بازگشت

هدمه لقبر الامام الحسين


و كان المتوكل يتحرق غيظا لما يسمعه من تهافت الناس علي زيارة قبر ريحانة رسول الله صلي الله عليه و آله و سيد شباب أهل الجنة الامام الحسين عليه السلام، فقد حظي هذا المرقد العظيم بازدحام الزائرين علي اختلاف طبقاتهم و ميولهم في حين أن قبول العباسيين في مزبلة من مزابل الأرض، صارت مأوي للوحوش الضارية، و هي ببؤسها تحكي ظلمهم و جورهم و استبدادهم بامور المسلمين.



[ صفحه 274]



و روي المؤرخون السبب في اقدامه علي هدم القبر الشريف، و هو أن بعض المغنيات كانت تبعث اليه بجواريها ليغنين له اذا شرب الخمر، و ذلك قبل أن يتقلد الملك و السلطان، فلما صار ملكا بعث اليها لترسل له مغنية، فأخبر أنها غائبة، و كانت قد مضت الي زيارة قبر الامام الحسين عليه السلام، و انتهي اليها الخبر و هي في كربلاء، فأسرعت راجعة الي بغداد، و بعثت اليه باحدي جواريها التي كان يألفها، فقال لها: أين كنتم؟

قالت: ان مولاتي قد خرجت الي الحج و أخرجتنا معها، و كان ذلك في شهر شعبان، فبهر المتوكل و راح يقول: الي أين حججتم في شعبان؟

- الي قبر الحسين.

فانتفخت أوداجه و ورم أنفه، و أمر باعتقال مولاة الجارية، و مصادرة أموالها، و أوعز الي العمال بهدم القبر الشريف، فامتنع العمال المسلمون و تحرجوا كأعظم ما يكون التحرج، فأوعز الي اليهود، و علي رأسهم الديزج، فاستجابوا له، و الي ذلك يشير ابن الرومي في رائعته التي رثي بها الشهيد الخالد يحيي:



و لم تقنعوا حتي استثارت قبورهم

كلابكم منها بهيم و ديزج



و قام اليهود الأرجاس بهدم القبر الشريف و ذلك في سنة (237 ه)، كما هدموا كل بناء حول القبر، و خربوا ما حوله نحو مائتي جريب، و اجري الماء حوله، الا أن الماء دار حول القبر الشريف و لم يصل اليه، و من ثم سمي الحائر، و قد خرجت من الضريح رائحة من الطيب لم يشم الناس عطرا مثلها، انها نسيم الرسالة الاسلامية، و نسيم الشرف و الكرامة.

يقول الجواهري:



شممت ثراك فهب النسيم

نسيم الكرامة من بلقع





[ صفحه 275]



و تشرف أعرابي من بني أسد بزيارة القبر الشريف بعد أن عفي أثره، فجعل يأخذ قبضة من التراب يشمها لترشده الي القبر الشريف، و حينما انتهي اليه أخذ قبضة من التراب الطاهر فشمها، فاذا هي مليئة بالعطور، فبكي و خاطب الامام عليه السلام قائلا: ما أطيبك، و أطيب قبرك و تربتك.

ثم أنشد:



أرادوا ليخفوا قبره عن وليه

و طيب تراب القبر دل علي القبر



لقد أراد الطاغية المتوكل أن يمحو قبر سيدالشهداء و يزيل أثره، ولكن خاب سعيه، و تربت يداه، فان قبر سيدالشهداء ظل شامخا علي الدهر، و هو أسمي مرقد تقدسه البشرية علي اختلاف اتجاهاتها و عقائدها، و تأوي اليه بلهفة الملايين من الناس، أكثر مما تأوي الي بيت الله الحرام.

يقول الجواهري:

تعاليت من مفزع للحتوف

و بورك قبرك من مفزع



تلوذ الدهور فمن سجد

علي جانبيه و من ركع



و تذمر المسلمون في ذلك العصر من المتوكل، و سبوه في الأندية و المجالس، و دعوا عليه عقيب الصلاة، و كتبوا سبه علي الجدران و علي الجوامع، و قد شاعت في جميع الأوساط هذه الأبيات. قبل انها لابن السكيت [1] ، و قيل: للبسامي [2] ، و قيل لغيرهما:



تالله ان كانت امية قد أتت

قتل ابن بنت نبيها مظلوما



[ صفحه 276]



فلقد أتاه بنوأبيه بمثلها

هذا لعمرك قبره مهدوما



أسفوا علي أن لا يكونوا شاركوا

في قتله فتتبعوه رميما [3] .



تدول الدول، و تفني الممالك، و يبقي الحسين و ذكره و قبره كوكبا مضيئا في دنيا العرب و الاسلام، فليس أحد يساويه أو يضارعه في سمو منزلته و مكانته، فقد احتل قلوب المسلمين و عواطفهم، و سري حبه في مشاعرهم، أما المتوكل و شبيهه يزيد، فتطاردهما اللعنة، و يلاحقهما غضب الله و نقمته و عذابه.

و كان الامام أبومحمد عليه السلام في شرخ الشباب، و قد سمع ما اتخذه طاغية العباسيين من الاجراءات القاسية ضد قبر جده الامام الحسين عليه السلام، و ما أنزله من العقوبة الصارمة تجاه الزائرين. و من المؤكد أنها قد كوت قلبه، و أضافت اليه الآلام و الخطوب.


پاورقي

[1] مرآةالزمان: 6 / ورقة 136.

[2] فوات الوفيات: 1: 203.

[3] حياة الامام الهادي عليه السلام: 202.