بازگشت

ما رواه عن سعد بن معاذ


1 - التفسير المنسوب إلي الإمام العسكريّ(عليه السلام): قال رسول الله(صلي الله عليه و ال وسلم): إنّ للّه عزّ وجلّ خياراً من كلّ ما خلقه...، ألا أُنبّئكم برجل قد جعله الله من آل محمّد كأوائل أيّام [رجب من أوائل أيّام] شعبان؟...

قالوا: ومن ذلك يا رسول الله!؟

قال: ها هو مقبل عليكم غضباناً، فاسألوه عن غضبه، فإنّ غضبه لآل محمّد خصوصاً لعليّ بن أبي طالب(عليه السلام).

فطمح القوم بأعناقهم، وشخصوا بأبصارهم ونظروا، فإذا أوّل طالع عليهم سعد بن معاذ وهو غضبان، فأقبل، فلمّا رآه رسول الله(صلي الله عليه و ال وسلم) قال له: يا سعد! أما إنّ غضب الله لما غضبت له أشدّ، فما الذي أغضبك؟ حدّثنا بما قلته في غضبك حتّي أُحدّثك بما قالته الملائكة لمن قلت له، وماقالته الملائكة للّه عزّ وجلّ وأجابها الله عزّ وجلّ به.

فقال سعد: بأبي أنت وأُمّي يا رسول الله! بينا أنا جالس علي بابي وبحضرتي نفر من أصحابي الأنصار، إذ تمادي رجلان من الأنصار فرأيت في أحدهما النفاق فكرهت أن أدخل بينهما مخافة أن يزداد شرّهما، وأردت أن يتكافّا فلم يتكافّا، وتماديا في شرّهما حتّي تواثبا إلي أن جرّد كلّ واحد منهما السيف



[ صفحه 181]



علي صاحبه، فأخذ هذا سيفه وترسه، وهذا سيفه وترسه، وتجاولا وتضاربا، فجعل كلّ واحد منهما يتّقي سيف صاحبه بدرقته [1] ، وكرهت أن أدخل بينهما مخافة أن تمتدّ إليّ يد خاطئة.

وقلت في نفسي: اللهمّ! انصر أحبّهما لنبيّك وآله، فما زالا يتجاولان، ولايتمكّن واحد منهما من الآخر، إلي أن طلع علينا أخوك عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، فصحت بهما هذا عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) لم توقّراه؟!

فوقّراه، وتكافّا، فهذا أخو رسول الله(صلي الله عليه و ال وسلم) وأفضل آل محمّد.

فأمّا أحدهما فإنّه لمّا سمع مقالتي رمي بسيفه ودرقته من يده.

وأمّا الآخر فلم يحفل بذلك، فتمكّن لاستسلام صاحبه منه، فقطّعه بسيفه قطعاً أصابه بنيّف وعشرين ضربة، فغضبت عليه، ووجدت من ذلك وجداً شديداً، وقلت له: يا عبد الله! بئس العبد أنت، لم توقّر أخا رسول الله، وأثخنت بالجراح من وقّره، وقد كان ذلك قرناً كفيّاً بدفاعك عن نفسه، وما تمكّنت منه إلّابتوقيره أخا رسول الله(صلي الله عليه و ال وسلم).

فقال رسول الله(صلي الله عليه و ال وسلم): فما الذي صنع عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) لمّا كفّ صاحبك، وتعدّي عليه الآخر؟

قال: جعل ينظر إليه وهو يضربه بسيفه، لا يقول شيئاً ولا يمنعه، ثمّ جاز وتركهما، وإنّ ذلك المضروب لعلّه بآخر رمق.

فقال رسول الله(صلي الله عليه و ال وسلم): يا سعد! لعلّك تقدّر أنّ ذلك الباغي المتعدّي ظافر، إنّه ما ظفر يغنم من ظفر بظلم؟!



[ صفحه 182]



إنّ المظلوم يأخذ من دين الظالم أكثر ممّا يأخذ الظالم من دنياه، إنّه لايحصد من المرّ حلو، ولا من الحلو مرّ.

وأمّا غضبك لذلك المظلوم علي ذلك الظالم، فغضب الله له أشدّ من ذلك وغضب الملائكة [علي ذلك الظالم لذلك المظلوم].

وأمّا كفّ عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) عن نصرة ذلك المظلوم، فإنّ ذلك لما أرادالله من إظهار آيات محمّد في ذلك، لا أحدّثك يا سعد بما قال الله وقالته الملائكة لذلك الظالم ولذلك المظلوم ولك، حتّي تأتيني بالرجل المثخن، فتري فيه آيات الله المصدّقة لمحمّد.

فقال سعد: يا رسول الله! وكيف آتي به وعنقه متعلّقة بجلدة رقيقة، ويده ورجله كذلك، وإن حرّكته تميّزت أعضاؤه وتفاصلت.

فقال رسول الله(صلي الله عليه و ال وسلم): يا سعد! إنّ الذي ينشي ء السحاب، ولا شي ء منه حتّي يتكاثف [2] ويطبق أكناف السماء وآفاتها ثمّ يلاشيه من بعد حتّي يضمحلّ، فلا تري منه شيئاً لقادر - إن تميّزت تلك الأعضاء - أن يؤلّفها من بعد، كما ألّفها إذ لم تكن شيئاً.

قال سعد: صدقت يا رسول الله! وذهب، فجاء بالرجل، ووضعه بين يدي رسول الله(صلي الله عليه و ال وسلم) وهو بآخر رمق.

فلمّا وضعه انفصل رأسه عن كتفه، ويده عن زنده، وفخذه عن أصله.

فوضع رسول الله(صلي الله عليه و ال وسلم) الرأس في موضعه، واليد والرجل في موضعهما، ثمّ تفل علي الرجل، ومسح يده علي مواضع جراحاته، وقال:



[ صفحه 183]



«اللهمّ أنت المحيي للأموات، والمميت للأحياء، والقادر علي ما تشاء، وعبدك هذا مثخن [3] بهذه الجراحات لتوقيره لأخي رسول الله عليّ بن أبي طالب.

اللهمّ فأنزل عليه شفاء من شفائك، ودواء من دوائك، وعافية من عافيتك».

قال: فوالذي بعثه بالحقّ نبيّاً! إنّه لمّا قال ذلك، التأمت الأعضاء، والتصقت وتراجعت الدماء إلي عروقها، وقام قائماً سويّاً سالماً صحيحاً، لابليّة به ولايظهر علي بدنه أثر جراحة، كأنّه ما أُصيب بشي ء البتّة.

ثمّ أقبل رسول الله(صلي الله عليه و ال وسلم) علي سعد وأصحابه فقال: الآن بعد ظهور آيات الله لتصديق محمّد أُحدّثكم بما قالت الملائكة لك، ولصاحبك هذا، ولذلك الظالم، إنّك لمّا قلت لهذا العبد: أحسنت في كفّك عن القتال، توقيراً لعليّ بن أبي طالب(عليه السلام) أخي محمّد رسول الله، كما قلت لصاحبه: أسأت في تعدّيك علي من كفّ عنك، توقيراً لعليّ بن أبي طالب(عليه السلام) وقد كان لك قرناً كفيّاً كفواً.

قالت الملائكة كلّها له: بئس ما صنعت يا [عدوّ الله]، وبئس العبد أنت في تعدّيك علي من كفّ عن دفعك عن نفسه، توقيراً لعليّ بن أبي طالب(عليه السلام) أخي محمّد رسول الله(صلي الله عليه و ال وسلم).

[وقال الله عزّ وجلّ: بئس العبد أنت يا عبدي في تعدّيك علي من كفّ عنك، توقيراً لأخي محمّد].

ثمّ لعنه الله من فوق العرش، وصلّي عليك يا سعد في حثّك علي توقير عليّ بن



[ صفحه 184]



أبي طالب(عليه السلام)، وعلي صاحبك في قبوله منك.

ثمّ قالت الملائكة: يا ربّنا! لو أذنت [لنا] لانتقمنا من هذا المتعدّي؟

فقال الله عزّ وجلّ: يا عبادي! سوف أُمكّن سعد بن معاذ من الانتقام منهم، وأشفي غيظه حتّي ينال فيهم بغيته، وأُمكّن هذا المظلوم من ذلك الظالم وذويه بماهو أحبّ إليهما من إهلاككم لهذا المتعدّي، إنّي أعلم ما لا تعلمون.

فقالت الملائكة: يا ربّنا! أفتأذن لنا أن ننزل إلي هذا المثخن بالجراحات من شراب الجنّة وريحانها، لينزل به عليه الشفاء؟

فقال الله عزّ وجلّ: سوف أجعل له أفضل من ذلك ريق محمّد - ينفث منه عليه- ومسح يده عليه، فيأتيه الشفاء والعافية.

يا عبادي! إنّي أنا المالك للشفاء، والإحياء، والإماتة، والإغناء، والإفقار، والإسقام، والصحّة، والرفع، والخفض، والإهانة، والإعزاز، دونكم ودون سائر خلقي، قالت الملائكة: كذلك أنت يا ربّنا!

فقال سعد: يا رسول الله! قد أصيب أكحلي [4] هذا، وربّما ينفجر منه الدم، وأخاف الموت والضعف قبل أن أشفي من بني قريظة.

[فمسح عليه رسول الله(صلي الله عليه و ال وسلم) يده، فبرأ إلي أن شفا الله صدره من بني قريظة]، فقتلوا عن آخرهم، وغنمت أموالهم وسبيت ذراريهم، ثمّ انفجر كلمه ومات، وصار إلي رضوان الله عزّ وجلّ.

فلمّا رقأ دمه [من جراحاته] قال رسول الله(صلي الله عليه و ال وسلم): يا سعد! سوف يشفي الله [بك] غيظ المؤمنين، ويزداد لك غيظ المنافقين.



[ صفحه 185]



فلم يلبث [إلّا] يسيراً حتّي كان حكّم سعد في بني قريظة لمّا نزلوا [بحكمه]، وهم تسع مائة وخمسون رجلاً جلداً، شباباً ضرّابين بالسيف.

فقال: أرضيتم بحكمي؟

قالوا: بلي، وهم يتوهّمون أنّه يستبقيهم لما كان بينه وبينهم من الرحم والرضاع والصهر، قال: فضعوا أسلحتكم، فوضعوها، قال: اعتزلوا، فاعتزلوا، قال: سلّموا حصنكم، فسلّموه.

قال رسول الله(صلي الله عليه و ال وسلم): احكم فيهم يا سعد!

فقال: قد حكمت فيهم بأن يقتل رجالهم، وتسبي نساؤهم وذراريهم، وتغنم أموالهم، فلمّا سلّ المسلمون سيوفهم، ليضعوا عليهم، قال سعد: لاأريد هكذا يارسول الله!

قال رسول الله(صلي الله عليه و ال وسلم): كيف تريد اقترح ولا تقترح العذاب، فإنّ الله كتب الإحسان في كلّ شي ء حتّي في القتل.

قال: يا رسول الله! لا أقترح العذاب إلّا علي واحد، وهو الذي تعدّي علي صاحبنا هذا لمّا كفّ عنه توقيراً لعليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، وردّه نفاقه إلي إخوانه من اليهود، فهو منهم يؤتي واحد واحد منهم نضربه بسيف مرهف إلّا ذاك، فإنّه يعذّب به.

فقال رسول الله(صلي الله عليه و ال وسلم): يا سعد! ألا، من اقترح علي عدوّه عذاباً باطلاً فقداقترحت أنت عذاباً حقّاً.

فقال سعد للفتي: قم بسيفك هذا إلي صاحبك المتعدّي عليك، فاقتصّ منه.

قال: تقدّم إليه، فما زال يضربه بسيفه حتّي ضربه بنيّف وعشرين ضربة،



[ صفحه 186]



كماكان ضربه [هو] فقال: هذا عدد ما ضربني به فقد كفاني، ثمّ ضرب عنقه، ثمّ جعل الفتي يضرب أعناق قوم يبعدون عنه، ويترك قوماً يقرّبون في المسافة منه ثمّ كفّ وقال: دونكم.

فقال سعد: فأعطني السيف، فأعطاه فلم يميّز أحداً، وقتل كلّ من كان أقرب إليه حتّي قتل عدداً منهم، ثمّ ملّ ورمي بالسيف، وقال: دونكم.

فما زال القوم يقتلونهم، حتّي قتلوا عن آخرهم.

فقال رسول الله(صلي الله عليه و ال وسلم) للفتي: ما بالك قتلت من بعد في المسافة عنك، وتركت من قرب؟!

فقال: يا رسول الله! كنت أتنكّب عن القرابات وآخذ في الأجنبي.

قال رسول الله(صلي الله عليه و ال وسلم): وقد كان فيهم من كان ليس لك بقرابة وتركته؟

قال: يا رسول الله! كان لهم عليّ أياد في الجاهليّة، فكرهت أن أتولّي قتلهم، ولهم عليّ تلك الأيادي.

فقال رسول الله(صلي الله عليه و ال وسلم): أما إنّك لو شفعت إلينا فيهم لشفّعناك.

فقال: يا رسول الله! ما كنت لأدرأ عذاب الله عن أعدائه، وإن كنت أكره أن أتولّاه بنفسي، ثمّ قال رسول الله(صلي الله عليه و ال وسلم) لسعد: وأنت فما بالك لم تميّز أحداً؟

قال: يا رسول الله! عاديتهم في الله وأبغضتهم في الله، فلا أُريد مراقبة غيرك وغير محبّيك.

قال رسول الله(صلي الله عليه و ال وسلم): يا سعد! أنت من الذين لا تأخذهم في الله لومة لائم، فلمّا فرغ من آخرهم انفجر كلمه ومات... [5] .



[ صفحه 187]




پاورقي

[1] الدَرَقَة: التُرس من جلد ليس فيه خشب ولا عقب. المعجم الوسيط: 281، (درق).

[2] في الحديث: إذا كان الدرع كثيفاً، أي إذا كان ستيراً. مجمع البحرين: 5 / 110، (كثف).

[3] أثخنته الجراحة، أي أثقلته. مجمع البحرين: 6 / 222 (ثخن).

[4] الأكْحَل: عرق في الذراع يفصد، مصباح المنير: 527، (كحل).

[5] التفسير: 661، س 17، ضمن ح 374. تقدّم الحديث بتمامه في ج 4، رقم 902.