بازگشت

تعليمه لأهل قم


1 - السيّد ابن طاووس(ره): دعا [سيّدنا أبو محمّد الحسن العسكريّ(عليه السلام)] في قنوته، وأمر أهل قمّ بذلك لمّا شكوا من موسي بن بغا:

«الحمد للّه شكراً لنعمائه، واستدعاء لمزيده، واستخلاصاً له وبه دون غيره، وعياذاً به من كفرانه، والإلحاد في عظمته وكبريائه، حمد من يعلم أنّ ما به من نعمائه فمن عند ربّه، وما مسّه من عقوبته فبسوء جناية يده.

وصلّي اللّه علي محمّد عبده ورسوله وخيرته من خلقه، وذريعة



[ صفحه 228]



المؤمنين إلي رحمته، وآله الطاهرين ولاة أمره.

اللّهمّ إنّك ندبت إلي فضلك، وأمرت بدعائك، وضمنت الإجابة لعبادك، ولم تخيّب من فزع إليك برغبته، وقصد إليك بحاجته، ولم ترجع يد طالبة صفراً من عطائك، ولا خائبة من نحل هباتك، وأيّ راحل رحل إليك فلم يجدك قريباً أو وافد وفد عليك فاقتطعته عوائق الردّ دونك، بل أيّ محتفر من فضلك لم يمهه فيض جودك وأيّ مستنبط لمزيدك أكدي دون استماحة سجال [1] عطيّتك.

اللّهمّ وقد قصدت إليك برغبتي، وقرعت باب فضلك يد مسألتي، وناجاك بخشوع الإستكانة قلبي، ووجدتك خير شفيع لي إليك، وقد علمت ما يحدث من طلبتي قبل أن يخطر بفكري أو يقع في خلدي، فصل اللّهمّ دعائي إيّاك بإجابتي، واشفع مسألتي بنجح طلبتي.

اللّهمّ وقد شملنا زيغ الفتن، واستولت علينا غشوة الحيرة، وقارعنا الذلّ والصغار، وحكم علينا غير المأمونين في دينك، وابتزّ أمورنا معادن الأبن ممّن عطّل حكمك، وسعي في إتلاف عبادك وإفساد بلادك.

اللّهمّ وقد عاد فينا دولة بعد القسمة، وإمارتنا غلبة بعد المشورة، وعدنا ميراثاً بعد الإختيار للأُمّة فاشتريت الملاهي والمعازف بسهم اليتيم والأرملة، وحكم في أبشار المؤمنين أهل الذمّة، وولي القيام بأمورهم، فاسق كلّ قبيلة فلاذائد يذودهم عن هلكة، ولا راع ينظر إليهم بعين الرحمة، ولا ذو شفقة يشبع الكبد الحرّي من مسغبة، فهم اولو ضرع



[ صفحه 229]



بدار مضيعة، وأسراء مسكنة، وخلفاء كآبة وذلّة، اللّهمّ وقد استحصد زرع الباطل، وبلغ نهايته، واستحكم عموده، واستجمع طريده، وخذرف وليده، وبسق فرعه، وضرب بحرانه. [2] .

اللّهمّ فأتح له من الحقّ يداً حاصدة تصدع قائمه، وتهشم سوقه، وتجبّ سنامه، وتجدع مراغمه ليستخفي الباطل بقبح صورته، ويظهر الحقّ بحسن حليته.

اللّهمّ ولا تدع للجور دعامة إلّا قصمتها، ولا جنّة إلّا هتكتها، ولا كلمة مجتمعة إلّا فرّقتها، ولا سرّية ثقل إلّا خفّفتها، ولا قائمة علوّ إلّا حططتها، ولارافعة علم إلّا نكستها، ولا خضراء إلّا أبرتها.

اللّهمّ فكوّر شمسه، وحطّ نوره، واطمس ذكره، وارم بالحقّ رأسه، وفضّ جيوشه، وأرعب قلوب أهله.

اللّهمّ ولا تدع منه بقيّة إلّا أفنيت، ولا بنية إلّا سوّيت، ولا حلقة إلّا قصمت، ولا سلاحاً إلّا أكللت، ولا حدّاً إلّا فللت، ولا كراعاً إلّا اجتحت، [3] ولا حاملة علم إلّا نكست.

اللّهمّ وأرنا أنصاره عباديد بعد الألفة، وشتّي بعد اجتماع الكلمة، ومقنعي الرؤوس بعد الظهور علي الأُمّة، وأسفر لنا عن نهار العدل، وأرناه سرمداً لاظلمة فيه، ونوراً لا شوب معه، واهطل علينا ناشئته،



[ صفحه 230]



وأنزل علينا بركته، وأدل له ممّن ناواه، وانصره علي من عاداه.

اللّهمّ وأظهر الحقّ، وأصبح به في غسق الظلم وبهم الحيرة.

اللّهمّ وأحي به القلوب الميّتة، واجمع به الأهواء المتفرّقة والآراء المختلفة، وأقم به الحدود المعطّلة والأحكام المهملة، وأشبع به الخماص الساغبة، وأرح به الأبدان اللّاغبة المتعبة كما ألهجتنا بذكره، وأخطرت ببالنا دعاءك له، ووفّقتنا للدعاء إليه وحياشة أهل الغفلة عنه، وأسكنت في قلوبنا محبّته والطمع فيه وحسن الظنّ بك لإقامة مراسمه.

اللّهمّ فأت لنا منه علي أحسن يقين، يا محقّق الظّنون الحسنة، ويإ؛ژ ئ مصدّق الآمال المبطنة.

اللّهمّ واكذب به المتألّين [4] عليك فيه، واخلف به ظنون القانطين من رحمتك والآيسين منه.

اللّهمّ اجعلنا سبباً من أسبابه، وعلماً من أعلامه، ومعقلاً من معاقله، ونضّر وجوهنا بتحليته، وأكرمنا بنصرته، واجعل فينا خيراً تظهرنا له به، ولا تشمت بنا حاسدي النعم، والمتربّصين بنا حلول الندم، ونزول المثل، فقد تري ياربّ براءة ساحتنا، وخلوّ ذرعنا من الإضمار لهم علي إحنة، والتمني لهم وقوع جائحة [5] ، وماتنازل من تحصينهم بالعافية، وما أضبؤا لنا من انتهاز الفرصة، وطلب الوثوب بنا عند الغفلة.

اللّهمّ وقد عرّفتنا من أنفسنا، وبصّرتنا من عيوبنا خلالاً نخشي



[ صفحه 231]



أن تقعد بنا عن اشتهار إجابتك، وأنت المتفضّل علي غير المستحقّين، والمبتدي ء بالإحسان غير السائلين، فأت لنا من أمرنا علي حسب كرمك وجودك وفضلك وامتنانك، إنّك تفعل ما تشاء، وتحكم ما تريد، إنّا إليك راغبون، ومن جميع ذنوبنا تائبون.

اللّهمّ والداعي إليك، والقائم بالقسط من عبادك، الفقير إلي رحمتك، المحتاج إلي معونتك علي طاعتك إذ ابتدأته بنعمتك، وألبسته أثواب كرامتك، وألقيت عليه محبّة طاعتك، وثبّتّ وطأته في القلوب من محبّتك، ووفّقته للقيام بما أغمض فيه أهل زمانه من أمرك، وجعلته مغزعاً لمظلوم عبادك، وناصراً لمن لا يجد ناصراً غيرك، ومجدّداً لما عطّل من أحكام كتابك، ومشيّداً لما ردّ [دثر خ ل] من أعلام دينك، وسنن نبيّك عليه وآله سلامك، وصلواتك، ورحمتك، وبركاتك، فاجعله اللّهمّ في حصانة من بأس المعتدين، وأشرق به القلوب المختلفة من بغاة الدين، وبلّغ به أفضل ما بلّغت به القائمين بقسطك من أتباع النبيّين.

اللّهمّ وأذلل به من لم تسهم له في الرجوع إلي محبّتك، ومن نصب له العداوة، وارم بحجرك الدامغ [6] من أراد التأليب علي دينك بإذلاله، وتشتيت أمره، واغضب لمن لا ترة [7] له ولا طائلة، وعادي الأقربين



[ صفحه 232]



والأبعدين فيك منّاً منك عليه لا منّاً منه عليك.

اللّهمّ فكما نصب نفسه غرضاً فيك للأبعدين، وجاد ببذل مهجته لك في الذبّ عن حريم المؤمنين، وردّ شرّ بغاة المرتدّين المريبين حتّي أخفي ما كان جهر به من المعاصي، وأبدا ما كان نبذه العلماء وراء ظهورهم ممّا أخذت ميثاقهم علي أن يبيّنوه للناس ولا يكتموه، ودعا إلي إفرادك بالطاعة.

وألاّ يجعل لك شريكاً من خلقك يعلو أمره علي أمرك مع ما يتجرّعه فيك من مرارات الغيظ الجارحة بحواسّ [بمواسي خ ل] القلوب، ومإ؛ژ أ يعتوره من الغموم، ويفزع عليه من أحداث الخطوب، ويشرق به من الغصص التي لا تبتلعها الحلوق، ولا تحنو عليها الضلوع من نظرة إلي أمر من أمرك، ولا تناله يده بتغييره وردّه إلي محبّتك.

فاشدد اللّهمّ أزره بنصرك، وأطل باعه فيما قصر عنه من إطراد الراتعين في حماك، وزده في قوّته بسطة من تأييدك، ولا توحشنا من أنسه، ولا تخترمه دون أمله من الصلاح الفاشي في أهل ملّته، والعدل الظاهر في أُمّته.

اللّهمّ وشرّف بما استقبل به من القيام بأمرك لدي موقف الحساب مقامه، وسرّ نبيّك محمّد صلواتك عليه وآله برؤيته ومن تبعه علي دعوته، وأجزل له علي ما وأيته قائماً به من أمرك ثوابه، وابن قرب دنوّه منك في حياته، وارحم استكانتنا من بعده، واستخذاءنا لمن كنّا نقمعه به إذا فقدتنا وجهه، وبسطت أيدي من كنّا نبسط أيدينا عليه لنردّه عن معصيته، وافتراقنا بعد الألفة، والإحتماع تحت ظلّ كنفه، وتلهّفنا عند



[ صفحه 233]



الفوت علي ما أقعدتنا عنه من نصرته، وطلبنا من القيام بحقّ ما لا سبيل لنا إلي رجعته.

واجعله اللّهمّ في أمن ممّا يشفق عليه منه، وردّ عنه من سهام المكائد مايوجّهه أهل الشنئان إليه وإلي شركائه في أمره ومعاونيه علي طاعة ربّه الذين جعلتهم سلاحه وحصنه ومفزعه وأنسه الذين سلوا عن الأهل والأولاد، وجفوا الوطن، وعطّلوا الوثير من المهاد، ورفضوا تجاراتهم، وأضرّوا بمعايشهم، وفقدوا في أنديتهم بغير غيبة عن مصرهم، وخاللوا البعيد ممّن عاضدهم علي أمرهم، وقلوا القريب ممّن صدّ عن وجهتهم، فائتلفوا بعد التدابر والتقاطع في دهرهم، وقطعوا الأسباب المتّصلة بعاجل حطام الدنيا.

فاجعلهم اللّهمّ في أمن حرزك وظلّ كنفك، ورّد عنهم بأس من قصد إليهم بالعداوة من عبادك، وأجزل لهم علي دعوتهم من كفايتك ومعونتك، وأمدّهم بتأييدك ونصرك، وأزهق بحقّهم باطل من أراد إطفاء نورك.

اللّهمّ واملأ بهم كلّ أفق من الآفاق، وقطر من الأقطار قسطاً وعدلاً ومرحمة وفضلاً، واشكرهم علي حسب كرمك وجودك وما مننت به علي القائمين بالقسط من عبادك، وادّخرت لهم من ثوابك ما يرفع لهم به الدرجات، إنّك تفعل ما تشاء وتحكم ما تريد». [8] .



[ صفحه 234]




پاورقي

[1] رجل سجل: جواد، وساجل الرجال باراه، والمساجلة: المفاخرة؛ لسان العرب: 11 / 326، (سجل).

[2] في البحار: بجرانه، وهو كما في المعجم الوسيط: جَرَنَ الحبّ: طحنه شديداً، فهو مجرون وجرين. ص 119 (جرن).

[3] الكُراع: اسم يجمع الخيل والسلاح، المعجم الوسيط: 783، والجائحة: الآفة، يقال جاحت الآفة المال إذا أهلكته...، واجتاحت المال مثل جاحَته. المصباح المنير: 113، (جَوَح).

[4] ألا يألو ألواً، ألّي يألّي تألية: قصّر وأبطأ. لسان العرب: 14 / 39، (ألو).

[5] الجوح: الإستيصال، الجائحة: الآفة التي تهلك الثمار وتستأصلها، مجمع البحرين:2 / 347.

[6] الدامغ: المهلك، من دمغه دمغاً: أي شجّه بحيث يبلغ الدماغ فيهلكه؛ مجمع البحرين: 5 / 8، (دمغ).

[7] في الخبر: من جلس مجلساً لم يذكر اللّه فيه كان عليه ترة، أي نقص ولائمة، والترة: النقص، وقيل: التبعة؛ مجمع البحرين: 3 / 508، (وتر).

[8] مهج الدعوات: 85، س 15. عنه البحار: 82 / 229، س 11، ضمن ح 1، والدرّالمنثور لعليّ بن محمّد العامليّ: 1 / 323، س 17، قطعة منه. قطعة منه في (دعاؤه في قنوته)، و(الدعاء في قنوت الصلاة).