ما في الأرض جميعاً (وَإِذْ قُلْنَا
[ صفحه 35]
لِلْمَلَئكَةِ اسْجُدُواْ لِأَدَمَ) أي في ذلك الوقت خلق لكم. [18] .
قوله تعالي: (وَقُلْنَا يََادَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَاتَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّلِمِينَ): 2 / 35.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
إنّ اللّه عزّ وجلّ لمّا لعن إبليس بإبائه، وأكرم الملائكة بسجودها لآدم وطاعتهم للّه عزّ وجلّ أمر بآدم وحوّاء إلي الجنّة، وقال: (وَقُلْنَا يََادَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا) من الجنّة (رَغَدًا) واسعاً (حَيْثُ شِئْتُمَا) بلا تعب.
(وَلَاتَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ) [شجرة العلم] شجرة علم محمّد وآل محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم) الذين آثرهم اللّه عزّ وجلّ بها دون سائر خلقه.
فقال اللّه تعالي: (وَلَاتَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ)، شجرة العلم، فإنّها لمحمّد وآله خاصّة دون غيرهم، ولا يتناول منها بأمر اللّه إلّا هم.
ومنها ما كان يتناوله النبيّ(صلي اللّه عليه وال وسلم) وعليّ وفاطمة والحسن والحسين صلوات اللّه عليهم أجمعين بعد إطعامهم المسكين، واليتيم، والأسير حتّي لم يحسّوا بعد بجوع، ولا عطش، ولا تعب، ولا نصب.
وهي شجرة تميّزت من بين أشجار الجنّة. إنّ سائر أشجار الجنّة [كان] كلّ نوع منه يحمل نوعاً من الثمار والمأكول.
وكانت هذه الشجرة وجنسها تحمل البرّ والعنب والتين والعنّاب وسائر أنواع الثمار والفواكه والأطعمة.
[ صفحه 36]
فلذلك اختلف الحاكون لتلك الشجرة، فقال بعضهم: هي برّة، وقال آخرون: هي عنبة، وقا آخرون: هي تينة، وقال آخرون: هي عنّابة.
قال اللّه تعالي: (وَلَاتَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ) تلتمسان بذلك درجة محمّد [وآل محمّد] في فضلهم.
فإنّ اللّه تعالي خصّهم بهذه الدرجة دون غيرهم، وهي الشجرة التي من تناول منها بإذن اللّه عزّ وجلّ ألهم علم الأوّلين والآخرين من غير تعلّم، ومن تناول [منها] بغير إذن اللّه خاب من مراده، وعصي ربّه (فَتَكُونَا مِنَ الظَّلِمِينَ) بمعصيتكما والتماسكما درجة قد أوثر بها غيركما، إذا أردتماها بغير حكم اللّه. [19] .
قوله تعالي: (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَنُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَعٌ إِلَي حِينٍ):2 / 36.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال اللّه تعالي: (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَنُ عَنْهَا) عن الجنّة بوسوسته وخديعته وإيهامه [وعداوته] وغروره بأن بدأ بآدم فقال: (قَالَ مَا نَهَل-كُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلآَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ) إن تناولتما منها تعلمان الغيب، وتقدران علي ما يقدر عليه
[ صفحه 37]
من خصّه اللّه تعالي بالقدرة، (أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَلِدِينَ) [20] لا تموتان أبداً.
(وَقَاسَمَهُمَآ) حلف لهما (إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّصِحِينَ) [21] [الصالحين].
وكان إبليس بين لحيي الحيّة أدخلته الجنّة، وكان آدم يظنّ أنّ الحيّة هي التي تخاطبه، ولم يعلم أنّ إبليس قد اختبأ بين لحييها.
فردّ آدم علي الحيّة: أيّتها الحيّة! هذا من غرور إبليس لعنه اللّه، كيف يخوننا ربّنا أم كيف تعظّمين اللّه بالقسم به، وأنت تنسبينه إلي الخيانة وسوء النظر، وهو أكرم الأكرمين، أم كيف أروم التوصّل إلي ما منعني منه ربّي عزّوجلّ وأتعاطاه بغير حكمة، فلمّا آيس إبليس من قبول آدم منه عاد ثانية بين لحيي الحيّة، فخاطب حوّاء من حيث يوهمها أنّ الحيّة هي التي تخاطبها، وقال: يا حوّاء! أرأيت هذه الشجرة التي كان اللّه عزّ وجلّ حرّمها عليكما قد أحلّها لكما بعد تحريمها لما عرف من حسن طاعتكما له، وتوقيركما إيّاه، وذلك أنّ الملائكة الموكّلين بالشجرة -الذين معهم حراب يدفعون عنها سائر حيوان الجنّة- لاتدفعك عنها إن رمتها، فاعلمي بذلك أنّه قد أحلّ لك، وأبشري بأنّك إن تناولتها قبل آدم كنت أنت المسلّطة عليه الآمرة الناهية فوقه.
فقالت حوّاء: سوف أجرّب هذا، فرامت الشجرة، فأرادت الملائكة أن تدفعها عنها بحرابها.
فأوحي اللّه تعالي إليها: إنّما تدفعون بحرابكم من لا عقل له يزجره، فأمّا من جعلته ممكّناً مميّزاً مختاراً، فكلوه إلي عقله الذي جعلته حجّة عليه، فإن أطاع استحقّ ثوابي، وإن عصي وخالف [أمري] استحقّ عقابي وجزائي.
[ صفحه 38]
فتركوها، ولم يتعرّضوا لها بعد ما همّوا بمنعها بحرابهم، فظنّت أنّ اللّه نهاهم عن منعها لأنّه قد أحلّها بعد ما حرّمها.
فقالت: صدقت الحيّة، وظنّت أنّ المخاطب لها هي الحيّة، فتناولت منها، ولم تنكر من نفسها شيئاً.
فقالت لآدم: ألم تعلم أنّ الشجرة المحرّمة علينا قد أُبيحت لنا، تناولت منها فلم تمنعني أملاكها، ولم أنكر شيئاً من حالي.
(فذلك حين) اغترّ آدم وغلط، فتناول فأصابهما [ما] قال اللّه تعالي في كتابه: (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَنُ عَنْهَا) بوسوسته وغروره (مِمَّا كَانَا فِيهِ) من النعيم، (وَقُلْنَا) يا آدم، ويا حوّاء، ويا أيّتها الحيّة، ويا إبليس! (اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ)، آدم وحوّاء وولدهما عدوّ للحيّة، وإبليس والحيّة وأولادهما أعداؤكم، (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ) منزل ومقرّ للمعاش، (وَمَتَعٌ) منفعة (إِلَي حِينٍ) الموت. [22] .
قوله تعالي: (فَتَلَقَّي ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ ي كَلِمَتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ و هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ - قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًي فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ - وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بَِايَتِنَآ أُوْلَئكَ أَصْحَبُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَلِدُونَ): 2 / 37 - 39.
[ صفحه 39]
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال اللّه تعالي: (فَتَلَقَّي ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ ي كَلِمَتٍ) يقولها، فقالها (فَتَابَ) اللّه (عَلَيْهِ إِنَّهُ و هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [التوّاب] القابل للتوبات، الرحيم بالتائبين.
(قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعًا) كان أمر في الأوّل أن يهبطا، وفي الثاني أمرهم أن يهبطوا جميعاً لا يتقدّم أحدهم الآخر.
والهبوط إنّما كان هبوط آدم وحوّاء من الجنّة، وهبوط الحيّة أيضاً منها فإنّها كانت من أحسن دوابّها، وهبوط إبليس من حواليها، فإنّه كان محرّماً عليه دخول الجنّة.
(فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًي) يأتيكم - وأولادكم من بعدكم - منّي هديً ياآدم ويا إبليس (فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) لا خوف عليهم حين يخاف المخالفون، ولا هم يحزنون إذا يحزنون.
قال(عليه السلام): فلمّا زلّت من آدم الخطيئة، واعتذر إلي ربّه عزّ وجلّ، قال:
«يا ربّ! تب عليّ، واقبل معذرتي، وأعدني إلي مرتبتي، وارفع لديك درجتي، فلقد تبيّن نقص الخطيئة وذلّها في أعضائي وسائر بدني».
قال اللّه تعالي: يا آدم! أما تذكر أمري إيّاك بأن تدعوني بمحمّد وآله الطيّبين عند شدائدك، ودواهيك وفي النوازل [التي] تبهظك؟ [23] .
قال آدم: ياربّ! بلي.
قال اللّه عزّ وجلّ (له فتوسّل بمحمّد)، وعليّ، وفاطمة، والحسن، والحسين صلوات اللّه عليهم خصوصاً، فادعني أجبك إلي ملتمسك، وأزدك فوق مرادك.
فقال آدم: ياربّ! يا الهي! وقد بلغ عندك من محلّهم أنّك بالتوسّل [إليك] بهم
[ صفحه 40]
تقبل توبتي، وتغفر خطيئتي، وأنا الذي أسجدت له ملائكتك، وأبحته جنّتك، وزوّجته حوّاء أمتك، وأخدمته كرام ملائكتك!
قال اللّه تعالي: يا آدم! إنّما أمرت الملائكة بتعظيمك [و] بالسجود [لك] إذ كنت وعاءاً لهذه الأنوار، ولو كنت سألتني بهم قبل خطيئتك أن أعصمك منها وأن أُفطّنك لدواعي عدوّك إبليس حتّي تحترز منه لكنت قد جعلت ذلك، ولكنّ المعلوم في سابق علمي يجري موافقاً لعلمي، فالآن فبهم فادعني لأجبك.
فعند ذلك قال آدم: «اللّهمّ! بجاه محمّد وآله الطيّبين، بجاه محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين والطيّبين من آلهم لما تفضّلت [عليّ] بقبول توبتي، وغفران زلّتي، وإعادتي من كراماتك إلي مرتبتي»
فقال اللّه عزّ وجلّ: قد قبلت توبتك، وأقبلت برضواني عليك، وصرفت آلائي ونعمائي إليك، وأعدتك إلي مرتبتك من كراماتي، ووفّرت نصيبك من رحماتي، فذلك قوله عزّ وجلّ: (فَتَلَقَّي ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ ي كَلِمَتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ و هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ). [24] .
2 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): ثمّ قال عزّ وجلّ للذين أهبطهم -من آدم وحوّاء وإبليس والحيّة: (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ) مقام فيها تعيشون وتحثّكم لياليها وأيّامها إلي السعي للآخرة، فطوبي لمن (تزوّد منها) لدار البقاء (وَمَتَعٌ إِلَي حِينٍ) لكم في الأرض منفعة إلي حين موتكم، لأنّ اللّه تعالي منها يخرج زروعكم وثماركم، وبها ينزّهكم وينعّمكم، وفيها أيضاً
[ صفحه 41]
بالبلايا يمتحنكم، يلذّذكم بنعيم الدنيا تارة ليذكّركم نعيم الآخرة الخالص ممّا ينقص نعيم الدنيا، ويبطله، ويزهّد فيه، ويصغّره ويحقّره، ويمتحنكم تارة ببلايا الدنيا التي [قد] تكون في خلالها (الرحمات، وفي تضاعيفها النعم التي) تدفع عن المبتلي بها مكارهها، ليحذّركم بذلك عذاب الأبد الذي لا يشوبه عافية، ولا يقع في تضاعيفه راحة ولا رحمة.
(فَتَلَقَّي ءَادَمُ) قد فسّر، (وَقُلْنَا اهْبِطُواْ) قد فسّر.
ثمّ قال اللّه عزّ وجلّ: (وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بَِايَتِنَآ) الدالّات علي صدق محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم) علي ما جاء به من أخبار القرون السالفة، وعلي ما أدّاه إلي عباداللّه من ذكر تفضيله لعليّ(عليه السلام) وآله الطيّبين خير الفاضلين والفاضلات بعد محمّد سيّد البريّات.
(أُوْلَئكَ) الدافعون لصدق محمّد في أنبائه، [والمكذّبون له في نصبه لأوليائه] عليّ سيّد الأوصياء والمنتجبين من ذرّيّته الطيّبين الطاهرين (أَصْحَبُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَلِدُونَ). [25] .
قوله تعالي: (يَبَنِي إِسْرَءِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّيَ فَارْهَبُونِ): 2 / 40.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
قال اللّه عزّ وجلّ: (يَبَنِي إِسْرَءِيلَ) ولد يعقوب إسرائيل اللّه
[ صفحه 42]
(اذْكُرُواْنِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) لمّا بعثت محمّداً(صلي اللّه عليه وال وسلم) وأقررته في مدينتكم ولم أجشّمكم الحطّ والترحال إليه، وأوضحت علاماته ودلائل صدقه، لئلّا يشتبه عليكم حاله.
(وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي) الذي أخذته علي أسلافكم أنبياؤهم، وأمروهم أن يودّوه إلي أخلافهم ليؤمنوا بمحمّد العربيّ القرشيّ الهاشميّ المبان بالآيات، والمؤيّد بالمعجزات التي منها أن كلّمته ذراع مسمومة، وناطقه ذئب، وحنّ إليه عود المنبر، وكثّر اللّه له القليل من الطعام، وألان له الصلب من الأحجار، وصلّب له المياه السيّالة، ولم يؤيّد نبيّاً من أنبيائه بدلالة إلّا جعل له مثلها أو أفضل منها.
والذي جعل من أكبر آياته عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) شقيقه ورفيقه، عقله من عقله، وعلمه من علمه، وحكمه من حكمه، وحلمه من حلمه، مؤيّد دينه بسيفه الباتر بعد أن قطع معاذير المعاندين بدليله القاهر، وعلمه الفاضل، وفضله الكامل.
(أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) الذي أوجبت به لكم نعيم الأبد في دار الكرامة ومستقرّ الرحمة، (وَإِيَّيَ فَارْهَبُونِ) في مخالفة محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم)، فإنّي القادر علي صرف بلاء من يعاديكم علي موافقتي، وهم لا يقدرون علي صرف انتقامي عنكم إذا آثرتم مخالفتي. [26] .
[ صفحه 43]
قوله تعالي: (وَءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمْ وَلَاتَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرِم بِهِ ي وَلَاتَشْتَرُواْ بَِايَتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَإِيَّيَ فَاتَّقُونِ): 2 / 41.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
ثمّ قال اللّه عزّ وجلّ: لليهود (وَءَامِنُوا) أيّها اليهود(بِمَآ أَنزَلْتُ) علي محمّد نبيّي من ذكر نبوّته وإنباء إمامة أخيه عليّ(عليه السلام) وعترته الطيّبين الطاهرين (مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمْ).
فإنّ مثل هذا الذكر في كتابكم أنّ محمّداً النبيّ سيّد الأوّلين والآخرين، المؤيّد بسيّد الوصيّين، وخليفة رسول ربّ العالمين، فاروق هذه الأُمّة، وباب مدينة الحكمة، ووصيّ رسول [ربّ] الرحمة.
(وَلَاتَشْتَرُواْ بَِايَتِي) المنزلة لنبوّة محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم) وإمامة عليّ(عليه السلام) والطيّبين من عترته (ثَمَنًا قَلِيلاً) بأن تجحدوا نبوّة النبيّ [محمّد](صلي اللّه عليه وال وسلم) وإمامة الإمام [عليّ](عليه السلام) [وآلهما]، وتعتاضوا عنها عرض الدنيا فإنّ ذلك وإن كثر فإلي نفاد وخسار وبوار.
ثمّ قال اللّه عزّ وجلّ (وَإِيَّيَ فَاتَّقُونِ) في كتمان أمر محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم)، وأمر وصيّه(عليه السلام)، فإنّكم إن تتّقوا لم تقدحوا في نبوّة النبيّ، ولا في وصيّة الوصيّ، بل حجج اللّه عليكم قائمة، وبراهينه بذلك واضحة قد قطعت معاذيركم، وأبطلت تمويهكم.
وهؤلاء يهود المدينة جحدوا نبوّة محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم) وخانوه، وقالوا: نحن نعلم أنّ محمّداً نبيّ، وأنّ عليّاً وصيّه، ولكن لست أنت ذاك، ولا هذا -يشيرون إلي عليّ(عليه السلام)-، فأنطق اللّه تعالي ثيابهم التي عليهم، وخفافهم التي في أرجلهم، يقول كلّ واحد منها للابسه: كذبت يا عدوّ اللّه! بل النبيّ محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم) هذا، والوصيّ
[ صفحه 44]
عليّ هذا، ولو أذن اللّه لنا لضغطناكم، وعقرناكم، وقتلناكم.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم): إنّ اللّه عزّ وجلّ يمهلهم لعلمه بأنّه سيخرج من أصلابهم ذرّيّات طيّبات مؤمنات، ولو تزيّلوا لعذّب [اللّه] هؤلاء عذاباً أليماً، إنّما يعجّل من يخاف الفوت. [27] .
قوله تعالي: (وَلَاتَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ - وَأَقِيمُواْ الصَّلَوةَ وَءَاتُواْ الزَّكَوةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّكِعِينَ): 2 / 42 و43.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
خاطب اللّه بها قوماً من اليهود لبسوا الحقّ بالباطل بأن زعموا أنّ محمّداً(صلي اللّه عليه وال وسلم) نبيّ، وأنّ عليّاً وصيّ، ولكنّهما يأتيان بعد وقتنا هذا بخمسمائة سنة.
فقال لهم رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم): أترضون التوراة بيني وبينكم حكماً؟
قالوا: بلي، فجاءوا بها، وجعلوا يقرءون منها خلاف ما فيها، فقلّب اللّه عزّ وجلّ الطومار الذي كانوا منه يقرءون، وهو في يد قرّاءين [28] منهم مع أحدهما
[ صفحه 45]
أوّله ومع الآخر آخره، فانقلب ثعباناً له رأسان [و] تناول كلّ رأس منهما يمين من هو في يده، وجعل يرضّضه ويهشّمه ويصيح الرجلان ويصرخان، وكانت هناك طوامير أُخر، فنطقت، وقالت: لا تزالان في هذا العذاب حتّي تقرأا ما فيها من صفة محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم) ونبوّته، وصفة عليّ(عليه السلام) وإمامته علي ما أنزل اللّه تعالي فيها، فقرأاه صحيحاً وآمنا برسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم)، واعتقدا إمامة عليّ وليّ اللّه، ووصيّ رسول اللّه.
فقال اللّه عزّ وجلّ: (وَلَاتَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَطِلِ)، بأن تقرّوا بمحمّد وعليّ من وجه، وتجحدوهما من وجه.
(وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ) من نبوّة هذا وإمامة هذا (وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) أنّكم تكتمونه وتكابرون علومكم وعقولكم، فإنّ اللّه إذا كان قد جعل أخباركم حجّة ثمّ جحدتم لم يضيّع [هو] حجّته بل يقيمها من غير جهتكم، فلاتقدّروا أنّكم تغالبون ربّكم وتقاهرونه.
ثمّ قال اللّه عزّ وجلّ لهؤلاء: (وَأَقِيمُواْ الصَّلَوةَ).
قال: (وَأَقِيمُواْ الصَّلَوةَ) المكتوبات التي جاء بها محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم)، وأقيموا أيضاً الصلاة علي محمّد وآله الطيّبين الطاهرين الذين علي سيّدهم وفاضلهم.
(وَءَاتُواْ الزَّكَوةَ) من أموالكم إذا وجبت، ومن أبدانكم إذا لزمت، ومن معونتكم إذا التمست، (وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّكِعِينَ) تواضعوا مع المتواضعين لعظمة اللّه عزّ وجلّ في الانقياد لأولياء اللّه لمحمّد نبيّ اللّه، ولعليّ وليّ اللّه، وللائمّة بعدهما سادة أصفياءاللّه. [29] .
[ صفحه 46]
قوله تعالي: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَبَ أَفَلَاتَعْقِلُونَ): 2 / 44.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): [قال الإمام(عليه السلام)]: ثمّ قال اللّه عزّ وجلّ لقوم من مردة اليهود ومنافقيهم المحتجنين [30] الأموال الفقراء، المستأكلين للأغنياء، الذين يأمرون بالخير ويتركونه، وينهون عن الشرّ ويرتكبونه، قال: يامعاشر اليهود! (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ) بالصدقات وأداء الأمانات (وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ) أفلا تعقلون ما به تأمرون (وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَبَ) التوراة الآمرة بالخيرات، الناهية عن المنكرات، المخبرة عن عقاب المتمرّدين، وعن عظيم الشرف الذي يتطوّل اللّه به علي الطائعين المجتهدين.
(أَفَلَاتَعْقِلُونَ) ما عليكم من عقاب اللّه عزّ وجلّ في أمركم بما به لاتأخذون، وفي نهيكم عمّا أنتم فيه منهمكون.
وكان هؤلاء قوم من رؤساء اليهود وعلمائهم احتجنوا أموال الصدقات والمبرّات، فأكلوها واقتطعوها، ثمّ حضروا رسول اللّه صلي اللّه عليه.
وقد حشروا عليه عوامّهم يقولون: إنّ محمّداً(صلي اللّه عليه وال وسلم) تعدّي طوره وادّعي
[ صفحه 47]
ماليس له. [31] .
قوله تعالي: (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلَوةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَي الْخَشِعِينَ): 2 / 45.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام):
ثمّ قال اللّه عزّ وجلّ لسائر اليهود والكافرين المظهرين: (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلَوةِ) [أي بالصبر] عن الحرام، [و] علي تأدية الأمانات، وبالصبر علي الرئاسات الباطلة، وعلي الاعتراف لمحمّد بنبوّته، ولعليّ بوصيّته.
(وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ) علي خدمتهما، وخدمة من يأمرانكم بخدمته علي استحقاق الرضوان والغفران، ودائم نعيم الجنان في جوار الرحمن، ومرافقة خيار المؤمنين، والتمتّع بالنظر إلي عزّة محمّد سيّد الأوّلين والآخرين، وعليّ سيّد الوصيّين، والسادة الأخيار المنتجبين، فإنّ ذلك أقرّ لعيونكم، وأتمّ لسروركم، وأكمل لهدايتكم من سائر نعيم الجنان.
واستعينوا أيضاً بالصلوات الخمس، وبالصلاة علي محمّد وآله الطيّبين (علي قرب الوصول إلي جنّات النعيم).
(وَإِنَّهَا) أي هذه الفعلة من الصلوات الخمس، و [من] الصلاة علي محمّد وآله الطيّبين مع الإنقياد لأوامرهم، والإيمان بسرّهم وعلانيتهم، وترك معارضتهم بلم وكيف (لَكَبِيرَةٌ) [ل]عظيمة، (إِلَّا عَلَي الْخَشِعِينَ) الخائفين من عقاب اللّه في مخالفته في أعظم فرائضه. [32] .
[ صفحه 48]
قوله تعالي: (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَقُواْ رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَجِعُونَ):2 / 46.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): [قال الإمام(عليه السلام):]
ثمّ وصف الخاشعين، فقال: (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَقُواْ رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَجِعُونَ الذين يقدّرون أنّهم يلقون ربّهم اللقاء الذي هو أعظم كراماته لعباده، وإنّما قال: (يَظُنُّونَ) لأنّهم لا يدرون بماذا يختم لهم، والعاقبة مستورة عنهم (وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَجِعُونَ) إلي كراماته، ونعيم جنّاته لإيمانهم وخشوعهم، لايعلمون ذلك يقيناً، لأنّهم لايأمنون أن يغيّروا ويبدّلوا.
قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم): لا يزال المؤمن خائفاً من سوء العاقبة لا يتيقّن الوصول إلي رضوان اللّه حتّي يكون وقت نزع روحه وظهور ملك الموت له.
وذلك أنّ ملك الموت يرد علي المؤمن وهو في شدّة علّته، وعظيم ضيق صدره بما يخلّفه من أمواله، ولما هو عليه من [شدّة] اضطراب أحواله في معامليه وعياله، [و]قد بقيت في نفسه حسراتها واقتطع دون أمانيّه، فلم ينلها، فيقول له ملك الموت: مالك تجرع غصصك؟
فيقول: لاضطراب أحوالي، واقتطاعك لي دون [أموالي و] آمالي.
فيقول له ملك الموت: وهل يحزن عاقل من فقد درهم زائف [33] واعتياض
[ صفحه 49]
ألف ألف ضعف الدنيا؟
فيقول: لا! فيقول ملك الموت: فانظر فوقك، فينظر فيري درجات الجنان وقصورها التي تقصر دونها الأمانيّ، فيقول ملك الموت: تلك منازلك ونعمك وأموالك وأهلك وعيالك، ومن كان من أهلك ههنا، وذرّيّتك صالحاً فهم هناك معك، أفترضي به بدلاً ممّا هناك؟
فيقول: بلي، واللّه! ثمّ يقول: انظر! فينظر فيري محمّداً وعليّاً والطيّبين من آلهما في أعلي عليّين فيقول [له]: أوتراهم هؤلاء ساداتك وأئمّة هم هناك جلّاسك وأُناسك، [أ]فما ترضي بهم بدلاً ممّا تفارق ههنا، فيقول: بلي، وربّي! فذلك ما قال اللّه عزّ وجلّ: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَل-ِكَةُ أَلَّاتَخَافُواْ وَلَاتَحْزَنُواْ) فما أمامكم من الأهوال فقد كفيتموها (وَلَاتَحْزَنُوا) علي ما تخلّفونه من الذراري والعيال [والأموال].
فهذا الذي شاهدتموه في الجنان بدلاً منهم (وَأَبْشِرُواْ بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) [34] هذه منازلكم وهؤلاء ساداتكم وأُناسكم وجلّاسكم. [35] .
قوله تعالي: (يَبَنِي إِسْرَءِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي
[ صفحه 50]
فَضَّلْتُكُمْ عَلَي الْعَلَمِينَ):2 / 47.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
قال [اللّه تعالي]: (يَبَنِي إِسْرَءِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) أن بعثت موسي وهارون إلي أسلافكم بالنبوّة، فهديناهم إلي نبوّة محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم) ووصيّة [عليّ] وإمامة عترته الطيّبين.
وأخذنا عليكم بذلك العهود والمواثيق التي إن وفيتم بها كنتم ملوكاً في جنانه، مستحقّين لكراماته ورضوانه، (وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَي الْعَلَمِينَ) هناك أي فعلته بأسلافكم فضّلتهم ديناً ودنياً.
أمّا تفضيلهم في الدين فلقبولهم نبوّة محمّد، [وولاية عليّ] وآلهما الطيّبين.
وأمّا [تفضيلهم] في الدنيا فبأن ظلّلت عليهم الغمام، وأنزلت عليهم المنّ والسلوي، وسقيتهم من حجر ماءً عذباً، وفلقت لهم البحر، فأنجيتهم وأغرقت أعداءهم فرعون وقومه، وفضّلتهم بذلك [علي] عالمي زمانهم الذين خالفوا طرائقهم، وحادوا عن سبيلهم.
ثمّ قال اللّه عزّ وجلّ [لهم]: فإذا كنت [قد] فعلت هذا بأسلافكم في ذلك الزمان لقبولهم ولاية محمّد وآله، فبالحريّ أن أزيدكم فضلاً في هذاالزمان إذا أنتم وفيتم بما آخذ من العهد والميثاق عليكم. [36] .
قوله تعالي: (وَاتَّقُواْ يَوْمًا لَّاتَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيًْا وَلَايُقْبَلُ مِنْهَا شَفَعَةٌ وَلَايُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ): 2 / 48.
[ صفحه 51]
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): ثمّ قال اللّه عزّوجلّ: (وَاتَّقُواْ يَوْمًا لَّاتَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيًْا) لا تدفع عنها عذاباً قد استحقّته عند النزع، (وَلَايُقْبَلُ مِنْهَا شَفَعَةٌ) يشفع لها بتأخير الموت عنها، (وَلَايُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ) لا يقبل [منها] فداء[ب]مكانه يمات ويترك هو.
قال الصادق(عليه السلام): وهذا [اليوم] يوم الموت، فإنّ الشفاعة والفداء لايغني عنه.
فأمّا في القيامة فإنّا وأهلنا نجزي عن شيعتنا كلّ جزاء ليكوننّ علي الأعراف بين الجنّة والنار محمّد، وعليّ، وفاطمة، والحسن والحسين(عليه السلام) والطيّبون من آلهم، فنري بعض شيعتنا في تلك العرصات -ممّن كان منهم مقصّراً- في بعض شدائدها، فنبعث عليهم خيار شيعتنا كسلمان، والمقداد، وأبي ذرّ، وعمّار، ونظائرهم في العصر الذي يليهم، ثمّ في كلّ عصر إلي يوم القيامة، فينقضون عليهم كالبزاة والصقور ويتناولونهم كما تتناول البزاة والصقور صيدها، فيزفّونهم إلي الجنّة زفّاً.
وإنّا لنبعث علي آخرين من محبّينا من خيار شيعتنا كالحمام فيلتقطونهم من العرصات كما يلتقط الطير الحبّ، وينقلونهم إلي الجنان بحضرتنا.
وسيؤتي ب[الواحد] من مقصّري شيعتنا في أعماله بعد أن قد حاز الولاية والتقيّة وحقوق إخوانه، ويوقف بإزائه مابين مائة وأكثر من ذلك إلي مائةألف من النصّاب، فيقال له: هؤلاء فداؤك من النار.
فيدخل هؤلاء المؤمنون الجنّة وأولئك النصّاب النار.
وذلك ما قال اللّه عزّ وجلّ: (رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ) يعني بالولاية
[ صفحه 52]
(لَوْكَانُواْ مُسْلِمِينَ) [37] في الدنيا منقادين للإمامة، ليجعل مخالفوهم فداءهم
من النار. [38] .
قوله تعالي: (وَإِذْ نَجَّيْنَكُم مِّنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلَآءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ):2 / 49.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
قال تعالي: واذكروا يا بني إسرائيل (وَإِذْ نَجَّيْنَكُم) أنجينا أسلافكم (مِّنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ) وهم الذين كانوا يدنون إليه بقرابته وبدينه ومذهبه (يَسُومُونَكُمْ) كانوا يعذّبونكم (سُوءَ الْعَذَابِ) شدّة العذاب كانوا يحملونه عليكم.
قال: وكان من عذابهم الشديد، أنّه كان فرعون يكلّفهم عمل البناء والطين، ويخاف أن يهربوا عن العمل فأمر بتقييدهم، فكانوا ينقلون ذلك الطين علي السلاليم إلي السطوح.
فربّما سقط الواحد منهم فمات أو زمن، ولا يحفلون بهم إلي أن أوحي اللّه عزّوجلّ إلي موسي(عليه السلام): قل لهم: لا يبتدءون عملاً إلّا بالصلاة علي محمّد وآله الطيّبين، ليخفّ عليهم، فكانوا يفعلون ذلك فيخفّ عليهم.
وأمر كلّ من سقط وزمن ممّن نسي الصلاة علي محمّد وآله الطيّبين أن يقولها
[ صفحه 53]
علي نفسه إن أمكنه -أي الصلاة علي محمّد وآله- أو يقال عليه إن لم يمكنه، فإنّه يقوم ولا يضرّه ذلك، ففعلوها، فسلموا.
(يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ) وذلك لمّا قيل لفرعون أنّه يولد في بني إسرائيل مولود يكون علي يده هلاكك وزوال ملكك، فأمر بذبح أبنائهم فكانت الواحدة [منهنّ] تصانع القوابل عن نفسها - لئلاّ ينم عليها - [ويتمّ] حملها ثمّ تلقي ولدها في صحراء، أو غار جبل أو مكان غامض، وتقول عليه عشر مرّات الصلاة علي محمّد وآله، فيقيّض اللّه [له] ملكاً يربّيه، ويدرّ من إصبع له لبناً يمصّه، ومن إصبع طعاماً [ليّناً] يتغذّاه إلي أن نشأ بنو إسرائيل، وكان من سلم منهم ونشأ أكثر ممّن قتل، (وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ) يبقونهنّ ويتّخذونهنّ إماء، فضجّوا إلي موسي وقالوا: يفترعون بناتنا وأخواتنا.
فأمر اللّه تلك البنات كلّما رابهنّ ريب من ذلك صلّين علي محمّد وآله الطيّبين، فكان اللّه يردّ عنهنّ أولئك الرجال إمّا بشغل، أو مرض، أو زمانة، أو لطف من ألطافه، فلم يفترش منهنّ امرأة، بل دفع اللّه عزّ وجلّ ذلك عنهنّ بصلاتهنّ علي محمّد وآله الطيّبين.
ثمّ قال اللّه عزّ وجلّ: (وَفِي ذَلِكُم) أي في ذلك الإنجاء الذي أنجاكم منهم ربّكم (بَلَآءٌ) نعمة (مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ) كبير.
قال اللّه عزّ وجلّ: يا بني إسرائيل! أذكروا إذ كان البلاء يصرف عن أسلافكم، ويخفّ بالصلاة علي محمّد وآله الطيّبين، أفما تعلمون أنّكم إذا شاهدتموه وآمنتم به كانت النعمة عليكم أعظم [وأفضل]، وفضل اللّه عليكم [أكثر] وأجزل. [39] .
[ صفحه 54]
قوله تعالي: (وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَكُمْ وَأَغْرَقْنَآ ءَالَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ): 2 / 50.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
قال اللّه عزّ وجلّ: واذكروا إذ جعلنا ماء البحر فرقاً ينقطع بعضه من بعض (فَأَنجَيْنَكُمْ) هناك، (وَأَغْرَقْنَآ) فرعون وقومه.
(وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ) إليهم وهم يغرقون.
وذلك أنّ موسي(عليه السلام) لما انتهي إلي البحر أوحي اللّه عزّ وجلّ إليه: قل لبني إسرائيل جدّدوا توحيدي، وأمرّوا بقلوبكم ذكر محمّد سيّد عبيدي وإمائي، وأعيدوا علي أنفسكم الولاية لعليّ أخي محمّد وآله الطيّبين وقولوا: «اللّهمّ بجاههم جوّزنا علي متن هذا الماء».
فإنّ الماء يتحوّل لكم أرضاً، فقال لهم موسي ذلك.
فقالوا: أتورد علينا ما نكره، وهل فررنا من [آل] فرعون إلّا من خوف الموت؟ وأنت تقتحم بنا هذا الماء الغمر بهذه الكلمات، ومايدرينا ما يحدث من هذه علينا، فقال لموسي(عليه السلام) كالب بن يوحنّا -وهو علي دابّة له، وكان ذلك الخليج أربعة فراسخ -: يا نبيّ اللّه! أمرك اللّه بهذا أن نقوله وندخل الماء؟ فقال: نعم! قال: وأنت تأمرني به؟ قال: بلي.
[قال:] فوقف وجدّد علي نفسه من توحيد اللّه، ونبوّة محمّد، وولاية عليّ بن أبي طالب، والطيّبين من آلهما ما أمره به، ثمّ قال: «اللّهمّ بجاههم، جوّزني علي متن هذا الماء».
[ صفحه 55]
ثمّ أقحم فرسه، فركض علي متن الماء، وإذا الماء من تحته كأرض ليّنة حتّي بلغ آخر الخليج، ثمّ عاد راكضاً، ثمّ قال لبني إسرائيل: يا بني إسرائيل! أطيعوا موسي، فما هذا الدعاء إلّا مفتاح أبواب الجنان، ومغاليق أبواب النيران، ومنزل الأرزاق، وجالب علي عباد اللّه وإمائه رضي [الرحمن] المهيمن الخلاّق، فأبوا وقالوا: [نحن] لا نسير إلّا علي الأرض.
فأوحي اللّه إلي موسي: (أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ) [40] ، وقل: «اللّهمّ بجاه محمّد وآله الطيّبين لما فلقته»، ففعل، فانفلق وظهرت الأرض إلي آخر الخليج. فقال موسي(عليه السلام): أدخلوها! قالوا: الأرض وحلة نخاف أن نرسب فيها.
فقال اللّه عزّ وجلّ: يا موسي! قل: «اللّهمّ بحقّ محمّد وآله الطيّبين جفّفها»، فقالها، فأرسل اللّه عليها ريح الصبا، فجفّت.
وقال موسي: أدخلوها. فقالوا: يا نبيّ اللّه! نحن اثنتا عشرة قبيلة بنواثني عشر أباً، وإن دخلنا رام كلّ فريق منّا تقدّم صاحبه، ولا نأمن وقوع الشرّ بيننا، فلو كان لكلّ فريق منّا طريق علي حدة لأمنّا ما نخافه.
فأمر اللّه موسي أن يضرب البحر بعددهم اثنتي عشرة ضربة في اثني عشر موضعاً إلي جانب ذلك الموضع، ويقول: «اللّهمّ بجاه محمّد وآله الطيّبين بيّن الأرض لنا، وامط الماء عنّا»، فصار فيه تمام اثني عشر طريقاً وجفّ قرار الأرض بريح الصبا، فقال:أدخلوها!
فقالوا: كلّ فريق منّا يدخل سكّة من هذه السكك لا يدري ما يحدث علي الآخرين.
فقال اللّه عزّ وجلّ: فاضرب كلّ طود من الماء بين هذه السكك، فضرب وقال: «اللّهمّ بجاه محمّد وآله الطيّبين لمّا جعلت في هذا الماء طيقاناً
[ صفحه 56]
واسعة يري بعضهم بعضاً [منها]، فحدثت طيقان واسعة يري بعضهم بعضاً [منها]»، ثمّ دخلوها، فلمّا بلغوا آخرها جاء فرعون، وقومه فدخل بعضهم، فلمّا دخل آخرهم، وهمّ أوّلهم بالخروج أمر اللّه تعالي البحر، فانطبق عليهم فغرقوا، وأصحاب موسي ينظرون إليهم.
فذلك قوله عزّ وجلّ: (وَأَغْرَقْنَآ ءَالَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ) إليهم.
قال اللّه عزّ وجلّ لبني إسرائيل في عهد محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم)، فإذا كان اللّه تعالي فعل هذا كلّه بأسلافكم لكرامة محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم)، ودعاء موسي، دعاء تقرّب بهم [إلي اللّه]، أفلا تعقلون أنّ عليكم الإيمان بمحمّد وآله، إذ [قد] شاهدتموه الآن. [41] .
قوله تعالي: (وَإِذْ وَعَدْنَا مُوسَي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن م بَعْدِهِ ي وَأَنتُمْ ظَلِمُونَ - ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم مِّن م بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ): 2 / 51 و 52.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
كان موسي بن عمران(عليه السلام) يقول: لبني إسرائيل إذا فرّج اللّه عنكم، وأهلك أعداءكم آتيكم بكتاب من ربّكم يشتمل علي أوامره ونواهيه ومواعظه وعبره وأمثاله.
فلمّا فرّج اللّه تعالي عنهم أمره اللّه عزّ وجلّ أن يأتي للميعاد، ويصوم ثلاثين يوماً عند أصل الجبل، وظنّ موسي أنّه بعد ذلك يعطيه الكتاب.
[ صفحه 57]
فصام موسي ثلاثين يوماً عند [أصل الجبل]، فلمّا كان في آخر الأيّام استاك قبل الفطر، فأوحي اللّه عزّ وجلّ [إليه]: يا موسي! أما علمت أنّ خلوف فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك، صم عشراً أُخر، ولا تستك عند الإفطار، ففعل ذلك موسي(عليه السلام)، وكان وعد اللّه عزّ وجلّ أن يعطيه الكتاب بعد (أَرْبَعِينَ لَيْلَةً)، فأعطاه إيّاه.
فجاء السامريّ فشبّه علي مستضعفي بني إسرائيل، وقال: وعدكم موسي أن يرجع إليكم بعد أربعين ليلة، وهذه عشرون ليلةً وعشرون يوماً تمّت أربعون، أخطأ موسي ربّه، وقد أتاكم ربّكم، أراد أن يريكم أنّه قادر علي أن يدعوكم إلي نفسه بنفسه، وأنّه لم يبعث موسي لحاجة منه إليه.
فأظهر لهم العجل الذي كان عمله، فقالوا له: فكيف يكون العجل إلهنا؟
قال لهم: إنّما هذا العجل يكلّمكم منه ربّكم كما كلّم موسي من الشجرة، فالإله في العجل كما كان في الشجرة، فضلّوا بذلك، وأضلّوا.
[فلمّا رجع موسي إلي قومه قال:] يا أيّها العجل! أكان فيك ربّنا كما يزعم هؤلاء؟ فنطق العجل، وقال: عزّ ربّنا عن أن يكون العجل حاوياً له أو شي ء من الشجرة والأمكنة عليه مشتملاً، لا واللّه يا موسي! ولكنّ السامريّ نصب عجلاً مؤخّره إلي الحائط، وحفر في الجانب الآخر في الأرض، وأجلس فيه بعض مردته، فهو الذي وضع فاه علي دبره، وتكلّم بما تكلّم لمّا قال: (هَذَآ إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَي). [42] .
يا موسي بن عمران! ما خذل هؤلاء بعبادتي، واتّخاذي إلهاً إلّا لتهاونهم بالصلاة علي محمّد وآله الطيّبين، وجحودهم بموالاتهم، وبنبوّة النبيّ محمّد،
[ صفحه 58]
ووصيّة الوصيّ حتّي أدّاهم إلي أن اتّخذوني إلهاً.
قال اللّه عزّ وجلّ: فإذا كان اللّه تعالي إنّما خذل عبدة العجل لتهاونهم بالصلاة علي محمّد ووصيّه عليّ، فما تخافون من الخذلان الأكبر في معاندتكم لمحمّد وعليّ، وقد شاهدتموهما وتبيّنتم آياتهما ودلائلهما.
ثمّ قال اللّه عزّ وجلّ: (ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم مِّن م بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أي عفونا عن أوائلكم عبادتهم العجل لعلّكم يا أيّها الكائنون! في عصر محمّد من بني إسرائيل تشكرون تلك النعمة علي أسلافكم وعليكم بعدهم.
[ثمّ] قال(عليه السلام): وإنّما عفي اللّه عزّ وجلّ عنهم لأنّهم دعوا اللّه بمحمّد وآله الطاهرين، وجدّدوا علي أنفسهم الولاية لمحمّد وعليّ وآلهما الطيّبين، فعند ذلك رحمهم اللّه وعفا عنهم. [43] .
قوله تعالي: (وَإِذْ ءَاتَيْنَا مُوسَي الْكِتَبَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ):2 / 53.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
واذكروا (وَإِذْ ءَاتَيْنَا مُوسَي الْكِتَبَ وَالْفُرْقَانَ) وهو التوراة الذي أُخذ علي بني إسرائيل الإيمان به، والانقياد لمايوجبه، (وَالْفُرْقَانَ) آتيناه أيضاً فرّق به [ما] بين الحقّ والباطل، وفرّق [ما]بين المحقّين والمبطلين.
وذلك أنّه لمّا أكرمهم اللّه تعالي بالكتاب والإيمان به، والانقياد له أوحي اللّه
[ صفحه 59]
بعد ذلك إلي موسي(عليه السلام): يا موسي! هذا الكتاب قد أقرّوا به، وقد بقي الفرقان فرّق ما بين المؤمنين، والكافرين، والمحقّين، والمبطلين، فجدّد عليهم العهد به فإنّي قد آليت علي نفسي قسماً حقّاً لا أتقبّل من أحد إيماناً، ولاعملاً إلّا مع الإيمان به.
قال موسي(عليه السلام): ما هو؟ يا ربّ!
قال اللّه عزّ وجلّ: يا موسي! تأخذ علي بني إسرائيل أنّ محمّداً خير البشر، وسيّد المرسلين، وأنّ أخاه ووصيّه عليّاً خير الوصيّين، وأنّ أولياءه الذين يقيمهم سادة الخلق، وأنّ شيعته المنقادين له المسلّمين له، ولأوامره ونواهيه ولخلفائه نجوم الفردوس الأعلي، وملوك جنّات عدن.
قال: فأخذ عليهم موسي(عليه السلام) ذلك، فمنهم من اعتقده حقّاً، ومنهم من أعطاه بلسانه دون قلبه، فكان المعتقد منهم حقّاً يلوح علي جبينه نور مبين، ومن أعطي بلسانه دون قلبه ليس له ذلك النور.
فذلك الفرقان الذي أعطاه اللّه عزّ وجلّ موسي(عليه السلام)، وهو فرّق [ما] بين المحقّين والمبطلين.
ثمّ قال اللّه عزّ وجلّ: (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) أي لعلّكم تعلمون أنّ الذي [به] يشرّف العبد عند اللّه عزّ وجلّ هو اعتقاد الولاية كما شرّف به أسلافكم. [44] .
قوله تعالي: (وَإِذْ قَالَ مُوسَي لِقَوْمِهِ ي يَقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَي بَارِلِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِلِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ و هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ): 2 / 54.
[ صفحه 60]
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
قال اللّه عزّ وجلّ: فاذكروا يا بني إسرائيل! (إِذْ قَالَ مُوسَي لِقَوْمِهِ ي) عبدة العجل (يَقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم) أضررتم بها (بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ) إلهاً. (فَتُوبُواْ إِلَي بَارِلِكُمْ) الذي برأكم وصوّركم (فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ) بقتل بعضكم بعضاً، يقتل من لم يعبد العجل من عبده.
(ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ) ذلكم القتل خير لكم (عِندَ بَارِلِكُمْ) من أن تعيشوا في الدنيا، وهو لم يغفر لكم، فيتمّ في الحياة الدنيا حياتكم، ويكون إلي النار مصيركم، وإذا قتلتم وأنتم تائبون جعل اللّه عزّ وجلّ القتل كفّارتكم، وجعل الجنّة منزلتكم ومقيلكم.
ثمّ قال اللّه عزّ وجلّ: (فَتَابَ عَلَيْكُمْ) قبل توبتكم، قبل استيفاء القتل لجماعتكم، وقبل إتيانه علي كافّتكم، وأمهلكم للتوبة، واستبقاكم للطاعة (إِنَّهُ و هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).
قال: وذلك أنّ موسي(عليه السلام) لمّا أبطل اللّه عزّ وجلّ علي يديه أمر العجل، فأنطقه بالخبر عن تمويه السامريّ، فأمر موسي(عليه السلام) أن يقتل من لم يعبده من عبده تبرّأ أكثرهم، وقالوا: لم نعبده.
فقال اللّه عزّ وجلّ لموسي(عليه السلام): أبرد هذا العجل الذهب بالحديد برداً، ثمّ ذرّه في البحر، فمن شرب من مائه اسودّت شفتاه وأنفه، وبان ذنبه، ففعل فبان العابدون للعجل، فأمر اللّه اثني عشر ألفاً أن يخرجوا علي الباقين شاهرين السيوف يقتلونهم، ونادي مناديه: ألا لعن اللّه أحداً أبقاهم بيد أو رجل، ولعن اللّه من تأمّل المقتول، لعلّه تبيّنه حميماً أو قريباً فيتوقّاه، ويتعدّاه إلي الأجنبيّ، فاستسلم المقتولون.
فقال القاتلون: نحن أعظم مصيبة منهم نقتل بأيدينا آباءنا [وأُمّهاتنا]
[ صفحه 61]
وأبناءنا وإخواننا وقراباتنا، ونحن لم نعبد، فقد ساوي بيننا وبينهم في المصيبة.
فأوحي اللّه تعالي إلي موسي: يا موسي! [إنّي] إنّما امتحنتهم بذلك لأنّهم (مااعتزلوهم لمّا عبدوا العجل ولم) يهجروهم، ولم يعادوهم علي ذلك.
قل لهم: من دعا اللّه بمحمّد وآله الطيّبين يسهّل عليه قتل المستحقّين للقتل بذنوبهم، فقالوها، فسهّل عليهم [ذلك]، ولم يجدوا لقتلهم لهم ألماً.
فلمّا استحرّ القتل فيهم، وهم ستّمائة ألف إلّا اثني عشر ألفاً الذين لم يعبدوا العجل وفّق اللّه بعضهم، فقال لبعضهم: والقتل لم يفض بعد إليهم.
فقال: أوليس اللّه قد جعل التوسّل بمحمّد وآله الطيّبين أمراً لا يخيب معه طلبة، ولا يردّ به مسألة، وهكذا توسّلت الأنبياء والرسل، فما لنا لانتوسّل [بهم]؟!
قال: فاجتمعوا وضجّوا: «يا ربّنا! بجاه محمّد الأكرم، وبجاه عليّ الأفضل الأعظم، وبجاه فاطمة الفضلي، وبجاه الحسن والحسين سبطي سيّد النبيّين، وسيّدي شباب أهل الجنّة أجمعين، وبجاه الذرّيّة الطيّبين الطاهرين من آل طه ويس، لمّا غفرت لنا ذنوبنا، وغفرت لنا هفواتنا، وأزلت هذا القتل عنّا»، فذاك حين نودي موسي(عليه السلام) من السماء أن كفّ القتل فقد سألني بعضهم مسألة، وأقسم عليّ قسماً لو أقسم به هؤلاء العابدون للعجل، وسألوا العصمة لعصمتهم حتّي لا يعبدوه، ولو أقسم عليّ بها إبليس لهديته.
ولو أقسم بها [عليّ] نمرود [أ] وفرعون لنجيّته.
فرفع عنهم القتل، فجعلوا يقولون: يا حسرتنا! أين كنّا عن هذا الدعاء بمحمّد وآله الطيّبين، حتّي كان اللّه يقيناً شرّ الفتنة، ويعصمنا بأفضل العصمة. [45] .
[ صفحه 62]
قوله تعالي: (وَإِذْ قُلْتُمْ يَمُوسَي لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّي نَرَي اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ - ثُمَّ بَعَثْنَكُم مِّن م بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ): 2 / 55 و56.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): ثمّ قال اللّه عزّوجلّ: (وَإِذْ قُلْتُمْ يَمُوسَي لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّي نَرَي اللَّهَ جَهْرَةً).
قال: أسلافكم (فَأَخَذَتْكُمُ الصَّعِقَةُ) أخذت أسلافكم [الصاعقة] (وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ) إليهم (ثُمَّ بَعَثْنَكُم) بعثنا أسلافكم (مِّن م بَعْدِ مَوْتِكُمْ) من بعد موت أسلافكم.
(لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [الحياة] أي لعلّ أسلافكم يشكرون الحياة التي فيها يتوبون ويقلعون، وإلي ربّهم ينيبون لم يدم عليهم ذلك الموت، فيكون إلي النار مصيرهم، وهم فيها خالدون.
قال [الإمام(عليه السلام)]: وذلك أنّ موسي(عليه السلام) لمّا أراد أن يأخذ عليهم عهداً بالفرقان، [فرّق] ما بين المحقّين والمبطلين لمحمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم) بنبوّته، ولعليّ(عليه السلام) بإمامته، وللأئمّة الطاهرين بإمامتهم، قالوا: (لَن نُّؤْمِنَ) أنّ هذا أمر ربّك (لَكَ حَتَّي نَرَي اللَّهَ جَهْرَةً) عياناً يخبرنا بذلك، فأخذتهم الصاعقة معاينة، وهم ينظرون إلي الصاعقة تنزل عليهم.
[ صفحه 63]
وقال اللّه عزّ وجلّ: يا موسي! إنّي أنا المكرم لأوليائي المصدّقين بأصفيائي ولاأُبالي، وكذلك أنا المعذّب لأعدائي الدافعين حقوق أصفيائي ولا أُبالي.
فقال موسي(عليه السلام) للباقين الذين لم يصعقوا: ماذا تقولون، أتقبلون وتعترفون؟ وإلّا فأنتم بهؤلاء لاحقون.
قالوا: يا موسي! لا ندري ما حلّ بهم، ولماذا أصابتهم، كانت الصاعقة ماأصابتهم لأجلك إلّا أنّها كانت نكبة من نكبات الدهر تصيب البرّ والفاجر.
فإن كانت إنّما أصابتهم لردّهم عليك في أمر محمّد وعليّ وآلهما، فاسأل اللّه ربّك بمحمّد وآله هؤلاء الذين تدعونا إليهم أن يحيي هؤلاء المصعوقين لنسألهم لماذا أصابهم [ما أصابهم].
فدعا اللّه عزّ وجلّ بهم موسي(عليه السلام)، فأحياهم اللّه عزّ وجلّ.
فقال موسي(عليه السلام): سلوهم لماذا أصابهم، فسألوهم.
فقالوا: يا بني إسرائيل! أصابنا ما أصابنا لآبائنا اعتقاد إمامة عليّ بعد اعتقادنا بنبوّة محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم)، لقد رأينا بعد موتنا هذا ممالك ربّنا من سماواته وحجبه وعرشه وكرسيّه وجنانه ونيرانه، فما رأينا أنفذ أمراً في جميع تلك الممالك، وأعظم سلطاناً من محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين(عليه السلام)، وإنّا لمّا متنا بهذه الصاعقة ذهب بنا إلي النيران.
فناداهم محمّد وعليّ عليهما الصلاة والسلام: كفّوا عن هؤلاء عذابكم. فهؤلاء يحيون بمسألة سائل [يسأل] ربّنا عزّ وجلّ بنا وبآلنا الطيّبين.
وذلك حين لم يقذفونا [بعد] في الهاوية، وأخّرونا إلي أن بعثنا بدعائك ياموسي بن عمران! بمحمّد وآله الطيّبين.
فقال اللّه عزّ وجلّ لأهل عصر محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم): فإذا كان بالدعاء بمحمّد وآله الطيّبين نشر ظلمة أسلافكم المصعوقين بظلمهم، أفما يجب عليكم أن لا تتعرّضوا
[ صفحه 64]
لمثل ما هلكوا به إلي أن أحياهم اللّه عزّ وجلّ. [46] .
قوله تعالي: (وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَي كُلُواْ مِن طَيِّبَتِ مَا رَزَقْنَكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ):2 / 57.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
قال اللّه عزّ وجلّ: واذكروا يا بني إسرائيل إذ (وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ.. 57، 4) لمّا كنتم في التيه يقيكم حرّ الشمس وبرد القمر.
(وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَي) المنّ الترنجبين كان يسقط علي شجرهم فيتناولونه، والسلوي السمانيّ طير أطيب طير لحماً يسترسل لهم، فيصطادونه.
قال اللّه عزّ وجلّ [لهم]: (كُلُواْ مِن طَيِّبَتِ مَا رَزَقْنَكُمْ) واشكروا نعمتي، عظّموا من عظّمته، ووقّروا من وقّرته ممّن أخذت عليكم العهود، والمواثيق [لهم] محمّد وآله الطيّبين.
قال اللّه عزّ وجلّ: (وَمَا ظَلَمُونَا) لمّا بدّلوا، وقالوا غير ما أمروا [به]، ولم يفوا بما عليه عوهدوا، لأنّ كفر الكافر لا يقدح في سلطاننا وممالكنا، كماأنّ إيمان المؤمن لا يزيد في سلطاننا، (وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) يضرّون بها بكفرهم وتبديلهم.
[ صفحه 65]
ثمّ [قال(عليه السلام):] قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم): عباد اللّه! عليكم باعتقاد ولايتنا أهل البيت، و [أن] لا تفرّقوا بيننا، وانظروا كيف وسّع اللّه عليكم حيث أوضح لكم الحجّة ليسهّل عليكم معرفة الحقّ، ثمّ وسّع لكم في التقيّة لتسلموا من شرور الخلق، ثمّ إن بدّلتم وغيّرتم عرض عليكم التوبة وقبلها منكم، فكونوا لنعماءاللّه شاكرين. [47] .
قوله تعالي: (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَيَكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ - فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَي الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزًا مِّنَ السَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ): 2 / 58 و59.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
قال اللّه تعالي: واذكروا يا بني إسرائيل (وَإِذْ قُلْنَا) لأسلافكم (ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ) وهي أريحا من بلاد الشام،وذلك حين خرجوا من التيه (فَكُلُواْ مِنْهَا) من القرية- (حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا) واسعاً بلا تعب [ولا نصب] (وَادْخُلُواْ الْبَابَ) باب القرية (سُجَّدًا). مثّل اللّه تعالي علي الباب مثال محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم) وعليّ(عليه السلام) وأمرهم أن يسجدوا تعظيماً لذلك المثال، ويجدّدوا علي أنفسهم بيعتهما، وذكر موالاتهما، وليذكروا العهد والميثاق المأخوذين عليهم لهما، (وَقُولُواْ حِطَّةٌ) أي قولوا: إنّ سجودنا للّه تعالي تعظيماً لمثال محمّد وعليّ،
[ صفحه 66]
واعتقادنا لولايتهما حطّة لذنوبنا ومحو لسيّئاتنا.
قال اللّه عزّ وجلّ: (نَّغْفِرْ لَكُمْ) [أي] بهذا الفعل (خَطَيَكُمْ) السالفة، ونزيل عنكم آثامكم الماضية.
(وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) من كان منكم لم يقارف الذنوب التي قارفها من خالف الولاية، [وثبت علي ما أعطي اللّه من نفسه من عهد الولاية] فإنّا نزيدهم بهذا الفعل زيادة درجات ومثوبات، وذلك قوله عزّ وجلّ: (وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ).
قوله عزّ وجلّ: (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ) أنّهم لم يسجدوا كما أمروا، ولا قالوا ما أمروا، ولكن دخلوها مستقبليها بأستاههم وقالوا: هطاسمقانا -أي حنطة حمراء نتقوّتها- أحبّ إلينا من هذا الفعل، وهذاالقول.
قال اللّه تعالي: (فَأَنزَلْنَا عَلَي الَّذِينَ ظَلَمُواْ) غيّروا وبدّلوا ما قيل لهم ولم ينقادوا لولاية محمّد وعليّ وآلهما الطيّبين الطاهرين (رِجْزًا مِّنَ السَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ) يخرجون عن أمر اللّه وطاعته.
قال والرجز الذي أصابهم أنّه مات منهم بالطاعون في بعض يوم مائةوعشرون ألفاً، وهم من علم اللّه تعالي منهم أنّهم لا يؤمنون ولايتوبون، ولم ينزل هذا الرجز علي من علم أنّه يتوب أو يخرج من صلبه ذرّيّة طيّبة توحّد اللّه وتؤمن بمحمّد وتعرف موالاة عليّ وصيّه وأخيه. [48] .
[ صفحه 67]
قوله تعالي: (وَإِذِ اسْتَسْقَي مُوسَي لِقَوْمِهِ ي فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلَاتَعْثَوْاْ فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ - وَإِذْ قُلْتُمْ يَمُوسَي لَن نَّصْبِرَ عَلَي طَعَامٍ وَحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنم-بِتُ الْأَرْضُ مِن م بَقْلِهَا وَقِثَّآلِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَي بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآءُو بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بَِايَتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِ ّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ): 2 / 60 و61.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): ثمّ قال اللّه عزّوجلّ: (وَإِذِ اسْتَسْقَي مُوسَي لِقَوْمِهِ) قال: واذكروا يا بني إسرائيل إذ استسقي موسي لقومه طلب لهم السقيا، لما لحقهم العطش في التيه [49] ، وضجّوا بالبكاء إلي موسي، وقالوا: أهلكنا العطش!
فقال موسي: «اللّهمّ بحقّ محمّد سيّد الأنبياء، وبحقّ عليّ سيّد الأوصياء، وبحقّ فاطمة سيّدة النساء، وبحقّ الحسن سيّد الأولياء، وبحقّ الحسين سيّد الشهداء، وبحقّ عترتهم وخلفائهم سادة الأزكياء لمّا سقيت عبادك هؤلاء».
فأوحي اللّه تعالي إليه: يا موسي! (اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ)؛ فضربه بها
[ صفحه 68]
(فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ) - كلّ قبيلة من بني أب من أولاد يعقوب - (مَّشْرَبَهُمْ) فلا يزاحم الآخرين في مشربهم.
قال اللّه عزّ وجلّ: (كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ) الذي آتاكموه (وَلَاتَعْثَوْاْ فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ)، ولا تسعوا فيها وأنتم مفسدون عاصون.
قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم): من [أ] قام علي موالاتنا أهل البيت، سقاه اللّه تعالي من محبّته كأساً لا يبغون به بدلاً، ولا يريدون سواه كافياً ولا كالياً ولا ناصراً.
ومن وطّن نفسه علي احتمال المكاره في موالاتنا جعله اللّه يوم القيامة في عرصاتها بحيث يقصر كلّ من تضمّنته تلك العرصات أبصارهم عمّا يشاهدون من درجاتهم.
وإنّ كلّ واحد منهم ليحيط بماله من درجاته كإحاطته في الدنيا (لما يلقاه) بين يديه. ثمّ يقال له: وطّنت نفسك علي احتمال المكاره في موالاة محمّد وآله الطيّبين، فقد جعل اللّه إليك، ومكّنك من تخليص كلّ من تحبّ تخليصه من أهل الشدائد في هذه العرصات.
فيمدّ بصره فيحيط بهم، ثمّ ينتقد من أحسن إليه، أو برّه في الدنيا بقول، أو فعل، أو ردّ غيبة، أو حسن محضر، أو إرفاق، فينتقده من بينهم كما ينتقد الدرهم الصحيح من المكسور.
ثمّ يقال له: اجعل هؤلاء في الجنّة حيث شئت، فينزلهم جنان ربّنا.
ثمّ يقال له: وقد جعلنا لك ومكّناك من إلقاء من تريد في نار جهنّم، فيراهم فيحيط بهم، وينتقدهم من بينهم كما ينتقد الدينار من القراضة.
ثمّ يقال له: صيّرهم من النيران إلي حيث شئت، فيصيّرهم حيث يشاء من مضائق النار.
فقال اللّه تعالي لبني إسرائيل الموجودين في عصر محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم): فإذا كان
[ صفحه 69]
أسلافكم إنّما دعوا إلي موالاة محمّد وآله، فأنتم [الآن] لمّا شاهدتموهم فقدوصلتم إلي الغرض والمطلب الأفضل إلي موالاة محمّد وآله.
فتقرّبوا إلي اللّه عزّ وجلّ بالتقرّب إلينا، ولا تتقرّبوا من سخطه، ولاتتباعدوا من رحمته بالإزورار عنّا.
ثمّ قال اللّه عزّ وجلّ: (وَإِذْ قُلْتُمْ يَمُوسَي لَن نَّصْبِرَ عَلَي طَعَامٍ وَحِدٍ).
واذكروا إذ قال أسلافكم: لن نصبر علي طعام واحد المنّ والسلوي، ولابدّ لنا من خلط معه، (فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنم-بِتُ الْأَرْضُ مِن م بَقْلِهَا وَقِثَّآلِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ - موسي - أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَي بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) يريد أتستدعون الأدني ليكون لكم بدلاً من الأفضل.
ثمّ قال: (اهْبِطُواْ مِصْرًا) [من الأمصار] من هذا التيه، (فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ)في المصر.
ثمّ قال اللّه عزّ وجلّ: (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ) الجزية، أُخزوا بها عند ربّهم وعند مؤمني عباده (وَالْمَسْكَنَةُ) هي الفقر والذلّة (وَبَآءُو بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ) احتملوا الغضب واللعنة من اللّه ذلك بأنّهم كانوا بذلك الذي لحقهم من الذلّة والمسكنة، واحتملوه من غضب اللّه (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بَِايَتِ اللَّهِ) قبل أن تضرب عليهم هذه الذلّة والمسكنة.
(وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِ ّ) وكانوا يقتلونهم بغير حقّ، بلا جرم كان منهم إليهم ولا إلي غيرهم، (ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ)، ذلك الخذلان الذي استولي عليهم حتّي فعلوا الآثام التي من أجلها ضربت عليهم الذلّة والمسكنة، وباءوإ؛اا: پ بغضب من اللّه [بما عصوا] (وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ) [أي] يتجاوزون أمراللّه إلي أمر إبليس.
ثمّ قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم): ألا فلا تفعلوا كما فعلت بنو إسرائيل، ولاتسخطوا
[ صفحه 70]
نعم اللّه، ولا تقترحوا علي اللّه تعالي، وإذا ابتلي أحدكم في رزقه، أو معيشته بمالايحبّ فلا يحدس شيئاً يسأله، لعلّ في ذلك حتفه وهلاكه، ولكن ليقل: «اللّهمّ بجاه محمّد وآله الطيّبين، إن كان ما كرهته من أمري هذا خيراً لي وأفضل في ديني، فصبّرني عليه، وقوّني علي احتماله، ونشّطني للنهوض بثقل أعبائه، وإن كان خلاف ذلك خيراً [لي]، فجد عليّ به، ورضّني بقضائك علي كلّ حال، فلك الحمد».
فإنّك إذا قلت ذلك قدّر اللّه [لك]، ويسّر لك ماهو خير.
ثمّ قال(صلي اللّه عليه وال وسلم): يا عباد اللّه! فاحذروا الانهماك [50] في المعاصي، والتهاون بها، فإنّ المعاصي يستولي بها الخذلان علي صاحبها حتّي يوقعه فيما هو أعظم منها فلايزال يعصي ويتهاون ويخذل ويوقع فيما هو أعظم ممّا جني حتّي يوقعه في ردّ ولاية وصيّ رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم)، ودفع نبوّة نبيّ اللّه، ولايزال أيضاً بذلك حتّي يوقعه في دفع توحيد اللّه، والإلحاد في دين اللّه. [51] .
[ صفحه 71]
قوله تعالي: (إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَرَي وَالصَّبِِينَ مَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْأَخِرِ وَعَمِلَ صَلِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ): 2 / 62.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): ثمّ قال اللّه تعالي: (إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ) باللّه وبما فرض عليهم الإيمان به من الولاية لعليّ بن أبي طالب والطيّبين من آله.
(وَالَّذِينَ هَادُواْ) يعني اليهود (وَالنَّصَرَي) الذين زعموا أنّهم في دين اللّه متناصرون، (وَالصَّبِِينَ) الذين زعموا أنّهم صبوا [52] إلي دين (اللّه، وهم بقولهم) كاذبون.
(مَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ) من هؤلاء الكفّار، ونزع عن كفره، ومن آمن من هؤلاء المؤمنين في مستقبل أعمارهم، وأخلص ووفي بالعهد والميثاق المأخوذين عليه لمحمّد وعليّ وخلفائهما الطاهرين (وَعَمِلَ صَلِحًا) ومن عمل صالحاً من هؤلاء المؤمنين، (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ) ثوابهم (عِندَ رَبِّهِمْ) في الآخرة (وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) هناك حين يخاف الفاسقون، (وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) إذا حزن المخالفون لأنّهم لم يعملوا من مخالفة اللّه ما يخاف من فعله ولايحزن له، ونظر أمير المؤمنين [عليّ](عليه السلام) إلي رجل [فرأي] أثر الخوف عليه، فقال: مابالك؟ قال: إنّي أخاف اللّه.
قال: يا عبد اللّه! خف ذنوبك، وخف عدل اللّه عليك في مظالم عباده، وأطعه فيما كلّفك، ولا تعصه فيما يصلحك، ثمّ لا تخف اللّه بعد ذلك.
[ صفحه 72]
فإنّه لا يظلم أحداً ولا يعذّبه فوق استحقاقه أبداً إلّا أن تخاف سوء العاقبة بأن تغيّر أو تبدّل، فإن أردت أن يؤمنك اللّه سوء العاقبة، فاعلم! أنّ ما تأتيه من خير فبفضل اللّه وتوفيقه، وما تأتيه من شرّ فبإمهال اللّه، وإنظاره إيّاك وحلمه عنك. [53] .
قوله تعالي: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ): 2 / 63.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
قال اللّه عزّ وجلّ لهم: [واذكروا] (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَقَكُمْ) وعهودكم أن تعملوا بما في التوراة، وما في الفرقان الذي أعطيته موسي مع الكتاب المخصوص بذكر محمّد وعليّ والطيّبين من آلهما بأنّهم سادة الخلق، والقوّامون بالحقّ.
وإذ أخذنا ميثاقكم أن تقرّوا به، وأن تودّوه إلي أخلافكم، وتأمروهم أن يودّوه إلي أخلافهم إلي آخر مقدّراتي في الدنيا ليؤمننّ بمحمّد نبيّ اللّه، ويسلّمنّ له ما يأمرهم [به] في عليّ وليّ اللّه عن اللّه، وما يخبرهم به [عنه] من أحوال خلفائه بعده القوّامين بحقّ اللّه، فأبيتم قبول ذلك واستكبرتموه. (وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ) الجبل أمرنا جبرئيل أن يقطع من جبل فلسطين قطعة علي قدر معسكر أسلافكم فرسخاً في فرسخ، فقطعها وجاءبها، فرفعها فوق رءوسهم، فقال موسي(عليه السلام) لهم: إمّا أن تأخذوا بما أمرتم به فيه، وإمّا أن أُلقي عليكم هذا الجبل، فألجئوا إلي قبوله كارهين إلّا من عصمه اللّه من العناد، فإنّه
[ صفحه 73]
قبله طائعاً مختاراً.
ثمّ لمّا قبلوه سجدوا وعفّروا، وكثير منهم عفّر خدّيه لا لإرادة الخضوع للّه، ولكن نظر إلي الجبل هل يقع أم لا، وآخرون سجدوا طائعين مختارين.
[ثمّ قال(عليه السلام)]: فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم): احمدوا اللّه معاشر شيعتنا علي توفيقه إيّاكم، فإنّكم تعفّرون في سجودكم لا كما عفّره كفرة بني إسرائيل، ولكن كما عفّره خيارهم.
قال اللّه عزّ وجلّ: (خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَكُم بِقُوَّةٍ) من هذه الأوامر والنواهي من هذا الأمر الجليل من ذكر محمّد وعليّ وآلهما الطيّبين.
(وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ) فيما آتيناكم، اذكروا جزيل ثوابنا علي قيامكم به، وشديد عقابنا علي إبائكم له، (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) لتتّقوا المخالفة الموجبة للعقاب، فتستحقّوا بذلك جزيل الثواب. [54] .
قوله تعالي: (ثُمَّ تَوَلَّيْتُم مِّن م بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ و لَكُنتُم مِّنَ الْخَسِرِينَ): 2 / 64.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال اللّه عزّ وجلّ [لهم]: (ثُمَّ تَوَلَّيْتُم) يعني تولّي أسلافكم (مِّن م بَعْدِ ذَلِكَ) عن القيام به والوفاء بما عوهدوا عليه.
(فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) يعني علي أسلافكم لولا فضل اللّه
[ صفحه 74]
عليهم بإمهاله إيّاهم للتوبة، وإنظارهم لمحو الخطيئة بالإنابة (لَكُنتُم مِّنَ الْخَسِرِينَ) المغبونين قد خسرتم الآخرة والدنيا.
لأنّ الآخرة [قد] فسدت عليكم بكفركم، والدنيا كان لا يحصل لكم نعيمها لاخترامنا لكم، وتبقي عليكم حسرات نفوسكم، وأمانيّكم التي قد اقتطعتم دونها.
ولكنّا أمهلناكم للتوبة، وأنظرناكم للإنابة، أي فعلنا ذلك بأسلافكم، فتاب من تاب منهم فسعد، وخرج من صلبه من قدّر أن يخرج منه الذرّيّة الطيّبة التي تطيب في الدنيا [باللّه تعالي] معيشتها، وتشرّف في الآخرة -بطاعة اللّه- مرتبتها.
وقال الحسين بن عليّ(عليهم السلام): أما أنّهم لو كانوا دعوا اللّه بمحمّد وآله الطيّبين بصدق من نيّاتهم، وصحّة اعتقادهم من قلوبهم، أن يعصمهم حتّي لا يعاندوه بعد مشاهدة تلك المعجزات الباهرات، لفعل ذلك بجوده وكرمه.
ولكنّهم قصّروا وآثروا الهوي بنا، ومضوا مع الهوي في طلب لذّاتهم. [55] .
قوله تعالي: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْاْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَسِِينَ - فَجَعَلْنَهَا نَكَلاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ): 2 / 65 و66.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال اللّه
[ صفحه 75]
عزّوجلّ: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْاْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ) لمّا اصطادوا السموك فه (فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَسِِينَ) مبعدين عن كلّ خير.
(فَجَعَلْنَهَا) [أي] جعلنا تلك المسخة التي أخزيناهم، ولعنّاهم بها (نَكَلاً) عقاباً وردعاً (لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا) بين يدي المسخة من ذنوبهم الموبقات التي استحقّوا بها العقوبات.
(وَمَا خَلْفَهَا) للقوم الذين شاهدوهم بعد مسخهم يرتدعون عن مثل أفعالهم لمّا شاهدوا ما حلّ بهم من عقابنا.
(وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ) يتّعظون بها فيفارقون المخزيات، ويعظون [بها] الناس ويحذّرونهم المرديات.
وقال عليّ بن الحسين(عليهم السلام): كان هؤلاء قوماً يسكنون علي شاطي ء بحر نهاهم اللّه وأنبياؤه عن اصطياد السمك في يوم السبت.
فتوصّلوا إلي حيلة ليحلّوا بها لأنفسهم ما حرّم اللّه، فخدّوا أخاديد [56] ، وعملوا طرقاً تؤدّي إلي حياض يتهيّأ للحيتان الدخول فيها من تلك الطرق، ولايتهيّأ لها الخروج إذا همّت بالرجوع [منها إلي اللجج].
فجاءت الحيتان يوم السبت جارية علي أمان اللّه [لها] فدخلت الأخاديد، وحصّلت في الحياض والغُدران [57] ، فلمّا كانت عشيّة اليوم همّت بالرجوع منها إلي اللجج لتأمن صائدها، فرامت الرجوع فلم تقدر وأبقيت ليلتها في مكان يتهيّأ أخذها [يوم الأحد] بلا اصطياد لاسترسالها فيه، وعجزها عن الامتناع
[ صفحه 76]
لمنع المكان لها.
فكانوا يأخذونها يوم الأحد، ويقولون ما اصطدنا يوم السبت، إنّما اصطدنا في الأحد، وكذب أعداء اللّه بل كانوا آخذين لها بأخاديدهم التي عملوها يوم السبت حتّي كثر من ذلك مالهم وثراؤهم، وتنعّموا بالنساء وغيرهنّ لاتّساع أيديهم به.
وكانوا في المدينة نيّفاً وثمانين ألفاً، فعل هذا منهم سبعون ألفاً، وأنكر عليهم الباقون، كما قصّ اللّه تعالي: (وَسَْلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ) [58] الآية.
وذلك أنّ طائفة منهم وعظوهم وزجروهم، ومن عذاب اللّه خوّفوهم، ومن انتقامه وشديد بأسه حذّروهم، فأجابوهم عن وعظهم (لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ) بذنوبهم هلاك الاصطلام (أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا).
فأجابوا القائلين لهم هذا (مَعْذِرَةً إِلَي رَبِّكُمْ) [هذا القول منّا لهم معذرة إلي ربّكم] إذ كلّفنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فنحن ننهي عن المنكر ليعلم ربّنا مخالفتنا لهم، وكراهتنا لفعلهم.
قالوا: (وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) [59] ونعظهم أيضاً لعلّهم تنجع فيهم المواعظ فيتّقوا هذه الموبقة، ويحذروا عقوبتها.
قال اللّه عزّ وجلّ: (فَلَمَّا عَتَوْاْ) حادوا وأعرضوا وتكبّروا عن قبولهم الزجر (عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَسِِينَ) [60] مبعدين عن الخير مقصين.
قال: فلمّا نظر العشرة الآلاف والنيّف أنّ السبعين ألفاً لا يقبلون مواعظهم،
[ صفحه 77]
ولايحفلون بتخويفهم إيّاهم وتحذيرهم لهم، اعتزلوهم إلي قرية أُخري قريبة من قريتهم، وقالوا: نكره أن ينزل بهم عذاب اللّه ونحن في خلالهم، فامسوا ليلة، فمسخهم اللّه تعالي كلّهم قردةً [خاسئين]، وبقي باب المدينة مغلقاً لا يخرج منه أحد، [ولا يدخله أحد].
وتسامع بذلك أهل القري، فقصدوهم، وتسنّموا حيطان البلد فاطّلعوا عليهم فإذا هم كلّهم رجالهم ونساؤهم قردة يموج بعضهم في بعض يعرف هؤلاء الناظرون معارفهم، وقراباتهم وخلطاءهم، يقول المطّلع لبعضهم: أنت فلان، أنت فلانة، فتدمع عينه ويؤمي برأسه (بلا، أو نعم).
فما زالوا كذلك ثلاثة أيّام، ثمّ بعث اللّه عزّ وجلّ [عليهم] مطراً وريحاً فجرفهم إلي البحر، وما بقي مسخ بعد ثلاثة أيّام، وإنّما الذين ترون من هذه المصوّرات بصورها فإنّما هي أشباهها، لا هي بأعيانها ولا من نسلها.
ثمّ قال عليّ بن الحسين(عليهم السلام): إنّ اللّه تعالي مسخ هؤلاء لاصطياد السمك، فكيف تري عند اللّه عزّ وجلّ [يكون] حال من قتل أولاد رسول اللّه (صلي اللّه عليه وال وسلم)، وهتك حريمه؟
إنّ اللّه تعالي وإن لم يمسخهم في الدنيا، فإنّ المعدّ لهم من عذاب [اللّه في] الآخرة [أضعاف] أضعاف عذاب المسخ.
فقيل له: يا ابن رسول اللّه! فإنّا قد سمعنا منك هذا الحديث، فقال لنا بعض النصّاب: فإن كان قتل الحسين(عليه السلام) باطلاً فهو أعظم من صيد السمك في السبت، أفما كان يغضب اللّه علي قاتليه كما غضب علي صيّادي السمك.
قال عليّ بن الحسين(عليهم السلام): قل لهؤلاء النصّاب: فإن كان إبليس معاصيه أعظم من معاصي من كفر بإغوائه فأهلك اللّه تعالي من شاء منهم كقوم نوح وفرعون، ولم يهلك إبليس وهو أولي بالهلاك، فما باله أهلك هؤلاء الذين قصروا
[ صفحه 78]
عن إبليس في عمل الموبقات، وأمهل إبليس مع إيثاره لكشف المخزيات، إلّا كان ربّنا عزّ وجلّ حكيماً بتدبيره، وحكمه فيمن أهلك، وفيمن استبقي، فكذلك هؤلاء الصائدون [للسمك] في السبت، وهؤلاء القاتلون للحسين(عليه السلام) يفعل في الفريقين ما يعلم أنّه أولي بالصواب والحكمة، (لَايُسَْلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسَْلُونَ). [61] .
ثمّ قال عليّ بن الحسين(عليهم السلام): أما إنّ هؤلاء الذين اعتدوا في السبت لوكانوا حين همّوا بقبيح أفعالهم سألوا ربّهم بجاه محمّد وآله الطيّبين أن يعصمهم من ذلك لعصمهم، وكذلك الناهون لهم لو سألوا اللّه عزّ وجلّ أن يعصمهم بجاه محمّد وآله الطيّبين لعصمهم، ولكنّ اللّه تعالي لم يلهمهم ذلك، ولم يوفّقهم له، فجرت معلومات اللّه تعالي فيهم علي ما كان سطره في اللوح المحفوظ.
وقال الباقر(عليه السلام): فلمّا حدّث عليّ بن الحسين(عليهم السلام) بهذا الحديث، قال له بعض من في مجلسه: يا ابن رسول اللّه! كيف يعاقب اللّه، ويوبّخ هؤلاء الأخلاف علي قبائح أتي بها أسلافهم، وهو يقول عزّ وجلّ: (وَلَاتَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَي)؟ [62] .
فقال زين العابدين(عليه السلام): إنّ القرآن [نزل] بلغة العرب 1لم لغة العرب، 4 فهو يخاطب فيه أهل [هذا] اللسان بلغتهم، يقول الرجل التميميّ -قد أغار قومه علي بلد، وقتلوا من فيه- أغرتم علي بلد كذا [وكذا] وقتلتم كذا، ويقول العربيّ أيضاً: نحن فعلنا ببني فلان، ونحن سبينا آل فلان، ونحن خرّبنا بلد كذا، لا يريد أنّهم باشروا ذلك، ولكن يريد هؤلاء بالعذل، وأولئك بالافتخار أنّ قومهم فعلوا كذا، وقول اللّه تعالي في هذه الآيات إنّما هو توبيخ لأسلافهم، وتوبيخ العذل علي هؤلاء
[ صفحه 79]
الموجودين، لأنّ ذلك هو اللغة التي بها أنزل القرآن، فلأنّ هؤلاء الأخلاف أيضاً راضون بما فعل أسلافهم مصوّبون ذلك لهم، فجاز أن يقال [لهم]: أنتم فعلتم، أي إذ رضيتم بقبيح فعلهم. [63] .
قوله تعالي: (وَإِذْ قَالَ مُوسَي لِقَوْمِهِ ي إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَهِلِينَ - قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ و يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانُ م بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرُونَ - قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ و يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَآءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّظِرِينَ - قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَبَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّآ إِن شَآءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ - قَالَ إِنَّهُ و يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَاتَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَّا شِيَةَ فِيهَا قَالُواْ الَْنَ جِئْتَ بِالْحَقِ ّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ - وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّرَءْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ- فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَي وَيُرِيكُمْ ءَايَتِهِ ي لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ): 2 / 67 - 73.
[ صفحه 80]
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
قال اللّه عزّ وجلّ ليهود المدينة: واذكروا (وَإِذْ قَالَ مُوسَي لِقَوْمِهِ ي إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُواْ بَقَرَةً) تضربون ببعضها هذا المقتول بين أظهركم، ليقوم حيّاً سويّاً بإذن اللّه عزّ وجلّ، ويخبركم بقاتله.
وذلك حين ألقي القتيل بين أظهرهم، فألزم موسي(عليه السلام) أهل القبيلة بأمر اللّه تعالي أن يحلف خمسون من أماثلهم باللّه القويّ الشديد إله [موسي و] بني إسرائيل مفضّل محمّد وآله الطيّبين علي البرايا أجمعين: [أنّا] ما قتلناه، ولاعلمنا له قاتلاً.
فإن حلفوا بذلك، غرّموا دية المقتول، وإن نكلوا نصّوا علي القاتل، أو أقرّ القاتل فيقاد منه، فإن لم يفعلوا حبسوا في محبس ضنك إلي أن يحلفوا، أو يقرّوا، أو يشهدوا علي القاتل.
فقالوا: يا نبيّ اللّه! أما وقت أيماننا أموالنا، و[لا] أموالنا أيماننا؟
قال: لا، هكذا حكم اللّه.
وكان السبب أنّ امرأة حسناء ذات جمال، وخلق كامل، وفضل بارع، ونسب شريف، وستر ثخين [64] ، كثر خطّابها، وكان لها بنو أعمام ثلاثة، فرضيت بأفضلهم علماً، وأثخنهم ستراً، وأرادت التزويج به.
فاشتدّ حسد ابني عمّه الآخرين له [غيضاً]، وغبطاه عليها لإيثارها إيّاه، فعمدا إلي ابن عمّهما المرضيّ، فأخذاه إلي دعوتهما، ثمّ قتلاه وحملاه إلي محلّة تشتمل علي أكثر قبيلة في بني إسرائيل، فألقياه بين أظهرهم ليلاً.
[ صفحه 81]
فلمّا أصبحوا وجدوا القتيل هناك، فعرف حاله، فجاء ابنا عمّه القاتلان له، فمزّقا [ثيابهما] علي أنفسهما، وحثيا التراب علي رءوسهما، واستعديا عليهم.
فأحضرهم موسي(عليه السلام) وسألهم، فأنكروا أن يكونوا قتلوه، أو علموا قاتله.
فقال: فحكم اللّه عزّ وجلّ علي من فعل هذه الحادثة ما عرفتموه، فالتزموه.
فقالوا: يا موسي! أيّ نفع في أيماننا [لنا]، إذا لم تدرأ عنّا الغرامة الثقيلة؟
أم أيّ نفع في غرامتنا لنا إذا لم تدرأ عنّا الأيمان؟
فقال موسي(عليه السلام): كلّ النفع في طاعة اللّه، والايتمار لأمره، والانتهاء عمّا نهي عنه.
فقالوا: يا نبيّ اللّه! غرم ثقيل ولا جناية لنا، وأيمان غليظة ولا حقّ في رقابنا، [لو] أنّ اللّه عرفنا قاتله بعينه، وكفانا مؤنته، فادع لنا ربّك يبيّن لنا هذا القاتل، لتنزل به ما يستحقّه من العقاب، وينكشف أمره لذوي الألباب.
فقال موسي(عليه السلام): إنّ اللّه عزّ وجلّ قد بيّن ما أحكم به في هذا، فليس لي أن أقترح عليه غير ما حكم ولا اعترض عليه فيما أمر.
ألا ترون أنّه لمّا حرّم العمل في يوم السبت، وحرّم لحم الجمل 1ف لحم الجمل، 4، لم يكن لنإ؛پ پ؟ ت أن نقترح عليه أن يغيّر ما حكم به علينا من ذلك. بل علينا أن نسلّم له حكمه، ونلتزم ما ألزمنا، وهمّ بأن يحكم عليهم بالذي كان يحكم به علي غيرهم في مثل حادثهم.
فأوحي اللّه عزّ وجلّ إليه: يا موسي! أجبهم إلي ما اقترحوا، وسلني أن أبيّن لهم القاتل، ليقتل ويسلم غيره من التهمة والغرامة، فإنّي إنّما أُريد بإجابتهم إلي ما اقترحوا توسعة الرزق علي رجل من خيار أُمّتك دينه الصلاة علي محمّد وآله الطيّبين، والتفضيل لمحمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم) وعليّ بعده علي سائر البرايا أغنية في الدنيا في هذه القضيّة، ليكون بعض ثوابه عن تعظيمه لمحمّد وآله. فقال موسي: يا ربّ! بيّن
[ صفحه 82]
لنا قاتله؟
فأوحي اللّه تعالي إليه: قل لبني إسرائيل: إنّ اللّه يبيّن لكم ذلك بأن يأمركم أن تذبحوا بقرة، فتضربوا ببعضها المقتول، فيحيي، فتسلّمون لربّ العالمين ذلك، وإلّا فكفّوا عن المسألة، والتزموا ظاهر حكمي.
فذلك ما حكي اللّه عزّ وجلّ: (وَإِذْ قَالَ مُوسَي لِقَوْمِهِ ي إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ - أي سيأمركم - أَن تَذْبَحُواْ بَقَرَةً) إن أردتم الوقوف علي القاتل، وتضربوا المقتول ببعضها، ليحيي ويخبر بالقاتل.
(قَالُواْ - يا موسي - أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا) [و] سخريّة؟
تزعم أنّ اللّه يأمرنا أن نذبح بقرة، ونأخذ قطعة من ميّت، ونضرب بها ميّتاً، فيحيي أحد الميّتين بملاقات بعض الميّت الآخر، [له] فكيف يكون هذا؟!
(قَالَ - موسي - أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَهِلِينَ) أنسب إلي اللّه تعالي ما لم يقل لي، وأن أكون من الجاهلين، أعارض أمر اللّه بقياسي علي ماشاهدت دافعاً لقول اللّه عزّ وجلّ وأمره.
ثمّ قال موسي(عليه السلام): أوليس ماء الرجل نطفة ميّتة، وماء المرأة كذلك، ميّتان يلتقيان، فيحدث اللّه تعالي من التقاء الميّتين بشراً حيّاً سويّاً، أوليس بذوركم التي تزرعونها في أرضيكم تتفسّخ وتتعفّن وهي ميّتة، ثمّ يخرج اللّه منها هذه السنابل الحسنة البهيجة، وهذه الأشجار الباسقة [65] المونقة.
فلمّا بهرهم موسي(عليه السلام) (قَالُواْ) له: يا موسي! (ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ) [أي] ما صفتها لنقف عليها.
[ صفحه 83]
فسأل موسي ربّه عزّ وجلّ، فقال: (إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا فَارِضٌ) كبيرة (وَلَابِكْرٌ) صغيرة [لم تغبط] (عَوَانُ) وسط (بَيْنَ ذَلِكَ) بين الفارض والبكر (فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرُونَ) إذا أمرتم به.
(قَالُواْ - يا موسي - ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا) أي لون هذه البقرة التي تريد أن تأمرنا بذبحها.
(قَالَ) [موسي] - عن اللّه بعد السؤال والجواب - (إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَآءُ فَاقِعٌ) حسن الصفرة ليس بناقص يضرب إلي البياض، ولا بمشبع يضرب إلي السواد (لَّوْنُهَا) هكذا فاقع (تَسُرُّ - البقرة - النَّظِرِينَ) إليها لبهجتها وحسنها وبريقها.
(قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ) ما صفتها [يزيد في صفتها].
(قَالَ - عن اللّه تعالي - إِنَّهُ و يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ) لم تذلّل لإثارة الأرض، ولم ترّض بها (وَلَاتَسْقِي الْحَرْثَ)، ولا هي ممّا تجرّ الدلاء، ولاتدير النواعير [66] ، قد أعفيت من ذلك أجمع (مُسَلَّمَةٌ) من العيوب كلّها لاعيب فيها (لَّا شِيَةَ فِيهَا) لا لون فيها من غيرها.
فلمّا سمعوا هذه الصفات قالوا: يا موسي! [أ]فقد أمرنا ربّنا بذبح بقرة هذه صفتها؟ قال: بلي.
ولم يقل موسي في الابتداء إنّ اللّه قد أمركم، لأنّه لو قال: إنّ اللّه أمركم لكانوا إذا قالوا: ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما هي، وما لونها [وما هي]، كان لايحتاج أن يسأله - ذلك - عزّ وجلّ، ولكن كان يجيبهم هو بأن يقول: أمركم ببقرة، فأيّ شي ء وقع عليه اسم بقرة، فقد خرجتم من أمره إذا ذبحتموها.
[ صفحه 84]
قال: فلمّا استقرّ الأمر عليهم، طلبوا هذه البقرة، فلم يجدوها إلّا عند شابّ من بني إسرائيل أراه اللّه عزّ وجلّ في منامه محمّداً، وطيّبي ذرّيّتهما، فقالا له: إنّك كنت لنا [وليّاً] محبّاً ومفضّلاً، ونحن نريد أن نسوق إليك بعض جزائك في الدنيا فإذا راموا شراء بقرتك، فلا تبعها إلّا بأمر أُمّك، فإنّ اللّه عزّ وجلّ يلقّنها ما يغنيك به وعقبك، ففرح الغلام.
وجاءه القوم يطلبون بقرته، فقالوا: بكم تبيع بقرتك هذه؟
قال: بدينارين والخيار لأُمّي، قالوا: قد رضينا [بدينار]، فسألها؟
فقالت: بأربعة، فأخبرهم، فقالوا: نعطيك دينارين، فأخبر أُمّه، فقالت: بثمانية، فما زالوا يطلبون علي النصف ممّا تقول أُمّه ويرجع إلي أُمّه، فتضعّف الثمن حتّي بلغ ثمنها مل ء مسك ثور أكبر ما يكون ملؤه دنانير، فأوجب لهم البيع، ثمّ ذبحوها وأخذوا قطعة، وهي عجز الذنب الذي منه خلق ابن آدم، وعليه يركّب إذا أُعيد خلقاً جديداً، فضربوه بها، وقالوا: «اللّهمّ بجاه محمّد وآله الطيّبين لمّا أحييت هذا الميّت، وأنطقته ليخبرنا عن قاتله».
فقام سالماً سويّاً، وقال: [يا نبيّ اللّه]! قتلني هذان ابنا عمّي حسداني علي بنت عمّي، فقتلاني، وألقياني في محلّة هؤلاء ليأخذا ديتي [منهم].
فأخذ موسي(عليه السلام) الرجلين فقتلهما، وكان قبل أن يقوم الميّت ضرب بقطعة من البقرة، فلم يحي، فقالوا: يا نبيّ اللّه! أين ما وعدتنا عن اللّه عزّ وجلّ؟
فقال موسي(عليه السلام): [قد صدقت]، وذلك إلي اللّه عزّ وجلّ.
فأوحي اللّه تعالي إليه: يا موسي! إنّي لا أُخلف وعدي، ولكن ليقدّموا للفتي ثمن بقرته مل ء مسكها دنانير، ثمّ أُحيي هذا.
فجمعوا أموالهم، فوسّع اللّه جلد الثور حتّي وزن ما ملي ء به جلده، فبلغ خمسة آلاف ألف دينار.
[ صفحه 85]
فقال بعض بني إسرائيل لموسي(عليه السلام): - وذلك بحضرة المقتول المنشور المضروب ببعض البقرة - لا ندري أيّهما أعجب: إحياء اللّه هذا، وإنطاقه بما نطق، أو إغناؤه لهذا الفتي بهذا المال العظيم؟!
فأوحي اللّه إليه: يا موسي! قل لبني إسرائيل: من أحبّ منكم أن أُطيّب في الدنيا عيشه، وأُعظّم في جنّاتي محلّه، وأجعل لمحمّد وآله الطيّبين فيها منادمته، فليفعل كما فعل هذا الفتي، إنّه كان قد سمع من موسي بن عمران(عليه السلام) ذكر محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم) وعليّ وآلهما الطيّبين، فكان عليهم مصلّياً، ولهم علي جميع الخلائق من الجنّ والإنس والملائكة مفضّلاً.
فلذلك صرفت إليه هذا المال العظيم، ليتنعّم بالطيّبات، ويتكرّم بالهبات والصلات، ويتحبّب بمعروفه إلي ذوي المودّات، ويكبت بنفقاته ذوي العداوات.
قال الفتي: يا نبيّ اللّه! كيف أحفظ هذه الأموال؟ أم كيف أحذر من عداوة من يعاديني فيها، وحسد من يحسدني لأجلها؟
قال: قل عليها من الصلاة علي محمّد وآله الطيّبين ما كنت تقوله قبل أن تنالها، فإنّ الذي رزقكها بذلك القول مع صحّة الاعتقاد يحفظها عليك أيضاً (بهذا القول مع صحّة الاعتقاد).
فقالها الفتي، فما رامها حاسد [له] ليفسدها، أو لصّ ليسرقها، أو غاصب ليغصبها إلّا دفعه اللّه عزّ وجلّ عنها بلطف من ألطافه حتّي يمتنع من ظلمه اختياراً، أو منعه منه بآفة، أو داهية حتّي يكفّه عنه فيكفّ اضطراراً.
[قال(عليه السلام)]: فلمّا قال موسي(عليه السلام) للفتي ذلك، وصار اللّه عزّ وجلّ له -لمقالته- حافظاً، قال هذا المنشور:
«اللّهمّ إنّي أسألك بما سألك به هذا الفتي من الصلاة علي محمّد وآله الطيّبين، والتوسّل بهم أن تبقيني في الدنيا متمتّعاً بابنة عمّي، وتجزي
[ صفحه 86]
عنّي أعدائي، وحسّادي، وترزقني فيها [خيراً] كثيراً طيّباً».
فأوحي اللّه إليه: يا موسي! إنّه كان لهذا الفتي المنشور بعد القتل ستّون سنة، وقد وهبت له بمسألته، وتوسّله بمحمّد وآله الطيّبين سبعين سنة، تمام مائة وثلاثين سنة، صحيحة حواسّه، ثابت فيها جنانه، قويّة فيها شهواته، يتمتّع بحلال هذه الدنيا، ويعيش، ولا يفارقها ولا تفارقه، فإذا حان حينه [حان حينها] وماتا جميعاً [معاً]، فصارا إلي جناني، وكانا زوجين فيها ناعمين.
ولو سألني -يا موسي- هذا الشقيّ القاتل بمثل ما توسّل به هذا الفتي علي صحّة اعتقاده أن أعصمه من الحسد، وأقنعه بما رزقته -وذلك هو الملك العظيم- لفعلت.
ولو سألني بذلك مع التوبة من صنعه أن لا أفضحه لما فضحته، ولصرفت هؤلاء عن اقتراح إبانة القاتل، ولأغنيت هذا الفتي من غير [هذا الوجه بقدر] هذا المال أوجده.
ولو سألني بعد ما افتضح وتاب إليّ، وتوسّل بمثل وسيلة هذا الفتي أن أُنسي الناس فعله -بعدما ألطف لأوليائه فيعفونه عن القصاص- لفعلت، فكان لايعيّره بفعله أحد، ولا يذكره فيهم ذاكر، ولكن ذلك فضل أُوتيه من أشاء، وأنا ذوالفضل العظيم، وأعدل بالمنع علي من أشاء، وأنا العزيز الحكيم.
فلمّا ذبحوها قال اللّه تعالي: (فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ) فأرادوا أن لايفعلوا ذلك من عظم ثمن البقرة، ولكنّ اللجاج حملهم علي ذلك، واتّهامهم لموسي(عليه السلام) حدأهم عليه.
[قال]: فضجّوا إلي موسي(عليه السلام) وقالوا: افتقرت القبيلة، ودفعت إلي التكفّف، وانسلخنا بلجاجنا عن قليلنا وكثيرنا، فادع اللّه لنا بسعة الرزق.
فقال موسي(عليه السلام): ويحكم ما أعمي قلوبكم، أما سمعتم دعاء الفتي صاحب البقرة، وما أورثه اللّه تعالي من الغني، أوما سمعتم دعاء [الفتي] المقتول
[ صفحه 87]
المنشور، وما أثمر له من العمر الطويل، والسعادة والتنعّم، والتمتّع بحواسّه وسائر بدنه وعقله، لم لا تدعون اللّه تعالي بمثل دعائهما، وتتوسّلون إلي اللّه بمثل توسّلهما ليسدّ فاقتكم ويجبر كسركم، ويسدّ خلّتكم؟
فقالوا: «اللّهمّ إليك التجأنا، وعلي فضلك اعتمدنا، فأزل فقرنا، وسدّ خلّتنا بجاه محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين والطيّبين من آلهم».
فأوحي اللّه إليه: يا موسي! قل لهم ليذهب رؤساؤهم إلي خربة بني فلان، ويكشفوا في موضع كذا - لموضع عيّنه - وجه أرضها قليلاً، ثمّ يستخرجوا ما هناك، فإنّه عشرة آلاف ألف دينار، ليردّوا علي كلّ من دفع في ثمن هذه البقرة مادفع، لتعود أحوالهم إلي ما كانت [عليه]، ثمّ ليتقاسموا بعد ذلك ما يفضل، وهو خمسة آلاف ألف دينار علي قدر ما دفع كلّ واحد منهم في هذه المحنة لتتضاعف أموالهم، جزاء علي توسّلهم بمحمّد وآله الطيّبين، واعتقادهم لتفضيلهم.
فذلك ما قال اللّه عزّ وجلّ: (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّرَءْتُمْ فِيهَا) اختلفتم فيها، وتدارأتم، ألقي بعضكم الذنب في قتل المقتول علي بعض، ودرأه عن نفسه وذويه، (وَاللَّهُ مُخْرِجٌ) مظهر (مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ) ما كان من خبر القاتل، وما كنتم تكتمون من إرادة تكذيب موسي(عليه السلام) باقتراحكم عليه ما قدّرتم أنّ ربّه لا يجيبه إليه.
(فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا) ببعض البقرة (كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَي) في الدنيا والآخرة، كما أحيي الميّت بملاقاة ميّت آخر له.
أمّا في الدنيا فيلاقي ماء الرجل ماء المراة، فيحيي اللّه الذي كان في الأصلاب والأرحام حيّاً.
وأمّا في الآخرة فإنّ اللّه تعالي ينزل بين نفختي الصور - بعد ما ينفخ النفخة الأولي من دوين السماء الدنيا - من البحر المسجور الذي قال اللّه تعالي [فيه]:
[ صفحه 88]
(وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) [67] وهي منّي كمنّي الرجال، فيمطر ذلك علي الأرض، فيلقي الماء المنّي مع الأموات البالية فينبتون من الأرض ويحيون، ثمّ قال اللّه عزّ وجلّ (وَيُرِيكُمْ ءَايَتِهِ ي) سائر آياته سوي هذه الدلالات علي توحيده، ونبوّة موسي(عليه السلام) نبيّه، وفضل محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم) علي الخلائق سيّد إمائه وعبيده، وتبيينه فضله وفضل آله الطيّبين علي سائر خلق اللّه أجمعين، (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [تعتبرون و] تتفكّرون أنّ الذي يفعل هذه العجائب لايأمر الخلق إلّا بالحكمة، ولا يختار محمّداً وآله إلّا لأنّهم أفضل ذوي الألباب. [68] .
قوله تعالي: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن م بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَرُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَآءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَفِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ): 2 / 74.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
قال اللّه عزّ وجلّ: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم) عست [69] وجفّت ويبست من الخير
[ صفحه 89]
والرحمة قلوبكم معاشر اليهود (مِّن م بَعْدِ ذَلِكَ) من بعد ما بيّنت من الآيات الباهرات في زمان موسي عليه السلام، ومن الآيات المعجزات التي شاهدتموها من محمّد.
(فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ) اليابسة لا ترشّح برطوبة، ولا ينتفض منها ما ينتفع به، أي أنّكم لا حقّ اللّه تعالي تؤدّون، ولا [من] أموالكم، ولا من مواشيها تتصدّقون، ولا بالمعروف تتكرّمون وتجودون، ولا الضيف تقرءون، ولا مكروباً تغيثون، ولابشي ء من الإنسانيّة تعاشرون وتعاملون.
(أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) إنّما هي في قساوة الأحجار (أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) أبهم علي السامعين، ولم يبيّن لهم كما يقول القائل: أكلت خبزاً أو لحماً، وهو لا يريد به إنّي لاأدري ما أكلت، بل يريد [به] أن يبهم علي السامع حتّي لا يعلم ماذا أكل، وإن كان يعلم أنّه قد أكل، وليس معناه بل أشدّ قسوة لأنّ هذا استدراك غلط، وهو عزّ وجلّ يرتفع [عن] أن يغلط في خبر ثمّ، يستدرك علي نفسه الغلط، لأنّه العالم بما كان، وبمايكون، وبما لا يكون، أن لو كان كيف كان يكون، وإنّما يستدرك الغلط علي نفسه المخلوق المنقوص.
ولا يريد به أيضاً فهي كالحجارة أو أشدّ أي وأشدّ قسوة، لأنّ هذا تكذيب الأوّل بالثاني لأنّه قال: (فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ) في الشدّة لا أشدّ منها ولا ألين. فإذا قال بعد ذلك: (أَوْ أَشَدُّ) فقد رجع عن قوله الأوّل أنّها ليست بأشدّ، وهذا مثل أن يقول: لا يجي ء من قلوبكم خير لا قليل ولا كثير.
فأبهم عزّ وجلّ في الأوّل حيث قال: (أَوْ أَشَدُّ).
وبيّن في الثاني أنّ قلوبهم أشدّ قسوة من الحجارة لا بقوله (أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً)، ولكن بقوله تعالي: (وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَرُ) أي فهي في القساوة بحيث لا يجي ء منها الخير [يا يهود]، وفي الحجارة ما يتفجّر منه الأنهار، فيجي ء بالخير والغياث لبني آدم.
[ صفحه 90]
(وَإِنَّ مِنْهَا) من الحجارة (لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَآءُ) وهو ما يقطر منه الماء فهو خير منها دون الأنهار التي يتفجّر من بعضها، وقلوبهم لايتفجّر منها الخيرات، ولا يشّقّق فيخرج منها قليل من الخيرات، وإن لم يكن كثيراً.
ثمّ قال اللّه تعالي: (وَإِنَّ مِنْهَا) يعني من الحجارة (لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) إذا أقسم عليها باسم اللّه وبأسامي أوليائه محمّد، وعليّ، وفاطمة، والحسن، والحسين، والطيّبين من آلهم صلّي اللّه عليهم، وليس في قلوبكم شي ء من هذه الخيرات.
(وَمَا اللَّهُ بِغَفِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) بل عالم به يجازيكم عنه بما هو به، عادل عليكم، وليس بظالم لكم، يشدّد حسابكم، ويؤلم عقابكم.
وهذا الذي [قد] وصف اللّه تعالي به قلوبهم ههنا نحو ما قال في سورة النساء: (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَّايُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا). [70] .
وما وصف به الأحجار ههنا نحو ما وصف في قوله تعالي: (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْءَانَ عَلَي جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ و خَشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ). [71] .
وهذا التقريع من اللّه تعالي لليهود والنواصب، واليهود جمعوا الأمرين واقترفوا الخطيئتين، فغلظ علي اليهود ما وبّخهم به رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم)، فقال جماعة من رؤسائهم، وذوي الألسن والبيان منهم: يا محمّد! إنّك تهجونا وتدّعي علي قلوبنا ما اللّه يعلم منها خلافه، إنّ فيها خيراً كثيراً نصوم، ونتصدّق، ونواسي الفقراء.
[ صفحه 91]
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم): إنّما الخير ما أريد به وجه اللّه تعالي، وعمل علي ماأمر اللّه تعالي [به].
فأمّا ما أريد به الرياء والسمعة، أو معاندة رسول اللّه، وإظهار الغني له، والتمالك، والتشرّف عليه فليس بخير، بل هو الشرّ الخالص، ووبال علي صاحبه، يعذّبه اللّه به أشدّ العذاب.
فقالوا له: يا محمّد! أنت تقول هذا، ونحن نقول: بل ما ننفقه إلّا لإبطال أمرك، ودفع رياستك، ولتفريق أصحابك عنك، وهو الجهاد الأعظم، نؤمّل به من اللّه الثواب الأجلّ الأجسم، وأقلّ أحوالنا أنّا تساوينا في الدعاوي، فأيّ فضل لك علينا؟
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم): يا إخوة اليهود! إنّ الدعاوي يتساوي فيها المحقّون والمبطلون، ولكن حجج اللّه ودلائله تفرّق بينهم فتكشف عن تمويه المبطلين، وتبيّن عن حقائق المحقّين.
ورسول اللّه محمّد لا يغتنم جهلكم، ولا يكلّفكم التسليم له بغير حجّة، ولكن يقيم عليكم حجّة اللّه تعالي التي لا يمكنكم دفاعها، ولا تطيقون الامتناع من موجبها، ولو ذهب محمّد يريكم آية من عنده لشككتم وقلتم: إنّه متكلّف مصنوع محتال فيه معمول، أو متواطأ عليه.
فإذا اقترحتم أنتم فأراكم ما تقترحون لم يكن لكم أن تقولوا معمول، أو متواطأ عليه، أو متأتّي بحيلة ومقدّمات.
فما الذي تقترحون، فهذا ربّ العالمين قد وعدني: أن يظهر لكم ما تقترحون، ليقطع معاذير الكافرين منكم، ويزيد في بصائر المؤمنين منكم.
قالوا: قد أنصفتنا يا محمّد! فإن وفيت بما وعدت من نفسك من الإنصاف، وإلّا فأنت أّول راجع من دعواك للنبوّة، وداخل في غمار الأُمّة، ومسلّم لحكم
[ صفحه 92]
التوراة لعجزك عمّا نقترحه عليك، وظهور الباطل في دعواك فيما ترومه من جهتك.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم): الصدق ينبي ء عنكم لا الوعيد، اقترحوا ماتقترحون ليقطع معاذيركم فيما تسألون.
فقالوا: يا محمّد! زعمت أنّه ما في قلوبنا شي ء من مواساة الفقراء، ومعاونة الضعفاء، والنفقة في إبطال الباطل، وإحقاق الحقّ، وأنّ الأحجار ألين من قلوبنا، وأطوع للّه منّا، وهذه الجبال بحضرتنا فهلّم بنا إلي بعضها فاستشهده علي تصديقك وتكذيبنا، فإن نطق بتصديقك فأنت المحقّ يلزمنا اتّباعك، وإن نطق بتكذيبك أو صمت فلم يردّ جوابك، فاعلم بأنّك المبطل في دعواك المعاند لهواك.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم): نعم، هلمّوا بنا إلي أيّها شئتم، أستشهده ليشهد لي عليكم، فخرجوا إلي أوعر جبل رأوه.
فقالوا: يا محمّد! هذا الجبل فاستشهده.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم) للجبل: إنّي أسألك بجاه محمّد وآله الطيّبين الذين بذكر أسمائهم خفّف اللّه العرش علي كواهل ثمانية من الملائكة بعد أن لم يقدروا علي تحريكه، وهم خلق كثير لا يعرف عددهم غير اللّه عزّ وجلّ، وبحقّ محمّد وآله الطيّبين الذين بذكر أسمائهم تاب اللّه علي آدم، وغفر خطيئته وأعاده إلي مرتبته، وبحقّ محمّد وآله الطيّبين الذين بذكر أسمائهم وسؤال اللّه بهم رفع إدريس في الجنّة [مكاناً] عليّاً لمّا شهدت لمحمّد بما أودعك اللّه بتصديقه علي هؤلاء اليهود في ذكر قساوة قلوبهم، وتكذيبهم وجحدهم لقول محمّد رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم).
فتحرّك الجبل، وتزلزل وفاض منه الماء ونادي: يا محمّد أشهد أنّك رسول [اللّه] ربّ العالمين، وسيّد الخلائق أجمعين.
[ صفحه 93]
وأشهد أنّ قلوب هؤلاء اليهود كما وصفت أقسي من الحجارة، لا يخرج منها خير كما قد يخرج من الحجارة الماء سيلاً، أو تفجيراً.
وأشهد أنّ هؤلاء كاذبون عليك فيما به يقرفونك من الفرية علي ربّ العالمين.
ثمّ قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم): وأسألك أيّها الجبل أمرك اللّه بطاعتي فيما ألتمسه منك بجاه محمّد وآله الطيّبين، الذين بهم نجّي اللّه تعالي نوحاً(عليه السلام) من الكرب العظيم، وبرّد اللّه النار علي إبراهيم(عليه السلام) وجعلها عليه سلاماً، ومكّنه في جوف النار علي سرير وفراش وثير [72] لم ير ذلك الطاغية مثله لأحد من ملوك الأرض أجمعين، وأنبت حواليه من الأشجار الخضرة النضرة النزهة، وغمر ماحوله من أنواع المنثور بما لا يوجد إلّا في فصول أربعة من جميع السنة.
قال الجبل: بلي، أشهد لك يا محمّد! بذلك، وأشهد أنّك لو اقترحت علي ربّك أن يجعل رجال الدنيا قردة وخنازير لفعل، أو يجعلهم ملائكة لفعل، وأن يقلّب النيران جليداً والجليد [73] نيراناً لفعل، أو يهبط السماء إلي الأرض أو يرفع الأرض إلي السماء لفعل، أو يصير أطراف المشارق والمغارب والوهاد كلّها صرّة كصرّة الكيس لفعل، وإنّه قد جعل الأرض والسماء طوعك، والجبال، والبحار تنصرف بأمرك، وسائر ما خلق اللّه من الرياح والصواعق وجوارح الإنسان وأعضاء الحيوان لك مطيعة، وما أمرتها [به] من شي ء ائتمرت.
فقال اليهود: يا محمّد! أعلينا تلبّس وتشبّه! قد أجلست مردة من أصحابك خلف صخور هذا الجبل فهم ينطقون بهذا الكلام، ونحن لا ندري أنسمع
[ صفحه 94]
من الرجال، أم من الجبل؟! لا يغترّ بمثل هذا إلّا ضعفاؤك الذين تبحبح في عقولهم، فإن كنت صادقاً فتنحّ عن موضعك هذا إلي ذلك القرار، وأمر هذا الجبل أن ينقلع من أصله فيسير إليك إلي هناك، فإذا حضرك -ونحن نشاهده- فأمره أن ينقطع نصفين من ارتفاع سمكه، ثمّ ترتفع السفلي من قطعتيه فوق العليا، وتنخفض العليا تحت السفلي.
فإذا أصل الجبل قلّته وقلّته أصله لنعلم أنّه من اللّه لا يتّفق بمواطاة، ولابمعاونة مموّهين متمرّدين.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم) -وأشار إلي حجر فيه قدر خمسة أرطال-: ياأيّها الحجر تدحرج؟
فتدحرج، ثمّ قال لمخاطبه: خذه وقرّبه من أُذنك، فسيعيد عليك ما سمعت فإنّ هذا جزء من ذلك الجبل.
فأخذه الرجل، فأدناه إلي أُذنه، فنطق به الحجر بمثل ما نطق به الجبل أوّلاً من تصديق رسول اللّه (صلي اللّه عليه وال وسلم) فيما ذكره عن قلوب اليهود، وفيما أخبر به من أنّ نفقاتهم في دفع أمر محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم) باطل، ووبال عليهم.
فقال [له] رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم): أسمعت هذا، أخلف هذا الحجر أحد يكلّمك [ويوهمك أنّه يكلّمك]؟! قال: لا، فأتني بما اقترحت في الجبل؟
فتباعد رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم) إلي فضاء واسع، ثمّ نادي الجبل: يا أيّها الجبل! بحقّ محمّد وآله الطيّبين الذين بجاههم (ومسألة عباد اللّه) بهم أرسل اللّه علي قوم عاد ريحاً صرصراً عاتية تنزع الناس كأنّهم أعجاز نخل خاوية، وأمر جبرئيل أن يصيح صيحة [هائلة] في قوم صالح(عيه السلام) حتّي صاروا كهشيم المحتظر لمّا انقلعت من مكانك بإذن اللّه، وجئت إلي حضرتي هذه - ووضع يده علي الأرض بين يديه.
[ صفحه 95]
[قال:] فتزلزل الجبل، وسار كالقارح الهملاج حتّي [صار بين يديه، و] دنا من إصبعه أصله فلزق بها، ووقف ونادي: [ها] أنا سامع لك مطيع يا رسول (ربّ العالمين)، وإن رغمت أنوف هؤلاء المعاندين مرني بأمرك يا رسول اللّه!
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم): إنّ هؤلاء [المعاندين] اقترحوا عليّ أن آمرك أن تنقلع من أصلك فتصير نصفين، ثمّ ينحطّ أعلاك ويرتفع أسفلك، فتصير ذروتك أصلك وأصلك ذروتك.
فقال الجبل: أفتأمرني بذلك يا رسول اللّه ربّ العالمين؟ قال: بلي.
فانقطع [الجبل] نصفين، وانحطّ أعلاه إلي الأرض، وارتفع أسفله فوق أعلاه، فصار فرعه أصله، وأصله فرعه، ثمّ نادي الجبل: معاشر اليهود! هذا الذي ترون دون معجزات موسي الذي تزعمون أنّكم به مؤمنون؟!
فنظر اليهود بعضهم إلي بعض فقال بعضهم: ما عن هذا محيص.
وقال آخرون منهم: هذا رجل مبخوت، يؤتي له، والمبخوت يتأتّي له العجائب، فلا يغرّنّكم ما تشاهدون [منه].
فناداهم الجبل: يا أعداء اللّه! قد أبطلتم بما تقولون نبوّة موسي(عليه السلام) هلاّ قلتم لموسي: إنّ قلب العصا ثعباناً، وانفلاق البحر طرقاً، ووقوف الجبل كالظلّة فوقكم، إنّك يؤتي لك يأتيك جدّك [74] بالعجائب، فلا يغرّنا مانشاهده منك، فألقمتهم الجبال - بمقالتها - الصخور، ولزمتهم حجّة ربّ العالمين. [75] .
[ صفحه 96]
قوله تعالي: (أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَمَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ و مِن م بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ - وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ ءَامَنُواْ قَالُواْ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَي بَعْضٍ قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ ي عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلَاتَعْقِلُونَ - أَوَلَايَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَإ؛جج يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ): 2 / 75 - 77.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
فلمّا بهر [76] رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم) هؤلاء اليهود بمعجزته، وقطع معاذيرهم بواضح دلالته، لم يمكنهم مراجعته في حجّته، ولا إدخال التلبيس عليه في معجزته.
فقالوا: يا محمّد! قد آمنّا بأنّك الرسول الهادي المهديّ، وأنّ عليّاً أخاك هو الوصيّ والوليّ.
وكانوا إذا خلوا باليهود الآخرين يقولون [لهم:] إنّ إظهارنا له الإيمان به أمكن لنا من مكروهه، وأعون لنا علي اصطلامه، واصطلام أصحابه لأنّهم
[ صفحه 97]
عند اعتقادهم أنّنا معهم يقفوننا علي أسرارهم، ولا يكتموننا شيئاً، فنطّلع عليهم أعداءهم، فيقصدون أذاهم بمعاونتنا، ومظاهرتنا في أوقات اشتغالهم واضطرابهم، وفي أحوال تعذّر المدافعة، والامتناع من الأعداء عليهم.
وكانوا مع ذلك ينكرون علي سائر اليهود إخبار الناس عمّا كانوا يشاهدونه من آياته، ويعاينونه من معجزاته.
فأظهر اللّه تعالي محمّداً رسوله(صلي اللّه عليه وال وسلم) علي سوء اعتقادهم، وقبح [أخلاقهم و] دخلاتهم، وعلي إنكارهم علي من اعترف بما شاهده من آيات محمّد، وواضح بيّناته، وباهر معجزاته.
فقال عزّ وجلّ: يا محمّد! (أَفَتَطْمَعُونَ) أنت وأصحابك من عليّ وآله الطيّبين (أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ) هؤلاء اليهود الذين هم بحجج اللّه قد بهرتموهم، وبآيات اللّه ودلائله الواضحة قد قهرتموهم، أن يؤمنوا لكم ويصدّقوكم بقلوبهم، ويبدوا في الخلوات لشياطينهم شريف أحوالكم.
(وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ) يعني من هؤلاء اليهود من بني إسرائيل (يَسْمَعُونَ كَلَمَ اللَّهِ) في أصل جبل طور سيناء وأوامره ونواهيه (ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ و) عمّا سمعوه إذا أدّوه إلي من وراءهم من سائر بني إسرائيل (مِن م بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ) وعلموا أنّهم فيما يقولونه كاذبون (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أنّهم في قيلهم كاذبون.
وذلك أنّهم لمّا صاروا مع موسي إلي الجبل فسمعوا كلام اللّه، ووقفوا علي أوامره ونواهيه رجعوا فأدّوه إلي من بعدهم، فشقّ عليهم، فأمّا المؤمنون منهم فثبتوا علي إيمانهم وصدقوا في نيّاتهم.
وأمّا أسلاف هؤلاء اليهود الذين نافقوا رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم) في هذه القضيّة فإنّهم قالوا لبني إسرائيل: إنّ اللّه تعالي قال لنا هذا، وأمرنا بما ذكرناه لكم،
[ صفحه 98]
ونهانا، وأتبع ذلك بأنّكم إن صعب عليكم ما أمرتكم به فلا عليكم أن [لاتفعلوه، وإن صعب عليكم ما عنه نهيتكم فلا عليكم أن] ترتكبوه وتواقعوه، [هذا] وهم يعلمون أنّهم بقولهم هذا كاذبون.
ثمّ أظهر اللّه تعالي (علي نفاقهم الآخر) مع جهلهم.
فقال عزّ وجلّ: (وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ ءَامَنُواْ قَالُواْ ءَامَنَّا) كانوا إذا لقوا سلمان والمقداد وأبا ذرّ وعمّاراً قالوا: آمنّا كإيمانكم، إيماناً بنبوّة ممّد(صلي اللّه عليه وال وسلم) مقروناً [بالإيمان] بإمامة أخيه عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، وبأنّه أخوه الهادي، ووزيره [الموالي]، وخليفته علي أُمّته، ومنجز عدته، والوافي بذمّته، والناهض بأعباء سياسته، وقيّم الخلق، والذائد [77] لهم عن سخط الرحمن، الموجب لهم -إن أطاعوه- رضي الرحمن.
وأنّ خلفاءه من بعده هم النجوم الزاهرة، والأقمار المنيرة، والشموس المضيئة الباهرة، وأنّ أولياءهم أولياء اللّه، وأنّ أعداءهم أعداء اللّه.
ويقول بعضهم: نشهد أنّ محمّداً صاحب المعجزات، ومقيم الدلالات الواضحات، هو الذي لمّا تواطأت قريش علي قتله وطلبوه فقداً لروحه، أيبس اللّه تعالي أيديهم فلم تعمل، وأرجلهم فلم تنهض حتّي رجعوا عنه خائبين مغلوبين.
ولو شاء محمّد وحده قتلهم أجمعين، وهو الذي لمّا جاءته قريش وأشخصته إلي هبل ليحكم عليه بصدقهم وكذبه خرّ هبل لوجهه، وشهد له بنبوّته، وشهد لأخيه عليّ بإمامته، ولأوليائه من بعده بوراثته، والقيام بسياسته وإمامته.
وهو الذي لمّا ألجأته قريش إلي الشعب، ووكّلوا ببابه من يمنع من إيصال
[ صفحه 99]
قوت، ومن خروج أحد عنه خوفاً أن يطلب لهم قوتاً، غذّي هناك كافرهم ومؤمنهم أفضل من المنّ والسلوي، وكلّ ما اشتهي كلّ واحد منهم من أنواع الأطعمات الطيّبات، ومن أصناف الحلاوات، وكساهم أحسن الكسوات.
وكان رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم) بين أظهرهم إذا رآهم، وقد ضاق لضيق فجّهم صدورهم، قال بيده هكذا بيمناه إلي الجبال، وهكذا بيسراه إلي الجبال، وقال لها: اندفعي، فتندفع وتتأخّر حتّي يصيروا بذلك في صحراء لا يري طرفاها، ثمّ يقول بيده هكذا ويقول: اطلعي يا أيّتها المودعات! لمحمّد وأنصاره ماأودعكموها اللّه من الأشجار والثمار [والأنهار] وأنواع الزهر والنبات، فتطلع من الأشجار الباسقة، والرياحين المونقة، والخضروات النزهة ما تتمتّع به القلوب والأبصار، وتنجلي به الهموم والغموم والأفكار، ويعلمون أنّه ليس لأحد من ملوك الأرض مثل صحرائهم علي ما تشتمل عليهم من عجائب أشجارها، وتهدّل أثمارها، واطراد أنهارها وغضارة، رياحينها، وحسن نباتها.
ومحمّد هو الذي لمّا جاءه رسول أبي جهل يتهدّده، ويقول: يا محمّد! إنّ الخبوط التي في رأسك هي التي ضيقت عليك مكّة، ورمت بك إلي يثرب، وإنّها لا تزال بك [حتّي] تنفّرك وتحثّك علي ما يفسدك، ويتلفك إلي أن تفسدها علي أهلها، وتصليهم حرّ نار تعدّيك طورك، وما أري ذلك إلّا وسيؤول إلي أن تثور عليك قريش ثورة رجل واحد لقصد آثارك، ودفع ضررك وبلائك فتلقاهم بسفهائك المغترّين بك، ويساعدك علي ذلك من هو كافر بك مبغض لك، فيلجئه إلي مساعدتك ومظافرتك خوفه لأن يهلك بهلاكك، و [تعطب] عياله بعطبك، ويفتقر هو ومن يليه بفقرك وبفقر متبعيك، إذ يعتقدون أنّ أعداءك إذا قهروك ودخلوا ديارهم عنوة لم يفرّقوا بين من والاك وعاداك، واصطلموهم باصطلامهم لك، وأتوا علي عيالاتهم وأموالهم بالسبي والنهب، كما يأتون علي
[ صفحه 100]
أموالك وعيالك، وقد أعذر من أنذر، وبالغ من أوضح.
أدّيت هذه الرسالة إلي محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم) وهو بظاهر المدينة بحضرة كافّة أصحابه وعامّة الكفّار به من يهود بني إسرائيل.
وهكذا أمر الرسول ليجنّبوا المؤمنين، ويغرّوا بالوثوب عليه سائر من هناك من الكافرين.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم): للرسول: قد أطريت مقالتك، واستكملت رسالتك؟ قال: بلي.
قال(صلي اللّه عليه وال وسلم): فاسمع الجواب! إنّ أبا جهل بالمكاره والعطب يهدّدني، وربّ العالمين بالنصر والظفر يعدني، وخبر اللّه أصدق، والقبول من اللّه أحقّ، لن يضرّ محمّداً من خذله، أو يغضب عليه بعد أن ينصره اللّه عزّ وجلّ، ويتفضّل بجوده وكرمه عليه.
قل له: يا أبا جهل! إنّك راسلتني بما ألقاه في خلدك الشيطان، وأنا أُجيبك بماألقاه في خاطري الرحمن: إنّ الحرب بيننا وبينك كائنة إلي تسعة وعشرين [يوماً]، وإنّ اللّه سيقتلك فيها بأضعف أصحابي، وستلقي أنت وعتبة وشيبة والوليد وفلان وفلان - وذكر عدداً من قريش - في قليب بدر مقتّلين، أقتل منكم سبعين، وآسر منكم سبعين، أحملهم علي الفداء [العظيم] الثقيل، ثمّ نادي جماعة من بحضرته من المؤمنين واليهود [والنصاري] وسائر الأخلاط: ألا تحبّون أن أُريكم مصرع كلّ واحد من هؤلاء؟
[قالوا: بلي، قال]: هلّموا إلي بدر فإنّ هناك الملتقي والمحشر، وهناك البلاء الأكبر، لأضع قدمي علي مواضع مصارعهم، ثمّ ستجدونها لا تزيد، ولاتنقص، ولا تتغيّر، ولا تتقدّم، ولا تتأخّر لحظة، ولا قليلاً، ولا كثيراً.
فلم يخف ذلك علي أحد منهم، ولم يجبه إلّا عليّ بن أبي طالب وحده، وقال: نعم، بسم اللّه.
[ صفحه 101]
فقال الباقون: نحن نحتاج إلي مركوب وآلات ونفقات، فلا يمكننا الخروج إلي هناك، وهو مسيرة أيّام.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم) لسائر اليهود: فأنتم ماذا تقولون؟
قالوا: نحن نريد أن نستقرّ في بيوتنا، ولا حاجة لنا في مشاهدة ما أنت في ادّعائه محيل.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم): لا نصب عليكم في المسير إلي هناك، أخطوا خطوة واحدة، فإنّ اللّه يطوي الأرض لكم، ويوصلكم في الخطوة الثانية إلي هناك.
فقال المؤمنون: صدق رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم)، فلنتشرّف بهذه الآية.
وقال الكافرون والمنافقون: سوف نمتحن هذا الكذب لينقطع عذر محمّد وتصير دعواه حجّة عليه، وفاضحة له في كذبه.
قال فخطا القوم خطوة، ثمّ الثانية فإذا هم عند بئر بدر، فعجبوا.
فجاء رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم) فقال: اجعلوا البئر العلامة، واذرعوا من عندها كذإ؛ذرعاً، فذرعوا فلمّا انتهوا إلي آخرها، قال: هذا مصرع أبي جهل يجرحه فلان الأنصاريّ، ويجهز عليه عبد اللّه بن مسعود أضعف أصحابي.
ثمّ قال: اذرعوا من البئر من جانب آخر.
[ثمّ جانب آخر، ثمّ جانب آخر] كذا وكذا ذراعاً وذراعاً، وذكر أعداد الأذرع مختلفة، فلمّا انتهي كلّ عدد إلي آخره، قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم): هذا مصرع عتبة، وذلك مصرع شيبة، وذاك مصرع الوليد، وسيقتل فلان وفلان- إلي أن (سمّي تمام) سبعين منهم بأسمائهم-، وسيؤسر فلان وفلان إلي أن ذكر سبعين منهم بأسمائهم، وأسماء آبائهم وصفاتهم، ونسب المنسوبين إلي الآباء منهم، ونسب الموالي منهم إلي مواليهم.
ثمّ قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم): أوقفتم علي ما أخبرتكم به؟ قالوا: بلي.
[ صفحه 102]
قال: (إنّ ذلك لحقّ) كائن بعد ثمانية وعشرين يوماً [من اليوم] في اليوم التاسع والعشرين، وعداً من اللّه مفعولاً، وقضاء حتماً لازماً.
ثمّ قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم): يا معشر المسلمين واليهود! اكتبوا بما سمعتم.
فقالوا: يا رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم)! قد سمعنا ووعينا ولا ننسي.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم): الكتابة [أفضل و] أذكر لكم.
فقالوا: يا رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم)! وأين الدواة والكتف؟
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم): ذلك للملائكة.
ثمّ قال: يا ملائكة ربّي! اكتبوا ما سمعتم من هذه القصّة في أكتاف، واجعلوا في كمّ كلّ واحد منهم كتفاً من ذلك.
ثمّ قال: معاشر المسلمين! تأمّلوا أكمامكم وما فيها وأخرجوه واقرؤوه.
فتأمّلوها، فإذا في كمّ كلّ واحد منهم صحيفة قرأها، وإذا فيها ذكر ما قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم) في ذلك سواء لا يزيد، ولا ينقص، ولا يتقدّم، ولا يتأخّر.
فقال: أعيدوها في أكمامكم تكن حجّة عليكم، وشرفاً للمؤمنين منكم، وحجّة علي الكافرين.
فكانت معهم، فلمّا كان يوم بدر جرت الأُمور كلّها [ببدر ووجدوها] كماقال(صلي اللّه عليه وال وسلم) لا يزيد ولا ينقص، قابلوا بها ما في كتبهم فوجدوها كما كتبته الملائكة لا تزيد، ولا تنقص، ولا تتقدّم، ولا تتأخّر.
فقبل المسلمون ظاهرهم، ووكّلوا باطنهم إلي خالقهم.
فلمّا أفضي بعض هؤلاء اليهود إلي بعض، قالوا: أيّ شي ء صنعتم؟
أخبرتموهم بما فتح اللّه عليكم من الدلالات علي صدق نبوّة محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم)، وإمامة أخيه عليّ(عليه السلام).
(لِيُحَآجُّوكُم بِهِ ي عِندَ رَبِّكُمْ) بأنّكم كنتم قد علمتم هذا، وشاهدتموه
[ صفحه 103]
فلم تؤمنوا به، ولم تطيعوه، وقدّروا بجهلهم أنّهم إن لم يخبروهم بتلك الآيات لم يكن له عليهم حجّة في غيرها.
ثمّ قال عزّ وجلّ: (أَفَلَاتَعْقِلُونَ) [إنّ هذا] الذي تخبرونهم [به] ممّا فتح اللّه عليكم من دلائل نبوّة محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم) حجّة عليكم عند ربّكم.
قال اللّه عزّ وجلّ: (أَوَلَايَعْلَمُونَ) يعني أولا يعلم هؤلاء القائلون لإخوانهم أتحدّثونهم بما فتح اللّه عليكم (أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ) من عداوة محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم) ويضمرونه من أنّ إظهارهم الإيمان به أمكن لهم من اصطلامه وإبارة أصحابه.
(وَمَا يُعْلِنُونَ) من الإيمان ظاهراً ليؤنسوهم، ويقفوا به علي أسرارهم فيذيعوها بحضرة من يضرّهم.
وإنّ اللّه لمّا علم ذلك دبّر لمحمّد تمام أمره، وبلوغ غاية ما أراده اللّه ببعثه، وإنّه يتمّ أمره، وإنّ نفاقهم وكيادهم لا يضرّه. [78] .
قوله تعالي: (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَايَعْلَمُونَ الْكِتَبَ إِلَّآ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ): 2 / 78.
[ صفحه 104]
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
[ثمّ] قال اللّه عزّ وجلّ: يا محمّد! ومن هؤلاء اليهود (أُمِّيُّونَ) لايقرءون [الكتاب] ولا يكتبون كالأُمّيّ، منسوب إلي أُمّه، أي هو كما خرج من بطن أُمّه لا يقرأ ولا يكتب.
(لَايَعْلَمُونَ الْكِتَبَ) المنزل من السماء ولا المكذّب به ولا يميّزون بينهما (إِلَّآ أَمَانِيَّ) أي إلّا أن يقرأ عليهم.
ويقال لهم: [إنّ] هذا كتاب اللّه وكلامه لا يعرفون إن قري ء من الكتاب خلاف ما فيه (وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) أي مايقول لهم رؤساؤهم من تكذيب محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم) في نبوّته، وإمامة عليّ(عليه السلام) سيّد عترته، وهم يقلّدونهم مع أنّه محرّم عليهم تقليدهم. [79] .
قوله تعالي: (فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَبَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِاللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ي ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ): 2 / 79.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
قال اللّه عزّ وجلّ: [هذا] لقوم من هؤلاء اليهود كتبوا صفة زعموا أنّها صفة النبيّ(صلي اللّه عليه وال وسلم) وهو خلاف صفته، وقالوا للمستضعفين [منهم]: هذه صفة النبيّ
[ صفحه 105]
المبعوث في آخر الزمان، إنّه طويل عظيم البدن والبطن، أصهب الشعر، ومحمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم) بخلافه، وهو يجي ء بعد هذا الزمان بخمسمائة سنة.
وإنّما أرادوا بذلك لتبقي لهم علي ضعفائهم رياستهم، وتدوم لهم منهم إصابتهم، ويكفّوا أنفسهم مؤنة خدمة رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم)، [وخدمة عليّ(عليه السلام)] وأهل خاصّته.
فقال اللّه تعالي: (فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ) من هذه الصفات المحرّفات المخالفات لصفة محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم) وعليّ(عليه السلام) الشدّة لهم من العذاب في أسوأ بقاع جهنّم (وَوَيْلٌ لَّهُم) الشدّة لهم من العذاب ثانية مضافة إلي الأُولي (مِّمَّا يَكْسِبُونَ) من الأموال التي يأخذونها إذا أثبتوا عوامّهم علي الكفر بمحمّد رسول اللّه، والجحد لوصيّه أخيه عليّ وليّ اللّه(عليهم السلام). [80] .
قوله تعالي: (وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّآ أَيَّامًا مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ و أَمْ تَقُولُونَ عَلَي اللَّهِ مَا لَاتَعْلَمُونَ): 2 / 80.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
قال اللّه عزّ وجلّ: (وَقَالُواْ) يعني اليهود [المصرّون] المظهرون للإيمان، المسرّون للنفاق، المدبّرون علي رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم) وذويه بما يظنّون أنّ فيه عطبهم (لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّآ أَيَّامًا مَّعْدُودَةً) وذلك أنّه كان لهم أصهار وإخوة
[ صفحه 106]
رضاع من المسلمين يسرّون كفرهم عن محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم) وصحبه، وإن كانوا به عارفين، صيانة لهم لأرحامهم وأصهارهم.
قال لهم هؤلاء: لم تفعلون هذا النفاق الذي تعلمون أنّكم به عند اللّه مسخوط عليكم معذّبون؟
أجابهم هؤلاء اليهود: بأنّ مدّة ذلك العذاب الذي نعذّب به لهذه الذنوب (أَيَّامًا مَّعْدُودَةً) تنقضي، ثمّ نصير بعد في النعمة في الجنان فلا نتعجّل المكروه في الدنيا للعذاب الذي [هو] بقدر أيّام ذنوبنا، فإنّها تفني وتنقضي.
ونكون قد حصلنا لذات الحرّية من الخدمة، ولذات نعمة الدنيا، ثمّ لانبالي بما يصيبنا بعد، فإنّه إذا لم يكن دائماً فكأنّه قد فني.
فقال اللّه عزّ وجلّ: (قُلْ - يا محمّد- أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللَّهِ عَهْدًا) أنّ عذابكم علي كفركم بمحمّد ودفعكم لآياته في نفسه وفي عليّ وسائر خلفائه، وأوليائه منقطع غير دائم؟! بل ما هو إلّا عذاب دائم لا نفاد له، فلا تجتروا علي الآثام والقبائح من الكفر باللّه، وبرسوله، وبوليّه المنصوب بعده علي أُمّته، ليسوسهم ويرعاهم سياسة الوالد الشفيق الرحيم [الكريم] لولده، ورعاية الحدب المشفق علي خاصّته.
(فَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ و) فكذلك أنتم بما تدّعون من فناء عذاب ذنوبكم هذه في حرز (أَمْ تَقُولُونَ عَلَي اللَّهِ مَا لَاتَعْلَمُونَ) أتّخذتم عهداً، أم تقولون [جهلاً]؟ بل أنتم في أيّهما ادّعيتم كاذبون. [81] .
[ صفحه 107]
قوله تعالي: (بَلَي مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَطَتْ بِهِ ي خَطِيَتُهُ و فَأُوْلَئكَ أَصْحَبُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَلِدُونَ): 2 / 81.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
السيّئة المحيطة به، هي التي تخرجه عن جملة دين اللّه، وتنزعه عن ولاية اللّه، وترميه في سخط اللّه [و] هي الشرك باللّه، والكفر به، والكفر بنبوّة محمّد رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم)، والكفر بولاية عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، كلّ واحد من هذه سيّئة تحيط به، أي تحيط بأعماله، فتبطلها وتمحقها، (فَأُوْلَئكَ) عاملوا هذه السيّئة المحيطة (أَصْحَبُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَلِدُونَ). [82] .
قوله تعالي: (وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّلِحَتِ أُوْلَئكَ أَصْحَبُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَلِدُونَ): 2 / 82.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال أبو يعقوب يوسف ابن زياد، وعليّ بن سيّار (رضي اللّه عنهما): حضرنا ليلة علي غرفة الحسن بن عليّ بن محمّد(عليه السلام)...
[فقال(عليه السلام)]: وإنّما شيعة عليّ(عليه السلام) الذين قال عزّ وجلّ فيهم: (وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّلِحَتِ أُوْلَئكَ أَصْحَبُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَلِدُونَ).... [83] .
[ صفحه 108]
قوله تعالي: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَقَ بَنِي إِسْرَءِيلَ لَاتَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَلِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَي وَالْيَتَمَي وَالْمَسَكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُواْ الصَّلَوةَ وَءَاتُواْ الزَّكَوةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مُّعْرِضُونَ): 2 / 83.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
قال اللّه عزّ وجلّ لبني اسرائيل: واذكروا (إِذْ أَخَذْنَا مِيثَقَ بَنِي إِسْرَءِيلَ) عهدهم المؤكّد عليهم (لَاتَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ) أي لايشبّهوه بخلقه، ولا يجوّروه في حكمه، ولا يعملوا مايراد به [وجهه، يريدون به] وجه غيره.
(وَبِالْوَلِدَيْنِ إِحْسَانًا) وأخذنا ميثاقهم بأن يعملوا بوالديهم إحساناً، مكافاةً علي إنعامهما عليهم، وإحسانهما إليهم، واحتمال المكروه الغليظ فيهم، لترفيههم وتوديعهم.
(وَذِي الْقُرْبَي) قرابات الوالدين بأن يحسنوا إليهم لكرامة الوالدين.
(وَالْيَتَمَي) أي وأن يحسنوا إلي اليتامي الذين فقدوا آباءهم، الكافلين لهم أُمورهم، السائقين إليهم غذاءهم وقوتهم، المصلحين لهم معاشهم.
(وَقُولُواْ لِلنَّاسِ) الذين لا مؤونة لهم عليكم (حُسْنًا) عاملوهم بخلق جميل، (وَأَقِيمُواْ الصَّلَوةَ) الخمس، وأقيموا أيضاً الصلاة علي محمّد وآل محمّد الطيّبين عند أحوال غضبكم، ورضاكم، وشدّتكم، ورخاكم، وهمومكم المعلّقة لقلوبكم (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ) أيّها اليهود عن الوفاء بما قد نقل إليكم من العهد الذي أدّاه أسلافكم إليكم (وَأَنتُم مُّعْرِضُونَ) عن ذلك العهد تاركين له غافلين عنه. [84] .
[ صفحه 109]
2 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام):
وأمّا قوله عزّ وجلّ: (أَقِيمُواْ الصَّلَوةَ) فهو أقيموا الصلاة بتمام ركوعها، وسجودها، و حفظ مواقيتها، وأداء حقوقها التي إذا لم تؤدّ لم يتقبّلها ربّ الخلائق، أتدرون ما تلك الحقوق؟
فهي اتّباعها بالصلاة علي محمّد وعليّ وآلهما(عليه السلام) منطوياً علي الاعتقاد بأنّهم أفضل خيرة اللّه، والقوّام بحقوق اللّه، والنصّار لدين اللّه.
(وَءَاتُواْ الزَّكَوةَ) من المال، والجاه، وقوّة البدن.
فمن المال مواساة إخوانكم المؤمنين، ومن الجاه إيصالهم إلي ما يتقاعسون عنه لضعفهم عن حوائجهم المتردّدة في صدورهم، وبالقوّة معونة أخ لك قد سقط حماره، أو جمله في صحراء، أو طريق وهو يستغيث فلا يغاث تعينه حتّي حمل عليه متاعه، وتركبه [عليه] وتنهضه حتّي تلحقه القافلة، وأنت في ذلك كلّه معتقد لموالاة محمّد وآله الطيّبين.
فإنّ اللّه يزكّي أعمالك، ويضاعفها بموالاتك لهم، وبراءتك من أعدائهم.
قال اللّه تعالي: (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِّنكُمْ) يا معاشر اليهود المأخوذ عليكم من هذه العهود كما أخذ علي أسلافكم (وَأَنتُم مُّعْرِضُونَ) عن أمر اللّه عزّ وجلّ الذي فرضه. [85] .
[ صفحه 110]
3 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(رحمه الله):
وقال الحسن بن عليّ(عليهم السلام):...، وأمّا قوله عزّ وجلّ: (وَذِي الْقُرْبَي) فهم من قراباتك من أبيك، وأُمّك، قيل لك: أعرف حقّهم كما أخذ العهد به علي بني إسرائيل، وأخذ عليكم معاشر أُمّة محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم) بمعرفة حقّ قرابات محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم) الذين هم الأئمّة بعده، ومن يليهم بعد من خيار أهل دينهم. [86] .
4 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام):... وأمّا قوله عزّ وجلّ: (وَالْمَسَكِينِ) فهو من سكّن الضرّ والفقر حركته، ألا فمن واساهم بحواشي ماله، وسّع اللّه عليه جنانه، وأناله غفرانه ورضوانه. [87] .
قوله تعالي: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَقَكُمْ لَاتَسْفِكُونَ دِمَآءَكُمْ وَلَاتُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَرِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ - ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلَآءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِّنكُم مِّن دِيَرِهِمْ تَظَهَرُونَ عَلَيْهِم بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَنِ وَإِن يَأْتُوكُمْ أُسَرَي تُفَدُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَبِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَمَةِ يُرَدُّونَ إِلَي أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَفِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ -
[ صفحه 111]
أُوْلَئكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْحَيَوةَ الدُّنْيَا بِالْأَخِرَةِ فَلَايُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ):2 / 84 - 86.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
(وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَقَكُمْ) واذكروا يا بني إسرائيل! حين أخذنا ميثاقكم [أي أخذنا ميثاقكم] علي أسلافكم، وعلي كلّ من يصل إليه الخبر بذلك من أخلافهم الذين أنتم منهم، (لَاتَسْفِكُونَ دِمَآءَكُمْ) لا يسفك بعضكم دماء بعض (وَلَاتُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَرِكُمْ).
ولا يخرج بعضكم بعضاً من ديارهم (ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ) بذلك الميثاق كما أقرّ به أسلافكم، والتزمتموه كما التزموه (وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ) بذلك علي أسلافكم وأنفسكم.
(ثُمَّ أَنتُمْ) معاشر اليهود (تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ) يقتل بعضكم بعضاً [علي إخراج من يخرجونه من ديارهم] (وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِّنكُم مِّن دِيَرِهِمْ) غصباً وقهراً (تَظَهَرُونَ عَلَيْهِم) تظاهر بعضكم بعضاً علي إخراج من تخرجونه من ديارهم، وقتل من تقتلونه منهم بغير حقّ (بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَنِ) بالتعدّي تتعاونون وتتظاهرون.
(وَإِن يَأْتُوكُمْ) يعني هؤلاء الذين تخرجونهم -أن تروموا إخراجهم، وقتلهم ظلماً- إن يأتوكم (أُسَرَي) قد أسرهم أعداؤكم وأعداؤهم، (تُفَدُوهُمْ) من الأعداء بأموالكم (وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ).
أعاد قوله عزّ وجلّ: (إِخْرَاجُهُمْ) ولم يقتصر علي أن يقول وهو محرّم عليكم لأنّه لو قال ذلك لرأي أنّ المحرّم إنّما هو مفاداتهم.
ثمّ قال عزّ وجلّ: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَبِ)، وهو الذي أوجب عليكم المفادات (وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ)، وهو الذي حرّم قتلهم وإخراجهم.
[ صفحه 112]
فقال: فإذا كان قد حرّم الكتاب قتل النفوس، والإخراج من الديار كما فرض فداء الأُسراء فمابالكم تطيعون في بعض، وتعصون في بعض؟ كأنّكم ببعض كافرون، وببعض مؤمنون.
ثمّ قال عزّ وجلّ: (فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ) يا معاشر اليهود (إِلَّا خِزْيٌ) ذلّ (فِي الْحَيَوةِ الدُّنْيَا) جزية تضرب عليه يذلّ بها (وَيَوْمَ الْقِيَمَةِ يُرَدُّونَ إِلَي أَشَدِّ الْعَذَابِ) إلي جنس أشدّ العذاب يتفاوت ذلك علي قدر تفاوت معاصيهم (وَمَا اللَّهُ بِغَفِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) يعمل هؤلاء اليهود.
ثمّ وصفهم فقال عزّ وجلّ: (أُوْلَئكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْحَيَوةَ الدُّنْيَا بِالْأَخِرَةِ) رضوا بالدنيا وحطامها بدلاً من نعيم الجنان المستحقّ بطاعات اللّه (فَلَايُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ) لا ينصرهم أحد، يرفع عنهم العذاب. [88] .
قوله تعالي: (وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَي الْكِتَبَ وَقَفَّيْنَا مِن م بَعْدِهِ ي بِالرُّسُلِ وَءَاتَيْنَا عِيسَي ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَتِ وَأَيَّدْنَهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولُ م بِمَا لَاتَهْوَي أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ):2 / 87.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
قال اللّه عزّ وجلّ -وهو يخاطب هؤلاء اليهود الذين أظهر محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم) المعجزات لهم عند تلك الجبال ويوبّخهم-: (وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَي الْكِتَبَ) التوراة المشتمل علي أحكامنا، وعلي ذكر فضل محمّد وعليّ وآلهما الطيّبين،
[ صفحه 113]
وإمامة عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، وخلفائه بعده، وشرف أحوال المسلمين له، وسوء أحوال المخالفين عليه.
(وَقَفَّيْنَا مِن م بَعْدِهِ ي بِالرُّسُلِ) جعلنا رسولاً في أثر رسول.
(وَءَاتَيْنَا) أعطينا (عِيسَي ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَتِ) الآيات الواضحات [مثل] إحياء الموتي، وإبراء الأكمه، والأبرص، والإنباء بما يأكلون، وما يدّخرون في بيوتهم.
(وَأَيَّدْنَهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) وهو جبرئيل(عليه السلام)، وذلك حين رفعه من روزنة بيته إلي السماء وألقي شبهه علي من رام قتله، فقتل بدلاً منه.
وقيل: هو المسيح!
قال الامام(عليه السلام): ما أظهر اللّه عزّ وجلّ لنبيّ تقدّم آية إلّا وقد جعل لمحمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم) وعليّ(عليه السلام) مثلها، وأعظم منها.
قيل: يا ابن رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم)! فأيّ شي ء جعل لمحمّد وعليّ(عليهم السلام) ما يعدل آيات عيسي من إحياء الموتي، وإبراء الأكمه، والأبرص، والإنباء بما يأكلون وما يدخّرون؟
قال(عليه السلام): إنّ رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم) كان يمشي بمكّة، وأخوه عليّ(عليه السلام) يمشي معه، وعمّه أبو لهب خلفه - يرمي عقبه بالأحجار وقد أدماه - ينادي: معاشر قريش! هذا ساحر كذّاب! فافقدوه، واهجروه، واجتنبوه، وحرّش [89] عليه أوباش قريش، فتبعوهما ويرمونهما (بالأحجار فما منها) حجر أصابه إلّا وأصاب عليّاً(عليه السلام).
[ صفحه 114]
فقال بعضهم: يا عليّ! ألست المتعصّب لمحمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم)، والمقاتل عنه، والشجاع الذي لا نظير لك مع حداثة سنّك، وأنّك لم تشاهد الحروب، ما بالك لا تنصر محمّداً، ولا تدفع عنه؟!
فناداهم عليّ(عليه السلام): معاشر أوباش قريش لا أطيع محمّداً بمعصيتي له، لوأمرني لرأيتم العجب.
وما زالوا يتّبعونه حتّي خرج من مكّة، فأقبلت الأحجار علي حالها تتدحرج، فقالوا: الآن تشدخ هذه الأحجار محمّداً وعليّاً، ونتخلّص منهما.
وتنحّت قريش عنه خوفاً علي أنفسهم من تلك الأحجار، فرأوا تلك الأحجار قد أقبلت علي محمّد وعليّ(عليهم السلام) كلّ حجر منها ينادي:
«السلام عليك يا محمّد بن عبد اللّه بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبدمناف.
السلام عليك يا عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبدمناف.
السلام عليك يا رسول ربّ العالمين، وخير الخلق أجمعين.
السلام عليك يا سيّد الوصيّين، ويا خليفة رسول ربّ العالمين».
وسمعها جماعات قريش، فوجموا.
فقال عشرة من مردتهم وعتاتهم: ما هذه الأحجار تكلّمهما، ولكنّهم رجال في حفرة بحضرة الأحجار قد خبّأهم محمّد تحت الأرض، فهي تكلّمهما ليغرّنا، ويختدعنا، فأقبلت عند ذلك أحجار عشرة من تلك الصخور وتحلّقت، وارتفعت فوق العشرة المتكلّمين بهذا الكلام، فما زالت تقع بهاماتهم، وترتفع وترضّضها حتّي ما بقي من العشرة أحد إلّا سال دماغه ودماؤه من منخريه، وتخلخل رأسه
[ صفحه 115]
وهامته ويافوخه. [90] .
فجاء أهلوهم وعشائرهم يبكون ويضجّون يقولون: أشدّ من مصابنا بهؤلاء تبجّح محمّد، وتبذّخه بأنّهم قتلوا بهذه الأحجار.
[فصار ذلك] آية له، ودلالة ومعجزة.
فأنطق اللّه عزّ وجلّ جنائزهم [فقالت]: صدق محمّد وما كذب، وكذبتم وماصدقتم، واضطربت الجنائز ورمت من عليها، وسقطوا علي الأرض، ونادت، ما كنّا لننقاد ليحمل علينا أعداء اللّه إلي عذاب اللّه.
فقال أبو جهل (لعنه اللّه): إنّما سحر محمّد هذه الجنائز كما سحر تلك الأحجار والجلاميد والصخور حتّي وجد منها من النطق ما وجد، فإن كانت -قتل هذه الأحجار هؤلاء- لمحمّد آية له، وتصديقاً لقوله، وتثبيتاً لأمره، فقالوا له: يسأل من خلقهم أن يحييهم.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم): يا أبا الحسن! قد سمعت اقتراح الجاهلين، وهؤلاء عشرة قتلي كم جرحت بهذه الأحجار التي رمانا بها القوم، يا عليّ!؟
قال عليّ(عليه السلام): جرحت (أربع جراحات).
وقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم): قد جرحت أنا ستّ جراحات، فليسأل كلّ واحد منّا ربّه أن يحيي من العشرة بقدر جراحاته.
فدعا رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم) لستّة منهم، فنشروا، ودعا عليّ(عليه السلام) لأربعة منهم فنشروا، ثمّ نادي المحيون: معاشر المسلمين! إنّ لمحمّد وعليّ شأناً عظيماً في الممالك التي كنّا فيها لقد رأينا لمحمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم) مثالاً علي سرير عند البيت المعمور، وعند العرش، ولعليّ(عليه السلام) مثالاً عند البيت المعمور، وعند الكرسيّ، وأملاك السماوات
[ صفحه 116]
والحجب، وأملاك العرش يحفون بهما، ويعظّمونهما، ويصلّون عليهما، ويصدرون عن أوامرهما، ويقسمون بهما علي اللّه عزّ وجلّ لحوائجهم إذا سألوه بهما.
فآمن منهم سبعة نفر، وغلب الشقاء علي الآخرين.
وأمّا تأييد اللّه عزّ وجلّ لعيسي(عليه السلام) بروح القدس، فإنّ جبرئيل ه الذي لمّا حضر رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم) وهو قد اشتمل بعباءته القطوانيّة علي نفسه، وعلي عليّ، وفاطمة، والحسين، والحسن(عليه السلام)، وقال:
«اللّهمّ هؤلاء أهلي، أنا حرب لمن حاربهم، وسلم لمن سالمهم، محبّ لمن أحبّهم، ومبغض لمن أبغضهم، فكن لمن حاربهم حرباً، ولمن سالمهم سلماً، ولمن أحبّهم محبّاً، ولمن أبغضهم مبغضاً».
فقال اللّه عزّ وجلّ: قد أجبتك إلي ذلك يا محمّد!
فرفعت أُمّ سلمة جانب العباءة لتدخل، فجذبه رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم)، وقال: لست هناك، وإن كنت في خير وإلي خير.
وجاء جبرئيل(عليه السلام) متدّبراً، وقال: يا رسول اللّه! اجعلني منكم.
قال: أنت منّا. قال: أفأرفع العباءة، وأدخل معكم؟ قال: بلي.
فدخل في العباءة، ثمّ خرج وصعد إلي السماء إلي الملكوت الأعلي، وقدتضاعف حسنه وبهاؤه.
وقالت الملائكة: قد رجعت بجمال خلاف ما ذهبت به من عندنا.
قال: وكيف لا أكون كذلك، وقد شرّفت بأن جعلت من آل محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم) وأهل بيته.
قالت الأملاك في ملكوت السماوات، والحجب، والكرسيّ، والعرش: حقّ لك هذا الشرف أن تكون كما قلت.
وكان عليّ(عليه السلام) معه جبرئيل عن يمينه في الحروب، وميكائيل عن يساره،
[ صفحه 117]
وإسرافيل خلفه، وملك الموت أمامه.
وأمّا إبراء الأكمه، والأبرص، والإنباء بما يأكلون، وما يدخّرون في بيوتهم، فإنّ رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم) لمّا كان بمكّة، قالوا: يا محمّد! إنّ ربّنا هبل الذي يشفي مرضانا، وينقذ هلكانا، ويعالج جرحانا.
قال(صلي اللّه عليه وال وسلم): كذبتم ما يفعل هبل من ذلك شيئاً، بل اللّه تعالي يفعل بكم مايشاء من ذلك.
قال(عليه السلام): فكبّر هذا علي مردتهم، فقالوا: يا محمّد! ما أخوفنا عليك من هبل أن يضربك باللقوة، والفالج، والجذام، والعمي، وضروب العاهات لدعائك إلي خلافه.
قال(صلي اللّه عليه وال وسلم): لن يقدر علي شي ء ممّا ذكرتموه إلّا اللّه عزّ وجلّ.
قالوا: يا محمّد! فإن كان لك ربّ تعبده لا ربّ سواه، فاسأله أن يضربنا بهذه الآفات التي ذكرناها لك حتّي نسأل نحن هبل أن يبرأنا منها، لتعلم أنّ هبل هو شريك ربّك الذي إليه تومي وتشير.
فجاءه جبرئيل(عليه السلام) فقال: ادع أنت علي بعضهم، وليدع عليّ [(عليه السلام)] علي بعض، فدعا رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم) علي عشرين منهم، ودعا عليّ(عليه السلام) علي عشرة، فلم يريموا مواضعهم حتّي برصوا، وجذموا، وفلجوا، ولقوا، وعموا، وانفصلت عنهم الأيدي والأرجل، ولم يبق في شي ء من أبدانهم عضو صحيح إلّا ألسنتهم وآذانهم.
فلمّا أصابهم ذلك صيّر بهم إلي هبل ودعوه ليشفيهم، وقالوا: دعا علي هؤلاء محمّد وعليّ، ففعل بهم ما تري فاشفهم.
فناداهم هبل: يا أعداء اللّه! وأيّ قدرة لي علي شي ء من الأشياء، والذي بعثه إلي الخلق أجمعين، وجعله أفضل النبيّين والمرسلين، لو دعا عليّ لتهافتت
[ صفحه 118]
أعضائي، وتفاصلت أجزائي، واحتملتني الرياح، وتذروا إيّاي حتّي لا يري لشي ء منّي عين ولا أثر، يفعل اللّه ذلك بي حتّي يكون أكبر جزء منّي دون عشر عشير خردلة.
فلمّا سمعوا ذلك من هبل ضجّوا إلي رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم)، وقالوا: قد انقطع الرجاء عمّن سواك، فأغثنا، وادع اللّه لأصحابنا، فإنّهم لا يعودون إلي أذاك.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم): شفاؤهم يأتيهم من حيث أتاهم داؤهم عشرون عليّ، وعشرة علي عليّ، فجاءوا بعشرين، فأقاموهم بين يديه، وبعشرة أقاموهم بين يدي عليّ(عليه السلام).
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم) للعشرين: غضّوا أعينكم، وقولوا: «اللّهمّ! بجاه من بجاهه ابتليتنا، فعافنا بمحمّد وعليّ والطيّبين من آلهما».
وكذلك قال علي(عليه السلام) للعشرة الذين بين يديه.
فقالوها، فقاموا فكأنّما أُنشطوا من عقال، ما بأحد منهم نكبة، وهو أصحّ ممّا كان قبل أن أصيب بما أصيب، فآمن الثلاثون وبعض أهليهم، وغلب الشقاء علي [أكثر] الباقين.
وأمّا الإنباء بما كانوا يأكلون وما يدخّرون في بيوتهم، فإنّ رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم) -لمّا برؤا- قال لهم: آمنوا، فقالوا: آمنّا!
فقال: ألا أزيدكم بصيرة؟ قالوا: بلي.
قال: أخبركم بما تغذّي به هؤلاء، وتداووا؟ فقالوا: [قل، يا رسول اللّه!
فقال:] تغذّي فلان بكذا، وتداوي فلان بكذا، وبقي عنده كذا حتّي ذكرهم أجمعين.
ثمّ قال: ياملائكة ربّي! احضروني بقايا غذائهم، ودوائهم علي أطباقهم وسفرهم، فأحضرت الملائكة ذلك، وأنزلت من السماء بقايا طعام أولئك
[ صفحه 119]
ودوائهم، فقالوا: هذه البقايا من المأكول كذا، والمداوي به كذا.
ثمّ قال: يا أيّها الطعام! أخبرنا، كم أكل منك؟
فقال الطعام: أكل منّي كذا، وترك منّي كذا، وهو ما ترون، وقال بعض ذلك الطعام: أكل صاحبي [هذا] منّي كذا، وبقي منّي كذا، (وجاء به) الخادم فأكل منّي كذا، وأنا الباقي.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم): فمن أنا؟
فقال الطعام والدواء: أنت رسول اللّه صلّي اللّه عليك وآلك!
قال: فمن هذا؟ - يشير إلي عليّ(عليه السلام) -
فقال الطعام والدواء: هذا أخوك سيّد الأوّلين والآخرين ووزيرك، أفضل الوزراء، وخليفتك سيّد الخلفاء.
ثمّ وجّه اللّه العذل [91] نحو اليهود - المذكورين - في قوله تعالي: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم).
(أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولُ م بِمَا لَاتَهْوَي أَنفُسُكُمُ) فأخذ عهودكم ومواثيقكم بما لاتحبّون من بذل الطاعة لأولياء اللّه الأفضلين، وعباده المنتجبين محمّد وآله الطاهرين لما قالوا لكم كما أدّاه إليكم أسلافكم الذين قيل لهم: إنّ ولاية محمّد [وآل محمّد] هي الغرض الأقصي.
والمراد الأفضل ما خلق اللّه أحداً من خلقه، ولا بعث أحداً من رسله إلّا ليدعوهم إلي ولاية محمّد وعليّ وخلفائه(عليه السلام)، ويأخذ به عليهم العهد ليقيموا عليه، وليعمل به سائر عوامّ الأمم.
فلهذا (اسْتَكْبَرْتُمْ) كما استكبر أوائلكم حتّي قتلوا زكريّا ويحيي،
[ صفحه 120]
واستكبرتم أنتم حتّي رمتم قتل محمّد وعليّ(عليهم السلام)، فخيّب اللّه تعالي سعيكم، وردّ في نحوركم كيدكم.
وأمّا قوله عزّ وجلّ: (تَقْتُلُونَ) فمعناه قتلتم كما تقول لمن توبّخه: ويلك، كم تكذب، وكم تمخرق، ولا تريد ما[لم] يفعله بعد، وإنّما تريد، كم فعلت وأنت عليه موطّن. [92] .
قوله تعالي: (وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفُ م بَل لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ): 2 / 88.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام): قال اللّه عزّ وجلّ: (وَقَالُواْ) يعني هؤلاء اليهود الذين أراهم
[ صفحه 121]
رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم) المعجزات المذكورات - عند قوله: (فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ) الآية-.
(قُلُوبُنَا غُلْفُ م) أوعية للخير، والعلوم قد أحاطت بها، واشتملت عليها ثمّ هي مع ذلك لا تعرف لك يا محمّد! فضلاً مذكوراً في شي ء من كتب اللّه، ولا علي لسان أحد من أنبياء اللّه.
فقال اللّه تعالي ردّاً عليهم: (بَل) ليس كما يقولون أوعية العلوم، ولكن قد(لَّعَنَهُمُ اللَّهُ) أبعدهم من الخير (فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ) قليل إيمانهم، يؤمنون ببعض ما أنزل اللّه تعالي، ويكفرون ببعض.
فإذا كذّبوا محمّداً(صلي اللّه عليه وال وسلم) في سائر ما يقول فقد صار ما كذّبوا به أكثر، وما صدّقوا به أقلّ.
وإذا قري ء (غُلْفُ م) فإنّهم قالوا: قلوبنا [غلف] في غطاء فلا نفهم كلامك وحديثك نحو ما قال اللّه تعالي: (وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَآ إِلَيْهِ وَفِي ءَاذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن م بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ). [93] .
وكلا القراءتين حقّ، وقد قالوا بهذا وبهذا جميعاً. [94] .
قوله تعالي: (وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَبٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَي الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ ي فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَي الْكَفِرِينَ): 2 / 89.
[ صفحه 122]
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
ذمّ اللّه تعالي اليهود، فقال: (وَلَمَّا جَآءَهُمْ) يعني هؤلاء اليهود - الذين تقدّم ذكرهم - وإخوانهم من اليهود جاءهم (كِتَبٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ) القرآن (مُصَدِّقٌ) ذلك الكتاب (لِّمَا مَعَهُمْ) من التوراة التي بيّن فيها أنّ محمّداً الأُمّيّ من ولد إسماعيل، المؤيّد بخير خلق اللّه بعده عليّ وليّ اللّه.
(وَكَانُواْ) يعني هؤلاء اليهود (مِن قَبْلُ) ظهور محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم) بالرسالة (يَسْتَفْتِحُونَ) يسألون اللّه الفتح والظفر (عَلَي الَّذِينَ كَفَرُواْ) من أعدائهم، والمناوين لهم، فكان اللّه يفتح لهم وينصرهم.
قال اللّه تعالي: (فَلَمَّا جَآءَهُم) جاء هؤلاء اليهود (مَّا عَرَفُواْ) من نعت محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم) (كَفَرُواْ بِهِ ي)، وجحدوا نبوّته حسداً له، وبغياً عليه.
قال اللّه عزّ وجلّ: (فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَي الْكَفِرِينَ). [95] .
قوله تعالي: (بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ ي أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَن يُنَزِّلَ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ي عَلَي مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ ي فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَي غَضَبٍ وَلِلْكَفِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ): 2 / 90.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
ذمّ اللّه تعالي اليهود وعاب فعلهم في كفرهم بمحمّد (صلي اللّه عليه وال وسلم)، فقال: (بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ ي أَنفُسَهُمْ) أي اشتروها بالهدايا والفضول التي كانت تصل إليهم.
[ صفحه 123]
وكان اللّه أمرهم بشرائها من اللّه بطاعتهم له ليجعل لهم أنفسهم، والانتفاع بها دائماً في نعيم الآخرة، فلم يشتروها بل اشتروها بما أنفقوه في عداوة رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم) ليبقي لهم عزّهم في الدنيا ورياستهم علي الجهّال، وينالوا المحرّمات، وأصابوا الفضولات من السفلة، وصرفوهم عن سبيل الرشاد، ووقفوهم علي طريق الضلالات.
ثمّ قال عزّ وجلّ: (أَن يَكْفُرُواْ بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ بَغْيًا) أي بما أنزل علي موسي(عليه السلام) من تصديق محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم) بغياً (أَن يُنَزِّلَ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ي عَلَي مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ ي).
قال: وإنّما كان كفرهم لبغيهم، وحسدهم له لما أنزل اللّه من فضله عليه، وهو القرآن الذي أبان فيه نبوّته، وأظهر به آيته ومعجزته.
ثمّ قال: (فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَي غَضَبٍ) يعني رجعوا، وعليهم الغضب من اللّه علي غضب في أثر غضب.
والغضب الأوّل حين كذّبوا بعيسي بن مريم 1ض عيسي بن مريم، 4، والغضب الثاني حين كذّبوا بمحمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم).
قال: والغضب الأوّل أن جعلهم قردة خاسئين، ولعنهم علي لسان عيسي(عليه السلام)، والغضب الثاني حين سلّط اللّه عليهم سيوف محمّد وآله، وأصحابه، وأُمّته حتّي ذلّلهم بها، فإمّا دخلوا في الإسلام طائعين، وإمّا أدّوا الجزية صاغرين داخرين. [96] .
[ صفحه 124]
قوله تعالي: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَآءَهُ و وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَم نبِيَآءَ اللَّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ): 2 / 91.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام): (وَإِذَا قِيلَ) لهؤلاء اليهود الذين تقدّم ذكرهم (ءَامِنُواْ بما أنزل اللّه) علي محمّد من القرآن، المشتمل علي الحلال، والحرام، والفرائض، والأحكام.
(قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا)، وهو التوراة (وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَآءَهُ و) يعني ماسواه لا يؤمنون به (وَهُوَ الْحَقُّ)، والذي يقول هؤلاء اليهود إنّه وراءه هو الحقّ! لأنّه هو الناسخ للمنسوخ الذي قدّمه اللّه تعالي.
قال اللّه تعالي: (قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ) لم كان يقتل أسلافكم (أَم نبِيَآءَ اللَّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) بالتوراة أي (ليس في التوراة الأمر) بقتل الأنبياء فإذا كنتم تقتلون الأنبياء فما آمنتم بما أُنزل عليكم من التوراة لأنّ فيها تحريم قتل الأنبياء.
وكذلك إذا لم تؤمنوا بمحمّد، وبما أُنزل عليه وهو القرآن - وفيه الأمر بالإيمان به- فأنتم ما آمنتم بعد بالتوراة. [97] .
قوله تعالي: (وَلَقَدْ جَآءَكُم مُّوسَي بِالْبَيِّنَتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن م بَعْدِهِ ي وَأَنتُمْ ظَلِمُونَ): 2 / 92.
[ صفحه 125]
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
قال اللّه عزّ وجلّ لليهود الذين تقدّم ذكرهم: (وَلَقَدْ جَآءَكُم مُّوسَي بِالْبَيِّنَتِ الدلالات علي نبوّته، وعلي ما وصفه من فضل محمّد، وشرفه علي الخلائق، وأبان عنه من خلافة عليّ، ووصيّته، وأمر خلفائه بعده.
(ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ - إلهاً - مِن م بَعْدِهِ ي) بعد انطلاقه إلي الجبل، وخالفتم خليفته الذي نصّ عليه، وتركه عليكم وهو هارون(عليه السلام) (وَأَنتُمْ ظَلِمُونَ) كافرون بما فعلتم من ذلك. [98] .
قوله تعالي: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُم بِهِ ي إِيمَنُكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ):2 / 93.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
قال اللّه عزّ وجلّ: واذكروا إذ فعلنا ذلك بأسلافكم لمّا أبوا قبول ماجاءهم به موسي(عليه السلام) من دين اللّه وأحكامه، ومن الأمر بتفضيل محمّد وعليّ صلوات اللّه عليهما، وخلفائهما علي سائر الخلق.
(خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَكُم) قلنا لهم خذوا ما آتيناكم من هذه الفرائض (بِقُوَّةٍ) قدجعلناها لكم مكّناكم بها وأزحنا عللكم في تركيبها فيكم (وَاسْمَعُواْ) مايقال لكم و [ما] تؤمرون به.
(قَالُواْ سَمِعْنَا) قولك (وَعَصَيْنَا) أمرك، أي أنّهم عصوا بعد، وأضمروا
[ صفحه 126]
في الحال أيضاً العصيان (وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ) أمروا بشرب العجل الذي كان قد ذرأت سحالته في الماء الذي أُمروا بشربه ليتبيّن من عبده ممّن لم يعبده (بِكُفْرِهِمْ) لأجل كفرهم أمروا بذلك.
(قُلْ) يا محمّد! (بِئْسَمَا يَأْمُرُكُم بِهِ ي إِيمَنُكُمْ) بموسي كفركم بمحمّد وعليّ وأولياء اللّه من أهلهما (إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) بتوراة موسي، ولكن معاذ اللّه لايأمركم إيمانكم بالتوراة الكفر بمحمّد وعليّ(عليهم السلام). [99] .
قوله تعالي: (وَلَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ءَايَتِ م بَيِّنَتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَآ إِلَّا الْفَسِقُونَ):2 / 99.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام): قال اللّه تعالي: (وَلَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ) يا محمّد! (ءَايَتِ م بَيِّنَتٍ) دالاّت علي صدقك في نبوّتك، مبيّنات عن إمامة عليّ أخيك، ووصيّك وصفيّك، موضّحات عن كفر من شكّ فيك، أو في أخيك، أو قابل أمر كلّ واحد منكما بخلاف القبول والتسليم، ثمّ قال: (وَمَا يَكْفُرُ بِهَآ) بهذه الآيات الدالاّت علي تفضيلك، وتفضيل عليّ بعدك علي جميع الوري (إِلَّا الْفَسِقُونَ) [الخارجون] عن دين اللّه وطاعته من اليهود الكاذبين، والنواصب المتسمّين بالمسلمين. [100] .
[ صفحه 127]
قوله تعالي: (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَبِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن م بَعْدِ إِيمَنِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن م بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّي يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ي إِنَّ اللَّهَ عَلَي كُلِ ّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ):2 / 109.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام الحسن بن عليّ أبوالقائم(عليهم السلام) في قوله تعالي: (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَبِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن م بَعْدِ إِيمَنِكُمْ كُفَّارًا): بما يوردونه عليكم من الشبه (حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم) لكم بأن أكرمكم بمحمّد وعليّ وآلهما الطيّبين الطاهرين (مِّن م بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) بالمعجزات الدالاّت علي صدق محمّد، وفضل عليّ وآلهما الطيّبين من بعده.
(فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ) عن جهلهم، وقابلوهم بحجج اللّه، وادفعوا بهإ؛ أباطيلهم (حَتَّي يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ي) فيهم بالقتل يوم فتح مكّة، فحينئذ تجلونهم من بلد مكّة ومن جزيرة العرب، ولا تقرّون بها كافراً.
(إِنَّ اللَّهَ عَلَي كُلِ ّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ) ولقدرته علي الأشياء قدّر ما هو أصلح لكم في تعبّده إيّاكم من مداراتهم، ومقابلتهم بالجدال بالتي هي أحسن. [101] .
قوله تعالي: (وَأَقِيمُواْ الصَّلَوةَ وَءَاتُواْ الزَّكَوةَ وَمَا تُقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ): 2 / 110.
[ صفحه 128]
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
(أَقِيمُواْ الصَّلَوةَ) بإتمام وضوئها، وتكبيراتها، وقيامها، وقراءتها، وركوعها وسجودها، وحدودها.
(وَءَاتُواْ الزَّكَوةَ) مستحقّيها لا تؤتوها كافراً ولا مناصباً.
قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم): المتصدّق علي أعدائنا كالسارق في حرم اللّه.
(وَمَا تُقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ) من مال تنفقونه في طاعة اللّه، فإن لم يكن لكم مال فمن جاهكم تبذلونه لإخوانكم المؤمنين تجرّون به إليهم المنافع، وتدفعون به عنهم المضارّ.
(تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ) ينفعكم اللّه تعالي بجاه محمّد وعليّ وآلهما يوم القيامة، فيحطّ به سيّئاتكم، ويضاعف به حسناتكم، ويرفع به درجاتكم، فقال: (تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ).
(إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) عالم ليس يخفي عليه شي ء ظاهر فعل ولاباطن ضمير، فهو يجازيكم علي حسب اعتقاداتكم ونيّاتكم.
وليس هو كملوك الدنيا الذي يلتبس علي بعضهم، فينسب فعل بعضهم إلي غير فاعله، وجناية بعضهم إلي غير جانيه، فيقع ثوابه وعقابه - بجهله بما لبس عليه- بغير مستحقّه.
وقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم): مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم، ولا يقبل اللّه صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول.
وإنّ أعظم طهور الصلاة - التي لا يقبل الصلاة إلّا به، ولا شي ء من الطاعات مع فقده- موالاة محمّد، وأنّه سيّد المرسلين وموالاة عليّ، وأنّه سيّد الوصيّين، وموالاة أوليائهما، ومعاداة أعدائهما.
وقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم): إنّ العبد إذا توضّأ فغسل وجهه تناثرت [عنه]
[ صفحه 129]
ذنوب وجهه، وإذا غسل يديه إلي المرفقين تناثرت عنه ذنوب يديه، وإذا مسح برأسه تناثرت عنه ذنوب رأسه، وإذا مسح رجليه - أو غسلها للتقيّة- تناثرت عنه ذنوب رجليه.
وإن قال في أوّل وضوئه: «بسم اللّه الرحمن الرحيم»، طهرت أعضاؤه كلّها من الذنوب، وإن قال في آخر وضوئه، أو غسله من الجنابة: «سبحانك اللّهمّ وبحمدك، أشهد أن لا إله إلّا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، وأشهد أنّ محمّداً عبدك ورسولك، وأشهد أنّ عليّاً وليّك، وخليفتك بعد نبيّك علي خليقتك، وأنّ أولياءه وأوصياءه خلفاؤك»، تحاتّت عنه ذنوبه كلّها كما يتحاتّ ورق الشجر.
وخلق اللّه بعدد كلّ قطرة من قطرات وضوئه أو غسله ملكاً يسبّح اللّه، ويقدّسه، ويهلّله، ويكبّره، ويصلّي علي محمّد وآله الطيّبين، وثواب ذلك لهذإ؛صصت پ المتوضّي ء، ثمّ يأمر اللّه بوضوئه، أو غسله فيختم عليه بخاتم من خواتم ربّ العزّة. ثمّ يرفع تحت العرش حيث لا تناله اللصوص، ولا يلحقه السوس، ولايفسده الأعداء حتّي يردّ عليه ويسلّم إليه، أو فيما هو أحوج، وأفقر مايكون إليه، فيعطي بذلك في الجنّة ما لا يحصيه العادّون، ولا يعي عليه الحافظون، ويغفر اللّه له جميع ذنوبه حتّي تكون صلاته نافلة.
وإذا توجّه إلي مصلاّه ليصلّي، قال اللّه عزّ وجلّ لملائكته: يا ملائكتي أما ترون هذا عبدي كيف قد انقطع عن جميع الخلائق إليّ، وأمّل رحمتي وجودي ورأفتي، أُشهدكم أنّي أختصّه برحمتي وكراماتي.
فاذا رفع يديه، وقال: اللّه أكبر، وأثني علي اللّه تعالي بعده، قال اللّه لملائكته: أما ترون عبدي هذا كيف كبّرني، وعظّمني، ونزّهني عن أن يكون لي شريك، أو شبيه، أو نظير، ورفع يديه تبرّؤاً عمّا يقوله أعدائي من الإشراك بي، أُشهدكم
[ صفحه 130]
ياملائكتي! أنّي سأكبّره وأُعظّمه في دار جلالي، وأُنزّهه في متنزّهات دار كرامتي، وأُبرئه من آثامه وذنوبه من عذاب جهنّم ونيرانها.
فإذا قال: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ - الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِ ّ الْعَلَمِينَ) فقرأ فاتحة الكتاب وسورة، قال اللّه تعالي لملائكته: أما ترون عبدي هذا، كيف تلذّذ بقراءة كلامي، أُشهدكم [يا] ملائكتي! لأقولنّ له يوم القيامة: اقرأ في جناني وارق درجاتها، فلا يزال يقرأويرقي درجة بعدد كلّ حرف درجة من ذهب، ودرجة من فضّة، ودرجة من لؤلؤ، ودرجة من جوهر، ودرجة من زبرجد أخضر، ودرجة من زمرّد أخضر، ودرجة من نور ربّ العالمين. فإذا ركع، قال اللّه لملائكته: يا ملائكتي! أما ترونه كيف تواضع لجلال عظمتي أشهدكم لأُعظمنّه في دار كبريائي وجلالي.
فإذا رفع رأسه من الركوع، قال اللّه تعالي: أما ترونه يا ملائكتي! كيف يقول أترفّع علي أعدائك كما أتواضع لأوليائك، وأنتصب لخدمتك، أُشهدكم ياملائكتي! لأجعلنّ جميل العاقبة له، ولأُصيّرنّه إلي جناني.
فإذا سجد، قال اللّه [تعالي لملائكته]: يا ملائكتي! أما ترونه كيف تواضع بعدارتفاعه.
وقال: إنّي وإن كنت جليلاً مكيناً في دنياك، فأنا ذليل عند الحقّ إذا ظهر لي، سوف أرفعه بالحقّ، وأدفع به الباطل.
فإذا رفع رأسه من السجدة الأولي، قال اللّه تعالي: يا ملائكتي! أما ترونه كيف قال، وإنّي وإن تواضعت لك فسوف أخلط الانتصاب في طاعتك بالذلّ بين يديك.
فإذا سجد ثانية، قال اللّه عزّ وجلّ: يا ملائكتي! أما ترون عبدي هذا كيف عاد إلي التواضع لي لأُعيدنّ إليه رحمتي.
[ صفحه 131]
فإذا رفع رأسه قائماً، قال اللّه: يا ملائكتي! لأرفعنّه بتواضعه، كما ارتفع إلي صلاته، ثمّ لا يزال يقول اللّه لملائكته هكذا في كلّ ركعة حتّي إذا قعد للتشهّد الأوّل والتشهّد الثاني، قال اللّه تعالي: يا ملائكتي! قد قضي خدمتي وعبادتي، وقعد يثني عليّ، ويصلّي علي محمّد نبيّي، لأُثنينّ عليه في ملكوت السماوات والأرض، ولأُصلّينّ علي روحه في الأرواح.
فإذا صلّي علي أمير المؤمنين(عليه السلام) في صلاته، قال [اللّه له]: لأُصلّينّ عليك كماصلّيت عليه، ولأجعلنّه شفيعك كما استشفعت به.
فإذا سلّم من صلاته، سلّم اللّه عليه، وسلّم عليه ملائكته. [102] .
قوله تعالي: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَرَي عَلَي شَيْ ءٍ وَقَالَتِ النَّصَرَي لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَي شَيْ ءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَبَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَايَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ): 2 / 113.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
قال اللّه تعالي: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَرَي عَلَي شَيْ ءٍ) من الدين،
[ صفحه 132]
بل دينهم باطل وكفر (وَقَالَتِ النَّصَرَي لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَي شَيْ ءٍ) من الدين، بل دينهم باطل وكفر (وَهُمْ يَتْلُونَ - اليهود - الْكِتَبَ) التوراة.
فقال: هؤلاء وهؤلاء مقلّدون بلا حجّة، وهم يتلون الكتاب فلايتأمّلونه ليعملوا بما يوجبه، فيتخلّصوا من الضلالة.
ثمّ قال: (كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَايَعْلَمُونَ) الحقّ ولم ينظروا فيه من حيث أمرهم اللّه، فقال بعضهم لبعض - وهم مختلفون - كقول اليهود، والنصاري بعضهم لبعض: هؤلاء يكفر هؤلاء، وهؤلاء يكفر هؤلاء.
ثمّ قال اللّه تعالي: (فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) في الدنيا يبيّن ضلالهم وفسقهم، ويجازي كلّ واحد منهم بقدر استحقاقه.
وقال الحسن بن عليّ بن أبي طالب(عليهم السلام): إنّما أُنزلت الآية لأنّ قوماً من اليهود وقوماً من النصاري جاءوا إلي رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم)، فقالوا: يا محمّد! اقض بيننا، فقال(صلي اللّه عليه وال وسلم): قصّوا عليّ قصّتكم؟
فقالت اليهود: نحن المؤمنون بالإله الواحد الحكيم وأوليائه، وليست النصاري علي شي ء من الدين والحقّ.
وقالت النصاري: بل نحن المؤمنون بالإله الواحد الحكيم وأوليائه، وليست هؤلاء اليهود علي شي ء من الحقّ والدين.
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم): كلّكم مخطئون مبطلون فاسقون عن دين اللّه وأمره. فقالت اليهود: كيف نكون كافرين، وفينا كتاب اللّه التوراة نقرؤه؟!
وقالت النصاري: كيف نكون كافرين وفينا كتاب اللّه الإنجيل نقرؤه؟!
فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم): إنّكم خالفتم، أيّها اليهود والنصاري! كتاب اللّه ولم تعملوا به فلو كنتم عاملين بالكتابين لما كفر بعضكم بعضاً بغير حجّة، لأنّ
[ صفحه 133]
كتب اللّه أنزلها شفاء من العمي، وبياناً من الضلالة، يهدي العاملين بها إلي صراط مستقيم، كتاب اللّه إذا لم تعملوا به كان وبالاً عليكم، وحجّة اللّه إذا لم تنقادوا لها كنتم للّه عاصين، ولسخطه متعرّضين.
ثمّ أقبل رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم) علي اليهود، فقال: احذروا أن ينالكم بخلاف أمراللّه وبخلاف كتابه ماأصاب أوائلكم الذين قال اللّه تعالي فيهم: (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ) وأمروا بأن يقولوه.
قال اللّه تعالي: (فَأَنزَلْنَا عَلَي الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزًا مِّنَ السَّمَآءِ) [103] عذاباً من السماء طاعوناً نزل بهم فمات منهم مائة وعشرون ألفاً، ثمّ أخذهم بعد قباع [104] فمات منهم مائة وعشرون ألفاً أيضاً.
وكان خلافهم أنّهم لمّا بلغوا الباب رأوا باباً مرتفعاً، فقالوا: ما بالنا نحتاج، إلي أن نركع عند الدخول هاهنا ظنّنا أنّه باب متطامن [105] لابدّ من الركوع فيه، وهذا باب مرتفع وإلي متي يسخر بنا هؤلاء -يعنون موسي، ثمّ يوشع بن نون- ويسجدوننا في الأباطيل، وجعلوا أستاهم نحو الباب، وقالوا بدل قولهم حطّة الذي أمروا به: هطاً سمقاناً يعنون حنطة حمراءً، فذلك تبديلهم.
وقال أمير المؤمنين(عليه السلام) فهؤلاء بنو إسرائيل نصب لهم باب حطّة، وأنتم يامعشر أُمّة محمّد نصب لكم باب حطّة أهل بيت محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم) وأمرتم باتّباع هداهم، ولزوم طريقتهم، ليغفر [لكم] بذلك خطاياكم وذنوبكم، وليزداد
[ صفحه 134]
المحسنون منكم، وباب حطّتكم أفضل من باب حطّتهم لأنّ ذلك [كان] باب خشب، ونحن الناطقون الصادقون المرتضون الهادون الفاضلون، كما قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم): إنّ النجوم في السماء أمان من الغرق، وإنّ أهل بيتي أمان لأُمّتي من الضلالة في أديانهم، لا يهلكون (فيها مادام فيهم) من يتّبعون هديه وسنّته.
أما إنّ رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم) قد قال: من أراد أن يحيا حياتي، وأن يموت مماتي، وأن يسكن الجنّة التي وعدني ربّي، وأن يمسك قضيباً غرسه بيده، وقال له: كن، فكان، فليتولّ عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، وليوال وليّه، وليعاد عدوّه، وليتولّ ذرّيّته الفاضلين المطيعين للّه من بعده، فإنّهم خلقوا من طينتي، ورزقوا فهمي وعلمي، فويل للمكذّب بفضلهم من أُمّتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم اللّه شفاعتي.
وقال أمير المؤمنين(عليه السلام): فكما أنّ بعض بني إسرائيل أطاعوا فأكرموا، وبعضهم عصوا فعذّبوا، فكذلك تكونون أنتم.
قالوا: فمن العصاة يا أمير المؤمنين!؟
قال(عليه السلام): الذين أمروا بتعظيمنا أهل البيت وتعظيم حقوقنا، فخالفوا ذلك وعصوا، وجحدوا حقوقنا، واستخفّوا بها، وقتلوا أولاد رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم) الذين أُمروا بإكرامهم ومحبّتهم.
قالوا: يا أمير المؤمنين! وانّ ذلك لكائن؟
قال(عليه السلام): بلي، خبراً حقّاً وأمراً كائناً، سيقتلون ولدي هذين الحسن [و] الحسين(عليهم السلام).
ثمّ قال أمير المؤمنين(عليه السلام) وسيصيب [أكثر] الذين ظلموا رجزاً في الدنيا بسيوف [بعض] من يسلّط اللّه تعالي عليهم للانتقام بما كانوا يفسقون كما أصاب بني إسرائيل الرجز، قيل: ومن هو؟
[ صفحه 135]
قال: غلام من ثقيف يقال له: المختار بن أبي عبيد.
وقال عليّ بن الحسين(عليهم السلام) فكان ذلك بعد قوله هذا بزمان.
وإنّ هذا الخبر اتّصل بالحجّاج بن يوسف، عليه لعائن اللّه، من قول عليّ بن الحسين(عليهم السلام)، فقال: أمّا رسول اللّه فما قال هذا، وأمّا عليّ بن أبي طالب، فأنا أشكّ هل حكاه عن رسول اللّه، وأمّا عليّ بن الحسين، فصبيّ مغرور يقول الأباطيل، ويغرّبها متبّعوه، اطلبوا إليّ المختار.
فطلب وأخذ، فقال: قدّموه إلي النطع [106] واضربوا عنقه فأُتي بالنطع، فبسط وأنزل عليه المختار، ثمّ جعل الغلمان يجيئون ويذهبون لايأتون بالسيف. قال الحجّاج: ما لكم؟
قالوا: لسنا نجد مفتاح الخزانة، وقد ضاع منّا والسيف في الخزانة.
فقال المختار: لن تقتلني، ولن يكذب رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم)، ولئن قتلتني ليحييني اللّه حتّي أقتل منكم ثلاثمائة وثلاثة وثمانين ألفاً.
فقال الحجّاج لبعض حجّابه: أعط السيّاف سيفك يقتله به، فأخذ السيّاف بسيفه، فجاء ليقتله به، والحجّاج يحثّه، ويستعجله، فبينا هو في تدبيره إذعثر والسيف في يده، وأصاب السيف بطنه فشقّه ومات، وجاء بسيّاف آخر وأعطاه السيف، فلمّا رفع يده ليضرب عنقه لدغته عقرب وسقط فمات، فنظروا وإذا العقرب، فقتلوه.
فقال المختار: يا حجّاج! إنّك لن تقدر علي قتلي، ويحك يا حجّاج! أما تذكر ماقال نزار بن معد بن عدنان لسابور ذي الأكتاف حين [كان] يقتل العرب،
[ صفحه 136]
ويصطلمهم، فأمر نزار [ولده]، فوضع في زنبيل في طريقه، فلمّا رآه قال له: من أنت؟
قال: أنا رجل من العرب أريد أن أسألك لم تقتل هؤلاء العرب، ولاذنوب لهم إليك، وقد قتلت الذين كانوا مذنبين، وفي عملك مفسدين.
قال: لأنّي وجدت في الكتب أنّه يخرج منهم رجل، يقال له: محمّد، يدّعي النبوّة، فيزيل دولة ملوك الأعاجم، ويفنيها، فأنا أقتلهم حتّي لا يكون منهم ذلك الرجل.
[قال:] فقال له نزار: لئن كان من وجدته من كتب الكذّابين، فما أولاك أن تقتل البراء غير المذنبين [بقول الكاذبين]! وإن كان ذلك من قول الصادقين، فإنّ اللّه سبحانه سيحفظ ذلك الأصل الذي يخرج منه هذا الرجل، ولن تقدر علي إبطاله، ويجري قضاءه، وينفذ أمره، ولو لم يبق من جميع العرب إلّا واحد.
فقال سابور: صدق هذا نزار - بالفارسيّة يعني المهزول - كفّوا عن العرب، فكفّوا عنهم، ولكن يا حجّاج! إنّ اللّه قد قضي أن أقتل منكم ثلاثمائة وثلاثة وثمانين ألف رجل، فإن شئت فتعاط قتلي، وإن شئت فلاتتعاط، فإنّ اللّه تعالي إمّا أن يمنعك عنّي، وإمّا أن يحييني بعد قتلك، فإنّ قول رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم) حقّ لامرية فيه.
فقال للسيّاف: اضرب عنقه.
فقال المختار: إنّ هذا لن يقدر علي ذلك، وكنت أُحبّ أن تكون أنت المتولّي لماتأمره، فكان يسلّط عليك أفعي كما سلّط علي هذا الأوّل عقرباً.
فلمّا همّ السيّاف بضرب عنقه إذا برجل من خواصّ عبد الملك بن مروان قددخل فصاح: يا سيّاف! كفّ عنه ويحك، ومعه كتاب من عبد الملك بن مروان، فإذا فيه: بسم اللّه الرحمن الرحيم، أمّا بعد! يا حجّاج بن يوسف! فإنّه سقط إلينا طائر عليه رقعة فيها، إنّك أخذت المختار بن أبي عبيد تريد قتله، وتزعم أنّه حكي عن رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم) أنّه سيقتل من أنصار بني أُميّة ثلاثمائة وثلاثة
[ صفحه 137]
وثمانين ألف رجل، فإذا أتاك كتابي هذا فخلّ عنه، ولاتتعرّض له إلّا بسبيل خير، فإنّه زوج ظئر ابني الوليد بن عبد الملك بن مروان، وقد كلّمني فيه الوليد، وإنّ الذي حكي إن كان باطلاً فلا معني لقتل رجل مسلم بخبر باطل، وإن كان حقّاً فإنّك لا تقدر علي تكذيب قول رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم).
فخلّي عنه الحجّاج، فجعل المختار يقول: سأفعل كذا، وأخرج وقت كذا، وأقتل من الناس كذا، وهؤلاء صاغرون، يعني بني أُميّة.
فبلغ ذلك الحجّاج، فأخذ وأنزل لضرب العنق.
فقال المختار: إنّك لن تقدر علي ذلك، فلا تتعاط ردّاً علي اللّه.
وكان في ذلك إذ أسقط طائر آخر عليه كتاب من عبد الملك بن مروان: بسم اللّه الرحمن الرحيم، يا حجّاج! لا تتعرّض للمختار، فإنّه زوج مرضعة ابني الوليد، ولئن كان حقّاً فتمنع من قتله كما منع دانيال من قتل بخت نصر الذي كان اللّه قضي أن يقتل بني إسرائيل.
فتركه الحجّاج، وتوعّده إن عاد لمثل مقالته.
فعاد بمثل مقالته، فاتّصل بالحجّاج الخبر، فطلبه فاختفي مدّة، ثمّ ظفر به فأُخذ، فلمّا همّ بضرب عنقه إذ قد ورد عليه كتاب من عبد الملك أن ابعث إليّ المختار، فاحتبسه الحجّاج، وكتب إلي عبد الملك: كيف تأخذ إليك عدوّاً مجاهراً يزعم أنّه يقتل من أنصار بني أُميّة كذا وكذا ألفاً، فبعث إليه عبدالملك أنّك رجل جاهل، لئن كان الخبر فيه باطلاً، فما أحقنا برعاية حقّه لحقّ من خدمنا، وإن كان الخبر فيه حقّاً، فإنّا سنربّيه ليسلّط علينا كما ربّي فرعون موسي حتّي تسلّط عليه، فبعثه إليه الحجّاج.
فكان من أمر المختار ماكان، وقتل من قتل.
وقال عليّ بن الحسين(عليهم السلام) لأصحابه وقد قالوا له: يا ابن رسول اللّه! إنّ
[ صفحه 138]
أميرالمؤمنين(عليه السلام) ذكر [من] أمر المختار، ولم يقل متي يكون قتله، ولمن يقتل.
فقال عليّ بن الحسين(عليه السلام): صدق أمير المؤمنين(عليه السلام) أولا أُخبركم متي يكون؟ قالوا: بلي، قال: يوم كذا إلي ثلاث سنين من قوله هذا لهم، وسيؤتي برأس عبيد اللّه بن زياد وشمر بن ذي الجوشن (عليهما اللعنة) في يوم كذا وكذا، وسنأكل وهما بين أيدينا ننظر إليهما.
قال: فلمّا كان في اليوم الذي أخبرهم أنّه يكون فيه القتل من المختار لأصحاب بني أُميّة كان عليّ بن الحسين(عليهم السلام) مع أصحابه علي مائدة، إذ قال لهم: معاشر إخواننا! طيّبوا نفساً [وكلوا]، فإنّكم تأكلون وظلمة بني أُميّة يحصدون. قالوا: أين؟ قال(عليه السلام): في موضع كذا يقتلهم المختار، وسيؤتي بالرأسين يوم كذا [وكذا]، فلمّا كان في ذلك اليوم أُتي بالرأسين لمّا أراد أن يقعد للأكل، وقد فرغ من صلاته، فلمّا رآهما سجد، وقال: الحمد للّه الذي لم يمتني حتّي أراني، فجعل يأكل وينظر إليهما.
فلمّا كان في وقت الحلواء لم يؤت بالحلواء لما كانوا قد اشتغلوا عن عمله بخبر الرأسين، فقال ندماؤه، لم نعمل اليوم حلواء، فقال عليّ بن الحسين(عليهم السلام): لانريد حلواء أحلي من نظرنا إلي هذين الرأسين.
ثمّ عاد إلي قول أمير المؤمنين(عليه السلام)، قال(عليه السلام): وما للكافرين والفاسقين عنداللّه أعظم وأوفي.
ثمّ قال أمير المؤمنين عليه السلام): وأمّا المطيعون لنا فسيغفر اللّه ذنوبهم فيزيدهم إحساناً إلي حسناتهم.
قالوا: يا أمير المؤمنين! ومن المطيعون لكم؟
قال: الذين يوحّدون ربّهم ويصفونه بما يليق به من الصفات، ويؤمنون بمحمّد نبيّه(صلي اللّه عليه وال وسلم)، ويطيعون اللّه في إتيان فرائضه، وترك محارمه، ويحيون أوقاتهم
[ صفحه 139]
بذكره، وبالصلاة علي نبيّه محمّد، وآله [الطيّبين]، وينفون عن أنفسهم الشحّ والبخل فيؤدّون ما فرض عليهم من الزكاة ولا يمنعونها. [107] .
قوله تعالي: (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَسِعٌ عَلِيمٌ): 2 / 115.
1 - أبو منصور الطبرسيّ(ره): قال أبو محمّد الحسن العسكريّ(عليه السلام):...
وجاء قوم من اليهود إلي رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم)، فقالوا: يا محمّد! هذه القبلة بيت المقدس قد صلّيت إليها أربعة عشر سنة، ثمّ تركتها الآن!...، فأنزل اللّه تعالي: (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَسِعٌ عَلِيمٌ) يعني إذا توجّهتم بأمره، فثمّ الوجه الذي تقصدون منه اللّه، وتأملون ثوابه.... [108] .
قوله تعالي: (سَيَقُولُ السُّفَهَآءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّئهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَي صِرَطٍ مُّسْتَقِيمٍ - وَكَذَلِكَ جَعَلْنَكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَي النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ
[ صفحه 140]
عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَي عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَي الَّذِينَ هَدَي اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ): 2 / 142 و143.
1 - أبو منصور الطبرسيّ(ره): قال أبو محمّد الحسن العسكريّ(عليه السلام):...
وجعل قوم من مردة اليهود يقولون: واللّه ما دري محمّد كيف صلّي حتّي صار يتوجّه إلي قبلتنا....
فأجابهم اللّه أحسن جواب، فقال: (قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) وهو يملكهما، وتكليفه التحوّل إلي جانب، كتحويله لكم إلي جانب آخر.
(يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَي صِرَطٍ مُّسْتَقِيمٍ) وهو أعلم بمصلحتهم، وتؤدّيهم طاعتهم إلي جنّات النعيم.
قال أبو محمّد(عليه السلام): وجاء قوم من اليهود إلي رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم)، فقالوا: يامحمّد! هذه القبلة بيت المقدس، قد صلّيت إليها أربعة عشر سنة، ثمّ تركتها الآن!...، فقيل [له]: يا ابن رسول اللّه! فلم أمر بالقبلة الأولي؟
فقال: لمّا قال اللّه تعالي: (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ -وهي بيت المقدس- إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَي عَقِبَيْهِ) إلّا لنعلم ذلك منه موجوداً بعد أن علمناه سيوجد.
وذلك أنّ هوي أهل مكّة كان في الكعبة، فأراد اللّه أن يبيّن متّبعي محمّد ممّن خالفه باتّباع القبلة التي كرهها، ومحمّد يأمر بها، ولمّا كان هوي أهل المدينة في بيت المقدس، أمرهم بمخالفتها، والتوجّه إلي الكعبة، ليبيّن من يوافق محمّداً فيما يكرهه، فهو مصدّقه وموافقه.
ثمّ قال: (وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَي الَّذِينَ هَدَي اللَّهُ) أي [إن] كان التوجّه إلي بيت المقدس في ذلك الوقت لكبيرة إلّا علي من يهدي اللّه، فعرف
[ صفحه 141]
أنّ اللّه يتعبّد بخلاف ما يريده المرء ليبتلي طاعته في مخالفة هواه. [109] .
2 - أبو عمرو الكشّيّ(ره): حكي بعض الثقات بنيسابور: أنّه خرج لإسحاق ابن إسماعيل من أبي محمّد(عليه السلام) توقيع:... وإنّي أراكم تفرّطون في جنب اللّه، فتكونون من الخاسرين، فبعداً وسحقاً لمن رغب عن طاعة اللّه، ولم يقبل مواعظ أوليائه.
وقد أمركم اللّه جلّ وعلا بطاعته، لا إله إلّا هو، وطاعة رسوله(صلي اللّه عليه وال وسلم)، وبطاعة أُولي الأمر(عليه السلام)....
وقال جلّ جلاله: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَي النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا).... [110] .
قوله تعالي: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآلِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ):2 / 158.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): ثمّ قال: يا أمة [111] إنّ قول اللّه عزّ وجلّ في الصفا والمروة حقّ (فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا) فأكثري الطواف، فإنّ اللّه شاكر لصنيعه بحسن جزائه، عليم بنيّته، وعلي حسب ذلك يعظّم ثوابه، ويكرم مآبه.
[ صفحه 142]
يا أمة! هذا رسول اللّه قد شرّفني ببنوّة عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، فاشكري نعم اللّه الجليلة عليك، فإنّ من شكر النعم استحقّ مزيدها، كما أنّ من كفرها، استحقّ حرمانها، فقيل ذلك أيضاً بعد لرسول اللّه، فقال رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم): سيخرج منه كبراء، وسيكون أبا عدّة من الأئمّة الطاهرين، وأبا القائم من آل محمّد، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كماملئت ظلماً وجوراً. [112] .
قوله تعالي: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَتِ وَالْهُدَي مِن م بَعْدِ مَا بَيَّنَّهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَبِ أُوْلَئكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّعِنُونَ - إِلَّا الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ): 2 / 159، و160.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
قوله عزّ وجلّ: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَتِ) من صفة محمّد، وصفة عليّ، وحليته (وَالْهُدَي مِن م بَعْدِ مَا بَيَّنَّهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَبِ).
[قال:] والذي أنزلناه من [بعد] الهدي هو ما أظهرناه من الآيات علي فضلهم، ومحلّهم كالغمامة التي كانت تظلّ رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم) في أسفاره، والمياه الأُجاجة التي كانت تعذّب في الآبار والموارد ببصاقه، والأشجار التي كانت تتهدّل ثمارها بنزوله تحتها، والعاهات التي كانت تزول عمّن يمسح يده عليه، أو ينفث بصاقه فيها.
[ صفحه 143]
وكالآيات التي ظهرت علي عليّ(عليه السلام) من تسليم الجبال، والصخور، والأشجار قائلة: يا وليّ اللّه، ويا خليفة رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم)، والسموم القاتلة التي تناولها من سمّي باسمه عليها، ولم يصبه بلاؤها، والأفعال العظيمة من التلال والجبال التي قلعها، ورمي بها كالحصاة الصغيرة، وكالعاهات التي زالت بدعائه، والآفات والبلايا التي حلّت بالأصحّاء بدعائه، وسائرها ممّا خصّه اللّه تعالي به من فضائله، فهذا من الهدي الذي بيّنه اللّه للناس في كتابه.
ثمّ قال: (أُوْلَئكَ) [أي أولئك] الكاتمون لهذه الصفات من محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم)، ومن عليّ(عليه السلام) المخفون لها عن طالبيها الذين يلزمهم إبداؤها لهم عند زوال التقيّة (يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ) يلعن الكاتمين (وَيَلْعَنُهُمُ اللَّعِنُونَ)، فيه وجوه منها (يَلْعَنُهُمُ اللَّعِنُونَ) أنّه ليس أحد محقّاً كان أو مبطلاً إلّا، وهو يقول: لعن اللّه الظالمين الكاتمين للحقّ، إنّ الظالم الكاتم للحقّ ذلك يقول أيضاً: لعن اللّه الظالمين الكاتمين، فهم علي هذا المعني في لعن كلّ اللاعنين، وفي لعن أنفسهم.
ومنها أنّ الاثنين إذا ضجر بعضهما علي بعض، وتلاعنا ارتفعت اللعنتان فاستأذنتا ربّهما في الوقوع لمن بعثتا عليه.
فقال اللّه عزّ وجلّ للملائكة: انظروا فإن كان اللاعن أهلاً للعن، وليس المقصود به أهلاً فأنزلوهما جميعاً باللاعن.
وإن كان المشار إليه أهلاً، وليس اللاعن أهلاً فوجّهوهما إليه، وإن كانا جميعاً لها أهلاً، فوجّهوا لعن هذا إلي ذلك، ووجّهوا لعن ذلك إلي هذا.
وإن لم يكن واحد منهما لها أهلاً لإيمانهما، وأنّ الضجر أحوجهما إلي ذلك فوجّهوا اللعنتين إلي اليهود الكاتمين نعت محمّد وصفته(صلي اللّه عليه وال وسلم)، وذكر عليّ(عليه السلام) وحليته وإلي النواصب الكاتمين لفضل عليّ والدافعين لفضله.
ثمّ قال اللّه عزّ وجلّ: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُواْ) من كتمانه (وَأَصْلَحُواْ) أعمالهم
[ صفحه 144]
وأصلحوا ماكانوا أفسدوه بسوء التأويل فجحدوا به فضل الفاضل، واستحقاق المحقّ (وَبَيَّنُواْ) ما ذكره اللّه تعالي من نعت محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم) وصفته، ومن ذكر عليّ(عليه السلام) وحليته وما ذكره رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم) (فَأُوْلَئكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ) أقبل توبتهم (وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ). [113] .
قوله تعالي: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَل-ِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ - خَلِدِينَ فِيهَا لَايُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ): 2 / 161 و162.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
قال اللّه تعالي: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ) باللّه في ردّهم نبوّة محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم)، وولاية عليّ بن أبي طالب(عليه السلام): (وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ) علي كفرهم.
(أُوْلَئكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ) يوجب اللّه تعالي لهم البعد من الرحمة، والسحق من الثواب (وَالْمَلَل-ِكَةِ) وعليهم لعنة الملائكة يلعنونهم (وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) ولعنة الناس أجمعين كلّ يلعنهم، لأنّ كلّ المأمورين المنهيّين يلعنون الكافرين.
والكافرون أيضاً يقولون: لعن اللّه الكافرين! فهم في لعن أنفسهم أيضاً (خَلِدِينَ فِيهَا) في اللعنة في نار جهنّم (لَايُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ) يوماً
[ صفحه 145]
ولاساعة (وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ) لا يؤخّرون ساعةً ولا يخل بهم العذاب. [114] .
قوله تعالي: (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَحِدٌ لَّآ إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ):2 / 163.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
(وَإِلَهُكُمْ) الذي أكرم محمّداً(صلي اللّه عليه وال وسلم) وعليّاً(عليه السلام) بالفضيلة، وأكرم آلهما الطيّبين بالخلافة، وأكرم شيعتهم بالروح والريحان والكرامة والرضوان (إِلَهٌ وَحِدٌ) لاشريك له، ولا نظير، ولاعديل.
(لَّآ إِلَهَ إِلَّا هُوَ) الخالق الباري ء المصوّر الرازق الباسط المغني المفقر المعزّ المذلّ، (الرَّحْمَنُ) يرزق مؤمنهم وكافرهم وصالحهم وطالحهم، لا يقطع عنهم موادّ فضله ورزقه، وإن انقطعوا هم عن طاعته، (الرَّحِيمُ) بعباده المؤمنين من شيعة آل محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم)، وسّع لهم في التقيّة يجاهرون بإظهار موالاة أولياء اللّه، ومعاداة أعدائه إذا قدروا، ويسترونها إذاعجزوا.
قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم): ولو شاء لحرم عليكم التقيّة، وأمركم بالصبر علي ماينالكم من أعدائكم عند إظهاركم الحقّ، ألا فأعظم فرائض اللّه تعالي عليكم بعد فرض موالاتنا، ومعاداة أعدائنا، استعمال التقيّة علي أنفسكم، وإخوانكم [ومعارفكم، وقضاء حقوق إخوانكم] في اللّه.
ألا وإنّ اللّه يغفر كلّ ذنب بعد ذلك ولا يستقصي، فأمّا هذان فقلّ من ينجو منهما إلّا بعد مسّ عذاب شديد إلّا أن يكون لهم مظالم علي النواصب والكفّار،
[ صفحه 146]
فيكون عذاب هذين علي أولئك الكفّار، والنواصب قصاصاً بما لكم عليهم من الحقوق، وما لهم إليكم من الظلم، فاتّقوا اللّه! ولا تتعرّضوا لمقت اللّه بترك التقيّة، والتقصير في حقوق إخوانكم المؤمنين. [115] .
قوله تعالي: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَفِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَآءِ مِن مَّآءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِ ّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَآءِ وَالْأَرْضِ لَأَيَتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ): 2 / 164.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
لمّا توعّد رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم) اليهود والنواصب في جحد النبوّة والخلافة، قال مردة اليهود وعتاة النواصب: من هذا الذي ينصر محمّداً، وعليّاً علي أعدائهما؟ فأنزل اللّه عزّ وجلّ: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَتِ وَالْأَرْضِ) بلا عمد من تحتها تمنعها من السقوط، ولا علاقة من فوقها تحبسها من الوقوع عليكم، وأنتم يا أيّها العباد والإماء! أسرائي في قبضتي، الأرض م تحتكم لا منجا لكم منها أين هربتم، والسماء من فوقكم لا محيص لكم عنها أين ذهبتم، فإن [شئت أهلكتكم بهذه، و]إن شئت أهلكتكم بتلك.
ثمّ في السماوات من الشمس المنيرة في نهاركم، لتنتشروا في معايشكم، ومن
[ صفحه 147]
القمر المضي ء لكم في ليلكم، لتبصروا في ظلماته، وإلجاؤكم بالاستراحة بالظلمة إلي ترك مواصلة الكدّ الذي ينهك [116] أبدانكم.
(وَاخْتِلَفِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ) المتتابعين الكادّين عليكم بالعجائب التي يحدثها ربّكم في عالمه من إسعاد وإشقاء، وإعزاز وإذلال، وإغناء وإفقار، وصيف وشتاء، وخريف، وربيع، وخصب، وقحط، وخوف، وأمن.
(وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ) التي جعلها اللّه مطاياكم لاتهدأ ليلاً ولا نهاراً، ولا تقضيكم علفاً ولا ماء وكفاكم بالرياح مؤونة تسييرها بقواكم التي كانت لاتقوم لها لو ركدت عنها الرياح لتمام مصالحكم ومنافعكم، وبلوغكم الحوائج لأنفسكم.
(وَمَآ أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَآءِ مِن مَّآءٍ) وابلاً وهطلاً ورذاذاً [117] لاينزل عليكم دفعة واحدة فيغرقكم، ويهلك معايشكم، لكنّه ينزل متفرّقاً من علا حتّي يعمّ الأوهاد والتلال والقلاع. [118] .
(فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) فيخرج نباتها، وحبوبها، وثمارها.
(وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِ ّ دَآبَّةٍ) منها ما هو لأكلكم ومعايشكم، ومنها سباع ضارية حافظة عليكم، ولأنعامكم لئلّا تشدّ عليكم خوفاً من افتراسها.
(وَتَصْرِيفِ الرِّيَحِ) المربّية لحبوبكم، المبلّغة لثماركم النافية لركد الهواء،
[ صفحه 148]
والإقتار عنكم.
(وَالسَّحَابِ) الواقف (الْمُسَخَّرِ) المذلّل (بَيْنَ السَّمَآءِ وَالْأَرْضِ) يحمل أمطارها، ويجري بإذن اللّه، ويصبها حين يؤمر.
(لَأَيَتٍ) دلائل واضحات (لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) يتفكّرون بعقولهم أنّ مَن هذه العجائب من آثار قدرته قادر علي نصرة محمّد وعليّ وآلهما(عليهم السلام) علي من تأذّاهما، وجعل العاقبة الحميدة لمن يواليه.
فإنّ المجازاة ليست علي الدنيا، وإنّما هي [علي] الآخرة التي يدوم نعيمها ولايبيد عذابها. [119] .
قوله تعالي: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِ ّ اللَّهِ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ وَلَوْ يَرَي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ - إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ - وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَلَهُمْ حَسَرَتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَرِجِينَ مِنَ النَّارِ): 2 / 165 - 167.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
قال اللّه عزّ وجلّ: لمّا آمن المؤمنون، وقبل ولاية محمّد وعليّ(عليهم السلام) العاقلون، وصدّ عنها المعاندون (وَمِنَ النَّاسِ - يا محمّد - مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا)
[ صفحه 149]
أعداء يجعلونهم للّه أمثالاً (يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِ ّ اللَّهِ) يحبّون تلك الأنداد من الأصنام كحبّهم للّه (وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ) من هؤلاء المتّخذين الأنداد مع اللّه، لأنّ المؤمنين يرون الربوبيّة للّه وحده، لايشركون [به].
ثمّ قال: يا محمّد! (وَلَوْ يَرَي الَّذِينَ ظَلَمُواْ) باتّخاذ الأصنام أنداداً، واتّخاذ الكفّار والفجّار أمثالاً لمحمّد وعليّ(عليهم السلام) (إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ) حين يرون العذاب الواقع بهم لكفرهم، وعنادهم (أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) يعلمون أنّ القوّة للّه يعذّب من يشاء، ويكرم من يشاء لا قوّة للكفّار يمتنعون بها من عذابه.
(وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ)، ويعلمون أنّ اللّه شديد العقاب لمن اتّخذ الأنداد مع اللّه، ثمّ قال: (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ) لو رأي هؤلاء الكفّار الذين اتّخذوا الأنداد حين تبرّأ الذين اتّبعوا الرؤساء (مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ) الرعايا والأتباع (وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ) فنيت حيلهم، ولا يقدرون علي النجاة من عذاب اللّه بشي ء.
(وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ) الاتباع (لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً) يتمنّون لو كان لهم كرّة رجعة إلي الدنيا (فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ) هناك (كَمَا تَبَرَّءُواْ مِنَّا) ههنا. قال اللّه عزّوجلّ: (كَذَلِكَ) [كما] تبرّأ بعضهم من بعض (يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَلَهُمْ حَسَرَتٍ عَلَيْهِمْ)، وذلك أنّهم عملوا في الدنيا لغير اللّه، فيرون أعمال غيرهم التي كانت للّه قد عظّم اللّه ثواب أهلها، ورأوا أعمال أنفسهم لا ثواب لها إذ كانت لغير اللّه أو كانت علي غير الوجه الذي أمر اللّه به، قال اللّه تعالي: (وَمَا هُم بِخَرِجِينَ مِنَ النَّارِ) كان عذابهم سرمداً دائماً، وكانت ذنوبهم كفراً لاتلحقهم شفاعة نبيّ ولا وصيّ ولا خير من خيار شيعتهم. [120] .
[ صفحه 150]
قوله تعالي: (يَأَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَلاً طَيِّبًا وَلَاتَتَّبِعُواْ خُطُوَتِ الشَّيْطَنِ إِنَّهُ و لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ - إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَآءِ وَأَن تَقُولُواْ عَلَي اللَّهِ مَا لَاتَعْلَمُونَ): 2 / 168 - 169.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
قال اللّه عزّ وجلّ: (يَأَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الْأَرْضِ) من أنواع ثمارها وأطعمتها (حَلَلاً طَيِّبًا) لكم إذا أطعتم ربّكم في تعظيم من عظّمه، والاستخفاف بمن أهانه وصغّره، (وَلَاتَتَّبِعُواْ خُطُوَتِ الشَّيْطَنِ) ما يخطو بكم إليه، ويغرّكم به من مخالفة من جعله اللّه رسولاً أفضل المرسلين، وأمره بنصب من جعله اللّه أفضل الوصيّين، وسائر من جعل خلفاءه وأولياءه.
(إِنَّهُ و لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) يبيّن لكم العداوة، ويأمركم إلي مخالفة أفضل النبيّين، ومعاندة أشرف الوصيّين، (إِنَّمَا يَأْمُرُكُم) الشيطان (بِالسُّوءِ) بسوء المذهب والاعتقاد في خير خلق اللّه [محمّد رسول اللّه]، وجحود ولاية أفضل أولياء اللّه بعد محمّد رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم).
(وَأَن تَقُولُواْ عَلَي اللَّهِ مَا لَاتَعْلَمُونَ) بإمامة من لم يجعل اللّه له في الإمامة حظّاً، ومن جعله من أراذل أعدائه وأعظمهم كفراً[به]. [121] .
[ صفحه 151]
قوله تعالي: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ اللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ ءَابَآءَنَآ أَوَلَوْ كَانَ ءَابَآؤُهُمْ لَايَعْقِلُونَ شَيًْا وَلَايَهْتَدُونَ)2 / 170.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
وصف اللّه هؤلاء المتّبعين لخطوات الشيطان، فقال: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ) تعالوا إلي (مَآ أَنزَلَ اللَّهُ) في كتابه من وصف محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم)، وحلية عليّ(عليه السلام)، ووصف فضائله، وذكر مناقبه، وإلي الرسول، وتعالوا إلي الرسول لتقبلوا منه ما يأمركم به.
قالوا: حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا من الدين والمذهب، فاقتدوا بآبائهم في مخالفة رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم) ومنابذة عليّ وليّ اللّه.
قال اللّه عزّ وجلّ: (أَوَلَوْ كَانَ ءَابَآؤُهُمْ لَايَعْقِلُونَ) [لا يعلمون] (شَيًْا وَلَايَهْتَدُونَ) إلي شي ء من الصواب. [122] .
قوله تعالي: (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَايَسْمَعُ إِلَّا دُعَآءً وَنِدَآءً صُمُ م بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَايَعْقِلُونَ): 2 / 171.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
قال اللّه عزّ وجلّ: (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ) في عبادتهم للأصنام، واتّخاذهم للأنداد من دون محمّد وعليّ صلوات اللّه عليهما (كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَايَسْمَعُ) يصوّت بما لا يسمع (إِلَّا دُعَآءً وَنِدَآءً) لايفهم ما يراد منه فيغيث المستغيث،
[ صفحه 152]
ويعين من استعانه.
(صُمُ م بُكْمٌ عُمْيٌ) عن الهدي في اتّباعهم الأنداد من دون اللّه، والأضداد لأولياء اللّه الذين سمّوهم بأسماء خيار خلائف اللّه، ولقّبوهم بألقاب أفاضل الأئمّة الذين نصبهم اللّه لإقامة دين اللّه (فَهُمْ لَايَعْقِلُونَ) أمر اللّه عزّ وجلّ.
قال عليّ بن الحسين(عليهم السلام): هذا في عبّاد الأصنام، وفي النصّاب لأهل بيت محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم) نبيّ اللّه، هم أتباع إبليس، وعتاة مردته، سوف يصيرون إلي الهاوية. [123] .
قوله تعالي: (يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَتِ مَا رَزَقْنَكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ - إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِ ي لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَآ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ): 2 / 172 و173.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
قال اللّه عزّ وجلّ: (يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ) بتوحيد اللّه ونبوّة محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم) رسول اللّه وبإمامة عليّ وليّ اللّه (كُلُواْ مِن طَيِّبَتِ مَا رَزَقْنَكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلَّهِ) علي مارزقكم منها بالمقام علي ولاية محمّد وعليّ ليقيكم اللّه تعالي بذلك شرور الشياطين المتمرّدة علي ربّها عزّ وجلّ، فإنّكم كلّما جدّدتم علي أنفسكم ولاية
[ صفحه 153]
محمّد وعليّ(عليهم السلام)، تجدّد علي مردة الشياطين لعائن اللّه، وأعاذكم اللّه من نفخاتهم ونفثاتهم.
فلمّا قاله رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم) قيل: يا رسول اللّه! وما نفخاتهم؟
قال: هي ما ينفخون به عند الغضب في الإنسان الذي يحملونه علي هلاكه في دينه ودنياه، وقد ينفخون في غير حال الغضب بما يهلكون به.
أتدرون ما أشدّ ما ينفخون به هو ما ينفخون بأن يوهموه أنّ أحداً من هذه الأُمّة فاضل علينا أو عدل لنا أهل البيت كلاّ -واللّه- بل جعل اللّه تعالي محمّداً(صلي اللّه عليه وال وسلم) ثمّ آل محمّد فوق جميع هذه الأُمّة كما جعل اللّه تعالي السماء فوق الأرض، وكما زاد نور الشمس والقمر علي السهي.
قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم): وأمّا نفثاته فأن يري أحدكم أنّ شيئاً بعد القرآن أشفي له من ذكرنا أهل البيت، ومن الصلاة علينا، فإنّ اللّه عزّ وجلّ جعل ذكرنا أهل البيت شفاء للصدور، وجعل الصلوات علينا ماحية للأوزار والذنوب، ومطهّرة من العيوب، ومضاعفة للحسنات.
قال الإمام(عليه السلام): قال اللّه عزّ وجلّ: (إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [أي إن كنتم إيّاه تعبدون]، فاشكروا نعمة اللّه بطاعة من أمركم بطاعته من محمّد وعليّ وخلفائهم الطيّبين.
ثمّ قال عزّ وجلّ: (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ) التي ماتت حتف أنفها بلاذباحة من حيث أذن اللّه فيها (وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ) أن تأكلوه (وَمَآ أُهِلَّ بِهِ ي لِغَيْرِ اللَّهِ) ما ذكر اسم غير اللّه عليه من الذبائح، وهي التي يتقرّب بها الكفّار بأسامي أندادهم التي اتّخذوها من دون اللّه.
ثمّ قال عزّ وجلّ: (فَمَنِ اضْطُرَّ) إلي شي ء من هذه المحرّمات (غَيْرَ بَاغٍ) وهو غير باغ - عند الضرورة - علي إمام هديً (وَلَا عَادٍ) ولا معتد قوّال
[ صفحه 154]
بالباطل في نبوّة من ليس بنبيّ، أو إمامة من ليس بإمام (فَلَآ إِثْمَ عَلَيْهِ) في تناول هذه الأشياء (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) ستّار لعيوبكم أيّها المؤمنون، رحيم بكم حين أباح لكم في الضرورة ما حرّمه في الرخاء.
قال عليّ بن الحسين(عليهم السلام): قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم): يا عباد اللّه! اتّقوا المحرّمات كلّها، واعلموا أنّ غيبتكم لأخيكم المؤمن من شيعة آل محمّد أعظم في التحريم من الميتة.
قال اللّه جلّ وعلا: (وَلَايَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ). [124] .
وإنّ الدم أخفّ عليكم - في تحريم أكله - من أن يشي ء أحدكم بأخيه المؤمن من شيعة محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم) إلي سلطان جائر، فإنّه حينئذ قد أهلك نفسه، وأخاه المؤمن، والسلطان الذي وشي به إليه.
وإنّ لحم الخنزيرأخفّ تحريماً من تعظيمكم من صغّره اللّه، وتسميتكم بأسمائنا أهل البيت، وتلقّبكم بألقابنا من سمّاه اللّه بأسماء الفاسقين، ولقّبه بألقاب الفاجرين.
وإنّ ما أهلّ به لغير اللّه أخفّ تحريماً عليكم من أن تعقدوا نكاحاً، أو صلاة جماعة بأسماء أعدائنا الغاصبين لحقوقنا إذا لم يكن عليكم منهم تقيّة.
قال اللّه عزّ وجلّ: (فَمَنِ اضْطُرَّ) إلي شي ء من هذه المحرّمات (غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَآ إِثْمَ عَلَيْهِ) من اضطرّه اللهو إلي تناول شي ء من هذه المحرّمات، وهو معتقد لطاعة اللّه تعالي، إذا زالت التقيّة فلا إثم عليه.
وكذلك من اضطرّ إلي الوقيعة في بعض المؤمنين ليدفع عنه أو عن نفسه بذلك
[ صفحه 155]
الهلاك من الكافرين الناصبين، ومن وشي به أخوه المؤمن، أو وشي بجماعة من المسلمين ليهلكهم فانتصر لنفسه، ووشي به وحده بما يعرفه من عيوبه التي لايكذب فيها، ومن عظّم مهاناً في حكم اللّه أو أُوهم الإزراء [125] علي عظيم في دين اللّه للتقيّة عليه وعلي نفسه، ومن سمّاه بالأسماء الشريفة خوفاً علي نفسه، ومن تقبّل أحكامهم تقيّة، فلا إثم عليه في ذلك، لأنّ اللّه تعالي وسّع لهم في التقيّة. [126] .
قوله تعالي: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَبِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ي ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَايُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَمَةِ وَلَايُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ - أُوْلَئكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلَلَةَ بِالْهُدَي وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَي النَّارِ - ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَبَ بِالْحَقِ ّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَبِ لَفِي شِقَاقِ م بَعِيدٍ): 2 / 176-174.
[ صفحه 156]
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
قال اللّه عزّ وجلّ في صفة الكاتمين لفضلنا أهل البيت 10 ل اللّه عزّ وجلّ في صفة الكاتمين لفضلنا.... الإمام العسكريّ، 4: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَبِ) المشتمل علي ذكر فضل محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم) علي جميع النبيّين وفضل عليّ(عليه السلام) علي جميع الوصيّين (وَيَشْتَرُونَ بِهِ ي - بالكتمان - ثَمَنًا قَلِيلاً) يكتمونه ليأخذوا عليه عرضاً من الدنيا يسيراً، وينالوا به في الدنيا عند جهّال عباد اللّه رياسة.
قال اللّه تعالي: أولئك ما يأكلون في بطونهم - يوم القيامة - إلّا النار بدلاً من [إصابتهم] اليسير من الدنيا لكتمانهم الحقّ.
(وَلَايُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَمَةِ) بكلام خير، بل يكلّمهم بأن يلعنهم ويخزيهم ويقول: بئس العباد أنتم، غيّرتم ترتيبي، وأخّرتم من قدّمته، وقدّمتم من أخّرته، وواليتم من عاديته، وعاديتم من واليته.
(وَلَايُزَكِّيهِمْ) من ذنوبهم، لأنّ الذنوب إنّما تذوب وتضمحلّ إذا قرن بها موالاة محمّد وعليّ وآلهما الطيّبين(عليه السلام)، فأمّا ما يقرن بها الزوال عن موالاة محمّد وآله فتلك ذنوب تتضاعف، وأجرام تتزايد، وعقوباتها تتعاظم.
(وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) موجع في النار.
(أُوْلَئكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلَلَةَ بِالْهُدَي) أخذوا الضلالة عوضاً عن الهدي، والردي في دار البوار بدلاً من السعادة في دار القرار ومحلّ الأبرار.
(وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ) اشتروا العذاب الذي استحقّوه بموالاتهم لأعداء اللّه بدلاً من المغفرة التي كانت تكون لهم لو والوا أولياء اللّه (فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَي النَّارِ) ما أجرأهم علي عمل يوجب عليهم عذاب النار.
(ذَلِكَ) يعني ذلك العذاب الذي وجب علي هؤلاء بآثامهم، وأجرامهم لمخالفتهم لإمامهم وزوالهم عن موالاة سيّد خلق اللّه بعد محمّد نبيّه، أخيه وصفيّه،
[ صفحه 157]
(بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَبَ بِالْحَقِ ّ) نزّل الكتاب الذي توعّد فيه من مخالف المحقّين، وجانب الصادقين، وشرع في طاعة الفاسقين نزّل الكتاب بالحقّ إنّ ما يوعدون به يصيبهم ولا يخطئهم.
(وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَبِ) فلم يؤمنوا به، قال بعضهم: إنّه سحر، وبعضهم: إنّه شعر، وبعضهم: إنّه كهانة (لَفِي شِقَاقِ م بَعِيدٍ) مخالفة بعيدة عن الحقّ، كأنّ الحقّ في شقّ وهم في شقّ غيره يخالفه.
قال عليّ بن الحسين(عليهم السلام) هذه أحوال من كتم فضائلنا، وجحد حقوقنا، وسمّي بأسمائنا، ولقّب بألقابنا، وأعان ظالمنا علي غصب حقوقنا، ومالأ [127] علينا أعداءنا، والتقيّة [عليكم] لا تزعجه، والمخافة علي نفسه، وماله وحاله لا تبعثه، فاتّقوا اللّه معاشر شيعتنا! لا تستعملوا الهُوَينا [128] ، ولا تقيّة عليكم، ولاتستعملوا المهاجرة، والتقيّة تمنعكم، وسأُحدّثكم في ذلك بما يردعكم ويعظكم.
دخل علي أمير المؤمنين(عليه السلام) رجلان من أصحابه فوطي أحدهما علي حيّة فلدغته، ووقع علي الآخر في طريقه من حائط عقرب فلسعته، وسقطا جميعاً، فكأنّهما لما بهما يتضرّعان ويبكيان، فقيل لأمير المؤمنين(عليه السلام).
فقال: دعوهما فإنّه لم يحن حينهما، ولم تتمّ محنتهما، فحملا إلي منزليهما فبقيا عليلين أليمين في عذاب شديد شهرين.
ثمّ إنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) بعث إليهما فحملا إليه، والناس يقولون: سيموتان علي أيدي الحاملين لهما، فقال لهما: كيف حالكما؟
قالا: نحن بألم عظيم، وفي عذاب شديد.
[ صفحه 158]
قال لهما: استغفرا اللّه من [كلّ] ذنب! أدّاكما إلي هذا، وتعوّذا باللّه ممّا يحبط أجركما، ويعظّم وزركما.
قالا: وكيف ذلك؟ يا أمير المؤمنين!
فقال [عليّ](عليه السلام): ما أصيب واحد منكما إلّا بذنبه، أمّا أنت يا فلان! - وأقبل علي أحدهما - فتذكر يوم غمز علي سلمان الفارسيّ - رحمه اللّه - فلان وطعن عليه لموالاته لنا، فلم يمنعك من الردّ والاستخفاف به خوفاً علي نفسك، ولا علي أهلك، ولا علي ولدك، ومالك أكثر من أنّك استحييته، فلذلك أصابك، فإن أردت أن يزيل اللّه مابك، فاعتقد أن لا تري مزرئاً علي وليّ لنا تقدر علي نصرته بظهر الغيب إلّا نصرته إلّا أن تخاف علي نفسك، أو أهلك، أو ولدك، أو مالك.
وقال للآخر: فأنت أفتدري لما أصابك ما أصابك؟ قال: لا!
قال: أما تذكر حيث أقبل قنبر خادمي، وأنت بحضرة فلان العاتي، فقمت إجلالاً له لإجلالك لي، فقال لك: وتقوم لهذا بحضرتي! فقلت له: وما بالي لاأقوم، وملائكة اللّه تضع له أجنحتها في طريقه فعليها يمشي.
فلمّا قلت هذا له قام إلي قنبر، وضربه وشتمه وآذاه وتهدّده وتهدّدني، وألزمني الأغضاء علي قذي، فلهذا سقطت عليك هذه الحيّة.
فإن أردت أن يعافيك اللّه تعالي من هذا فاعتقد أن لا تفعل بنا، ولابأحد من موالينا بحضرة أعدائنا ما يخاف علينا وعليهم منه.
أما إنّ رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم) كان مع تفضيله لي لم يكن يقوم لي عن مجلسه إذا حضرته كما [كان] يفعله ببعض من لا يعشر معشار جزء من مائة ألف جزء من إيجابه لي، لأنّه علم أنّ ذلك يحمل بعض أعداء اللّه علي ما يغمّه ويغمّني ويغمّ المؤمنين، وقد كان يقوم لقوم لا يخاف علي نفسه، ولا عليهم مثل ما خاف
[ صفحه 159]
عليّ لوفعل ذلك بي. [129] .
قوله تعالي: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَآ أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَتٍ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَلكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ ي لَمِنَ الضَّآلِّينَ - ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ - فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ ءَابَآءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ و فِي الْأَخِرَةِ مِنْ خَلَقٍ - وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْأَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ - أُوْلَئكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ):2 / 198 - 202.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
قال اللّه عزّ وجلّ للحاجّ: (فَإِذَآ أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَتٍ) ومضيتم إلي المزدلفة (فَاذْكُرُواْ اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ) بآلائه ونعمائه، والصلاة علي محمّد سيّد أنبيائه، وعلي عليّ سيّد أصفيائه.
واذكروا اللّه (كَمَا هَدَلكُمْ) لدينه، والإيمان برسوله (وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ ي لَمِنَ الضَّآلِّينَ) عن دينه من قبل أن يهديكم إلي دينه.
(ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ) ارجعوا من المشعر الحرام من حيث
[ صفحه 160]
رجع الناس من جمع، والناس ههنا في هذا الموضع الحاجّ غير الحُمْس، فإنّ الحُمْس [130] كانوا لا يفيضون من جمع.
(وَاسْتَغْفِرُواْ اللَّهَ) لذنوبكم (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) للتائبين.
(فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَسِكَكُمْ) التي سنّت لكم في حجّكم.
(فَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ ءَابَآءَكُمْ) أذكروا اللّه بآلائه لديكم، وإحسانه إليكم فيما وفّقكم له من الإيمان بنبوّة محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم) سيّد الأنام، واعتقاد وصيّة أخيه، عليّ زين أهل الإسلام كذكركم آباءكم بأفعالهم، ومآثرهم التي تذكرونها (أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا) خيّرهم بين ذلك، ولم يلزمهم أن يكونوا له أشدّ ذكراً منهم لآبائهم، وإن كانت نعم اللّه عليهم أكثر وأعظم من نعم آبائهم.
ثمّ قال اللّه عزّ وجلّ: (فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي الدُّنْيَا) أموالها وخيراتها (وَمَا لَهُ و فِي الْأَخِرَةِ مِنْ خَلَقٍ) نصيب، لأنّه لايعمل لها عملاً، ولايطلب فيها خيراً.
(وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً) خيراتها (وَفِي الْأَخِرَةِ حَسَنَةً) من نعم جنّاتها (وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) نجّنا من عذاب النار وهم باللّه مؤمنون، وبطاعته عاملون، ولمعاصيه مجانبون.
(أُوْلَئكَ) الداعون بهذا الدعاء علي هذا الوصف (لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ) من ثواب ما كسبوا في الدنيا وفي الآخرة.
(وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ) لأنّه لا يشغله شأن عن شأن، ولا محاسبة أحد من محاسبة آخر، فإذا حاسب واحداً فهو في تلك الحال محاسب للكلّ،
[ صفحه 161]
يتمّ حساب الكلّ بتمام حساب واحد، وهو كقوله (مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَحِدَةٍ) [131] لا يشغله خلق واحد عن خلق آخر، ولا بعث واحد عن بعث آخر. [132] .
قوله تعالي: (وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَآ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَآ إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَي وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ): 2 / 203.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام): (وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَتٍ) وهي الأيّام الثلاثة التي هي أيّام التشريق [133] بعد يوم النحر، وهذا الذكر هو التكبير بعد الصلوات المكتوبات يبتدي ء من صلاة الظهر يوم النحر إلي صلاة الظهر من آخر أيّام التشريق:
«اللّه أكبر، اللّه أكبر، لا إله إلّا اللّه، واللّه أكبر، اللّه أكبر، وللّه الحمد».
(فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ) من أيّام التشريق، فانصرف من حجّه إلي بلاده التي هو منها (فَلَآ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ) إلي تمام اليوم الثالث (فَلَآ إِثْمَ عَلَيْهِ)
[ صفحه 162]
[أي لا إثم عليه] من ذنوبه السالفة، لأنّها قد غفرت له كلّها بحجّته هذه المقارنة لندمه عليها، وتوقّيه منها.
(لِمَنِ اتَّقَي) أن يواقع الموبقات بعدها، فإنّه إن واقعها كان عليه إثمها، ولم تغفر له تلك الذنوب السالفة بتوبة قد أبطلها بموبقات بعدها، وإنّما يغفرها بتوبة يجدّدها.
(وَاتَّقُواْ اللَّهَ) يا أيّها الحاجّ! المغفور لهم سالف ذنوبهم بحجّهم المقرون بتوبتهم، فلا تعاودوا الموبقات فيعود إليكم أثقالها، ويثقلكم احتمالها، فلا يغفر لكم إلّا بتوبة بعدها.
(وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) فينظر في أعمالكم فيجازيكم عليها. [134] .
قوله تعالي: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ و فِي الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَي مَا فِي قَلْبِهِ ي وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ - وَإِذَا تَوَلَّي سَعَي فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَايُحِبُّ الْفَسَادَ - وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ و جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ): 2 / 204 - 206.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
فلمّا أمر اللّه عزّ وجلّ في الآية المتقدّمة لهذه الآيات بالتقوي سرّاً وعلانيةً أخبر محمّداً(صلي اللّه عليه وال وسلم) أنّ في الناس من يظهرها ويسرّ خلافها، وينطوي علي معاصي اللّه.
[ صفحه 163]
فقال: يا محمّد! (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ و فِي الْحَيَوةِ الدُّنْيَا) بإظهاره لك الدين والإسلام، وتزيّنه بحضرتك بالورع والإحسان (وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَي مَا فِي قَلْبِهِ ي) بأن يحلف لك بأنّه مؤمن مخلص مصدّق لقوله بعمله (وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ) شديد العداوة، والجدال للمسلمين.
(وَإِذَا تَوَلَّي) عنك أدبر (سَعَي فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا) يعصي بالكفر المخالف لما أظهر لك، والظلم المباين لما وعد من نفسه بحضرتك.
(وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ) بأن يحرقه أو يفسده، والنسل بأن يقتل الحيوان فينقطع نسله.
(وَاللَّهُ لَايُحِبُّ الْفَسَادَ) لا يرضي به، ولا يترك أن يعاقب عليه.
(وَإِذَا قِيلَ لَهُ) لهذا الذي يعجبك قوله (اتَّقِ اللَّهَ) ودع سوء صنيعك.
(أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ) الذي هو محتقبه فيزداد إلي شرّه شرّاً، ويضيف إلي ظلمه ظلماً (فَحَسْبُهُ و جَهَنَّمُ) جزاءً له علي سوء فعله وعذاباً؛ (وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) يمهّدها ويكون دائماً فيها. [135] .
قوله تعالي: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفُ م بِالْعِبَادِ): 2 / 207.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ) يبيعها (ابْتِغَآءَ مرْضَاتِ اللَّهِ) عزّ وجلّ، فيعمل بطاعة اللّه، ويأمر الناس بها، ويصبر علي ما يلحقه من الأذي
[ صفحه 164]
فيها، فيكون كمن باع نفسه، وسلّمها مرضاة اللّه عوضاً منها، فلا يبالي ما حلّ بها بعد أن يحصل لها رضاء ربّها.
(وَاللَّهُ رَءُوفُ م بِالْعِبَادِ) كلّهم، أمّا الطالبون لرضاه فيبلغهم أقصي أمانيّهم، ويزيدهم عليها ما لم تبلغه آمالهم.
وأمّا الفاجرون في دينه فيتأنّاهم، ويرفق بهم ويدعوهم إلي طاعته، ولايقطع من علم أنّه سيتوب عن ذنوبه التوبة الموجبة له عظيم كرامته. [136] .
قوله تعالي: (يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلَاتَتَّبِعُواْ خُطُوَتِ الشَّيْطَنِ إِنَّهُ و لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ - فَإِن زَلَلْتُم مِّن م بَعْدِ مَا جَآءَتْكُمُ الْبَيِّنَتُ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ): 2 / 208 و209.
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
فلمّا ذكر اللّه تعالي الفريقين أحدهما (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ و)، والثاني (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ) وبيّن حالهما دعا الناس إلي حال من رضي صنيعه، فقال (يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً) يعني في السلم والمسالمة إلي دين الإسلام كافّة جماعة ادخلوا فيه، [وادخلوا] في جميع الإسلام فتقبلوه واعملوا فيه، ولا تكونوا كمن يقبل بعضه ويعمل به، ويأبي بعضه ويهجره.
قال: ومنه الدخول في قبول ولاية عليّ(عليه السلام) كالدخول في قبول نبوّة(صلي اللّه عليه وال وسلم) فإنّه لا يكون مسلماً من قال: إنّ محمّداً رسول اللّه، فاعترف به ولم يعترف بأنّ عليّاً وصيّه، وخليفته، وخير أُمّته.
[ صفحه 165]
(وَلَاتَتَّبِعُواْ خُطُوَتِ الشَّيْطَنِ) من يتخطّي بكم إليه الشيطان من طرق الغيّ، والضلال، ويأمركم به من ارتكاب الآثام الموبقات.
(إِنَّهُ و لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) إنّ الشيطان لكم عدوّاً مبين، بعداوته يريد اقتطاعكم عن عظيم الثواب، وإهلاككم بشديد العقاب.
(فَإِن زَلَلْتُم) عن السلم والإسلام الذي تمامه باعتقاد ولاية عليّ(عليه السلام)، ولاينفع الإقرار بالنبوّة مع جحد إمامة عليّ(عليه السلام)، كما لاينفع الإقرار بالتوحيد مع جحد النبوّة إن زللتم.
(مِّن م بَعْدِ مَا جَآءَتْكُمُ الْبَيِّنَتُ) من قول رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم) وفضيلته وأتتكم الدلالات الواضحات الباهرات علي أنّ محمّداً الدالّ علي إمامة عليّ(عليه السلام) نبيّ صدق، ودينه دين حقّ، (فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [عزيز] قادر علي معاقبة المخالفين لدينه، والمكذّبين لنبيّه لا يقدر أحد علي صرف انتقامه من مخالفيه، وقادر علي إثابة الموافقين لدينه، والمصدّقين لنبيّه(صلي اللّه عليه وال وسلم) لا يقدر أحد علي صرف ثوابه عن مطيعيه.
حكيم فيما يفعل من ذلك، غير مسرف علي من أطاعه وإن أكثر له الخيرات، ولا واضع لها في غير موضعها (وإن أتمّ له الكرامات)، ولا ظالم لمن عصاه وإن شدّد عليه العقوبات. [137] .
قوله تعالي: (هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَل-ِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَي اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ): 2 / 210.
[ صفحه 166]
1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال الإمام(عليه السلام):
لمّا بهرهم رسول اللّه(صلي اللّه عليه وال وسلم) بآياته وقطع معاذيرهم بمعجزاته أبي بعضهم الإيمان، واقترح عليه الاقتراحات الباطلة، [وهي ما] قال اللّه تعالي:
(وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّي تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنم-بُوعًا - أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَرَ خِلَلَهَا تَفْجِيرًا- أَوْ تُسْقِطَ السَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَل-ِكَةِ قَبِيلاً) [138] وسائر ما ذكر في الآية.
فقال اللّه عزّ وجلّ: يا محمّد! (هَلْ يَنظُرُونَ) أي هل ينظر هؤلاء المكذّبون بعد ايضاحنا لهم الآيات، وقطعنا معاذيرهم بالمعجزات (إِلَّآ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَل-ِكَةُ) وتأتيهم الملائكة كما كانوا اقترحوا عليك اقتراحهم المحال في الدنيا في إتيان اللّه الذي لا يجوز عليه الإتيان، و[اقتراحهم] الباطل في إتيان الملائكة الذين لا يأتون إلّا مع زوال هذا التعبّد، وحين وقوع هلاك الظالمين بظلمهم و (وقتك هذا وقت تعبّد) لاوقت مجي ء الأملاك بالهلاك، فهم في اقتراحهم بمجي ء الأملاك جاهلون.
(وَقُضِيَ الْأَمْرُ) أي هل ينظرون إلّا مجي ء الملائكة، فإذا جاءوا وكان ذلك قضي الأمر بهلاكهم، (وَإِلَي اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) فهو يتولّي الحكم فيها يحكم بالعقاب علي من عصاه، ويوجب كريم المآب لمن أرضاه. [139] .
قوله تعالي: (حَفِظُواْ عَلَي الصَّلَوَتِ وَالصَّلَوةِ الْوُسْطَي وَقُومُواْ لِلَّهِ قَنِتِينَ): 2 / 238.
[ صفحه 167]
1 - الحضينيّ(ره): عن عيسي بن مهديّ الجوهريّ، قال:...
فلمّا دخلنا علي سيّدنا أبي محمّد الحسن(عليه السلام)...، [فقال(عليه السلام)]: ومختلفون بإتيان هذه الآية، وتبيانها في حقّ صلاة العصر، وصلاة الصبح، وصلاة المغرب فأساخ تبيانها في كتابه العزيز قوله: (حَفِظُواْ عَلَي الصَّلَوَتِ وَالصَّلَوةِ الْوُسْطَي)، وفي المغرب في ايقاع كتابه المنزل.... [140] .
پاورقي
[1] الإسراء: 17 / 88.
[2] فصّلت: 41 / 42.
[3] معاني الأخبار: 24، ح 4. عنه إثبات الهداة: 1 / 168، ح 35، و267، ح 110، و2 / 32، ح 133، و410، ح 27، و480، ح 285، قِطع منه، والبحار: 2 / 34، ح 32، و64، ح 2، قطعةمنه، و10 / 14 ح 7، بتفاوت، و89 / 377، ح 10، ونور الثقلين: 1 / 27، ح 7، والبرهان: 1 / 54، ح 9، وحلية الأبرار: 5 / 83، ح 2، بتفاوت يسير، ومدينة المعاجز: 1 / 273، ح 170، قطعة منه. التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ عليه السلام: 62، ح 32 و33، بتفاوت يسير. عنه تأويل الآيات الظاهرة: 34، س 6، قطعة منه، والبحار: 9 / 173 ح 1، و17 / 217، ح 21، و41 / 244، س 16 و67 / 266، س 12، قِطع منه، ومستدرك الوسائل: 12 / 296 ح 14129، قطعة منه، والمناقب لابن شهرآشوب: 2 / 313، س 21، قطعة منه، وإثبات الهداة: 1 / 201 ح 124، قطعة منه، ومقدّمة البرهان: 349، س 3، قطعة منه. وعنه وعن المعاني، البحار: 89 / 215، ح 18، قطعة منه. قطعة منه في (سورة الإسراء: 17 / 88)، و(سورة فصّلت: 41 / 42)، و(أنّ اللّه تعالي أخذ المواثيق من الأنبياء لمحمّد صلوات اللّه عليه وعليهم)، و(مبعث محمّد وتوليته عليّاً صلوات اللّه عليهما)، و(أنّ عليّاً عليه السلام أخذ علومه عن رسول اللّه)، و(فضائل الشيعة)، و(ما رواه عن الإمام عليّ عليهماالسلام)، و(ما رواه عن الإمام الصادق عليهماالسلام).
[4] التفسير: 67، ح 34. عنه البحار: 65 / 285، ح 42، والبرهان: 1 / 56، ح 11، بتفاوت يسير. قطعة منه في (الأنبياء: أدلّاء علي الغيب)، و(في البعث والنشور).
[5] التفسير: 75، ح 38. عنه البحار: 93 / 4، س 9، أشار إليه، و168، ح 14، ووسائل الشيعة: 21 / 527 ح 27766، قطعة منه، ومستدرك الوسائل: 8 / 219، ح 9298، قطعة منه، ومقدّمة البرهان: 320، س 9، قطعة منه.).
[6] التفسير: 73، ح 36. عنه البحار: 64 / 17، س 18، بتفاوت يسير، و67 / 267، س 3، و79 / 191، س 12، و81 / 231، ح 5، بتفاوت يسير، ومستدرك الوسائل: 3 / 84، ح 3079. قطعة منه في (شروط إكمال الصلاة).
[7] التفسير: 88، ح 45. عنه تأويل الآيات الظاهرة: 35، س 10، بتفاوت يسير، والبحار:64 / 18، س 9، أشار إليه، و65 / 285، ح 43، بتفاوت يسير. قطعة منه في (الآخرة هي دار جزاء الأعمال).
[8] التفسير: 89، ح 49. عنه تأويل الآيات الظاهرة: 36، س 5، بتفاوت، والبحار:64 / 18، س 15، بتفاوت، و65 / 286، س 7، ضمن ح 43، بتفاوت يسير.
[9] التفسير: 91، ح 51. عنه تأويل الآيات الظاهرة: 36، س 11، بتفاوت يسير، والبحار:9 / 173، ح 2، و17 / 219 ح 22 و 65 / 286، س 12، ضمن ح 43، بتفاوت يسير، ومقدّمة البرهان: 289، س 11، قطعة منه.قطعة منه في (أنّ محمّداً وآله: القوّامون بمصالح خلق اللّه تعالي).
[10] تقدّم الإسناد في (ما ورد عنه في فضل القرآن وقرائته) فراجع: رقم 533.والسند مشترك بين معاني الأخبار والاحتجاج والتفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ (عليه السلام).
[11] البقرة: 2 / 7.
[12] قسره علي الأمر قسراً من باب ضرب: قَهَرَه. المصباح المنير: 502 (قسر).
[13] الاحتجاج: 2 / 505، ح 334. عنه نور الثقلين: 1 / 33، ح 17، بتفاوت يسير. وعنه وعن التفسير، البحار: 5 / 200، ح 24، بتفاوت يسير. التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ عليه السلام: 98، ح 53، بتفاوت يسير. عنه البحار:9 / 174، س 9، ضمن ح 2، بتفاوت، ومقدّمة البرهان: 144، س 28، و252، س 11، قطعتان منه. قطعة منه في (صفات اللّه عزّ وجلّ).
[14] قارفه مقارفة: قاربه، والذنبَ: داناه. المنجد: 622، (قرف).
[15] لبس التُرس أو استتربه... توقّي به، التُرس ج: أتراس وتراس وتُروس وترِسة: صفحة من الفولاذ تحمل للوقاية من السيف ونحوه. المنجد: 60 (ترس).
[16] التفسير: 210، ح 97 و98. عنه البحار: 6 / 173، ح 1، و236، ح 54، قطعتان منه، ومدينة المعاجز: 3 / 121 ح 78، قطعة منه، وتأويل الآيات الظاهرة: 622، س 6، بتفاوت، والفصول المهمّة للحرّ العامليّ: 1 / 309، ح 359، قطعة منه وبتفاوت، والبرهان: 1 / 72، ح 1، قطعة منه. قطعة منه في (الخمسة النجباء:)، و(أحوال البرزخ)، و(فضائل الشيعة)، و(ما رواه عليه السلام عن ملك الموت)، و(ما رواه عن النبيّ (صلي الله عليه و آله).
[17] التفسير:216، ح 100. عنه البرهان: 1 / 73، ح 1، بتفاوت،والبحار: 11 / 117، ح 48، بتفاوت. قطعة منه في (أنّ الأنبياء والأئمّة: هم المراد من آية (وعلّم آدم الأسماء)).
[18] التفسير: 218، ح 101. عنه البحار: 11 / 149، ح 25.
[19] التفسير: 221، ح 103. عنه تأويل الآيات الظاهرة: 49، س 7، بتفاوت، والبحار: 8 / 179، ح 135، قطعة منه، و11 / 189، ح 47، بتفاوت يسير، وقصص الأنبياء للجزائريّ: 45، س 17، والبرهان: 1 / 79، ح 1، بتفاوت يسير، والوافي: 2 / 290، س 7. قطعة منه في (أنّ علم محمّد وآله: هو المراد من آية (هذه الشجرة)).
[20] الأعراف 7 / 20.
[21] الأعراف 7 / 21.
[22] التفسير: 222، ح 104. عنه البحار: 11 / 190، س 9، ضمن ح 47، بتفاوت يسير، والبرهان: 1 / 79، س 34، ضمن ح 1، بتفاوت يسير، ومستدرك الوسائل: 11 / 205، ح 12747، قطعة منه. قطعة منه في (سورة الأعراف: 7 / 20 و21)، و(ما رواه 7 من الأحاديث القدسيّة)، و(مارواه عن آدم عليهماالسلام).
[23] بهظه الحمل أو الأمر: أثقله، وسبّب له مشقّة. المنجد: 52، (بهظ).
[24] التفسير: 224، ح 105. عنه تأويل الآيات الظاهرة: 50، س 16، قطعة منه، والبحار: 11 / 191، س 15، ضمن ح 47، بتفاوت، والبرهان: 1 / 87، ح 12، بتفاوت يسير. قطعة منه في (الخمسة النجباء:)، و(ما رواه عليه السلام من الأحاديث القدسيّة)، و(ما رواه عن آدم (عليه السلام)).
[25] التفسير: 226، ح 106. عنه البحار: 11 / 192، ضمن ح 47، بتفاوت، و66 / 343، س 10، والبرهان: 1 / 88، ضمن ح 12، قطعة منه، و89، س 35، ح 1، قطعة منه، وتأويل الآيات الظاهرة: 54، س 6، قطعة منه، ومقدّمة البرهان: 90، س 10، أشار إليه. قطعة منه في (أنّ محمّداً وآله: خير الفاضلين والفاضلات).
[26] التفسير: 227، ح 107. عنه تأويل الآيات الظاهرة: 54، س 19، بتفاوت، والبحار: 9 / 178، ح 6، بتفاوت، و26 / 287، ح 47، و66 / 340، س 14، والبرهان: 1 / 90، ح 1، بتفاوت. قطعة منه في (أنّ النبيّ (صلي الله عليه و آله) المبان بالآيات والمؤيّد بالمعجزات)، و(عليّ عليه السلام من أكبر آيات اللّه تعالي).
[27] التفسير: 228، ح 108. عنه مدينة المعاجز:1 / 442، ح 297، وإثبات الهداة:2 / 151، ح 664، قطعة منه، وتأويل الآيات الظاهرة: 55، س 17، بتفاوت، والبحار: 9 / 179، س 1، ضمن ح 6، بتفاوت يسير، و24 / 393، ح 113، بتفاوت، و64 / 19، س 9، قطعة منه، و66 / 341، س 14، قطعة منه وبتفاوت، و67 / 267، س 18، أشار إلي قطعة منه، والبرهان: 1 / 91، ح 1، بتفاوت، ومقدّمة البرهان: 205، س 4، و215، س 7، قطعتان منه. قطعة منه في (أنّ محمّداً وآله: حجج اللّه وبراهينه)، و(ما رواه عليه السلام عن النبيّ صلي الله عليه و آله).
[28] القَرّاء ج قَرّاؤون: الحسن القراءة، والقاري ء ج قُرّاء، والقُرّاء ج قُرّاءون: الناسك المتعبّد. المنجد: 617، (قرأ).
[29] التفسير: 230، ح 109. عنه البحار: 9 / 307، ح 10، بتفاوت يسير، و24 / 395، ح 114، قطعة منه، و71 / 308 ح 62، قطعة منه، و93 / 6، س 2، قطعة منه، والبرهان: 1 / 91، ح 1، بتفاوت يسير، ومدينة المعاجز: 1 / 478، ح 314، قطعة منه، وتأويل الآيات الظاهرة: 57، س 3 و17، بتفاوت. قطعة منه في (أنّ محمّداً والأئمّة: أولياء اللّه وأصفياؤه)، و(أنّ عليّاً وسيّد الأئمّة:)، و(ما رواه عليه السلام عن رسول اللّه صلي الله عليه و آله).
[30] احتجن المال: ضمّه إلي نفسه واحتواه... واحتجن عليه: حجر. المنجد: 120، (حجن).
[31] التفسير: 233، ح 114. عنه مستدرك الوسائل: 12 / 202، ح 13884، والبحار:9 / 308، س 22، والبرهان: 1 / 92، ح 1.
[32] التفسير: 237، ح 115. عنه تأويل الآيات الظاهرة: 59، س 8، والبحار: 24 / 395، ح 115، و66 / 342، س 13، و342، س 10، وس 19، س 22، و79 / 192، س 9، و193، س 1، قِطع منه، والبرهان: 1 / 94، ح 1. قطعة منه في (فضل الصلاة علي محمّد وآله:)، و(أنّ نعيم الجنان دائم)، و(أهميّة صلوات الخمس وعظمتها)، و(موعظته عليه السلام في أمور شتّي).
[33] جاء في الحديث: درهم زيف: أي ردي ء، مجمع البحرين: 5 / 68 (زيف).
[34] فصّلت: 41 / 30.
[35] التفسير: 238، ح 116 و117. عنه البحار: 6 / 176، ح 2، و24 / 26، ح 4، و66 / 343، س 4، و68 / 366، ح 13، و79 / 193، س 12، و194، س 4، قِطع منه، والبرهان: 1 / 94، س 15، ضمن ح 1، و 4 / 111، ح 12، قطعتان منه، ومدينة المعاجز: 3 / 126 ح 785، قطعة منه، والمحتضر: 22، وتأويل الآيات الظاهرة: 524، س 22، بتفاوت. قطعة منه في (سورة فصّلت: 41 / 30)، و(أنّ محمّداً وآله: سادات أهل الجنّة)، و(سكرات الموت وأحوال البرزخ)، و(فضائل الشيعة)، و(ما رواه عليه السلام عن الملائكة)، و(مارواه عن النبيّ صلي الله عليه و آلله).
[36] التفسير: 240، ح 118. عنه البحار: 9 / 311، س 11، ضمن ح 10، و24 / 62، ح 47، والبرهان: 1 / 95، ح 4، بتفاوت يسير. قطعة منه في (هداية اللّه تعالي موسي وهارون إلي نبوّة محمّد وعترته:)، و(ثمرة قبول ولاية محمّد وأهل بيته عليهم السلام.
[37] الحجر: 15 / 2.
[38] التفسير: 241، ح 119. عنه البحار: 8 / 44، ح 45، و337، ح 13، قطعة منه، والبرهان: 1 / 95، س 26، ضمن ح 4، بتفاوت يسير، و2 / 325، ح 4، بتفاوت، وتأويل الآيات الظاهرة: 60، س 4، بتفاوت يسير. قطعة منه في (سورة الحجر: 15 / 2)، و(ما رواه عن الإمام الصادق عليه السلام).
[39] التفسير: 242، ح 120. عنه البحار: 13 / 47، ح 16، بتفاوت يسير، و91 / 61، ح 48، بتفاوت يسير، والبرهان:1 / 96، ح 1، ومستدرك الوسائل: 5 / 338، ح 6044، بتفاوت يسير. قطعة منه في (ثمرة الصلاة علي محمّد وآله:)، و(ما رواه عليه السلام من الأحاديث القدسيّة).
[40] الشعراء: 26 / 63.
[41] التفسير: 245، ح 121. عنه البحار: 13 / 138، ح 54، و91 / 6، ح 8، بتفاوت يسير، وقصص الأنبياء للجزائريّ: 24، س 7، وتأويل الآيات الظاهرة: 61، س 9، بتفاوت يسير، والبرهان: 1 / 96، ح 1، بتفاوت، ومستدرك الوسائل: 5 / 233، ح 5766، قطعة منه. قطعة منه في (التوسّل بمحمّد وآله: لدفع الشدائد)، و(ما رواه عليه السلام من الأحاديث القدسيّة).
[42] طه: 20 / 88.
[43] التفسير: 247، ح 122. عنه البحار: 13 / 230، ح 42، و232، ح 43، قطعتان منه، و53 / 327، س 3، وقصص الأنبياء للجزائريّ: 275 س 26، وتأويل الآيات الظاهرة: 62، س 17، قطعة منه، والبرهان: 1 / 97، س 25، ضمن ح 1، بتفاوت يسير. قطعة منه في (من خذل محمّداً وآله: في موالاتهم والصلاة عليهم خذله اللّه)، و(مارواه عليه السلام من الأحاديث القدسيّة)، و(ما رواه عن موسي عليهما السلام).
[44] التفسير: 252، ح 123. عنه البحار: 13 / 233، س 3، ضمن ح 43، بتفاوت يسير، وتأويل الآيات الظاهرة: 63 س 14، والبرهان: 1 / 98، س 12، ضمن ح 1. قطعة منه في (ثمرة الاعتقاد بولاية الأئمّة:)، و(ما رواه (عليه السلام) من الأحاديث القدسيّة).
[45] التفسير: 254، ح 124. عنه تأويل الآيات الظاهرة: 65، س 1، قطعة منه، والبحار:13 / 233، س 19، ضمن ح 43، و16 / 86، ح 5، و91 / 7، ح 9، قطعتان منه، والبرهان: 1 / 98، ح 1، بتفاوت يسير، ومستدرك الوسائل: 5 / 235، ح 5767، قطعة منه. قطعة منه في (توسّل الأنبياء بمحمّد وآله:)، و(التوسّل بمحمّد وآله: لغفران الذنوب وكشف الشدائد)، و(ما رواه عليه السلام من الأحاديث القدسيّة).
[46] التفسير: 256، ح 125. عنه تأويل الآيات الظاهرة: 65، س 17، قطعة منه، والبحار: 13 / 235، س 17، بتفاوت يسير، و26 / 328، ح 11، قطعة منه، والبرهان: 1 / 99، ح 1، بتفاوت يسير، وإثبات الهداة: 3 / 201، ح 125، أشار إليه. قطعة منه في (التوسّل بمحمّد وآله: لإحياء الموتي وكشف الشدائد)، و(ما رواه عليه السلام من الأحاديث القدسيّة)، و(ما رواه عن موسي النبيّ صلي الله عليه و آله).
[47] التفسير: 257، ح 126. عنه قصص الأنبياء للجزائريّ: 263، س 19، وتأويل الآيات الظاهرة: 67، س 4، والبحار: 13 / 182، ح 19، والبرهان: 1 / 101، ح 1، بتفاوت يسير. قطعة منه في (أنّ اللّه أخذ العهد والميثاق لمحمّد وآله:)، و(ما رواه عليه السلام عن النبيّ صلي الله عليه و آله).
[48] التفسير: 259، ح 127. عنه تأويل الآيات الظاهرة: 67، س 18، و68، س 14، قطعتان منه، والبحار: 13 / 183 س 7، ضمن ح 19، بتفاوت يسير، والبرهان: 1 / 102، ح 1، بتفاوت يسير، ومقدّمة البرهان: 159، س 35، قطعة منه. قطعة منه في (سجود أولاد يعقوب عليه السلام تعظيماً لمحمّد وعليّ عليه السلام، وحطّة لذنوبهم)، و(نزول الرجز علي من لم ينقد لولاية محمّد وآله عليهم السلام.
[49] التيهاء: الأرض التي لا يهتدي فيها، والتيهاء: المضلّة الواسعة التي لا أعلام فيها... والتيه: المفازة يتاه فيها. لسان العرب: 13 / 482 (تيه).
[50] (انهمك الرجل في الشي ء: أي جدّ ولجّ... وفي القاموس: الانهماك: التمادي في الشي ء واللجاج فيه، مجمع البحرين: 5 / 299 (همك).
[51] التفسير: 261، ح 129. عنه مستدرك الوسائل 5 / 236، ح 5768، قطعة منه، وتأويل الآيات الظاهرة: 69 س 13، قطعة منه، والبحار: 13 / 184، س 6، ضمن ح 19، و68 / 149، ح 46، و70 / 360، ح 83، و91 / 8، ح 10، قِطع منه، والبرهان: 1 / 103 س 9، ضمن ح 1، أورده بتمامه مع تفاوت يسير، وإثبات الهداة: 1 / 202، ح 126، و637، ح 749، قطعتان منه، ومستدرك الوسائل: 11 / 336، ح 13200، قطعة منه، وتنبيه الخواطر ونزهة النواظر: 421، س 6، قطعة منه. قطعة منه في (ما رواه عن موسي عليه السلام)، و(ما رواه عن النبيّ صلي الله عليه و آله).
[52] صبأ الرجل: ترك دينه ودان بآخر، والصابئون من يتروكون دينهم ويدينون بآخر، وصبا فلان صبواً: مال إلي اللهو. المعجم الوسيط: 505، (صبأ)، و507، (صبا).
[53] التفسير: 264، ح 133. عنه البحار: 67 / 391، ح 60، بتفاوت يسير، والبرهان: 1 / 104، س 8، ضمن ح 1، بتفاوت يسير. قطعة منه في (أنّ الإيمان بالأئمّة: وبميثاقهم فرض)، و(ما رواه عن الإمام عليّ عليهماالسلام).
[54] التفسير: 266، ح 134. عنه البحار: 13 / 237، ح 47، قطعة منه، و26 / 288، ح 48، والبرهان: 1 / 106، ح 9، بتفاوت، وتأويل الآيات الظاهرة: 71، س 7، بتفاوت يسير. قطعة منه في (أنّ محمّداً وآله: سادة الخلق والقوّامون بالحقّ)، و(ما رواه عن موسي عليهماالسلام)، و(ما رواه عن النبيّ صلي الله عليه و آله).
[55] التفسير: 267، ح 135. عنه البحار: 26 / 289، س 11، ضمن ح 48، بتفاوت يسير، والبرهان: 1 / 106، س 18، ضمن ح 9.قطعة منه في (ما رواه عن الإمام الحسين عليهماالسلام).
[56] الأخدود: شقق في الأرض مستطيل، جمعه أخاديد. مجمع البحرين: 3 / 42، (خدد).
[57] الغدير: مستنقع الماء، صغيراً كان أو كبيراً... والجمع غدر، وغدران، (بضمّ الغين). لسان العرب: 5 / 9 (غدر).
[58] الأعراف: 7 / 163.
[59] الأعراف: 7 / 164.
[60] الأعراف: 7 / 166.
[61] الأنبياء: 21 / 23.
[62] الأنعام: 6 / 164.
[63] التفسير: 268، ح 136. عنه البحار: 14 / 56، ح 13، بتفاوت، و5 / 113، س 21، و115، س 3، قطعتان منه، والبرهان: 1 / 106، س 24، ضمن ح 9، بتفاوت واختلاف، و2 / 42، ح 3، قطعة منه، ومقدّمة البرهان: 174، س 16، قطعة منه، تفسير الصافي: 2 / 246، س 6، بتفاوت يسير. الإحتجاج: 2 / 136، ح 177، بتفاوت. عنه وعن التفسير، البحار: 45 / 295، ح 2. قطعة منه في (سورة الأنعام:6 / 164)، و(سورة الأعراف: 7 / 164، و166)، و(ما رواه عن الإمام السجادعليهماالسلام)، و(ما رواه عن الإمام الباقرعليهماالسلام).
[64] ثخن الشي ء ثخونة وثخانة وثخناً، فهو ثخين: كثف وغلظ وصلب... رجل ثخين: حليم رزين ثقيل في مجلسه. لسان العرب: 13 / 77، (ثخن).
[65] الباسق: المرتفع في العلوّ، قوله تعالي: (والنخل باسقات)، ق: 50 / 10، أي طوال السماء. مجمع البحرين:5 / 139 (بسق).
[66] الناعور: واحد النواعير التي يستقي بها، يديرها الماء ولها صوت. لسان العرب: 5 / 222 (نعر).
[67] الطور: 52 / 6.
[68] التفسير: 273، ح 140. عنه قصص الأنبياء للجزائريّ: 286 س 3، وتأويل الآيات الظاهرة: 72، س 14، بتفاوت واختصار، والبحار: 6 / 329، ح 13، قطعة منه، و 7 / 43، ح 19، قطعة منه، و13 / 266، ح 7، أورده بتمامه مع تفاوت يسير، و57 / 358، ح 46، قطعة منه، والبرهان: 1 / 108، ح 1، بتفاوت يسير. قطعة منه في (سورة الطور: 25 / 6)، و(فضل الأئمّة والتوسّل بهم:)، و(نفخة الصور وإحياء الأموات)، و(ما رواه عليه السلام من الأحاديث القدسيّة)، و(ما رواه عن موسي عليهماالسلام)، و(مارواه عليه السلام عن النبيّ صلي الله عليه و آله)، و(ما رواه عن الإمام عليّ عليهماالسلام).
[69] قال الفيروز آباديّ: عسي النبات عساءً وعسواً: غلظ ويبس، والليل اشتدّت ظلمته. راجع البحار: 67 / 162 هامش المرقّم 3.
[70] النساء: 4 / 53.
[71] الحشر: 59 / 21.
[72] الوثير: الفراش الوطيي ء. لسان العرب: 5 / 278، (وثر).
[73] الجليد ج جُلَداء وجِلاد، وجِلد: ما يجمد علي الأرض، أو في البرّادات من الماء. المنجد: 96.
[74] المراد بالجدّ الحظّ، ومنه: أتعس اللّه جدودكم أي أهلك حظوظكم. مجمع البحرين: 3 / 21، (جدد).
[75] التفسير: 283، ح 141. عنه تأويل الآيات الظاهرة: 76، س 11، باختصار، والبحار: 9 / 312، ح 11، بتفاوت يسير، و12 / 40، ح 28، قطعة منه، و17 / 335، ح 16، بتفاوت يسير، و67 / 161، ح 16، بتفاوت، والبرهان: 1 / 112، ح 1، بتفاوت يسير. المناقب لابن شهر آشوب: 1 / 92، س 18، قطعة منه، قصص الأنبياء للراوندي: 288، ح 357، قطعة منه. الخرائج والجرائح: 2 / 519، ح 28، باختصار. الاحتجاج: 1 / 95، ح 27، بتفاوت. عنه نور الثقلين: 1 / 89، ح 244، وإثبات الهداة: 1 / 329، ح 311، قطعة منه. قطعة منه في (سورة النساء: 4 / 53)، و(سورة الحشر: 59 / 21)، و(صفات اللّه تعالي)، و(هبوط الأحجار إذا أقسم عليها بمحمّد وآله:)، و(ما رواه عليه السلام عن النبيّ صلي الله عليه و آله).
[76] البهر: الغلبة، وبهره بهراً: قهره وعلاه وغلبه. لسان العرب: 4 / 81، (بهر).
[77] رجل ذائد: أي حامي الحقيقة، دفاع من قوم. لسان العرب: 3 / 167 (ذود).
[78] التفسير: 291، ح 142. عنه البحار: 9 / 316، ح 12، باختصار، و17 / 219 ح 23، قطعة منه، و339، س 8، ضمن ح 16، بتفاوت يسير، و67 / 166، س 8، ضمن ح 18، باختصار، والبرهان: 1 / 115، ح 1، بتفاوت يسير، وإثبات الهداة: 1 / 327، ح 309، قطعة منه، وحلية الأبرار: 1 / 108 ح 3، بتفاوت. الاحتجاج: 1 / 74، ح 24، قطعة منه. عنه وعن التفسير، البحار: 19 / 265، ح 6. قطعة منه في (أنّ محمّداً وآله: الشموس المضيئة)، و(ما رواه عليه السلام عن النبيّ صلي الله عليه و آله)، و(ما رواه عن الإمام عليّ عليهماالسلام).
[79] التفسير: 299، ح 143. عنه مستدرك الوسائل: 11 / 206، ح 12748، أشار إليه، والبحار: 67 / 168، س 8. الاحتجاج: 2 / 508، ح 337. عنه نور الثقلين: 1 / 92، ح 254، وأعيان الشيعة: 2 / 40، س 27، بتفاوت يسير.
[80] التفسير: 302، ح 145. عنه البحار: 9 / 319، س 1، ضمن ح 12، بتفاوت يسير، و67 / 168، س 16، ضمن ح 18، والبرهان: 1 / 119، س 1، ضمن ح 1. الاحتجاج: 2 / 509، س 5، بتفاوت يسير. عنه وعن التفسير، البحار: 2 / 87، س 5، ضمن ح 12، بتفاوت يسير. قطعة منه في (الويل لمن جحد النبوّة والولاية).
[81] التفسير: 303، ح 146. عنه البحار: 8 / 300، ح 55، و9 / 319، س 11، ضمن ح 12، و67 / 169، س 11، ضمن ح 12، والبرهان: 1 / 119، ح 1، بتفاوت يسير في جميعها. قطعة منه في (عذاب الكافر بنبوّة محمّد وعليّ عليهماالسلام)، و(الأئمّة: ساسة الأُمّة ورعاتهم).
[82] التفسير: 304، ح 147. عنه البحار: 8 / 300، س 18، ضمن ح 55، بتفاوت، و358، ح 19، بتفاوت، والبرهان: 1 / 119، س 29، ضمن ح 1، بتفاوت يسير، و4 / 20، ح 4، بتفاوت يسير، ومقدّمة البرهان: 173، س 10، قطعة منه. قطعة منه في (الكفر بنبوّة محمّد وولاية عليّ تحبط الأعمال)، و(موعظته عليه السلام في السيّئات التي تحبط الأعمال).
[83] التفسير: 316، ح 161. يأتي الحديث بتمامه في رقم 711.
[84] التفسير: 326، ح 174. عنه البحار: 66 / 343، س 10، قطعة منه، و68 / 183، ح 44، بتفاوت يسير، والبرهان: 1 / 120، ح 1، بتفاوت، ومقدّمة البرهان: 345، س 11، قطعة منه. قطعة منه في (الصلاة علي محمّد وآله: عند الغضب والهموم)، و(موعظته عليه السلام في الصلاة علي محمّد وآله:).
[85] التفسير: 364، ح 253. عنه البحار: 66 / 344، س 24، و71 / 228، ح 23، قطعة منه، و82 / 285، ح 12، قطعة منه، و93 / 9، ح 5، قطعة منه، والبرهان: 1 / 122، ح 19 - 21، قِطع منه، ومستدرك الوسائل: 3 / 34، ح 2951، و7 / 44، ح 7611، ومقدّمة البرهان: 217، س 25، قطعة منه. قطعة منه في (موالاة محمّد وآله: والبراءة من أعدائهم تزكّي الأعمال وتضاعفها)، و(إنّ من حقوقهم: الصلاة عليهم بعد الصلاة)، و(حكم الصلاة وبيان مقوّماتها)، و(موعظته عليه السلام في أمور مختلفة).
[86] التفسير: 333، ح 201. يأتي الحديث بتمامه في رقم 673.
[87] التفسير: 345، ح 226. يأتي الحديث بتمامه في رقم 712.
[88] التفسير:367، ح 257. عنه البحار:9 / 180، ح 8، و72 / 316، ح 40، والبرهان: 1 / 123، ح 1.
[89] التحريش: الإغراء بين القوم والكلاب، وتهييج بعضها علي بعض. مجمع البحرين: 4 / 133، (حرش).
[90] اليافوخ ج يوافيخ: الموضع الذي يتحرّك من رأس الطفل. المنجد: 926، (يفخ).
[91] عذل وعذّله: لامه. المنجد: 494، (عذل).
[92] التفسير: 371، ح 260 - 264. عنه البحار: 9 / 320، ح 13، و11 / 138، ح 1، و14 / 338، ح 10، و17 / 259، ح 5، بتفاوت، و26 / 290، ح 49، و343، ح 15، و67 / 170، ح 19، و70 / 183، س 5، قِطع منه، ووسائل الشيعة: 6 / 388، ح 8256، قطعة منه، والبرهان: 1 / 124، ح 1، باختصار، ومدينة المعاجز: 1 / 291، ح 183، بتفاوت، وإثبات الهداة: 1 / 393، ح 606، باختصار، و637، ح 750، و2 / 482 ح 289، و483، ح 294، قِطع منه، ومقدّمة البرهان: 25، س 14، و32، س 10، 283، س 8، قِطع منه. قطعة منه في (في قتل زكريّا ويحيي عليهماالسلام)، و(فضل النبيّ وآله: عن التوراة)، و(الخمسة النجباء: هم أصحاب العباءة)، و(مواساة الملائكة عليّاً عليه السلام الحروب)، و(أنّ الأحجار تسلّم علي محمّد وعليّ عليهماالسلام)، و(دعاء محمّد وعليّ عليهماالسلام لإحياء الأموات)، و(أخذ العهد والميثاق لهم:)، و(التوسّل بهم: في شفاء الأمراض والأسفام)، و(ما رواه عليه السلام من الأحاديث القدسيّة)، و(ما رواه عليه السلام عن الملائكة)، و(ما رواه عن النبيّ صلي الله عليه و آله)، و(ما رواه عن الإمام عليّ عليهماالسلام).
[93] فصّلت: 41 / 5.
[94] التفسير: 390، ح 266. عنه البحار: 9 / 320، ح 14، بتفاوت يسير، و67 / 170، ح 20، والبرهان: 1 / 125، ح 1، بتفاوت يسير. قطعة منه في (سورة فصّلت: 41 / 5).
[95] التفسير: 393، ح 268. عنه البحار: 9 / 181، ح 9، و91 / 10، ح 11، بتفاوت يسير، والبرهان: 1 / 126، ح 1. قطعة منه في (أنّه صلي الله عليه و آله من ولد إسماعيل)، و(أنّ عليّاً عليه السلام خير خلق اللّه).
[96] التفسير: 401، ح 272. عنه البحار: 9 / 182، ح 10، والبرهان: 1 / 128، ح 1، بتفاوت يسير. قطعة منه في (لعن عيسي عليه السلام علي من كذّبه فصار قردة)، و(ذلّة من كذّب محمّداً صلي الله عليه و آله).
[97] التفسير: 403، ح 275. عنه البحار: 9 / 182، ح 11، بتفاوت يسير، والبرهان: 1 / 129، ح 1. قطعة منه في (النهي عن قتل الأنبياء والأمر بالإيمان بمحمّد صلوات اللّه عليهم في التوراة)، و(مقدّمات الفقه).
[98] التفسير: 408، ح 278. عنه البحار: 28 / 66، ح 26، والبرهان: 1 / 130، ح 1، بتفاوت يسير. قطعة منه في (فضل محمّد صلي الله عليه و آله وخلافة الأوصياء:)، و(خلافة الأئمّة:).
[99] التفسير:424، ح 290. عنه البحار: 13 / 238، ح 48، بتفاوت يسير، والبرهان: 1 / 130، ح 1. قطعة منه في (تفضيل محمّد وآله: علي الخلق).
[100] التفسير: 459، ح 300. عنه البرهان: 1 / 135، ح 1، بتفاوت يسير، والبحار: 9 / 316، ح 16، ومقدّمة البرهان: 104، س 10، و260، س 24، قطعتان منه. قطعة منه في (تفضيل محمّد وعليّ عليهماالسلام علي غيرهما).
[101] التفسير: 515، ح 315. عنه البحار: 9 / 184، ح 13، و91 / 16، ح 12، و97 / 67، ح 15، بتفاوت يسير، والبرهان: 1 / 142، ح 1، وإثبات الهداة:1 / 395، ح 613، قطعة منه. قطعة منه في (كنيته عليه السلام)، و(فضل محمّد وعليّ وأهل بيته:).
[102] التفسير: 520، ح 318. عنه البحار: 7 / 299، ح 51، و8 / 181، ح 138، و71 / 309، ح 63، و77 / 236، ح 9، و316، ح 7، و79 / 221، ح 42، و81 / 244، ح 34، و82 / 286، ح 13، و93 / 68، ح 41، قِطع منه، ووسائل الشيعة: 1 / 397، ح 1039 و1040، قطعة منه، و9 / 225، ح 11892 و11893، قطعتان منه، ومستدرك الوسائل 1 / 288، ح 630، و3 / 77، ح 3072، و4 / 136، ح 4319، و5 / 14، ح 5254، و12 / 427، ح 14519، قِطع منه، والبرهان: 1 / 142، ح 1، قطعة منه، وإثبات الهداة: 1 / 637، ح 751، و2 / 152 ح 667. قطعة منه في (مقدّمات الصلاة)، و(ما رواه عليه السلام عن النبيّ صلي الله عليه و آله).
[103] البقرة: 2 / 59.
[104] قَبَعَ...قبعاً وقبوعاً النجم: ظهر ثمّ خفي... قَبَعَ قبعاً الشي ء عند العامّة: اقتلعه ونزعه عمّا كان ملتصقاً به، سريانيّة. المنجد: 606، (قبع).
[105] طامن ظهره: إذا حني ظهره. لسان العرب: 13 / 268، (طمن).
[106] النطع، ج: أنطاع ونطوع: بساط من الجلد يفرش تحت المحكوم عليه بالعذاب... المنجد: 816، (نطع).
[107] التفسير: 544، ح 325. عنه البحار: 9 / 184، ح 14، و13 / 185، ح 21، و23 / 122، ح 47، و24 / 225، س 10، و339 / 45، ح 6، و65 / 163 ح 12، قِطع منه، ومدينة المعاجز: 4 / 331، ح 1341، وإثبات الهداة: 2 / 482، ح 292، و3 / 21، ح 45، قطعتان منه، ومستدرك الوسائل: 11 / 257، ح 12921، أورد ذيل الحديث، و16 / 356، ح 20156، قطعة منه. قطعة منه في (ما رواه عن الإمام عليّ عليهماالسلام)، و(ما رواه عن الإمام المجتبي عليهماالسلام)، و(ما رواه عن الإمام السجّادعليهماالسلام).
[108] الاحتجاج: 1 / 81، ح 25. يأتي الحديث بتمامه في ج 4، رقم 907.
[109] الاحتجاج: 1 / 81، ح 25. يأتي الحديث بتمامه في ج 4، رقم 907.
[110] رجال الكشّيّ: 575، ح 1088. يأتي الحديث بتمامه في رقم 738.
[111] الظاهر أنّ هذه العبارة بقرينة: ثمّ قال، مرتبطة بما قبلها، ولكن لم نعثر عليها في سائر المصادر، فنقلناها كما كانت في التفسير.
[112] التفسير: 569، ح 332. عنه إثبات الهداة: 1 / 637، ح 752، قطعة منه.قطعة منه في (حكم إزدياد الطواف)، و(موعظته عليه السلام في شكر نعم اللّه تعالي)، و(ما رواه عليه السلام عن النبيّ صلي الله عليه و آله).
[113] التفسير: 570، ح 333. عنه البحار: 36 / 107، ح 57، بتفاوت يسير، و 69 / 205، ح 5، قطعة منه، ومستدرك الوسائل: 9 / 141، ح 10495، قطعة منه، ومقدّمة البرهان: 104، س 13، و283، س 10، قطعتان منه. قطعة منه في (بعض معجزات النبيّ صلي الله عليه و آله)، و(بعض معجزات الإمام عليّ عليه السلام)، و(مارواه عليه السلام من الأحاديث القدسيّة).
[114] التفسير: 572، ح 334. عنه البحار: 6 / 189، ح 33. قطعة منه في (جزاء من أنكر نبوّة محمّد صلي الله عليه و آله وولاية عليّ عليه السلام).
[115] التفسير: 573، ح 336. عنه البحار: 71 / 229، ح 24، قطعة منه، و72 / 409، ح 52، بتفاوت يسير، ووسائل الشيعة: 16 / 224، س 6، ضمن ح 21420، وح 21421، قطعتان منه، ومقدّمة البرهان: 87 س 13، قطعة منه. قطعة منه في (صفات اللّه تعالي)، و(إكرام محمّد وآله: بالفضيلة والخلافة)، و(فضائل الشيعة)، و(ما رواه عن النبيّ صلي الله عليه و آله).
[116] النهك: التنقّص، ونكهته الحمّي نهكاً... نقصت لحمه. لسان العرب: 10 / 499، (نهك).
[117] الوابل: المطر الشديد. مجمع البحرين: 5 / 490، (وبل)، والهطل: تتابع المطر. المصدر: 499، (هطل)، والرذاذ: المطر الضعيف. المصدر: 3 / 181، (رذذ).
[118] الوهدة بالفتح فالسكون: المنخفض من الأرض. مجمع البحرين: 3 / 167، (وهد)، والتلّ من التراب معروف، المصدر: 5 / 328، (تلل). القَلَعة بالتحريك لا يجوز الإسكان: الحصن علي الجبل، والجمع قَلَع وقِلاع. المصدر: 4 / 383، (قلع).
[119] التفسير: 575، ح 338. عنه البحار: 3 / 54، ح 26، بتفاوت في الذيل. قطعة منه في (أنّ اللّه قادر علي نصرة محمّد وآله:)، و(أنّ نعيم الآخرة يدوم ولا يبيد عذابها)، و(فضائل الشيعة).
[120] التفسير: 578، ح 340. عنه البحار:7 / 188، ح 51، بتفاوت يسير، و9 / 186، ح 16، بتفاوت يسير، ومقدّمة البرهان: 310، س 24، قطعة منه. قطعة منه في (الخمسة النجباء:)، و(الشفاعة في القيامة).
[121] التفسير: 580، ح 342. عنه البحار: 24 / 379، ح 106، و62 / 156، ح 27، قطعة منه، ومستدرك الوسائل: 16 / 333، ح 20060، قطعة منه، ومقدّمة البرهان: 242، س 30، و276، س 12، قطعتان منه. قطعة منه في (أنّ محمّد صلي الله عليه و آله أفضل النبيّين والمرسلين:)، و(أنّ عليّاً عليه السلام أفضل وأشرف الوصيّين).
[122] التفسير: 582، ح 344. عنه البحار: 380 / 24، ح 107، بتفاوت يسير. قطعة منه في (فضائل محمّد وعليّ عليهماالسلام).
[123] التفسير: 583، ح 346. عنه البحار: 9 / 187، ح 18، بتفاوت يسير، و27 / 59، ح 20، بتفاوت يسير. قطعة منه في (إنّ اللّه نصب محمّداً وآله: لإقامة دينه)، و(ما رواه عن الإمام السجّاد عليهماالسلام).
[124] الحجرات: 49 / 12.
[125] زري عليه: عابه وعتب عليه، أزري عليه: زري. وأزري بأخيه: أدخل عليه أمراً يريد أن يلبّس عليه به. المعجم الوسيط: 393، (زري).
[126] التفسير: 584، ح 348 - 350. عنه البحار: 26 / 232، ح 1، و60 / 204، س 6، ضمن ح 29، قطعةمنه، و62 / 156 ح 28، و158، ح 36، و325، ح 33، و72 / 258، ح 52، قِطع منه، ومستدرك الوسائل: 9 / 113، ح 10389، و12 / 392، ح 14385، و16 / 141 ح 19410، و164، ح 19468، و200، ح 19581، و201، ح 19587، قِطع منه، ومقدّمة البرهان: 105، س 13، و138، س 32، و148، س 17، و199، س 10 وس 12، و341، س 21، قِطع منه. قطعة منه في (ثمرة الإيمان بنبوّة محمّد وأوصيائه:)، و(حكم التقيّة)، و(ما رواه عليه السلام عن النبيّ صلي الله عليه و آله).
[127] مالأه علي الأمر: ساعده وعاونه. المعجم الوسيط: 882، (ملأ).
[128] الهُوَينا: التؤدة والرفق، وهي تصغير الهوني (تأنيث الأهون)، المنجد: 878 (هون).
[129] التفسير: 587، ح 352. عنه البحار: 7 / 213، ح 115، قطعة منه، و26 / 235، ح 2، بتفاوت يسير، ومستدرك الوسائل: 12 / 336، ح 14221، قطعة منه. قطعة منه في (أنّ موالاة محمّد وآله: تذوب وتضمحلّ الذنوب)، و(ما رواه عن الإمام عليّ ابن الحسين:).
[130] الحمس بضمّ حاء وسكون ميم، جمع أحمس، هم قريش ومن ولدته، وكنانة، وجديلة قيس لأنّهم تحمّسوا في دينهم، أي تشدّدوا، وكانوا يقفون بمزدلفة، لا بعرفة. مجمع البحرين: 4 / 63، (حمس).
[131] لقمان: 31 / 28.
[132] التفسير: 605، ح 358. عنه البحار: 96 / 257، ح 36، بتفاوت يسير، ومستدرك الوسائل: 10 / 53، ح 11431، قطعة منه، ومقدّمة البرهان: 152، س 18، قطعة منه. قطعة منه في: (الخمسة النجباء:)، و(سورة لقمان: 31 / 28).
[133] أيّام التشريق: أيّام مني، وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر بعد يوم النحر، واختلف في وجه التسمية، فقيل: سمّيت بذلك من تشريق اللحم، وهو تقديره وبسطه الشمس ليجفّ... وقيل: سمّيت بذلك لقولهم: أشرق تبير، كيما نغير. وعن أبن الأعرابيّ: سمّيت بذلك لأنّ الهدي والضحايا لا تنحر حتّي تشرق الشمس أي تطلع. مجمع البحرين: 5 / 192، (شرق).
[134] التفسير: 611، ح 360. عنه البحار: 67 / 268، س 15، و96 / 311، ح 36، و316، ح 10، قِطع منه، ومستدرك الوسائل: 6 / 139، ح 6644، و10 / 159، ح 11748، قطعتان منه. قطعة منه في (التكبير في أيّام التشريق)، و(موعظته عليه السلام للحاجّ).
[135] التفسير: 617، ح 362. عنه البحار: 9 / 188، ح 20، و 70 / 183، س 9، أشار إليه، و72 / 317، ح 41، بتفاوت يسير.
[136] التفسير: 620، ح 364. عنه البحار:22 / 338، ح 50، و67 / 217، س 7.
[137] التفسير: 626، ح 366. عنه البحار: 36 / 110، ح 59، و65 / 230، س 8، قطعتان منه، ومقدّمة البرهان: 24، س 31، و104، س 12، و188، س 13، قِطع منه. قطعة منه في (تمام الإسلام باعتقاد الولاية لعليّ عليه السلام).
[138] الإسراء: 17 / 90 - 92.
[139] التفسير: 629، ح 367. عنه البحار: 9 / 281، ح 5، بتفاوت يسير. قطعة منه في (سورة الإسراء: 17 / 90 - 92).
[140] الهداية الكبري: 344، س 21. تقدّم الحديث بتمامه في ج 1، رقم 321.