بازگشت

تزويدهم بهذا الدعاء


و زود الامام أبومحمد عليه السلام القميين بهذا الدعاء الجليل، و طلب منهم أن يدعوا به



[ صفحه 242]



الله في أثناء قنوتهم ليكشف عنهم هذه المحنة الحازبة، و هذا نصه:

الحمدلله شكرا لنعمائه، و استدعاء لمزيده، و استخلاصا له و به دون غيره، و عياذا من كفرانه، و الالحاد في عظمته و كبريائه، حمد من يعلم أن ما به من نعماء فمن عند ربه، و ما مسه من عقوبة فبسوء جناية يده، و صلي الله علي محمد عبده و رسوله، و خيرته من خلقه، و ذريعة المؤمنين الي رحمته، و علي آله الطاهرين ولاة أمره.

اللهم انك ندبت الي فضلك، و أمرت بدعاءك، و ضمنت الاجابة لعبادك، و لم تخيب من فزع اليك برغبته، و قصد اليك بحاجته، و لم ترجع يد طالبة صفرا من عطائك، و لا خائبة من نحل هباتك.

و أي راحل رحل اليك فلم يجدك قريبا، أو أي وافد وفد عليك فاقتطعته عوائق الرد دونك، بل أي محتفر [1] من فضلك لم يمهه [2] فيض جودك، و أي مستنبط لمزيدك أكدي دون استماحة سجال [3] عطيتك.

اللهم و قد قصدت اليك برغبتي، و قرعت باب فضلك يد مسألتي، و ناجاك بخشوع الاستكانة قلبي، و وجدتك خير شفيع لي اليك، و قد



[ صفحه 243]



علمت ما يحدث من طلبتي قبل أن يخطر بفكري، أو يقع في خلدي، فصل اللهم دعائي اياك باجابتي، و اشفع مسألتي بنجح طلبتي».

و حوي هذا المقطع علي تمجيد الله و حمده، و بيان نعمه و ألطافه علي عباده التي منها استجابة دعائهم، و كشف ما ألم بهم من عظيم المحن و البلوي، و كان ذلك بأبلغ بيان عرفته اللغة العربية، و هو مما تتميز به أدعية أئمة أهل البيت عليهم السلام، و لنستمع الي بند آخر من هذا الدعاء الجليل:

اللهم و قد شملنا زيغ الفتن، و استولت علينا غشوة الحيرة، و قارعنا الذل و الصغار، و حكم علينا غير المأمونين في دينك، و ابتز امورنا معادن الأبن [4] ممن عطل حكمك، و سعي في اتلاف عبادك، و افساد بلادك.

اللهم و قد عاد فيئنا دولة بعد القسمة، و امارتنا غلبة بعد المشورة، وعدنا ميراثا بعد الاختيار للامة، فاشتريت الملاهي و المعازف بسهم اليتيم و الأرملة، و حكم في أبشار المؤمنين أهل الذمة، و ولي القيام بامورهم فاسق كل قبيلة، فلا ذائد يذودهم عن هلكة، و لا راع ينظر اليهم بعين الرحمة، و لا ذو شفقة يشبع الكبد الحري من مسغبة، فهم اولو ضرع بدار مضيعة، و أسراء مسكنة، و خلفاء كابة و ذلة.

و تحدث الامام العظيم عليه السلام في هذا المقطع عن الأوضاع السياسية الخطيرة السائدة في ذلك العصر، و التي قلبت المعايير الاجتماعية، و نسفت القيم و المبادئ،



[ صفحه 244]



و عادت بالأضرار البالغة علي الشعوب الاسلامية، و كان منها ما يلي:

أولا: انتشار الفتن المروعة بين المسلمين.

ثانيا: ذل المسلمين و هوانهم.

ثالثا: ان الحكم - في ذلك العصر - قد استولي عليه السفلة و المجرمون، فحكموا بغير ما أنزل الله، و كان البارز في سياستهم ما يلي:

1- تعطيل أحكام الله.

2- ان في ء المسلمين صار دولة بأيدي أعوان السلطة و عملائها.

3- ان أموال الخزينة العامة في الدولة التي يجب أن تنفق علي انعاش اليتامي و اعالة الأرامل قد صرفت علي شراء المعازف و الملاهي، و انفقت علي المغنين و اللاهين، كما أوضحنا ذلك في البحث عن السياسة المالية في ذلك العصر.

4- ان أغلبية الوظائف في الدولة قد عهد بها الي أهل الذمة من اليهود و النصاري، و حرم منها المسلمون.

5- ان الحكومة العباسية في ذلك العصر قد ولت الفسقة و الفجار و مكنتهم من رقاب المسلمين، فصاروا اساري لا ذائد يذودهم عن هلكة، و لا راع ينظر اليهم بعين الرحمة، فأي كارثة أعظم من هذه الكارثة التي حلت بالمسلمين؟

و لنعد بعد هذا لنقرأ لوحة اخري من هذا الدعاء الجليل و نتأمل فيها:

اللهم و قد استحصد زرع الباطل، و بلغ نهايته، و استحكم عموده، و استجمع طريده، و خذرف [5] وليده، و بسق [6] فرعه، و ضرب بجرانه [7] .



[ صفحه 245]



اللهم فأتح له من الحق يدا حاصدة، تصرع [8] قائمه، و تهشم سوقه [9] ، و تجب سنامه [10] ، و تجدع مراغمه ليستخفي الباطل بقبح صورته، و يظهر الحق بحسن حليته.

اللهم و لا تدع للجور دعامة الا قصمتها، و لا جنة الا هتكتها، و لا كلمة مجتمعة الا فرقتها، و لا سرية ثقل [11] الا خففتها، و لا قائمة علو الا حططتها، و لا رافعة علم الا نكستها، و لا خضراء الا أبرتها [12] .

اللهم فكور شسمه، و حط نوره، واطمس ذكره، وارم بالحق رأسه، وفض جيوشه، و أرعب قلوب أهله.

اللهم و لا تدع منه بقية الا أفنيت، و لا بنية الا سويت، و لا حلقة الا فصمت، و لا سلاحا الا أكللت، و لا حدا الا فللت، و لا كراعا [13] الا اجتحت، و لا حاملة علم الا نكست.

اللهم و أرنا أنصاره عباديد بعد الالفة، و شتي بعد اجتماع الكلمة، و مقنعي الرؤوس بعد الظهور علي الامة.



[ صفحه 246]



و حكي هذا المقطع عن عظيم الألم الذي يجيش في صدر الامام عليه السلام من اولئك الحكام الظالمين الذين غيروا معالم الدين، و أحالوا حياة الأحرار و المصلحين الي جحيم لا يطاق، و قد دعا عليهم بهذا الدعاء الحار متضرعا الي الله تعالي أن لا يدع لهم ظلا علي الأرض، و ان ينزل بهم عذابه و عقابه، فيجعلهم حصيدا تذرهم الرياح، ليشفي بذلك صدور المؤمنين الذين ذاقوا منهم مرارة الظلم و الجور. و لنستمع الي بند آخر من هذا الدعاء الجليل.

و أسفر لنا عن نهار العدل، و أرناه سرمدا لا ظلمة فيه، و نورا لا شوب معه [14] ، و اهطل علينا ناشئته، و أنزل علينا بركته، و أدل له ممن ناواه [15] ، و انصره علي من عاداه.

اللهم و اظهر به الحق، و أصبح به في غسق الظلم، و بهم الحيرة. اللهم و أحي به القلوب الميتة، و اجمع به الأهواء المتفرقة، و الآراء المختلفة، و أقم به الحدود المعطلة، و الأحكام المهملة، و أشبع به الخماص [16] الساغبة [17] ، و أرح به الأبدان المتعبة، كما ألهجتنا بذكره. و أخطرت ببالنا دعاءك له، و وفقتنا للدعاء اليه، و حياشة أهل الغفلة عنه، و أسكنت في قلوبنا محبته، و الطمع فيه، و حسن الظن بك لاقامة مراسمه.



[ صفحه 247]



اللهم فآت لنا منه علي حسن يقين، يا محقق الظنون الحسنة، و يا مصدق الآمال المبطئة، اللهم و أكذب به المتألين عليك فيه، و أخلف به ظنون القانطين من رحمتك و الآيسين منه.

اللهم اجعلنا سببا من أسبابه، و علما من أعلامه، و معقلا من معاقله، و نضر وجوهنا بتحليته، و أكرمنا بنصرته، و اجعل فينا خيرا تظهرنا له و به، و لا تشمت بنا حاسدي النعم، و المتربصين بنا حلول الندم، و نزول المثل، فقد تري يا رب براءة ساحتنا، و خلو ذرعنا من الاضمار لهم علي احنة، التمني لهم وقوع جائحة [18] ، و ما تنازل من تحصينهم بالعافية، و ما أضبؤا لنا من انتهاز الفرصة، و طلب الوثوب بنا عند الغفلة.

و أعرب الامام عليه السلام في هذا المقطع عن دعائه لمن يسوس الامة بسياسة العدل و الانصاف، و يزيح عنها الظلم و الجور، و يقيم فيها حكم الله تعالي الذي تنتعش فيه الآمال، و تحيا به البلاد و العباد بالنصر و التأييد، و التوفيق و التسديد، و أن لا يحول بينه و بين ما يرومه من الاصلاح الشامل حائل و لا مانع.

و لنعد الي مواصلة كلام الامام عليه السلام:

اللهم و قد عرفتنا من أنفسنا، و بصرتنا من عيوبنا خلالا نخشي أن تقعد بنا عن استيهال اجابتك، و أنت المتفضل علي غير المستحقين، و المبتدئ بالاحسان غير السائلين، فآت لنا من أمرنا علي حسب كرمك



[ صفحه 248]



وجودك و فضلك و امتنانك، انك تفعل ما تشاء، و تحكم ما تريد انا اليك راغبون، و من جميع ذنوبنا تائبون.

و حكي الامام عليه السلام في هذه الفقرات المشرقة من دعائه عن ضعف النفس البشرية، و خوفه من التهاون في اجابة ما أمر الله به، و نهي عنه، طالبا منه أن يفيض عليه بكرمه و يشمله بجوده و امتنانه.

ثم واصل الامام العادل قائلا:

اللهم و الداعي اليك، و القائم بالقسط من عبادك، الفقير الي رحمتك، المحتاج الي معونتك علي طاعتك، اذ ابتدأته بنعمتك، و ألبسته أثواب كرامتك، و ألقيت عليه محبة طاعتك، و ثبت و طأته في القلوب من محبتك، و وفقته للقيام بما أغمض فيه أهل زمانه من أمرك، و جعلته مفزعا لمظلوم عبادك، و ناصرا لمن لا يجد له ناصرا غيرك، و مجددا لما عطل من أحكام كتابك، و مشيدا لما ورد من أعلام سنن نبيك عليه و آله سلامك و رحمتك و بركاتك.

فاجعله اللهم في حصانة من بأس المعتدين، و أشرق به القلوب المختلفة من بغاة الدين، و بلغ به أفضل ما بلغت به القائمين بقسطك من أتباع النبيين.

اللهم و أذلل به من لم تسهم له في الرجوع الي محبتك، و من نصب له العداوة، و ارم بحجرك الدامغ من أراد التأليب علي دينك باذلاله،



[ صفحه 249]



و تشتيت جمعه، و اغضب لمن لا ترة له، و لا طائلة، و عادي الأقربين و الأبعدين فيك، منا منك عليه لا منا منه عليك.

و في هذا المقطع واصل الامام عليه السلام دعاءه بالتأييد الشامل للامام العادل الذي يحكم بين المسلمين علي ضوء كتاب الله، و سنة نبيه، فقد دعا له أن يلقي الله محبته في قلبه ليسعي لاحياء الدين و اقامة شعائره، كما دعا بأن يجعله مفزعا للمظلومين، و ملاذا و كهفا لمن لا يجد ناصرا الا الله، كما طلب من الله تعالي أن يجعله في حصانة من بأس المعتدين، و كيد الماكرين، و دعا بالذل و التمزيق لمن أراد أن يؤلب عليه، و ينصب له العداوة و البغضاء.

و يستمر الامام عليه السلام في الدعاء له فيقول:

اللهم فكما نصب نفسه فيك غرضا للأبعدين، و جاد ببذل مهجته لك في الذب عن حريم المؤمنين، و رد شر بغاة المرتدين المريبين حتي أخفي ما كان جهر به من المعاصي، و ابتدأ ما كان نبذه العلماء وراء ظهورهم فيما أخذ ميثاقهم علي أن يبينوه للناس و لا يكتموه، و دعا الي الاقرار لك بالطاعة، و ألا يجعل لك شريكا من خلقك يعلو أمره علي أمرك، مع يتجرعه فيك من مرارات الغيظ الجارحة بحواس القلوب، و ما يعتوره من الغموم، و يفرع عليه من أحداث الخطوب، و يشرق به من الغصص التي لا تبتلعها الحلوق، و لا تحنو عليها الضلوع، من نظرة الي أمر من أمرك، و لا تناله يده بتغييره، و رده الي محبتك.

فاشدد اللهم أزره بنصرك، و أطل باعه في ما قصر عنه من اطراد



[ صفحه 250]



الراتعين في حماك، وزده في قوته بسطة من تأييدك، و لا توحشنا من انسه، و لا تخترمه دون أمله من الصلاح الفاشي في أهل ملته، و العدل الظاهر في امته.

عرض الامام عليه السلام في هذه الفقرات المضيئة الي سمو منزلة الامام العادل، و عظيم مكانته؛ لأنه قد نصب نفسه غرضا في جنب الله، فعادي الأقربين، و تولي الأبعدين، و ناجز البغاة المرتدين، و تحمل من المصاعب ما تنوء بحمله الرقاب، كل ذلك في سبيل اعلاء كلمة الله تعالي، و دحض القوي المناهضة للاصلاح الاجتماعي و العدل السياسي.

و يواصل الامام عليه السلام دعاءه له بالتأييد و العزة قائلا:

اللهم و شرف بما استقبل به من القيام بأمرك لدي موقف الحساب مقامه، و سر نبيك محمدا صلواتك عليه و آله برؤيته و من تبعه علي دعوته، و أجزل له علي ما رأيته قائما به من أمرك ثوابه، و ابن قرب دنوه منك في حياته، و ارحم استكانتنا من بعده، و استخذاءنا لمن كنا نقمعه به اذا فقدتنا وجهه، و بسطت أيدي من كنا نبسط أيدينا عليه لنرده عن معصيته، و افترقنا بعد الالفة و الاجتماع تحت ظل كنفه، و تلهفنا عند الفوت علي ما أقعدتنا عنه من نصرته، و طلبنا من القيام بحق ما لا سبيل لنا الي رجعته.

و اجعله اللهم في أمن مما يشفق عليه منه، و رد عنه من سهام المكائد ما يوجهه أهل الشنآن اليه و الي شركائه في أمره، و معاونيه علي طاعة ربه



[ صفحه 251]



الذين جعلتهم سلاحه و حصنه، و مفزعه و انسه، الذين سلوا عن الأهل و الأولاد، و جفوا الوطن، و عطلوا الوثير من المهاد، و رفضوا تجارتهم، و أضروا بمعايشهم، و فقدوا أنديتهم بغير غيبة عن مصرهم، و خالطوا البعيد ممن عاضدهم علي أمرهم، و قلوا القريب ممن صد عنهم و عن وجهتهم فائتلفوا بعد التدابر و التقاطع في دهرهم، و قطعوا الأسباب المتصلة بعاجل حطام الدنيا.

فاجعلهم اللهم في أمن من حرزك و ظلك و كنفك، و رد عنهم بأس من قصد اليهم بالعداوة من عبادك، و أجزل لهم علي دعوتهم من كفايتك و معونتك، و أيدهم بتأييدك و نصرك، و أزهق بحقهم باطل من أراد اطفاء نورك.

اللهم و املأ بهم كل افق من الآفاق، و قطر من الأقطار قسطا و عدلا، و مرحمة و فضلا، و اشكرهم علي حسب كرمك و جودك علي ما مننت به علي القائمين بالقسط من عبادك، و ادخرت لهم من ثوابك ما يرفع لهم به الدرجات، انك تفعل ما تشاء و تحكم ما تريد» [19] .

و بهذا انتهي هذا الدعاء الجليل الذي هو من ذخائر أدعية أئمة أهل البيت عليهم السلام، و من مناجم الفكر الاسلامي، و بالاضافة الي ذلك فانه من أهم الوثائق السياسية الحافلة بما عاناه المسلمون في ذلك العصر من الظلم و الاضطهاد و الجور، و ما يتوخاه الامام عليه السلام لهم من اقامة العدل السياسي و الاجتماعي علي يد امام عادل



[ صفحه 252]



يسير بين المسلمين بسياسة الحق المحض.

و اني لا أكاد أعرف وثيقة سياسية أهم من هذه الوثيقة، و لا أسمي فكرا، و لا أعود نفعا منها علي المجتمع، فقد رسمت الشروط الدولية للحاكم العادل، و بينت أهدافه و المبادئ التي يجب أن يحققها علي مسرح الحياة الاسلامية، و لو لم يكن للامام أبي محمد عليه السلام من تراث الا هذا الدعاء الجليل لكفي به في التدليل علي امامته، و ما يملكه من طاقات علمية و فكرية هائلة.


پاورقي

[1] الاحتفاء: الاستقصاء و الالحاح في المسألة.

[2] لم يمهه: أي لم يشمله و يعمه.

[3] سجال: مفرده سجل الدلو العظيمة اذا كان فيها ماء قل أو كثر، و لا يقال لها فارغة سجل، و قوله: و سجال عطيتك من هذا المعني علي الاستعارة - مجمع البحرين.

[4] الابن: العيب.

[5] خذرف: أسرع.

[6] بسق النخل: ارتفعت أغصانه و طالت.

[7] ضرب بجرانه: أي ثبت و استقر.

[8] هكذا ورد في الأصل، و لعل الصحيح: «تحصد قائمه».

[9] سوقه: هو ساق الشجرة و جذعها.

[10] السنام: حدبة في ظهر البعير.

[11] السرية: قطعة من الجيش.

[12] أبرتها: أي أهلكتها.

[13] الكراع: اسم يطلق علي الخيل و البغال و الحمير.

[14] لا شوب معه: أي لا خليط معه.

[15] ناواه: أي عاداه.

[16] الخماص: الذي خوت بطونهم جوعا.

[17] الساغبة: الجائعة.

[18] الجائحة: الاهلاك و الاستيصال.

[19] مهج الدعوات: 85 - 90. مصباح المتهجد: 156 - 163.