بازگشت

السلطة السياسية


لقد فقدت السلطة العباسية في هذه الفترة هيبتها و قوتها، و أصابها الخور و التدهور، فجرأت الأتراك و حتي الجواري و الخدم علي التدخل في شؤون الدولة بل و عزل من يشاءون من الخلفاء و تعيين من يشاءون فضلا عن تسييرهم لشؤون الدولة و التلاعب بأموال الامة و مصالحها و مقدراتها.

ان أهم معالم الحياة السياسية السائدة خلال فترة امامة الحسن العسكري عليه السلام يمكن تلخيصها بالنقاط التالية:

1- تسلط الأتراك علي زمام الحكم و استبدادهم بجميع شؤون الدولة، قال ابن الطقطقا في (الفخري): ان الأتراك كانوا قد استولوا منذ قتل المتوكل علي المملكة و استضعفوا الخلفاء، فكان الخليفة في يدهم كالأسير ان شاءوا أبقوه، و ان



[ صفحه 422]



شاءوا خلعوه، و ان شاءوا قتلوه.

فلما جلس المعتز علي سرير الخلافة قعد خواصه و أحضروا المنجمين، و قالوا لهم: انظروا كم يعيش و كم يبقي في الخلافة؟ و كان بالمجلس بعض الظرفاء، فقال: أنا أعرف من هؤلاء بمقدار عمره و خلافته! فقالوا له: فكم تقول انه يعيش؟ و كم يملك؟ قال: مهما أراد الأتراك، فلم يبق في المجلس الا من ضحك [1] .

و هؤلاء الأتراك كانوا من النوع الذي لا يفقه السياسة و لا يعرف الادارة، فظلموا الرعية، و جاروا في الحكم، و نشروا الارهاب، فكان ذلك من أهم عوامل الفساد الاداري و السياسي و الاقتصادي، مع عجز الخليفة العباسي عن احداث أي أمر أو تغيير اصلاحي، مع أن الخليفة لم يكن أفضل منهم و لا أصلح لادارة الحكم، و قد اعترف المعتمد بهذا العجز في أكثر من قصيدة، منها قوله:



أليس من العجائب أن مثلي

يري ما قل ممتنعا عليه



و تؤخذ باسمه الدنيا جميعا

و ما من ذاك شي ء في يديه



أليس تحمل الأموال صرا

و يمنع بعض ما يجبي اليه [2] .



2- جهل الملوك العباسيين و انغماسهم في الشهوات و اللذات و اهمالهم لجميع شؤون الرعية، مما أدي الي حدوث الأزمات السياسية الحادة في ذلك العصر. و من مظاهر لهو الخلفاء التي نقلها المؤرخون، قال السيوطي في (تأريخ الخلفاء): و انهمك المعتمد في اللهو و اللذات، و اشتغل عن الرعية، فكرهه الناس، و أحبوا أخاه طلحة، و في أيامه دخلت الزنج البصرة و أعمالها و أخربوها، و بذلوا السيف



[ صفحه 423]



و أحرقوا و خربوا و سبوا، و جري بينهم و بين عسكره عدة وقعات [3] .

3- انتشار الظلم و الجور و الفتن و كثرة الثورات الداخلية التي تنم عن عدم الاستقرار السياسي، و انتشار الأمراض و الأوبئة و تردي الأوضاع الاقتصادية لاستئثار رؤوس السلطة و قادة الأتراك بأموال المسلمين.

و قد أشار الامام عليه السلام الي مجمل هذه الأوضاع الفاسدة و غيرها في دعاء الحوائج الذي كتبه عليه السلام الي أحد أصحابه و قد شكا له في رقعة و ردت اليه من الحبس، يذكر فيها ثقل الحديد و سوء الحال و تحامل السلطان، و قد ذكرنا الدعاء في ما روي عن الامام عليه السلام في الأحكام و السنن / الحديث (50)، و نورد هنا مقطعا منه.

قال عليه السلام: اللهم اني قصدت بابك، و نزلت بفنائك، و اعتصمت بحبلك، و استغثت بك، و استجرت بك، يا غياث المستغيثين أغثني، يا جار المستجيرين أجرني، يا اله العالمين خذ بيدي، انه قد علا الجبابرة في أرضك، و ظهروا في بلادك، و اتخذوا دينك خولا، و استأثروا بفي ء المسلمين، و منعوا ذوي الحقوق حقوقهم التي جعلتها لهم، و صرفوها في الملاهي و المعازف، و استصغروا آلاءك، و كذبوا أولياءك، و تسلطوا بجبريتهم ليعزوا من أذللت، و يذلوا من أعززت، و احتجبوا عمن يسألهم حاجة، أو من ينتجع منهم فائدة... الي آخر الدعاء، و هو طويل.

و له عليه السلام دعاء آخر علي موسي بن بغا الذي اجتاح أهل قم و جار عليهم، فقنت عليه الامام عليه السلام في دعاء طويل، و طلب من أهل قم أن يقنتوا عليه أيضا، و سنذكره في أثناء هذا الفصل؛ لأنه يكشف عن جوانب مهمة عن طبيعة الظروف



[ صفحه 424]



المحيطة بالامة آنذاك، و عن بعض مظاهر الفوضي و الفساد التي طبعت الحياة حينئذ.


پاورقي

[1] الفخري: 243.

[2] تأريخ الخلفاء للسيوطي - منشورات الشريف الرضي: 365.

[3] تأريخ الخلفاء: 363.