بازگشت

الي إسحاق بن إسماعيل


1 - أبو عمرو الكشّيّ(ره): حكي بعض الثقات بنيسابور: أنّه خرج لإسحاق بن إسماعيل من أبي محمّد(عليه السلام) توقيع: يا إسحاق بن إسماعيل! سترنا اللّه وإيّاك بستره، وتولاّك في جميع أُمورك بصنعه، قد فهمت كتابك، يرحمك اللّه.

ونحن بحمد اللّه ونعمته أهل بيت نرقّ علي موالينا، ونسرّ بتتابع إحسان اللّه



[ صفحه 371]



إليهم، وفضله لديهم، ونعتدّ بكلّ نعمة ينعمها اللّه عزّ وجلّ عليهم.

فأتمّ اللّه عليكم بالحقّ، ومن كان مثلك ممّن قد رحمه اللّه، ونصره نصرك ونزع عن الباطل، ولم يعمّ في طغيانه نعمه.

فإنّ تمام النعمة دخولك الجنّة، وليس من نعمة وإن جلّ أمرها، وعظم خطرها إلّا والحمد للّه تقدّست أسماؤه عليها مؤدّي شكرها.

وأنا أقول: الحمد للّه مثل ما حمد اللّه به حامد إلي أبد الأبد بما منّ به عليك من نعمة، ونجّاك من الهلكة، وسهّل سبيلك علي العقبة.

وأيم اللّه! إنّها لعقبة كؤود شديد أمرها، صعب مسلكها، عظيم بلاؤها، طويل عذابها، قديم في الزبر الأولي ذكرها.

ولقد كانت منكم أُمور في أيّام الماضي(عليه السلام) إلي أن مضي لسبيله صلّي اللّه علي روحه، وفي أيّامي هذه كنتم فيها غير محمودي الرأي، ولا مسدّدي التوفيق.

واعلم يقيناً يا إسحاق! أنّ من خرج من هذه الحياة الدنيا أعمي فهو في الآخرة أعمي وأضلّ سبيلاً، إنّها يا ابن إسماعيل ليس تعمي الأبصار لكن تعمي القلوب التي في الصدور.

وذلك قول اللّه عزّ وجلّ في محكم كتابه للظالم: (رَبِ ّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَي وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا). [1] .

قال اللّه عزّ وجلّ: (كَذَلِكَ أَتَتْكَ ءَايَتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَي). [2] .

وأيّة آية يا إسحاق، أعظم من حجّة اللّه عزّ وجلّ علي خلقه، وأمينه في بلاده وشاهده علي عباده من بعد من سلف من آبائه



[ صفحه 372]



الأوّلين من النبيّين، وآبائه الآخرين من الوصيّين، عليهم أجمعين رحمة اللّه وبركاته.

فأين يتاه بكم؟ وأين تذهبون كالأنعام علي وجوهكم عن الحقّ تصدفون، وبالباطل تؤمنون، وبنعمة اللّه تكفرون، أو تكذبون ممّن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض؟!

فما جزاء من يفعل ذلك منكم، ومن غيركم إلّا خزي في الحياة الدنيا الفانية، وطول عذاب في الآخرة الباقية، وذلك واللّه! الخزي العظيم.

إنّ اللّه بفضله ومنّه لمّا فرض عليكم الفرائض لم يفرض عليكم لحاجة منه إليكم بل برحمة منه لا إله إلّا هو عليكم، ليميز الخبيث من الطيّب، وليبتلي ما في صدوركم، وليمحّص ما في قلوبكم، ولتتسابقون إلي رحمته، وتتفاضل منازلكم في جنّته.

ففرض عليكم الحجّ، والعمرة، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والصوم، والولاية، وكفاهم لكم باباً، ولتفتحوا أبواب الفرائض، ومفتاحاً إلي سبيله.

ولولا محمّد(صلي اللّه عليه وال وسلم) والأوصياء من بعده لكنتم حياري كالبهائم، لاتعرفون فرضاً من الفرائض.

وهل تدخل قرية إلّا من بابها، فلمّا منّ عليكم بإقامة الأولياء بعد نبيّه(صلي اللّه عليه وال وسلم) قال اللّه عزّ وجلّ لنبيّه: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَمَ دِينًا) [3] وفرض عليكم لأوليائه حقوقاً أمركم بأدائها إليهم، ليحلّ لكم ماوراء ظهوركم من أزواجكم، وأموالكم، ومآكلكم،ومشاربكم، ومعرفتكم بذلك النماء، والبركة، والثروة، وليعلم من



[ صفحه 373]



يطيعه منكم بالغيب.

قال اللّه عزّ وجلّ: (قُل لَّآ أَسَْلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي). [4] .

واعلموا! أنّ من يبخل، فإنّما يبخل علي نفسه، وأنّ اللّه هو الغنيّ، وأنتم الفقراء إليه، لا إله إلّا هو، ولقد طالت المخاطبة فيما بيننا وبينكم فيما هو لكم وعليكم، ولولا ما يجب من تمام النعمة من اللّه عزّ وجلّ عليكم، لما أريتكم لي خطّاً ولا سمعتم منّي حرفاً من بعد الماضي(عليه السلام).

أنتم في غفلة عمّا إليه معادكم، ومن بعد النابي رسولي، وما ناله منكم حين أكرمه اللّه بمصيره إليكم.

ومن بعد إقامتي لكم إبراهيم بن عبده وفّقه اللّه لمرضاته، وأعانه علي طاعته، وكتابي الذي حمله محمّد بن موسي النيسابوريّ، واللّه المستعان علي كلّ حال.

وإنّي أراكم تفرّطون في جنب اللّه، فتكونون من الخاسرين، فبعداً وسحقاً لمن رغب عن طاعة اللّه، ولم يقبل مواعظ أوليائه.

وقد أمركم اللّه جلّ وعلا بطاعته، لا إله إلّا هو وطاعة رسوله(صلي اللّه عليه وال وسلم)، وبطاعة أُولي الأمر(عليه السلام)، فرحم اللّه ضعفكم، وقلّة صبركم عمّا أمامكم.

فما أغرّ الإنسان بربّه الكريم، واستجاب اللّه دعائي فيكم، وأصلح أموركم علي يدي، فقد قال اللّه جلّ جلاله: (يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسِ م بِإِمَمِهِمْ). [5] .

وقال جلّ جلاله: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَي النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا). [6] .



[ صفحه 374]



وقال اللّه جلّ جلاله: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ). [7] .

فما أحبّ أن يدعوا اللّه جلّ جلاله بي، ولا بمن هو في أيّامي إلّا حسب رقّتي عليكم، وما انطوي لكم عليه من حبّ بلوغ الأمل في الدارين جميعاً والكينونة معنا في الدنيا والآخرة.

فقد يا إسحاق، يرحمك اللّه! ويرحم من هو وراءك بيّنت لكم بياناً، وفسّرت لكم تفسيراً، وفعلت بكم فعل من لم يفهم هذا الأمر قطّ، ولم يدخل فيه طرفة عين، ولو فهمت الصمّ الصلاب بعض ما في هذا الكتاب لتصدّعت قلقاً خوفاً من خشية اللّه، ورجوعاً إلي طاعة اللّه عزّ وجلّ.

فاعملوا من بعد ما شئتم (فَسَيَرَي اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ و وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَي عَلِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [8] .

(ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَي عَلِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [9] .

والعاقبة للمتّقين، والحمد للّه كثيراً ربّ العالمين.

وأنت رسولي يا إسحاق! إلي إبراهيم بن عبده، وفّقه اللّه أن يعمل بما ورد عليه في كتابي مع محمّد بن موسي النيسابوريّ إن شاء اللّه، ورسولي إلي نفسك، وإلي كلّ من خلفك ببلدك، أن يعملوا بما ورد عليكم في كتابي مع محمّد بن موسي إن شاء اللّه.

ويقرأ إبراهيم بن عبده كتابي هذا ومن خلفه ببلده حتّي لا يسألوني، وبطاعة



[ صفحه 375]



اللّه يعتصمون، والشيطان باللّه عن أنفسهم يجتنبون ولا يطيعون.

وعلي إبراهيم بن عبده سلام اللّه ورحمته وعليك يا إسحاق، وعلي جميع مواليّ السلام كثيراً، سدّدكم اللّه جميعاً بتوفيقه، وكلّ من قرأ كتابنا هذا من مواليّ من أهل بلدك ومن هو بناحيتكم، ونزع عمّا هو عليه من الانحراف عن الحقّ، فليؤدّ حقوقنا إلي إبراهيم بن عبده.

وليحمل ذلك إبراهيم بن عبده إلي الرازيّ رضي اللّه عنه، أو إلي من يسمّي له الرازيّ فإنّ ذلك عن أمري ورأيي، إن شاء اللّه.

ويا إسحاق! اقرأ كتابنا علي البلاليّ رضي اللّه عنه، فإنّه الثقة المأمون العارف بما يجب عليه، واقرأه علي المحموديّ عافاه اللّه، فما أحمدنا له لطاعته.

فإذا وردت بغداد فاقرأه علي الدهقان وكيلنا وثقتنا، والذي يقبض من موالينا، وكلّ من أمكنك من موالينا فاقرأهم هذا الكتاب، وينسخه من أراد منهم نسخة، إن شاء اللّه تعالي.

ولا يكتم أمر هذا عمّن يشاهده من موالينا إلّا من شيطان مخالف لكم فلاتنثرن الدرّ بين أظلاف الخنازير، ولا كرامة لهم.

وقد وقّعنا في كتابك بالوصول والدعاء لك ولمن شئت، وقد أجبنا شيعتنا عن مسألته والحمد للّه فما بعد الحقّ إلّا الضلال.

فلاتخرجنّ من البلدة حتّي تلقي العمريّ رضي اللّه عنه برضاي عنه، وتسلّم عليه وتعرفه ويعرفك، فإنّه الطاهر الأمين العفيف القريب منّا وإلينا، فكلّ مايحمل إلينا من شي ء من النواحي فإليه يسير آخر أمره ليوصل ذلك إلينا.

والحمد للّه كثيراً، سترنا اللّه وإيّاكم يا إسحاق بستره، وتولاّك في جميع أمورك بصنعه.



[ صفحه 376]



والسلام عليك، وعلي جميع مواليّ، ورحمة اللّه وبركاته، وصلّي اللّه علي سيّدنا محمّد النبيّ وآله وسلّم كثيراً. [10] .


پاورقي

[1] طه: 20 / 125.

[2] طه: 20 / 126.

[3] المائدة: 5 / 3.

[4] الشوري: 42 / 23.

[5] الإسراء:17 / 71.

[6] البقرة: 2 / 143.

[7] آل عمران: 3 / 110.

[8] التوبة: 9 / 105.

[9] الجمعة: 62 / 8.

[10] رجال الكشّيّ: 575، ح 1088. عنه البحار: 50 / 319، ح 16، و 90 / 216، س 9، قطعة منه. علل الشرايع: ب 182، 249، ح 6، وفيه: حدّثنا عليّ بن أحمد عليه السلام، قال: حدّثنا محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن محمّد، عن إسحاق بن إسماعيل النيسابوريّ، قطعة منه. عنه نور الثقلين: 1 / 590، ح 35، قطعة منه، و4 / 573، ح 74، قطعة منه، والبحار: 23 / 99، ح 3. وعنه وعن الكشّيّ، وسائل الشيعة: 1 / 21، ح 21، قطعة منه. تحف العقول: 484، س 4، قطعة منه. عنه البحار: 75 / 374، ح 2. الأمالي للطوسيّ: 654، ح 1355، قطعة منه. قطعة منه في (كتابه عليه السلام مع محمّد بن موسي النيسابوريّ)، و(يمينه عليه السلام)، و(مدح إبراهيم ابن عبده)، و(مدح إسحاق بن إسماعيل)، و(مدح البلاليّ)، و(مدح الدهقان)، و(مدح الرازيّ)، و(مدح العمريّ)، و(مدح المحموديّ)، و(ذمّ الفرق الضالّة)، و(الدهقان من وكلائه)، و(العمريّ من وكلائه)، و(أنّ الأئمّة: حجج اللّه وأمناؤه في بلاده)، و(أنّ الأئمّة: أبواب الفرائض ومفاتيحها)، و(المعاد)، و(سورة البقرة: 2 / 143)، و(سورة آل عمران:3 / 110)، و(سورة المائدة: 5 / 3)، و(سورة التوبة: 9 / 105)، و(سورة الإسراء: 17 / 71)، و(سورة الشوري: 42 / 23)، و(سورة الجمعة: 62 / 8)، و(موعظته عليه السلام في التوجّه إلي اللّه)، و(موعظته عليه السلام في البخل).