بازگشت

ازواجه


زوجته ام ولد رومية يقال لها نرجس، و صقيل، و مليكة، و ريحانة، و سوسن [1] ، و كان الغالب عليها بين أفراد عائلة الامام عليه السلام نرجس، و هو وارد في أغلب الروايات.

و يبدو أن اسمها الأول مليكة، لما روي عن محمد بن علي بن حمزة العلوي، أنه قال: اسمها مليكة و يقال لها بعض الأيام سوسن، و في بعضها ريحانة، و كان صقيل



[ صفحه 19]



و نرجس أيضا من أسمائها [2] .

و في (كمال الدين): هي مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، و امها من الحواريين، تنسب الي شمعون وصي المسيح عليه السلام، و لما اسرت سمت نفسها نرجس، لئلا يعرفها الشيخ الذي وقعت اليه، و لما اعتراها النور و الجلاء بسبب الحمل النور سميت صقيلا [3] .

و هي ام الامام القائم الحجة المنتظر عليه السلام الذي غاب بعد ولادته و سيظهر باذن الله تعالي فيملأ الأرض قسطا و عدلا بعد ما ملئت ظلما و جورا، و قد كانت امه رضي الله عنها قبيل حملها بولدها المهدي عليه السلام أمة مملوكة جلبت بواسطة الفتوحات من الروم الي بغداد، و اشتراها الامام علي بن محمد الهادي عليه السلام و هو الذي قام بتزويجها لابنه الحسن العسكري عليه السلام.

روي الشيخ الصدوق رحمه الله باسناده عن أبي الحسن محمد بن بحر الشيباني، عن بشر بن سليمان النخاس من ولد أبي أيوب الأنصاري، أحد موالي أبي الحسن و أبي محمد عليهماالسلام - في حديث طويل - قال: كان مولانا أبوالحسن علي بن محمد العسكري عليه السلام فقهني في أمر الرقيق، فكنت لا أبتاع و لا أبيع الا باذنه، فاجتنبت بذلك موارد الشبهات حتي كملت معرفتي فيه، فأحسنت الفرق فيما بين الحلال و الحرام.

فبينما أنا ذات ليلة في منزلي بسر من رأي، و قد مضي هوي [4] من الليل، اذ



[ صفحه 20]



قرع الباب قارع فعدوت مسرعا، فاذا أنا بكافور الخادم رسول مولانا أبي الحسن علي بن محمد عليه السلام يدعوني اليه، فلبست ثيابي، و دخلت عليه، فرأيته يحدث ابنه أبامحمد و اخته حكيمة من وراء الستر، فلما جلست قال: يا بشر، انك من ولد الأنصار، و هذه الولاية لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف. فأنتم ثقاتنا أهل البيت، و اني مزكيك و مشرفك بفضيلة تسبق بها شأو [5] الشيعة في الموالاة بها، بسر اطلعك عليه، و انفذك في ابتياع امة، فكتب كتابا ملصقا بخط رومي و لغة رومية، و طبع عليه بخاتمه، و أخرج شستقة [6] صفراء فيها مائتان و عشرون دينارا، فقال: خذها و توجه بها الي بغداد، و احضر معبر الفرات ضحوة كذا.

فاذا وصلت الي جانبك زواريق السبايا، و برزن الجواري منها، فستحدق بهم طوائف المبتاعين من وكلاء قواد بني العباس و شراذم من فتيان العراق، فاذا رأيت ذلك فأشرف من البعد علي المسمي عمر بن يزيد النخاس عامة نهارك، الي أن يبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا و كذا، لابسة حريرتين صفيقتين، تمتنع من السفور، و لمس المعترض، و الانقياد لمن يحاول لمسها، و يشغل نظره بتأمل مكاشفها من وراء الستر الرقيق، فيضربها النخاس، فتصرخ صرخة رومية، فاعلم أنها تقول: و اهتك ستراه، فيقول بعض المبتاعين: علي بثلاثمائة دينار، فقد زادني العفاف فيها رغبة، فتقول بالعربية: لو برزت في زي سليمان، و علي مثل سرير ملكه، ما بدت لي فيك رغبة، فأشفق علي مالك، فيقول: فما الحيلة و لابد من بيعك؟ فتقول الجارية: و ما العجلة و لابد من اختيار مبتاع يسكن قلبي الي أمانته



[ صفحه 21]



و ديانته؟ فعند ذلك قم الي عمر بن يزيد النخاس و قل له: ان معي كتابا ملصقا لبعض الأشراف كتبه بلغة رومية و خط رومي، و وصف فيه كرمه و وفاءه و نبله و سخاءه، فناولها لتتأمل منه أخلاق صاحبه، فان مالت اليه و رضيته، فأنا وكيله في ابتياعها منك.

قال بشر بن سليمان النخاس: فامتثلت جميع ما حده لي مولاي أبوالحسن عليه السلام في أمر الجارية، فلما نظرت في الكتاب بكت بكاء شديدا، و قالت لعمر بن يزيد النخاس: بعني من صاحب هذا الكتاب، و حلفت بالمحرمة المغلظة [7] انه متي امتنع من بيعها منه قتلت نفسها، فما زلت اشاحه في ثمنها حتي استقر الأمر فيه علي مقدار ما كان أصحبنيه مولاي عليه السلام من الدنانير في الشستقة الصفراء.

فاستوفاه مني و تسلمت منه الجارية ضاحكة مستبشرة، و انصرفت بها الي حجرتي التي كنت آوي اليها ببغداد، فما أخذها القرار حتي أخرجت كتاب مولاها عليه السلام من جيبها، و هي تلثمه و تضعه علي خدها، و تطبقه علي جفنها، و تمسحه علي بدنها، فقلت تعجبا منها: أتلثمين كتابا، و لا تعرفين صاحبه؟!

قالت: أيها العاجز الضعيف المعرفة بمحل أولاد الأنبياء، أعرني سمعك، و فرع لي قلبك، أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، و امي من ولد الحواريين تنسب الي وصي المسيح شمعون، انبئك العجب العجيب أن جدي قيصر أراد أن يزوجني من ابن أخيه و أنا من بنات ثلاث عشرة سنة، فجمع في قصره من نسل الحواريين و من القسيسين و الرهبان ثلاثمائة رجل و من



[ صفحه 22]



ذوي الأخطار سبعمائة رجل.

و جمع من امراء الأجناد و قواد العسكر و نقباء الجيوش و ملوك العشائر أربعة آلاف، و أبرز من بهو ملكه عرشا مصوغا من أصناف الجواهر الي صحن القصر، فرفعه فوق أربعين مرقاة، فلما صعد ابن أخيه، و أحدقت به الصلبان، و قامت الأساقفة عكفا، و نشرت أسفار الانجيل، تسافلت الصلبان من الأعالي فلصقت بالأرض، و تقوضت الأعمدة فانهارت الي القرار، و خر الصاعد من العرض مغشيا عليه، فتغيرت ألوان الأساقفة، و ارتعدت فرائصهم، فقال أكبرهم لجدي: أيها الملك، أعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالة علي زوال هذا الدين المسيحي و المذهب الملكاني، فتطير جدي من ذلك تطيرا شديدا، و قال للأساقفة: أقيموا هذه الأعمدة، و ارفعوا الصلبان، و أحضروا أخا هذا المدبر العاثر المنكوس جده [8] ، لازوج منه هذه الصبية، فيدفع نحوسه عنكم بسعوده.

فلما فعلوا ذلك حدث علي الثاني ما حدث علي الأول، و تفرق الناس، و قام جدي قيصر مغتما، و دخل قصره، و ارخيت الستور، فاريت [كما يري النائم] في تلك الليلة كأن المسيح و شمعون و عدة من الحواريين قد اجتمعوا في قصر جدي، و نصبوا فيه منبرا يباري السماء علوا و ارتفاعا في الموضع الذي كان جدي نصب فيه عرشه، فدخل عليهم محمدا صلي الله عليه و آله مع فتية و عدة من بنيه، فيقوم المسيح فيعتنقه، فيقول: يا روح الله، اني جئتك خاطبا من وصيك شمعون فتاته مليكة لابني هذا، و أومأ بيده الي أبي محمد صاحب هذا الكتاب، فنظر المسيح الي شمعون، فقال له: قد أتاك الشرف، فصل رحمك برحم رسول الله صلي الله عليه و آله. قال: قد فعلت،



[ صفحه 23]



فصعد ذلك المنبر، و خطب محمد صلي الله عليه و آله و زوجني و شهد المسيح عليه السلام و شهد بنو محمد صلي الله عليه و آله و الحواريون، فلما استيقظت من نومي أشفقت أن أقص هذه الرؤيا علي أبي و جدي مخافة القتل.

فكنت أسرها في نفسي و لا ابديها لهم، و ضرب صدري بمحبة أبي محمد حتي امتنعت من الطعام و الشراب، و ضعفت نفسي، و دق شخصي، و مرضت مرضا شديدا، فما بقي من مدائن الروم طبيب الا أحضره جدي، و سأله عن دوائي. فلما برح به اليأس قال: يا قرة عيني، فهل تخطر ببالك شهوة فازودكها في هذه الدنيا؟

فقلت: يا جدي، أري أبواب الفرج علي مغلقة، فلو كشفت العذاب عمن في سجنك من اساري المسلمين، و فككت عنهم الأغلال، و تصدقت عليهم و مننتهم بالخلاص، لرجوت أن يهب المسيح و امه لي عافية و شفاء، فلما فعل ذلك جدي تجلدت في اظهار الصحة في بدني، و تناولت يسيرا من الطعام، فسر بذلك جدي، و أقبل علي اكرام الاساري و اعزازهم.

الي أن قال: فقالت: فوقعت علينا طلائع المسلمين حتي كان من أمري ما رأيت و ما شاهدت، و ما شعر أحد بأني ابنة ملك الروم الي هذه الغاية سواك، و ذلك باطلاعي اياك عليه، و لقد سألني الشيخ الذي وقعت اليه في سهم الغنيمة عن اسمي فأنكرته، و قلت: نرجس، فقال: اسم الجواري.

فقال: العجب انك رومية و لسانك عربي؟

قالت: بلغ من ولوع جدي و حمله اياي علي تعلم الآداب أن أوعز الي امرأة ترجمان له في الاختلاف الي، فكانت تقصدني صباحا و مساء، و تفيدني العربية حتي استمر عليها لساني و استقام.



[ صفحه 24]



قال بشر: فلما انكفأت بها الي سر من رأي، دخلت علي مولانا أبي الحسن العسكري عليه السلام فقال لها: كيف أراك الله عز الاسلام و ذل النصرانية، و شرف أهل بيت محمد صلي الله عليه و آله؟ قالت: كيف أصف لك يابن رسول الله ما أنت أعلم به مني؟

قال: فاني اريد أن اكرمك، فأيما أحب اليك عشرة آلاف درهم، أم بشري لك فيها شرف الأبد؟

قالت: بل البشري. قال عليه السلام: فابشري بولد يملك الدنيا شرقا و غربا، و يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا.

الي أن قال: فقال أبوالحسن عليه السلام: يا كافور، ادع لي اختي حكيمة، فلما دخلت عليه قال عليه السلام لها: ها هي، فاعتنقتها طويلا و سرت بها كثيرا، فقال لها مولانا: يا بنت رسول الله، أخرجيها الي منزلك، و علميها الفرائض و السنن، فانها زوجة أبي محمد، و ام القائم عليهماالسلام [9] .


پاورقي

[1] اثبات الوصية: 219، اعلام الوري: 418، الفصول المهمة: 292، كمال الدين: 421، تاج المواليد: 138، تأريخ مواليد الأئمة عليهم السلام و وفياتهم: 201، التتمة في تواريخ الأئمة عليهم السلام: 146.

[2] معجم أحاديث الامام المهدي عليه السلام 4: 240 / 1281، منتخب الأثر: 320.

[3] كمال الدين: 417 / 1.

[4] أي زمان غير قليل.

[5] الشأو: الأمد و الغاية.

[6] الظاهر من السياق أنها الصرة التي تجعل فيها الدراهم، و لم أجدها في معاجم اللغة.

[7] أي اليمين المؤكدة التي لايمكن للحالف معها أن يبر قسمه.

[8] الجد: الحظ.

[9] كمال الدين: 417 / 1 - باب (41).