بازگشت

مناقب الامام الحسن العسكري


قد تعترض الانسان كثيرا من الأفكار يحدث بها نفسه، و أكثرها ما كان في أعماقه ارتباط بها، سواء كان ذلك الارتباط ناتج عن الرفض أو الايجاب و القناعة.

و في هذا اليوم، كان قد اعترض فكر محمد سؤال طرحه علي نفسه، و تمني لو طرحه كل انسان علي نفسه كذلك، ألا و هو: لماذا لا يكون الانسان متصرفا وفق الحقيقة التي هو عليها؟ و لماذا يكذب علي نفسه و الآخرين و يصور ذاته في اطار هو أوسع بكثير من الحقيقة التي هو فيها؟

أتري ذلك ناتجا عن عقد نفسية كان قد أصيب بها في حياته لسبب ما؟ فصار محبا للظهور بغير حقيقته، أم هي عقدة بالنقص هو شاعرا بها، و لذا يحاول ستر ذلك النقص و لو خداعا و كذبا و غير حقيقة، أم تراه أعجب بنفسه، فتوهم بكونه يحمل من الصفات و المزايا ما لا يحملها غيره، أو علي الأقل يحمل من الصفات و المزايا ما لا محدثه، أو من يريد أن يقارن نفسه معه كبرا منه عليه.



[ صفحه 116]



و علي كل الأحوال، و أي كان الأمر الذي هو عليه، قعقدة النقص، و حب الظهور، و العجب، ما هن الا أمراضا نفسية و آفات تؤدي بصاحبها الي الهاوية، و لا يصاب بها العلماء أو الحكماء، و انما يصاب بها الجهال من الناس في كثير من الأحيان.

و قد يسأل سائل: كيف لا يصاب بالعجب مثلا، العلماء و الحكماء؟ و نحن نري أو نسمع عن الكثير ممن أصابهم العجب و الكبر و كان من بينهم من هو عالم.

و الجواب علي ذلك: نعم قد يصيب العجب من تسمي بالعالم أو الحكيم، و لو كان عالما أو حكيما حقا لما أصيب به، لأن العلم و الحكمة تعمل علي أن تكسب الموصوف بها التواضع و الكياسة و الدماثة، و ان اجتمعت هذه الخصال بانسان كان بعيدا عن الاصابة بأي مرض نفسي ناهيك عن العجب أو الشعور بالنقص وحب الظهور.

و من غير المتوقع أن يري العالم أو الحكيم، سوء عمله حسنا فيعجبه، و يحسب أنه يحسن صنعا، و ان حصل ذلك بانسان فما هو بالعالم و لا الحكيم و لا العاقل أيضا، كيف يعجب العالم بنفسه؟ و هو قبل غيره يعلم أن العجب صفة مذمومة تؤدي بالفرد الي الهاوية و الخسران، و هل يستحوذ الشيطان علي المرء بغير عجبه بنفسه؟ و استكثاره عمله؟ و صغر ذنبه في عينه؟

ما عرف انسان قدر نفسه غير العالم و الحكيم و العاقل، و لذلك فهو لا يتجاوز مقداره، و لا يتعدي حدوده.

و مما روي عن الامام الصادق جعفر بن محمد عليهماالسلام قال: العجب كل العجب ممن يعجب بعمله، و هو لا يدري بما يختم له،



[ صفحه 117]



فمن أعجب بنفسه و فعله، فقد ضل نهج الرشاد، و ادعي ما ليس له، و المدعي من غير حق كاذب، و ان أخفي دعواه، و طال دهره، و أن أول ما يفعل بالعجب نزع ما أعجب به ليعلم أنه عاجز حقير، و يشهد علي نفسه ليكون الحجة عليه أوكد، كما فعل ابليس.

و العجب نبات حبها كفر، و أرضها النفاق، و ماؤها البغي، و أغصانها الجهل، و ورقها الضلال، و ثمرها اللعنة و الخلود في النار، فمن اختار العجب فقد بذر الكفر، و زرع النفاق، و لا بد أن يثمر [1] .

و ان سائل سائل: ما تفسير القول: ان الجاهل هو الذي يصاب بالعجب مثلا؟

فالجواب علي ذلك، هو أن نستذكر أولا حديثا لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال فيه: «ما منكم من أحد ينجيه عمله»، قالوا: و لا أنت يا رسول الله؟ قال صلي الله عليه و آله و سلم: «و لا أنا، الا أن يتغمدني الله برحمته»، قال الله تعالي: (و لو لا فضل الله عليكم و رحمته ما زكي منكم من أحد) [2] .

و قول الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام: من أعجب بنفسه هلك، و من أعجب برأيه هلك، و أن عيسي بن مريم عليه السلام قال: داويت المرضي فشفيتهم باذن الله تعالي، و أبرأت الأكمة و الأبرص باذن الله تعالي، و عالجت الموتي فأحييتهم باذن الله تعالي، و عالجت الأحمق فلم أقدر علي اصلاحه.

فقيل يا روح الله: و ما الأحمق؟ قال عليه السلام: المعجب برأيه



[ صفحه 118]



و نفسه، الذي يري الفضل كله له لا عليه، و يوجب الحق كله لنفسه، و لا يوجب عليها حقا، فذلك الأحمق الذي لا حيلة في مداواته.

و لو سألنا أنفسنا هنا: أي بني آدم أكثر معرفة لتفسير قول الله تعالي: (و مآ أوتيتم من العلم الا قليلا)، هل هو الجاهل من الناس أم العالم؟ فهل يعقل أن يعتقد العالم بكونه قد بلغ من العلم مرحلة ما بلغها أحد قبله، فيعجب بنفسه، فان حصل ذلك لا قدر الله فقد حكم العالم علي نفسه بالجهل قبل أن يحكم غيره عليه بذلك، و ان اعتقد أنه قد بلغ نهاية العلم، فقد حكم نفسه بالجهل أيضا بناء علي الحقيقة التي لا جدال فيها و هي (و فوق كل ذي علم عليم)، فمن جعل كل ذلك فهو جاهل دون شك في ذلك و لهذا نقول: ان الجاهل وحده هو الذي يصاب بالعجب.

قال بعض الحكماء: من طلب العلم لرغبة أو رهبة أو منافسة أو شهرة، كان حظه منه، و من طلب العلم لكرم العلم، و التمسه لفضل الاستبانة، كان حظه منه بقدر كرمه، و انقطاعه منه حسب استحقاقه.

و من قول لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم رواه الامام الصادق عليه السلام قال صلي الله عليه و آله و سلم: من تعلم علما ليماري به السفهاء، أو يباهي به العلماء، أو ليقبل بوجوه الناس اليه فهو في النار.

و لو استذكر العالم ما كان عليه آل البيت النبوي الأطهار من العلم و المعرفة لصغر علمه في عينه اذا ما قورن مع علمهم، و ذلك لمعرفة الكل أن آل البيت هم خزنة علم الله تعالي الذي ورثوه عن الأنبياء و الرسل و الأوصياء الذين قبلهم، و لو استذكر العالم ما كان عليه آل البيت من مكارم و سجايا و خصال فاقت حد التصور لعرف



[ صفحه 119]



أن العجب آفة لا ينقاد اليها الا الجاهل، و انها تورده مدارك الهلكة و الخسران.

قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: العلم حياة القلوب من الجهل، و ضياء الأبصار من الظلمة، و قوة الأبدان من الضعف، يبلغ بالعبد منازل الأخيار، و مجالس الأبرار، و الدرجات العلي في الآخرة و الأولي [3] .

و من قول لأميرالمؤمنين عليه السلام قال فيه: «رأسه التواضع، و عينه البراءة من الحسد، و أذنه الفهم، و لسانه الصدق، و حفظه الفحص، و قلبه حسن النية، و عقله معرفة الأسباب بالأمور، و يده الرحمة، و همته السلامة، و رجله زيارة العلماء، و حكمته الورع، و مستقره النجاة، و قائده العافية، و موكبه الوفاء، و سلاحه لين الكلام، و سيفه الرضا، و قوسه المداراة، و جيشه محاورة العلماء، و ماله الأدب، و ذخيرته اجتناب الذنوب، و زاده المعرفة، و مأواه الوداعة، و دليله الهدي، و رفيقه صحبة الأخيار».

فأين يا تري مكان العجب عند العلماء؟ و هل من الحكمة التي عرفوا بها يكون للعجب موقعا في نفوسهم؟ و هل وجد منهم أحد عجبا من الرسول محمد صلي الله عليه و آله و سلم؟ أو لمس بعضا منه من آل بيته الأطهار؟ خصوصا و هم يحملون من العلم ما لم يحمله أحد غير جدهم المصطفي صلي الله عليه و آله و سلم، منذ أن خلق الله تعالي الخلق الي أن يعيدهم اليه، ألم يكونوا عليهم السلام من حملوا علم الكتاب و الحكمة؟ ألم يحسدوا علي ما آتاهم الله من فضله؟ ألم يكونوا قد أوتوا ملكا عظيما؟



[ صفحه 120]



قال الله تعالي: (أم يحسدون الناس علي مآ ءاتهم الله ممن فضله فقد ءاتينآ ءال ابرهيم الكتاب و الحكمة و ءاتينهم ملكا عظيما (54) فمنهم من ءامن به و منهم من صد عنه و كفي بجهنم سعيرا (55)) [4] .

و قال جل جلاله: (ان أولي الناس بابرهيم للذين اتبعوه و هذا النبي و الذين ءامنوا و الله ولي المؤمنين (68)) [5] .

كان محمد قد دخل داره حينما وصل بحديثه مع نفسه الي ما وصل اليه، فتلقاه الجميع بالسرور و الترحاب، و دخلوا الغرفة جميعا، و أخذ كل منهم مكانه فيها، و ما هي الا دقائق حتي بدأ الأب حديثه قائلا: سنتحدث اليوم عن مناقب الامام الحسن العسكري و كراماته، و خصوصا الناحية التي امتازوا بها دون غيرهم من الناس، ألا و هي معرفتهم بما سيجري عليهم، و الذي أعلمهم اياه جدهم المصطفي محمد صلي الله عليه و آله و سلم، اذا علم به وصيه و حبيبه علي بن أبي طالب عليه السلام، و توارثوه عنه.

فقد روي عن أبي الأديان قال: كنت أخدم الحسن بن علي الرضا عليه السلام، و أحمل كتبه الي الأمصار، فدخلت اليه في علته التي توفي فيها عليه السلام، فكتب معي كتبا، و قال تمضي بها الي المدائن، فانك ستغيب خمسة عشر يوما، فتدخل سر من رأي يوم الخامس عشر، و تسمع الواعية في داري، و تجدني علي المغتسل.

قال أبو الأديان: فقلت: فاذا كان ذلك، فمن؟

قال عليه السلام: من طالبك بجوابات كتبي، فهو القائم بعدي.

قال أبو الأديان: فقلت: زدني.



[ صفحه 121]



فقال عليه السلام: من يصلي علي فهو القائم بعدي.

قال: فقلت: زدني.

فقال عليه السلام: من أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي.

قال أبوالمكارم: فمنعتني هيبته أن أسأله ما في الهميان؟ و خرجت بالكتب الي المدائن، و أخذت جواباتها، و دخلت سر من رأي يوم الخامس عشر، كما قال لي عليه السلام، فاذا أنا بالواعية في داره و اذا أنا بجعفر بن علي أخيه بباب الدار، و الشيعة حوله يعزونه و يهنونه، فقلت في نفسي: ان يكن هذا الامام فقد حالت الامامة، لأني كنت أعرفه...

قال أبوالأديان: فتقدمت و عزيت و هنيت، فلم يسألني عن شي ء، ثم خرج عقيد، فقال: يا سيدي، قد كفن أخوك، فقم للصلاة عليه، فدخل جعفر بن علي، و الشيعة من حوله، يقدمهم السمان. و الحسن بن علي عليهماالسلام المعروف بسلمه قتيل المعتمد. فلما صرنا بالدار، اذا نحن بالحسن بن علي عليهماالسلام علي نعشه مكفنا، فتقدم جعفر بن علي ليصلي علي أخيه، فلما هم بالتكبير، خرج صبي بوجهه سمرة، بشعره قطط، بأسنانه تفليج، فجذب رداء جعفر بن علي و قال: تأخر يا عم، فأنا أحق بالصلاة علي أبي، فتأخر جعفر، و قد أربد وجهه، فتقدم الصبي، فصلي عليه، و دفن الي جنب قبر أبيه، ثم قال عليه السلام: يا بصري، هات جوابات الكتب التي معك، فدفعتها اليه، و قلت في نفسي: هذه اثنان، و بقي الهميان، ثم خرجت الي جعفر بن علي، و هو يزفر، فقال له حاجز الوشا: يا سيدي، من الصبي؟ ليقيم عليه الحجة، فقال: و الله ما رأيته قط، و لا عرفته.



[ صفحه 122]



قال أبوالأديان: فنحن جلوس، اذ قدم نفر من قم، فسألوا عن الحسن بن علي عليهماالسلام، فعرفوا موته، فقالوا: فمن؟ فأشار الناس الي جعفر بن علي، فسلموا عليه، و عزوه و هنوه، و قالوا: معنا كتب و مال، فتقول ممن الكتب؟ و كم المال؟ فقام جعفر بنفض أثوابه، و يقول: يريدون أن نعلم الغيب.

ثم قال أبوالأديان: فخرج الخادم فقال: معكم كتب فلان و فلان، و هميان فيه ألف دينار و عشرة دنانير فيها مطلبيه، فدفعوا الكتب و المال، و قالوا: الذي وجه بك لأجل ذلك هو الامام عليه السلام.

ثم دخل جعفر بن علي علي المعتمد، و كشف له ذلك، فوجه المعتمد خدمه، فقبضوا علي صيقل الجارية، و طالبوها بالصبي، فأنكرته، و ادعت حملا بها، لتغطي علي حال الصبي، فسلمت الي ابن أبي الشوارب القاضي، و بغتهم موت عبيدالله بن يحيي بن خاقان فجأة، و خروج صاحب الزنج بالبصرة، فشغلوا بذلك عن الجارية، فخرجت من أيديهم [6] .

و من مناقبه عليه السلام أيضا و تعريف الناس من مواليه بما يجري له عليه السلام في سنة مائتين و ستين ما روي عن أحمد بن اسحاق بن مصقلة قال: دخلت علي أبي محمد عليه السلام فقال لي: يا أحمد، ما كان حالكم فيما كان الناس فيه من الشك و الارتياب، قلت: لما ورد الكتاب بخبر مولد سيدنا عليه السلام، لم يبق منا رجل و لا امرأة و لا غلام بلغ الفهم، الا قال بالحق، فقال عليه السلام: أما علمتم أن الأرض لا تخلو من حجة الله تعالي.



[ صفحه 123]



ثم قال أحمد بن اسحاق: ثم أمر أبومحمد عليه السلام والدته بالحج في سنة تسع و خمسين و مائتين، و عرفه ما يناله في سنة ستين، ثم سلم الاسم الأعظم و المواريث و السلاح الي القائم الصاحب عليه السلام، و خرجت أم أبي محمد عليه السلام الي مكة، و قبض عليه السلام في شهر ربيع الآخر من سنة ستين و مائتين، و دفن بسر من رأي الي جانب أبيه عليه السلام، و كان مولده الي وقت مضيه عليه السلام تسع و عشرون سنة [7] .

و من مناقبه عليه السلام و كراماته و هم جميعا أهل مناقب و كرامات، و يكفيهم كرامة ان الله جل جلاله اختارهم أن يكونوا حججه في هذه الأرض، و الشهود علي عباده، و طهرهم بقضاء منه تعالي و خصهم بالشفاعة يوم القيامة، أنه عليه السلام أخبر عمته حكيمة بوقت ولادة القائم عليه السلام، و ذلك ما روي عن محمد بن عبدالله المطهري عن حكيمة بنت محمد الجواد عليه السلام، و هي تحدثه عن الحجة عليه السلام و ولادته، فقالت: بعد مضي أبوالحسن علي الهادي عليه السلام، و جلوس أبومحمد مكانه، كنت أزوره، كما كنت أزور والده، فجائتني نرجس يوما تخلع خفي و قالت: يا مولاتي، ناوليني خفك، فقلت: بل أنت سيدتي و مولاتي، و الله، لا دفعت خفي اليك لتخلعيه، و لا خدمتني، بل أخدمك علي بصري، فسمع أبومحمد عليه السلام ذلك، فقال: جزاك الله خيرا يا عمة، فجلست عنده الي وقت غروب الشمس، فصحت بالجارية و قلت: ناوليني ثيابي لانصرف.

فقال عليه السلام: يا عمتاه، بيتي الليلة عندنا، فانه سيولد الليلة المولود الكريم علي الله عزوجل، الذي يحيي به الله عزوجل



[ صفحه 124]



الأرض بعد موتها، قلت: ممن يا سيدي و لست أري بنرجس شيئا من أثر الحبل.

فقال عليه السلام: من نرجس، لا من غيرها.

قالت حكيمة: فوثبت الي نرجس، فقلبتها ظهرا لبطن، فلم أر أثرا من حبل، فعدت اليه فأخبرته بما فعلت، فتبسم عليه السلام ثم قال: اذا كان وقت الفجر يظهر لك بها الحبل، لأن مثلها مثل أم موسي، لم يظهر بها الحبل، و لم يعلم بها أحد، الي وقت ولادتها، لأن فرعون كان يشق بطون الحبالا في طلب موسي عليه السلام و هذا نظير موسي.

قال الأب: و في رواية أخري، أنه عليه السلام قال لها: انا معشر الأوصياء لسنا نحمل في البطون، و انما نحمل في الجنوب، و لا نخرج من الأرحام، و انما نخرج من الفخذ من أمهاتنا، لأننا نور الله الذي لا تناله الدانسات.

قالت حكيمة: فلما صليت المغرب و العشاء الآخرة، أتيت بالمائدة فأفطرت أنا و نرجس، و بايتها في بيت، فغفوت غفوة، ثم استيقظت، فلم أزل مفكرة فيما وعدني أبومحمد عليه السلام من أمر ولي الله عليه السلام، فقمت قبل الوقت الذي كنت أقوم في كل ليلة، فصليت صلاة الليل، حتي اذا بلغت الوتر، فوثبت نرجس فزعة، و خرجت، و أسبغت الوضوء، ثم عادت فصلت صلاة الليل و بلغت الي الوتر، فوقع في قلبي أن الفجر قد قرب، فقمت لأنظر، فاذا أنا بالفجر الأول قد طلع، فتداخل قلبي الشك من وعد أبي محمد عليه السلام، فناداني من حجرته، لا تشكي، و كأنك بالأمر الساعة قد رأيته ان شاء الله، قالت حكيمة: فاستحييت من أبي



[ صفحه 125]



محمد عليه السلام، مما وقع في قلبي، حتي اذا كان وقت طلوع الفجر و ثبت فزعة، و ضممتها الي صدري، و سميت عليها، فصاح أبومحمد عليه السلام: «اقرئي عليها: (انآ أنزلنه في ليلة القدر (1))، فأقبلت أقرأ عليها، و قلت لها: ما حالك؟ قالت: ظهر الأمر الذي أخبرك به مولاي.

ثم قالت حكيمة: فأقبلت أقرأ عليها كما أمرني، فأجابني الجنين من بطنها يقرأ كما أقرأ، و سلم علي.

قالت حكيمة: ففزعت لما سمعت، فصاح أبومحمد عليه السلام: لا تعجبي من أمر الله عزوجل، ان الله تبارك و تعالي ينطقنا بالحكمة صغارا، و يجعلنا حجة في أرضه كبارا، فلم يستتم الكلام، حتي غيبت عني نرجس، فلم أرها، كأنه ضرب بيني و بينها حجاب، فعدوت نحو أبي محمد عليه السلام، و أنا صارخة، فقال لي: ارجعي يا عمة، فانك ستجديها في مكانها.

ثم قالت حكيمة: فرجعت، فلم ألبث أن كشف الحجاب بيني و بينها، و اذا أنا بها، و عليها أثر النور ما غشي بصري، و اذا أنا بالصبي ساجدا علي وجهه، جاثيا علي ركبتيه، رافعا سبابتيه نحو السماء، و هو يقول: أشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له، و أن جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و أن أبي أميرالمؤمنين عليه السلام، ثم عد اماما اماما، الي أن بلغ الي نفسه فقال عليه السلام: اللهم انجز لي ما وعدتني، و أتمم لي أمري، و ثبت لي وطأتي، و املأ الأرض بي عدلا و قسطا [8] .



[ صفحه 126]



فقال الأبناء: آمين اللهم رب العالمين.

فقال الأب: اللهم بحقك يا ربي. أنجز لمولانا و امامنا الحجة المنتظر ما وعدته به. انك لا تخلف الميعاد.

اللهم بحق محمد عبدك و رسولك و أمينك و صفيك. وفقنا لنصرته و شرفنا بالانضمام تحت لوائه. و بيض وجوهنا بالشهادة بين يديه. انك تهدي من تشاء الي صراطك المستقيم. و الحمد لله أولا و آخرا.

ثم صمت الأب قليلا. ثم قال: و الي الغد يا أبنائي لنا موعد لاستكمال حديثنا ان شاء الله تعالي.



[ صفحه 127]




پاورقي

[1] راجع البحار: ج 15، ص 3، باب العجب.

[2] سورة النور: الآية: 21.

[3] رواه الصدوق في الآمالي. و الطبرسي في مقدمة تفسيره: ج 1، ص 181.

[4] سورة النساء: الآية: 55 - 54.

[5] سورة آل عمران: الآية: 68.

[6] روي ذلك الصدوق في الاكمال بأسناد عن أبي الأديان.

[7] عيون المعجزات: للسيد المرتضي عن أحمد بن اسحاق بن مصقله.

[8] رواه الصدوق و المرتضي بأسانيد عديدة عن محمد بن عبدالله المطهري عن حكيمة بن محمد الجواد عليه السلام.