بازگشت

ما روي عن الامام الحسن العسكري


كان الأب و أبناؤه قد أخذ كل منهم موضعه في الغرفة، و كان الأب حينها لا يدري أي حديث يختار ليحدث به أبناءه، و هو في حيرته هذه اذ تبادر الي ذهنه حديث روي عن الامام الحسن العسكري عليه السلام، فوجد فيه خير بداية للحديث، فقال:

روي عن الامام الحسن العسكري عليه السلام قال: علامات المؤمن خمس: صلاة أحد و خمسين، و زيارة الأربعين، و التختم باليمين، و تعفير الجبين، و الجهر ب بسم الله الرحمن الرحيم.

ثم قال الأب: هذه يا أبنائي العلامات التي يمكن أن نستدل بها علي المؤمن، و لو أردنا التعرف علي كل واحدة منها نقول:

المقصود من صلاة احدي و خمسين: هي الصلاة اليومية الواجبة و هي سبع عشرة ركعة، و ما تبقي هي النوافل و عددها أربع و ثلاثون ركعة.

أما زيارة الأربعين: فيعني عليه السلام بها زيارة الامام الحسين بن علي عليهماالسلام في العشرين من صفر، أي بعد مرور أربعين يوما علي استشهاده عليه السلام يوم الطف بكربلاء.



[ صفحه 128]



و التختم باليمين: هو لبس الخاتم باليد اليمني كما هي عليه السنة النبوية الشريفة.

أما تعفير الجبين: فهو السجود لله تعالي في كل مناسبة لتأكيد العبودية لله تعالي وحده لا شريك له، سواء كان ذلك في الصلاة أو في قراءة آيات السجدة، أو في السراء شكرا لله تعالي علي أفضاله و نعمائه، أم في السراء توسلا لله تعالي و رجاء في الرحمة و الغفران و الصبر علي البلاء.

أما الجهر ب بسم الله الرحمن الرحيم، أي قولها جهرا في صلاة النهار.

فقال الابن الأكبر: و هل روي شي ء في فضل زيارة الأربعين يا أبي؟

فقال الأب: نعم يا ولدي، لقد وردت أحاديث عدة في زيارة الامام الحسين بن علي عليه السلام، سواء في الأربعين أو في أي يوم مبارك آخر، فقد روي عن الامام الصادق جعفر بن محمد عليهماالسلام، سئل عن زيارة الامام الحسين عليه السلام هل لها وقت أفضل من غيره؟ فقال عليه السلام: زوروه في كل زمان، فان زيارته خير مقرر، من أكثر منها: كثر نصيبه من الخير، و من أقل منها: قل نصيبه منه، و اجتهدوا في زيارته في الأوقات الشريفة ففيها يضاعف أجر الصالحات، و تنزل الملائكة من السماء لزيارته عليه السلام.

فقال الابن الأكبر: و ما الأوقات الشريفة يا أبي؟

هي الأوقات التي كان لها أثرا كبيرا، أو خصها الله تعالي بمناسبة مباركة، خصوصا ان كانت المناسبة لها ارتباط بالامام الحسين عليه السلام: كيوم المباهلة، و يوم نزول سورة هل أتي، و يوم



[ صفحه 129]



ميلاده الشريف، و شهادته عليه السلام، و يوم الأربعين، ثم ليالي الجمعة و غير ذلك من الأزمان و المناسبات.

و مما يروي أن الله جل جلاله ينظر الي الامام الحسين عليه السلام في كل ليلة من ليالي الجمعة بعين الكرامة، فيبعث الي زيارته كل نبي أو وصي نبي.

و روي عن الامام الصادق عليه السلام قال: أن من زار قبر الامام الحسين عليه السلام في جمعة غفر الله له، و لم يخرج من الدنيا حسرا، كان في الجنة مع الامام الحسين عليه السلام.

فقال الابن الأكبر: و ماذا بشأن من كانوا في بلاد بعيدة يا أبي، أيحرمون من هذا الفضل؟

فقال الأب: لا يا ولدي، و كيف يحرمون، و هل يعقل أن لا ينال الموالين لآل البيت خيرا و فضلا لمجرد أن بلدانهم بعيدة عن موطن قبر الامام الحسين عليه السلام، و كذلك الحال لمن هم في مدن العراق الا أنهم محتاجين و غير قادرين علي تكاليف الزيارة، فلهم ثواب أيضا، الأول هو صبرهم علي الحاجة و البعد مع الشوق و الرغبة في الزيارة، و ثانيا يثاب علي زيارته كما يثاب من ذهب قاصدا الزيارة من القادرين و الميسورين.

فقال الابن الأكبر: و كيف يا أبي؟

فقال الأب: روي عن ابن أبي عمير عن هشام عن الامام الصادق عليه السلام أنه قال: اذا بعدت بأحدكم الشقة، و نات به الدار، فليعل أعلي منزله، فيصل ركعتين، و ليؤم الزيارة بالسلام الي قبورنا فان ذلك يصير الينا.



[ صفحه 130]



كما و روي أيضا عن حنان بن سدير عن أبيه قال: قال لي الامام الصادق عليه السلام: يا سدير، تزور قبر الامام الحسين عليه السلام في كل يوم؟ قلت: جعلت فداك، لا، قال عليه السلام ما أجفاكم؟ فتزوره في كل جمعة؟ قلت: لا، قال عليه السلام: فتزوره في كل شهر؟ قلت: لا، قال عليه السلام: فتزوره في كل سنة؟ قلت: قد يكون ذلك، قال عليه السلام: يا سدير، ما أجفاكم بالامام الحسين عليه السلام؟ أما علمتم أن لله ألفين من الملائكة (و في رواية ألف ألف ملك)، شعثا غبرا، يبكون و يزورون لا يفترون؟ و ما عليك يا سدير أن تزور قبر الامام الحسين عليه السلام في كل جمعة خمس مرات؟ و في كل يوم مرة؟

قال سدير: فقلت: جعلت فداك، أن بيننا و بينه فراسخ كثيرة.

فقال عليه السلام: تصعد فوق سطحك، ثم تلتفت يمنة و يسرة، ثم ترفع رأسك الي السماء، ثم تتحول نحو قبر الامام الحسين عليه السلام، ثم تقول: السلام عليك يا أباعبدالله، السلام عليك و رحمة الله و بركاته.

ثم قال عليه السلام: تكتب لك زورة، و الزورة حجة و عمرة.

قال سدير: فربما فعلته في الشهر أكثر من عشرين مرة.

فقال الابن الأكبر: شوقتنا يا أبي لزيارة الامام الحسين عليه السلام، عسي الله تعالي يكتبنا من زائريه.

فقال الأب: هناك زيارة للامام الحسين عليه السلام رويت عن جابر بن عبدالله الأنصاري، مروية عن عطا، قال: كنت مع جابر بن عبدالله الأنصاري يوم العشرين من صفر، فلما و صلنا الغاضرية اغتسل في شريعتها، و لبس قميصا كان معه طاهرا، ثم قال لي: أمعك شي ء من الطيب يا عطا؟ قلت: سعد، فجعل منه علي رأسه، و سائر جسده، ثم



[ صفحه 131]



مشي حافيا حتي وقف عند رأس الامام الحسين عليه السلام، و كبر ثلاثا.. ثم خر مغشيا عليه، فلما أفاق سمعته يقول:

السلام عليكم يا آل رسول الله، السلام عليكم يا صفوة الله، السلام عليكم يا خيرة الله من خلقه، السلام عليك يا وارث ابراهيم خليل الله، السلام عليك يا وارث اسماعيل ذبيح الله، السلام عليك يا وارث موسي كليم الله، السلام عليك يا وارث عيسي روح الله، السلام عليك يا وارث محمد حبيب الله.

السلام عليك يابن محمد المصطفي، السلام عليك يابن علي المرتضي، السلام عليك يابن فاطمة الزهراء، السلام عليك يابن خديجة الكبري، السلام عليك يا شهيد ابن الشهيد، السلام عليك يا قتيل ابن القتيل، السلام عليك يا ولي الله، السلام عليك يا حجة الله، و ابن حجته علي خلقه، أشهد أنك قد أقمت الصلاة، و أتيت الزكاة، و أمرت بالمعروف، و نهيت عن المنكر، و رزئت بوالديك، و جاهدت عدوك، و أشهد أنك تسمع الكلام، و ترد الجواب، و أنك حبيب الله و خليله، و نجيبه و صفيه و ابن صفيه، يا مولاي و ابن مولاي، زرتك مشتاقا، فكن لي شفيعا الي الله يا سيدي، و استشفع الي الله بجدك سيد النبيين، و بأبيك سيد الوصيين، و بأمك فاطمة سيدة نساء العالمين، ألا لعن الله قاتليك، و لعن الله ظالميك، و لعن الله سالبيك و مبغضيك، من الأولين و الآخرين، و صلي الله علي سيدنا محمد و آله الطيبين الطاهرين.

ثم قال الأب مخاطبا أبناءه: تقبل الله منا و منكم ان شاء الله.

فقال الابن الأكبر: ألم تروي عن الامام الحسن العسكري عليه السلام زيارة يا أبي؟



[ صفحه 132]



فقال الأب: نعم يا ولدي، لقد رويت له زيارة لجده أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في يوم الغدير، و هي زيارة طويلة و مشهورة رواها الشيخ المفيد، قال عليه السلام في قسم منها:

السلام عليك يا أمين الله في أرضه، و سفيره في خلقه، و جاهدت و هم محجمون [1] ، و أشهد أنك للهوي مخالفا، و للتقي محالفا [2] ، و أشهد أنك ما اتقيت ضارعا [3] ، و لا أمسكت عن حقك جازعا، و لا أحجمت عن مجاهدة عاصيك ناكلا [4] ، لا تحفل بالنوائب [5] ، و لا تهن [6] عند الشدائد، و لا تحجم عن محارب، و أولي لمن عند عنك [7] ، و أنت أول من آمن بالله و أبدي صفحته [8] في دار المشركين، قلت: لقد نظر الي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم اضرب بالسيف قدما [9] ، و أني لعلي الطريق الواضح [10] ، ألفظه لفظا [11] فوضع علي نفسه أوزار المسير [12] ، و نهض في رمضاء الهجير [13] و أنت تزود بهم [14] المشركين عن



[ صفحه 133]



النبي صلي الله عليه و آله و سلم ذات اليمين و ذات الشمال، و لقد أوضحت بقولك: قد يري الحول القلب [15] وجه الحيلة و دونها حاجز من تقوي الله فيدعها رأي العين، و ينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين [16] .

فقال الابن الأكبر: و هل كانت الامام الحسن العسكري وصايا و موعظ يا أبي؟

الأب: لقد روي له عليه السلام أنه قال: من مسح يده برأس يتيم رفقا به، جعل الله له في الجنة بكل شعرة مرت تحت يده قصرا أوسع من الدنيا و ما فيها، و فيها ما تشتهي الأنفس، و تلذ الأعين، و هم فيها خالدون.

و روي عنه عليه السلام أنه قال: قال الامام الحسين بن علي عليهماالسلام: من كفل لنا يتيما قطعته عنا غيبتنا و استتارنا فواساه من علومنا التي سقطت اليه حتي أرشده و هداه، قال الله عزوجل: «يا أيها العبد الكريم المواسي، اني أولي بهذا الكرم، اجعلوا له يا ملائكتي في الجنان بعدد كل حرف علمه ألف ألف قصر، و أضيفوا اليها ما يليق بها من سائر النعم.

ثم قال عليه السلام: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: ان الله عزوجل أمر جبرئيل ليلة المعراج فعرض علي قصور الجنان، فرأيتها من الذهب و الفضة، بلاطها المسك و العنبر، غير أني رأيت لبعضها شرفا عالية، و لم أر لبعضها، فقلت: يا حبيبي يا جبرئيل، ما بال هذه بلا شرف؟



[ صفحه 134]



كما سائر تلك القصور، فقال: يا محمد، هذه قصور المصلين فرائضهم الذين يكسلون عن الصلاة عليك و علي آلك بعدها، فان بعث مادة لبناء الشرف، من الصلاة علي محمد و آله الطيبين بنيت له الشرف، و الا بقيت هكذا.

فقال الأبناء: اللهم صل علي نبيك و حبيبك و خيرتك من خلقك محمد المصطفي، و علي آله الطيبين الطاهرين، و سلم تسليما كثيرا انك يا رب بعبادك بصيرا.

فقال الأب: اللهم صل علي محمد و آل محمد، و ضاعف اللهم جزاء محمد و آل محمد، فأنت يا رب القائل: و الله يضاعف لمن يشاء من عباده، و هم يا الهي خير عبادك، و أحبهم اليك، و أكثرهم وفاء لما عاهدوك به، يا أرحم الراحمين، اللهم صل علي محمد و آل محمد.

ثم قال الأب: اعلموا يا أبنائي ان الصلاة علي محمد و آل محمد فريضة فرضها الله تعالي علي المسلمين جميعا، بقوله جل جلاله: (ان الله و ملئكته يصلون علي النبي يأيها الذين ءامنوا صلوا عليه و سلموا تسليما).

فقال الأبناء: نعم يا أبي، نعلم ذلك، و قد حدثنا به مرارا، و قلت أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم قال لا تصلوا لعي الصلاة البتراء، فقيل له: و ما الصلاد البتراء يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟ فقال صلي الله عليه و آله و سلم: أن تقولوا اللهم صل علي محمد، و تصمتوا، بل قولوا: اللهم صل علي محمد و علي آل محمد.

فقال الأب: أحسنتم يا أبنائي.

ثم قال الأب محمد: نكتفي بما تحدثنا به اليوم يا أبنائي، و لنا حديث آخر يوم غد ان شاء الله.



[ صفحه 135]




پاورقي

[1] محجمون: أي الكافون، كقولنا: أحجم محمد: أي كف.

[2] للتقي محالفا: أي معاضدا و مساعدا.

[3] ما اتقيت ضارعا: أي لم تتق لكونك ضعيفا بل اتقيت امتثالا لأمر الله تعالي و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم.

[4] ناكلا: أي ضعيفا أو جبانا.

[5] لا تحفل بالنوائب: أي لا تبالي بها.

[6] و لا تهن: أي و لا تضعف.

[7] و أولي لمن عند: أولي كلمة تهديد و قد وردت في القرآن الكريم في قوله تعالي: أولي لك فأولي...

[8] أبدي صفحته: أي أظهر ناحيته و جنبه في جهاد المشركين.

[9] اضرب بالسيف قدما: أي لم يعرج علي شي ء.

[10] الطريق الواضح: هو النهج السليم و الطريق المستقيم.

[11] ألفظه لفظا: أي أقوله قولا حقا و لا التفت الي لائم.

[12] أوزار المسير: أي اثقالها الي المقام الخطير الذي كان فيه فطنة اثارة الفتنة باقامة الحجة.

[13] الرمضاء: الأرض الشديدة الحرارة. و الهجير: نصف النهار و شدة الحر.

[14] بهم المشركين: البهم جمع بهيمة، و هو الذي لا يهتدي من أين يؤتي لشدة حذره.

[15] الحول: ذو التصرف و الاحتيال في الأمور، و القلب: الرجل العارف بالأمور، المحتال في أموره، الحسن التقلب.

[16] أي ليس بذي حرج. و الحرج: النائم. الحريجة: التقوي.