بازگشت

التمهيد


حينما يكلف المرء بعمل معين تراه يعمل بهدوء و روية لانجاز ما كلف به و ذلك حينما يجد متسعا من الوقت كاف لانجاز عمله، أما ان كان الأمر علي العكس من ذلك، حيث ضيق الوقت و تراكم الأعمال تري الهمة و النشاط سائدة، و الحرص علي الوقت و عدم التفريط به حاصل لكي يستطيع السيطرة علي الأمور و ينجز ما عليه من عمل، و هذا أمر طبيعي علي ما أظن عند كل الناس، الا الذين لا يكون من خصائصهم الالتزام و الوفاء و المسؤولية.

و من الناس من لا يحدد لهم وقت معلوم، و لا عمل معين، و انما يؤمروا باشغال مركزا معينا لينجزوا ما يتوجب عليهم انجازه من عمل قد يستحدث في أي وقت أو يطرأ في أي لحظة، و هنا يتحدد النجاح بالكيفية يسير المكلف بها عمله، و النوعية التي يكون عليها ذلك الانجاز، و الفترة الزمنية التي أنفقها من أجل ذلك.

و كذلك الانسان في هذا الوجود، لم يوجد عبثا أو لهوا، و لا لكي يملأ فراغا، و انما شاءت حكمة الله تعالي له أن يوجد لأمر هو سبحانه أعلم به، ثم كلفه الله جل جلاله بتأدية ما سن له من شرائع و أحكام، و أن يقيم بايمان و وعاية ما يتوجب عليه من فرائض



[ صفحه 88]



و عبادات تجاه خالقه و مسويه و بارئه، و باختصار أن يفعل كل ما يؤمر به، و ينتهي عن كل ما نهي عنه.

و لرحمة الله جل جلاله بعباده، و غناه سبحانه و تعالي عنهم، فقد هيأ للمطيع العامل جزاء وافرا و نعيما دائما، ثم قضي سبحانه و تعالي علي نفسه أن يضاعف لمن يشاء من عباده، و لكي لا يتمادي الانسان في غيه ان هو ضل سواء السبيل، و نسي أن له خالق مقتدر، و سيد بيده الأمر و مقاليد كل شي ء، فقد جعل سبحانه و تعالي للكفر و العصيان عقابا يناله العبد الخارج عن الطاعة يوم لا ينفع فيه مال و لا بنون.

و لكي لا يكون شاقا علي ابن آدم، فقد بعث الله سبحانه و تعالي بالأنبياء و الرسل، ثم تبعهم بالأوصياء و الصالحين من عباده، لكي يهدوا من ضل سواء السبيل، و يعينوا التائب و المنيب.

لقد أوجد الله جل جلاله العقل عند بني البشر رحمة بهم، لكي يميزوا من خلاله ما هو نافع لهم و ما هو ضار، و لهذا فالله سبحانه و تعالي به يثيب و به يعاقب، فمن كان من: (الذين يؤمنون بالغيب و يقيمون الصلوة و مما رزقنهم ينفقون (3) و الذين يؤمنون بمآ أنزل اليك و مآ أنزل من قبلك و بالأخرة هم يوقنون (4) أولئك علي هدي من ربهم و أولئك هم المفلحون (5)) [1] ، أما ان كان ممن: (و اذا قيل لهم ءامنوا كمآ ءامن الناس قالوا أنؤمن كمآ ءامن السفهآء ألآ انهم هم السفهآء و لكن لا يعلمون (13)) [2] .



[ صفحه 89]



قد يقدم الانسان علي ظلم نفسه، و كثيرا ما يكون ذلك الظلم هينا، و قد تكون نتائجه و خيمة، أما ان كان ظلما كبيرا فهنا تقع الطامة الكبري، حيث لا غفران و لا شفاعة، فكيف يغفر الله تعالي لمن يكفر به سبحانه، و من يشفع لمن غضب الله تعالي عليه: (ان الذين كفروا سوآء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون (6) ختم الله علي قلوبهم و علي سمعهم و علي أبصرهم غشوة و لهم عذاب عظيم (7)) [3] .

لقد خص الله تعالي رسوله الكريم محمد صلي الله عليه و آله و سلم و آل بيته الأطهار بالشفاعة، الا أن شفاعتهم لا تحصل كيفما كان، و انما بشرطها و شروطها، و ليس بالعسير علي المسلمين معرفة شروطها، و ذلك لكون النبي صلي الله عليه و آله و سلم ما ترك المسلمين بعده في شك أو حيرة، و كيف يتركهم كذلك و هو المبعوث رحمة للعالمين، أم كيف يجعل الله تبارك و تعالي رسوله الكريم محمد صلي الله عليه و آله و سلم يترك أمته بصراع بين الشك و اليقين، و هو سبحانه الذي قال عن جلالته أنه الرحمن الرحيم.

حينما أكمل الله تعالي للمسلمين دينه، و ارتضي لهم الاسلام دينا، كان آخر ما أمر الله تعالي به رسوله الكريم محمد صلي الله عليه و آله و سلم هي ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام، يوم رفع عليا في غدير خم بعدما أمره الله تعالي بذلك بقوله جل جلاله: (بلغ ما أنزل اليك من ربك و ان لم تفعل فما بلغت رسالته و الله يعصمك من الناس)، حيث قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم حينها أمام كل المسلمين الا القلة القليلة التي لم تحضر الموسم ذلك العام لسبب قاهر: أيها الناس، ان الله أنزل الي: (يأيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك)، و قد أمرني جبرائيل عن ربي، أن أقوم في هذا المشهد، و أعلم كل أبيض و أسود: أن



[ صفحه 90]



عليا أخي، و وصيي، و الامام بعدي، فسألت جبرائيل أن يستعفي لي ربي، لعلمي بقلة المتقين، و كثرة المؤذين لي، و اللائمين لكثرة ملازمتي لعلي، و شدة اقبالي عليه، حتي سموني اذنا، فقال تعالي: (و منهم الذين يؤذون النبي و يقولون هم أذن قل أذن خير لكم)، و لو شئت أن أسميهم، و أدل عليهم لفعلت، و لكني بسترهم قد تكرمت، فلم يرض الله الا لتليغي فيه، فاعلموا معاشر المسلمين، ان الله قد نصبه لكم وليا و اماما، و فرض طاعته علي كل أحد [4] .

رفع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عليا، حتي نظر الناس بياض ابط رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و قال:

من كنت مولاه، فهذا علي مولاه، اللهم و ال من والاه، و عاد من عاداه، و انصر من نصره، و اخذل من خذله، و ادر الحق معه حيث دار.

فقال أبوسعيد الخدري: فلم ينزل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم حتي نزلت هذه الآية: (اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام دينا) [5] .

فقال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: الله أكبر علي اكمال الدين، و اتمام النعمة، و رضا الله برسالتي، و بولاية علي من بعدي.



[ صفحه 91]



اذا من بيعة الغدير هذه يتبين لنا أهم الشروط في الايمان الحق و الصادق، برسالة محمد صلي الله عليه و آله و سلم، و أن هذا الشرط يعد من الشروط التي توجب الشفاعة، و أن من دونه لا شفاعة أبدا، لأن من لا يؤمن بولاية علي بن أبي طالب عليه السلام فهو غير مؤمن برسالة المصطفي محمد صلي الله عليه و آله و سلم، لكون الولاية لعلي هي من ضمن الرسالة التي جاء بها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و من يرفض البعض يعد رافضا للكل، لأن لا تبعيض لمنهج الاسلام، هذا من جانب، و من جانب آخر: ان حب علي عليه السلام و موالاته يعد حبا لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و موالاتا له، و اتباع نهج علي عليه السلام هو اتباع لنهج المصطفي محمد صلي الله عليه و آله و سلم، و معلوم لدي الجميع أن نهج رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم هو عين السنة التي استنها الله تعالي لعباده، فرفض أي منها معناه رفض لجميعها، و مصداق ذلك حديث رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الذي قال فيه: من فارق عليا فارقني و من فارقني فارق الله عزوجل [6] ، و قوله صلي الله عليه و آله و سلم: أوصي من آمن بي و صدقني بولاية علي بن أبي طالب، فمن تولاه فقد تولاني، و من تولاني فقد تولي الله، و من أحبه فقد أحبني، و من أحبني فقد أحب الله، و من أبغضه فقد أبغضني، و من أبغضني فقد أبغض الله عزوجل [7] ، و قوله صلي الله عليه و آله و سلم الذي روي عن أبي بكر: لا يجوز أحد الصراط الا من كتب له علي الجواز [8] .

و لو أعدنا النظر في الحديث المروي عن أبي بكر و الذي قال النبي صلي الله عليه و آله و سلم فيه: لا يجوز أحد الصراط الا من كتب له علي الجواز، كفانا تأكيدا أن عليا عليه السلام علي الحق دائما و أبدا، و لكونه كذلك جعله الله تبارك و تعالي القسيم بين الجنة و النار.



[ صفحه 92]



و هنا يتبادر الي الذهن سؤال هو: تري ما يكون موقف علي بن أبي طالب عليه السلام من الذين آذوا آل بيته، و تمادوا بالأذي حتي بلغ حد القتل؟ تري هل ينالوا من علي عليه السلام جوازا علي الصراط؟ و ان كانوا لا ينالوا منه جوازا، فماذا يا تري يكون مصيرهم؟ أهو الي النار؟ أم الي الجنة؟ فان قلنا الي النار مصيرهم، فهو بما كسبت أيديهم و ما الله بظلام للعبيد، و ان قلنا الي الجنة، فقد كذبنا كل ما روي عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بل كذبنا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم دون شك، و من كذب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فقد كفر، و من كفر فالي جهنم و بئس المصير.

فآل البيت هم عترة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و ولد فاطمة الزهراء عليهاالسلام، و هم بذلك بضعة الرسول محمد صلي الله عليه و آله و سلم لكونهم عترته، و بضعة فاطمة الزهراء لكونهم أبناءها، و بالتالي فهم بضعة النبي صلي الله عليه و آله و سلم، دون شك في ذلك، و من آذاهم فقد آذي عليا و آذي فاطمة و آذي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و من آذي هؤلاء فقد أذي الله، و هذا ما أكدته أحاديث رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم حيث قال:

من آذي عليا فقد آذاني و من آذاني فقد آذي الله.

من أحب عليا فقد أحبني و من أحبني فقد أحب الله، و من أبغض عليا فقد أبغضني و من أبغضني فقد أبغض الله [9] .

من سب عليا فقد سبني و من سبني فقد سب الله، و من سب الله أكبه علي منخره [10] .



[ صفحه 93]



و قال صلي الله عليه و آله و سلم في فاطمة عليهاالسلام:

من عرف هذه فقد عرفها و من لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد، و هي بضعة مني، و هي قلبي، و هي روحي التي بين جنبي، من آذاها فقد آذاني و من آذاني فقد آذي الله [11] .

فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها و ينصبني ما أنصبها [12] .

فاطمة بضعة مني فمن آذاها فقد آذاني [13] .

فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها و يؤذيني ما آذاها [14] .

و من سوء عاقبة البعض أنهم و الوا قتلة آل بيت النبي صلي الله عليه و آله و سلم و مؤذوا علي و فاطمة عليهماالسلام، و آخرون لم تكفهم موالاة هؤلاء و انما أعانوهم علي قتل آل النبي الأطهار، و كانوا لهم شركاء فيما قدموا من مجازاة لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم علي ما عاني من أجل هدايتهم الي التوحيد.

ثم جاء آخرون فراحوا يبحثون عن أعذار لكل من تسبب في أذي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في عترته و آله، فأولوا تفسير كلام الله تعالي في غير ما أنزل به، كما و أولوا أحاديث رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و لم يكتفوا بذلك و انما وضعوا أحاديث و نسبوها للنبي صلي الله عليه و آله و سلم، و لو كان بمقدورهم لتجاوزوا وضع الأحاديث الي ما هو أكبر من ذلك.

(و من الناس من يقول ءامنا بالله و باليوم الأخر و ما هم بمؤمنين (8)



[ صفحه 94]



يخدعون الله و الذين ءامنوا و ما يخدعون الا أنفسهم و ما يشعرون (9) في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا و لهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون (10) و اذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا انما نحن مصلحون (11) ألآ انهم هم المفسدون و لكن لا يشعرون (12)) [15] .

كل ذلك كانت خاطرة قد خطرت في بال الأب فاستسلم لها و راح يحدث نفسه بها، و هو بين متألم علي خير خلق الله بعد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، لما تعرضوا اليه من الأذي و الظلم و التقتيل، و بين احساس بالمرارة علي ضلال جمع من المسلمين استسلموا لدعوة الشيطان الرجيم، دون أن ينتفعوا من هبة الله تعالي لهم بما أودع في رؤوسهم من العقل الذي فضلهم به علي الكثير من مخلوقاته. و كان الأبناء حينها مشغولين بأداء و اجباتهم المدرسية، و ما أن انتهوا من ذلك حتي دخلوا علي أبيهم الغرفة و هم يقولون لأبيهم: بأي شي ء شغل أبونا فكره؟

فقال الأب: أشغلت فكري بحديث طويل عريض يا أبنائي؟

فقال الابن الأكبر: حدثنا به يا أبي.

فقال الأب: هناك حديث هو أنفع لكم يا أبنائي أحدثكم به هذا اليوم، وفاء مني بما وعدتكم به، ألا و هو الحديث عن الامام الحادي عشر من آل بيت النبوة الأطهار عليهم السلام، أبي محمد الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسي الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي السجاد بن الحسين السبط الشهيد بن علي بن أبي طالب عليهم السلام و رحمة الله و بركاته.



[ صفحه 95]



فقال الأبناء: ما دام كذلك فهو أنفع لنا كما ذكرت يا أبي، فحدثنا بسم الله.

فقال الأب: بارك الله فيكم، و هداكم لما يحب و يرضي، انه سميع مجيب.



[ صفحه 96]




پاورقي

[1] سورة البقرة: الآية: 5 - 3.

[2] سورة البقرة: الآية: 13.

[3] سورة البقرة: الآية: 7 - 6.

[4] الولاية: للطبري. و كنز العمال: ج 2، ص 154 - 153. و مستدرك الحاكم: ج 3، ص 129. و أخرج السيوطي في الدر المنثور خطبة بنفس المعني.

[5] من الذين رووا نزول هذه الآية في يوم الغدير بعد خطبة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و اعلانه الولاية لعلي عليه السلام من بعده كل من الرازي في تفسيره: ج 3، ص 529. و أبوالسعود في تفسيره المطبوع في هامش تفسير الرازي: ج 3، ص 523. و الدر المنثور: للسيوطي، ج 2، ص 259. و الاتقان: ج 1، ص 31. و تذكرة السبط: ص 18. و تفسير ابن كثير: ج 2، ص 14. و غيرهم.

[6] مناقب الخوارزمي: ص 57.

[7] أخرجه الطبراني في الكبير. و ابن عساكر في تاريخه و هو الحديث 2571 من أحاديث الكنز.

[8] الرياض النضرة: ج 2، ص 177. و الصواعق: ص 78.

[9] الصواعق: لابن حجر، ص 123.

[10] الرياض النضرة: للطبري، ص 166. و مناقب الخوارزمي: ص 81.

[11] نور الأبصار: للشبلنجي، ص 41.

[12] ابن حجر في الصواعق: ص 190.

[13] صحيح البخاري: ج 2، ص 189.

[14] صحيح مسلم في باب مناقب فاطمة عليهاالسلام.

[15] سورة البقرة: الآيات: 12 - 8.