بازگشت

علمه بما يكون


نعم، ان امام الناس، المنصب من الله عزوجل، يعلم ما كان و ما يكون، و لا يخفي عنه ربه تعالي شيئا مما يحدث في أرضه؛ و هو يعلم ذلك اذا أراده، باذن الله عزوعلا، لا بقدرته الشخصية.

و اذا شككنا بقدرة الخالق سبحانه علي كل شي ء، فذلك منتهي الجهل بقدرته!. و اذا سلمنا بكونه خالقا قادرا علي ايجاد الأنثي و الذكر، و الطويل و القصير، و الذكي و الأحمق، و العاقل و الجاهل - بل قادرا علي خلق مليارات الناس الذين لا تشبه بصمات أصابع أحدهم بصمات أصابع أحد من تلك المليارات، فلا جرم أن نؤمن بقدرته علي خلق واحد من البشر ذي نفس زكية صافية تنعكس عليها الأحداث و الوقائع، فينظر بنور الله، و تنكشف له خفايا الأمور فيخبر عما كان أو يكون بلا أدني جهد، ثم لا يكون ذلك علما بالغيب، بمقدار ما يكون كشفا لشي ء من الغيب بمشيئة ربه تبارك و تعالي. و انه عز اسمه (و علم ءادم الأسماء كلها...) [1] أي جميع أسماء جميع الأشياء المخلوقة، علمه اياها دفعة واحدة و دون أن يجعلها دروسا تأتيه درسا بعد درس، بل خلقها معه، و طبعها في حافظته، و أجري لسانه بها،



[ صفحه 172]



فأنبأ الملائكة بتلك الأسماء في موقف واحد - بقدرة ربه تعالي - و لم يخطي ء في تسمية مسمي واحد!. و هو قادر علي أن يجري أمور الامام هذا المجري مضافا الي ما بيده من علم المنايا و علم البلايا و غيرها.

قال عمار الساباطي:

«سألت أباعبدالله عليه السلام عن الامام: أيعلم الغيب؟!.

فقال: لا، و لكن اذا أراد أن يعلم الشي ء، أعلمه الله ذلك» [2] .

و قال علي بن يقطين:

«قلت لأبي الحسن، موسي عليه السلام: علم عالمكم سماع أم الهام؟.

فقال: قد يكون سماعا، و يكون الهاما، و يكونان معا» [3] .

و قال الحارث بن المغيرة:

قلت لأبي عبدالله عليه السلام: ما علم عالمكم، أجملة يقذف في قلبه، أو ينكت في أذنه؟.

فقال: وحي كوحي أم موسي» [4] .

و قال عبدالله بن أبان، الزيات:

«قلت للرضا عليه السلام: ادع لي، و لأهل بيتي.

قال: أولست أفعل؟!. و الله ان أعمالكم لتعرض علي كل يوم و ليلة.

فاستعظمت ذلك!.



[ صفحه 173]



فقال: أما تقرأ كتاب الله: (و قل اعملوا فسيري الله عملكم و رسوله و المؤمنون؟!) [5] .

فهذه أربع شهادات من أئمة صادقين مصدقين صلوات الله عليهم، لا يدفعها الا مفتر علي الله عز شأنه:

الأولي: تفيد أن الامام اذا أراد أن يعلم الشي ء، أعلمه الله ذلك.

و الثانية: أن علم الامام يكون سماعا في وقت الحاجة اليه، أو الهاما اذا اقتضته الحال.

و الثالثة: أن علمه قد يكون قذفا في القلب، أو نكتا في السمع، أو وحيا كوحي أم موسي.

و الرابعة: تفيد ما هو أوسع و أشمل، و تدل علي أنه لا يخفي عليه شي ء من أمور العباد باذن الله تعالي.

و ما من حكم في قضية الا و يكفي فيه شهادة ذوي عدل من الناس، فكيف بأربع شهادات أداها أربعة أئمة أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا؟!.

فلا ينبغي للانسان أن يرفض كل شي ء يجهل حقيقته، لأن انكار الحقائق الدينية المنزلة من الله، يؤدي بصاحبه الي الكفر - و العياذ بالله -. و أكثر الأمور السماوية لا يطالها التعليل السهل، و لكن سنذكر طائفة أخري من التعليلات الصادرة علي أهلها لنجلو حقيقة هذا الموضوع قبل أن نطوي صفحته دون توضيح:

قال عبدالعزيز الصايغ:



[ صفحه 174]



«قال أبوعبدالله عليه السلام: أتري أن الله استرعي راعيا علي عباده، و استخلف خليفة عليهم، يحجب عنه شيئا من أمورهم؟» [6] .

و جوابنا: لا. اذ منذ جعل الله تعالي أبانا آدم عليه السلام خليفة في الأرض، أعطاه جميع مواهب خلافته فيها، و سائر ما يتعلق بآلة الخلافة و تجهيزاتها، بشكل لاتحيط به عقولنا بيسر لأنه من الأمور الخفية الربانية التي نقصر عن استيعابها كما نقصر عن استيعاب الكون الهائل بسمائه و أرضه و مجراته و نظامه الدقيق!. و قد قال الفضل بن يسار:

«سمعت أباعبدالله عليه السلام يقول: ان العلم الذي هبط مع آدم لم يرفع. و ان العلم يتوارث؛ و ما يموت منا عالم حتي يخلفه من أهله من يعلم علمه، أو ما شاء!» [7] .

فأئمتنا عليهم السلام خاتموا أوصياء رسل الله تبارك و تعالي، و لذا كانوا حاملي المواريث السماوية برمتها، و خازني علم الله، و عيبات المعرفة، و أمناء الوحي.

قد أعطاهم الله تعالي نفوسا أصفي من المرآة، و أبصارا أنفذ من أشعة «ليزر» التي تخترق الكثافات، فلا تحول دونها المسافات!.

ثم جعل لهم أسماعا لا تخفي عنها همسات النفوس، و لا وساوس الصدور، و لا خطرات القلوب و لا ما يدور في الضمائر!.

و زودهم بامكانات فسيولوجية تقدرهم علي حمل أمره و لم يجعل منها نصيبا لغيرهم.. فكانوا بدعا في الخلق و الخلق، و معجزا بين البشر، و آية



[ صفحه 175]



للأنام.. عرفهم - علي حقيقتهم - القليلون، و صدق بهم و بسرهم من كتب الله تعالي في قلبه الايمان و أيده بروح منه.

و هذا العلم بما يحدث في كل عصر، خص الله سبحانه به امام ذلك العصر ليكون حجة علي أهله، لأنه سفيره في البلاد، و أميره علي العباد، و أمينه علي الدين، و لا يجوز أن يخفي علي السفير شي ء مما يجري في دولته و ملك حكومته.

قال عبدالله بن عطاء المكي:

«اشتقت الي أبي جعفر - أي الامام الباقر عليه السلام - و أنا بمكة. فقدمت المدينة، و ما قدمتها الا شوقا اليه؛ فأصابني تلك الليلة مطر و برد شديد!. فانتهيت الي بابه نصف الليل، فقلت: ما أطرقه هذه الساعة، و أنتظر حتي أصبح.

و اني لأفكر في ذلك، اذ سمعته يقول: يا جارية افتحي الباب لابن عطا، فقد أصابه في هذه الليلة برد و أذي.

فجاءت، ففتحت الباب، فدخلت عليه، عليه السلام» [8] .

فقد علم الامام الباقر صلي الله عليه بمجي ء صاحبه، و بالشوق الذي حمله اليه في تلك الليلة الظلماء، و بالمطر و البرد القارس اللذين أصاباه، و بموعد وصوله الي بابه في منتصف الليل، ثم أمر بسرعة استقباله ليستريح مما عاناه من وعثاء سفره!.

و لا عجب في ذلك فقد قال المفضل لأبي عبدالله عليه السلام:

«جعلت فداك، يفرض الله طاعة عبد علي العباد، ثم يحجب عنه خبر السماء؟!.



[ صفحه 176]



قال: لا، الله أكرم و أرأف بالعباد من أن يفرض عليهم طاعة عبد يحجب عنه خبر السماء صباحا و مساء» [9] .

و كذلك قال أبوبصير رحمه الله: ان أباعبدالله عليه السلام قال له:

«يا أبابصير، انا أهل بيت أوتينا علم البلايا، و المنايا، و الوصايا، و فصل الخطاب؛ و عرفنا شيعتنا كعرفان الرجل أهل بيته!» [10] .

و في هذا كفاية لمن يتفكرون..

و لندخل في الموضوع بعد هذه المقدمة التي تلقي ضوءا علي خفاياه و أسراره.

فقد قال أبوهاشم الجعفري:

«لما مضي - أي مات - أبوالحسن عليه السلام، صاحب العسكر. اشتغل أبومحمد، ابنه، بغسله و شأنه، و أسرع بعض الخدم الي أشياء احتملوها من ثياب و دراهم و غيرها.

فلما فرغ أبومحمد من شأنه، صار الي مجلسه فجلس، ثم دعا أولئك الخدم فقال: ان صدقتموني فيما أسألكم عنه فأنتم آمنون من عقوبتي؛ و ان أصررتم علي الجحود دللت علي كل ما أخذه كل واحد منكم، و عاقبتكم عند ذلك بما تستحقونه مني.

ثم قال: يا فلان، أخذت كذا و كذا، و أنت يا فلان أخذت كذا و كذا.

قالوا: نعم.



[ صفحه 177]



قال: فردوه.

فذكر لكل واحد منهم ما أخذه و صار اليه، حتي ردوا جميع ما أخذوه» [11] .

و روي هذا الخبر عن محمد بن عبدالله، هكذا:

«لما مضي أبوالحسن عليه السلام، فأمر أبومحمد عليه السلام باغلاق الباب الكبير، ثم دعا بالحريم و العيال و الغلمان، فجعل يقول لواحد واحد: رد كذا و كذا، و يخبره بما أخذه، حتي ما فقد من الخزانة شي ء الا رد بعلامته و عينه، و الحمد لله رب العالمين» [12] .

و الروايتان - اثنتاهما - تدلان قطعا، علي أن الامام صلوات الله عليه، يري و يعلم كل ما يجري حوله باذن ربه عز اسمه، بل ما يجري في مختلف أطراف المعمور اذا شاء لاقامة حجة، أو لاظهار آية و دلالة.

أما الخدم الذين اغتنموا فرصة انشغال الامام عليه السلام بتجهيز أبيه صلي الله عليه، و انتهبوا خزانته وسطوا علي ما في بيته، فانهم مساكين يستحقون الشفقة لقصورهم عن فهم ما هو عليه الامام من القدرة الفائقة التي رأوا آثارها منه في كل يوم و كل مناسبة من غير أن يفكروا فيها!.

و نحن أيضا مخيرون بين أن نكون مثل أولئك الخدم - العبيد، و بين أن نكون أسياد أنفسنا فنذعن للحق اذا ظهر لنا، بجرأة لا يقف في وجهها شي ء.. و الا، فاننا نكون عاجزين عن قطع خيط القطن الذي يربط الشيطان به آنافنا، و يجرنا الي حيث يدري من الضلال، و لا ندري!.



[ صفحه 178]



و قال محمد بن عبدالله أيضا:

«فقد له غلام صغير، فلم يوجد.

فأخبر - عليه السلام - بذلك، فقال: اطلبوه من البركة:

فطلب، فوجد في بركة الدار ميتا» [13] .

ثم ذكر الراوي نهب الخزانة الذي تحدثنا عنه -.

و توجيههم الي طلب الغلام من البركة لم يكن حدسا، و لا تخمينا. بل هو جزم بأنه قد وقع فيها و مات. فلم يحتمل عليه السلام خروج الغلام الي الحديقة، و لا الي الشارع العام، و لا أنه يلعب مع أترابه؛ و لكنه أمرهم بطلبه في البركة، أمر عالم بذلك كمن قد رأي و قد سمع.. و أنه - مذ أخبر بفقد الولد - بدت له صورته - أمان ناظريه - قد مات غريقا في تلك البركة. و ما ذلك علي الله بعزيز، و لا علي وليه و نجيبه بغريب.

و حدث أبوقاسم الحبشي قائلا:

كنت أزور العسكر في شعبان، في أوله، ثم أزور الحسين عليه السلام في النصف.

فلما كان في سنة من السنين، وردت العسكر قبل شعبان، و ظننت أني لا أزوره - أي الحسين عليه السلام - في شعبان.

فلما دخل شعبان قلت: لا أدع زيارة كنت أزورها، و خرجت الي العسكر.



[ صفحه 179]



و كنت اذا وافيت العسكر أعلمهم برقعة أو رسالة. فلما كان هذه المرة قلت: أجعلها زيارة خالصة لا أخلطها بغيرها. و قلت لصاحب المنزل: أحب أن لا تعلمهم بقدومي.

فلما أقمت ليلة جاءني صاحب المنزل بدينارين، و هو يبتسم و يقول: بعث الي بهذين الدينارين و قيل لي: ادفعهما الي الحبشي، و قل له: من كان في طاعة الله، كان الله في حاجته» [14] .

فلم يخف أمرك علي صاحب الأمر عليه السلام يا حبشي.. و لا خفي عليه وقت وصولك الي سامراء، و لا محل نزولك.. و لا ضل الديناران طريقهما اليك!.

ان ولي الله يعرف من كان في طاعة الله، و من كان في معصيته، و لا يغيب عنه شي ء من أمر الرعية التي استرعاه ربه اياها. و تلك نعمة من الله سبحانه أنعم بها عليه، ليجعله آية للناس، و دليلا عليه عزوجل، و رمزا لقدرته التي لا يعجزها شي ء في الأرض و لا في السماء.

و الذي يأخذني العجب منه، هو أنه لماذا لا نكون منصفين مع أن الانصاف يعود علينا بالخير، و نختار الانكار أول ما نختار مع أن انكارنا لا يحول دون قدرة الامام علي معرفة ما يكون، و لا يمنع عنه شيئا من مواهب الله و عطاياه؟!.

اننا اذا والينا الامام أو عارضناه، لا يؤثر ولاؤنا و لا معارضتنا علي مركزه الآلهي شيئا. فلم ننصب أنفسنا محامي دفاع عن الباطل، و نتحمس لرفض الحق كلما أعطانا الشيطان جرعة من وسوسته الخبيثة التي تضرنا



[ صفحه 180]



مرتين: مرة حين نتحمل أوزار انحيازنا الي حزب الشيطان، و مرة أخري - أصعب و أشد وقعا - حين يوبخنا الشيطان اللعين يوم القيامة و يقول: (ان الله وعدكم وعد الحق و وعدتكم فأخلفتكم و ما كان لي عليكم من سلطان الا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم و مآ أنتم بمصرخي!!!) [15] (اني أخاف الله رب العلمين) [16] فلا توجعوا رأسي بكلامكم التافه.. و تفرقوا عني فلست مستعدا لمصارختكم.. فأغلقوا باب الاعتراض و لا ترموني بما ارتكبتموه بسوء اختياركم.

فخافوا الله علي أنفسكم في الدنيا أيها الاخوان.. قبل أن تروا خوف الشيطان منه في الآخرة، حين لا ينفعه و لا ينفعكم الخوف!.

قال اسماعيل بن محمد بن علي بن اسماعيل بن علي بن عبدالله بن العباس بن عبدالمطلب:

«قعدت لأبي محمد عليه السلام علي ظهر الطريق. فلما مر بي - قمت في وجهه و شكوت اليه الحاجة و الضرورة، و حلفت له أنه ليس عندي درهم فما فوقه، و لا عشاء ولا غداء.

فقال: تحلف بالله كاذبا، و قد دفنت مائتي دينار؟!. و ليس قولي هذا دفعا لك عن العطية!. أعطه يا غلام ما معك.

فأعطاني غلامه مائة دينار.

ثم أقبل علي فقال لي: انك تحرم الدنانير التي دفنتها أحوج ما تكون اليها.



[ صفحه 181]



و صدق عليه السلام، و كان كما قال. و ذلك أني أنفقت ما وصلني به، و كنت قد دفنت مائتي دينار و قلت: تكون ظهرا أو كهفا لنا. فاضطررت ضرورة الي شي ء أنفقه، و انغلقت علي أبواب الرزق، فنبشت عن الدنانير التي كنت دفنتها، فلم أجدها. فنظرت فاذا ابن لي قد عرف موضعها فأخذها و هرب، فما قدرت منها علي شي ء!. فكان كما قال» [17] .

فهل آمنت يا عباسي بقول الهاشمي عليه السلام الذي كذب يمينك بالله بأنك لا تملك درهما و لا عشاء و لا غداء؟!.

فلم يكن الامام سلام الله عليه معك حين خبأت المائتي دينار، و مع ذلك ذكرك بها و فضح أمرها!.

و لم يخجلك، بل تلطف بحاجتك و لم يعتبر تكذيبك دفعا لك عن عطائه.

وثق أن غلامه لو كان يحمل ألف دينار لأمره بدفعها اليك، لأنك طلبت العطاء من سيد المعطين.

و اعلم أنه صلوات الله عليه قد وعدك بالحرمان من دنانيرك المخبأة في أشد ظروف حاجتك اليها، ليلقي عليك الحجة بأنه حجة الله الذي لا يفوت علمه شي ء باذن ربه.. و ستطالب بالاقرار بذلك بين يدي ربك ان لم تكن قد اتعظت و آمنت!.



[ صفحه 182]



و قال أبوهاشم الجعفري رحمه الله:

«شكوت الي أبي محمد عليه السلام ضيق الحبس و كلب القيد - أي مسماره الذي يشد به -.

فكتب الي: أنت تصلي اليوم الظهر في منزلك.

فأخرجت وقت الظهر فصليت في منزلي، كما قال عليه السلام.

و كنت مضيقا فأردت أن أطلب منه دنانير في الكتاب فاستحييت.

فلما صرت الي منزلي وجه الي بمائة دينار و كتب الي: اذا كانت لك حاجة فلا تستح ولا تحتشم، و اطلبها فانك تري ما تحب ان شاء الله تعالي» [18] .

فلو كان أمر اخراج هذا السجين الجليل صادرا عن الامام عليه السلام، لكان من الصعب أن يضمن تبليغه اياه قبل صلاة الظهر من ذلك اليوم، اذ ربما تأخر الحاجب، أو تباطأ الآمر باخلاء سبيله وقتا ما.. فكيف جزم سلام الله عليه بأنه سيصلي الظهر في بيته لولا رسل ربه الذين يعملون بين يديه و يبلغونه شؤون الناس ساعة فساعة؟!. يدلك علي ذلك أنه عرف حاجة صاحب المعونة فأمده بالمال، بل عرف بما هو أدق من ذلك و أبعد عن تناول الفكر.. اذ عرف احتشامه و حياءه من طلب المعونة و أمره بأن لا يحتشم من الطلب اذا مسته الحاجة الي المال!. فتأمل مليا قبل أن تبدي رأيك بما يتسم



[ صفحه 183]



به هذا الامام العظيم صلوات الله عليه و تحياته و بركاته من القدرة التي تفوق قدرة البشر!.

و عن علي بن محمد بن زياد، أنه خرج اليه توقيع أبي محمد عليه السلام:

«فتنة تخصك، فكن حلسا من أحلاس بيتك.

قال: فنابتني نائبة فزعت منها، فكتبت اليه: أهي هذه؟.

فكتب: لا.. أشد من هذه!.

فطلبت بسبب جعفر بن محمد، و نودي علي: من أصابني فله مائة ألف درهم!» [19] .

ان جعفر بن محمد المذكور كان وزير «المعتز» و قد ذكر في حديث «المتوكل» مع الامام الهادي عليه السلام حين سأله عن المواطن الكثيرة و ذكرنا ذلك في كتابنا السابق عن «الامام الهادي».

و الحلس: هو ما يبسط تحت حر الثياب فتستره و معني: كن حلسا من أحلاس بيتك: أي الزمه و تستر به و لا تغادره لتكشف عن نفسك.

ولو سألنا ابن زياد هذا: كيف علم الامام بفتنة تخصه بالذات - و قبل وقوعها بزمن - و أجابنا بما يقنع لسألناه، و لكنه لا يعرف من تعليل ذلك الا ما نعرفه من أن الامام يعرف ما كان و ما يكون بمشيئة الله، و أن هذا من بعض قدراته التي منحه الله تعالي اياها.. و اذن فالسؤال الذي يدور دائما حول شي ء واحد، ليس له سوي جواب واحد مهما أعملنا الفكر!. ثم لا يفيد الروغان، و لا الفتل و الدوران.



[ صفحه 184]



و روي علي بن محمد، عن بعض أصحابنا، قال:

«كتب محمد بن حجر الي أبي محمد عليه السلام ليشكو عبدالعزيز بن دلف، و يزيد بن عبدالله.

فكتب اليه: أما عبدالعزيز فقد كفيته. و أما يزيد فان لك و له مقاما بين يدي الله عزوجل!.

فمات عبدالعزيز. و قتل يزيد محمد بن حجر» [20] .

و فيها يبدو اللغز العجيب حين قال الامام عليه السلام لابن حجر: أما يزيد فان لك و له مقاما بين يدي الله عزوجل!.

و كأني بمحمد بن حجر - المظلوم - قد تراءي له ما وراء ذلك اللغز، و تصور نفسه مقتولا بيد عدوه يزيد بن عبدالله، و استعرض موقفه معه و هو يشكوه الي الله تبارك و تعالي و أوداجه تشخب دما!.

ان اماما عنده هذه القدرة، و بيده علم المنايا و البلايا الذي ورثه عن آبائه الطاهرين، عن جده الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم، لهو حجة لله علي العباد، يخبر عن علم أكيد و ثائقه بيده، محفوظة في صدره.. و أن نحور و ندور و تحوم أذهاننا حول تفسير ذلك و تأويله، فضرب من السفه و محاولة دخول البيوت من ظهورها، في حين أن أبوابها مشرعة للداخلين!. فلا يجوز أن ترتطم رؤوسنا دائما و أبدا بالجدار، و نعمي عن الأبواب المفتحة أمام الأنظار!!.

قال علي [21] بن زيد بن علي بن الحسين بن علي:



[ صفحه 185]



«كان لي فرس، و كنت به معجبا أكثر ذكره في المحافل.

فدخلت علي أبي محمد عليه السلام يوما فقال لي: ما فعل فرسك؟.

فقلت: ها هوذا علي بابك، الآن نزلت عنه.

فقال: استبدل به قبل المساء ان قدرت علي مشتر، و لا تؤخر ذلك.

و دخل علينا داخل فانقطع الكلام. فقمت متفكرا، و مضيت الي منزلي فأخبرت أخي فقال: ما أدري ما أقول لك في هذا؟!. فشححت و نفست - أي بخلت - علي الناس ببيعه.

و أمسينا، فلما صلينا العتمة جاءني السائس فقال: يا مولاي نفق فرسك الساعة!. - أي مات -.

فاغتممت، و علمت أنه - عليه السلام - عني هذا بذلك القول.

ثم دخلت علي أبي محمد عليه السلام بعد أيام و أنا أقول في نفسي: ليته أخلف علي دابة.

فلما جلست قال قبل أن أحدث بشي ء: نعم، نخلف عليك دابة. يا غلام: أعطه برذوني الكميت. هذا خير من فرسك، و أوطأ، و أطول عمرا» [22] .

و ألفت النظر الي أن امامنا عليه السلام، قد أمر صاحب هذا الفرس



[ صفحه 186]



باستبداله لمحض اظهار المعجزة، و لعلمه بأنه لا يفعل ذلك بهذه السرعة، و أنه لو حاول فلن يجد المشتري فورا.

و أجزم - كذلك - أنه عرف بأن الفرس سينفق عند صلاة العتمة، و أن نفس صاحبه تشح ببيعه أو استبداله. فلم يشأ أن يفجأه بذلك الخبر المؤذي، و أشار له بما أشار للتنبيه الي انتظار أمر سيحدث.

و أؤكد - أيضا- أنه عليه صلاة الله و سلامه، قد أعد برذونه الكميت الذي ضمن له طواعية ظهره، و طول عمره سلفا.. بل علم بأن هذه الآية ستتناقلها الألسنة و الأقلام علي مدي الدوران ليتضح الحق لذي عينين، و ليتجلي أريج الطيب السماوي يفوح من أبيات آل محمد صلي الله عليه و عليهم الي أبد الأبد..

و كذلك حدث علي بن زيد بن علي بن الحسين بن زيد بن علي، نفسه، قائلا:

«صحبت أبامحمد عليه السلام من دار العامة - أي مجلس السلطان - الي منزله.

فلما أتي الدار و أردت الانصراف، قال: أمهل.

و دخل ثم أذن لي. فدخلت فأعطاني مائة دينار و قال: اصرفها في ثمن جارية، فان جاريتك فلانة قد ماتت!. و كنت خرجت و عهدي بها أنشط ما كانت!.

فمضيت فاذا الغلام يقول: ماتت فلانة جاريتك، الساعة!.

فقلت: ما حالها؟!.



[ صفحه 187]



قيل: شربت ماء، فشرقت فماتت!» [23] .

فلا تحزن يا ابن زيد، و لا تك في ضيق مما يحل بفنائك!.

فبالأمس نفق فرسك، فعوض عليك الامام صلي الله عليه برذونا كميتا قويا، طويل العمر.

و اليوم ماتت جاريتك، فوهبك مائة دينار لشراء بديلة عنها.. و علم ذلك دون أن يخبره أحد.

و أنا - بعد حادثتيك - أغبطك علي العاطفة النبوية التي أحاطك بها أبومحمد عليه السلام، و أبارك لك بالتشرف بخدمته، و الحصول علي عنايته، فانه امام كريم يجبر الحال، و يحفظ الانسان من ذل السؤال، و لا يضطر أحدا لطلب حاجة، بل يقضيها لمجرد أن تجول في خلده، ليدل علي عظمة الله المتجلية في عظمة مخلوقه الكريم!.

و عن الراوي السابق نفسه، قال:

«دخلت علي أبي محمد عليه السلام يوما.

فاني جالس عنده اذ ذكرت منديلا كان معي فيه خمسون دينارا، فقلقت لها و ما تكلمت بشي ء و لا أظهرت ما خطر ببالي.

فقال أبومحمد عليه السلام: لا بأس، هي مع أخيك، محفوظة ان شاء الله.



[ صفحه 188]



فأتيت منزلي، فدفعها الي أخي» [24] .

فهل وضع امامنا عليه السلام و التحيات تلك الدنانير أمانة مع ابن زيد، و أمره بأدائها لأخيه، حتي عرف مكانها و ضمن ردها؟!.

لا.. فكيف عرف - اذن - مكانها. و ضمن ردها، و آمن صاحبها عليها؟!. و من أين له هذه الثقة بمن وجدها أن يرجعها بلا طلب؟!.

قد تجد أسئلة بلا أجوبة قاطعة، الا مثل هذه الأسئلة فان أجوبتها عند كل من يعرفون ماهية الامامة و شأنها العظيم، و يدركون العظمة التي خلعها الله تبارك و تعالي علي أهل بيت النبي صلي الله عليه و آله و سلم من سربال عظمته.

قال محمد بن عبدالله:

«كتبت اليه أخبره باختلاف الموالي، و أسأله اظهار دليل. - أي أخبره باختلافهم في امامته عليه السلام -.

فكتب: انما خاطب الله عزوجل أولي الألباب، و ليس أحد يأتي بآية، أو يظهر دليلا، أكثر مما جاء به خاتم النبيين و سيد المرسلين، فقالوا: كاهن، و ساحر كذاب!. فهدي الله من اهتدي، غير أن الأدلة يسكن اليها كثير من الناس؛ و ذلك أن الله جل جلاله يأذن لنا فنتكلم و يمنع فنصمت.

و لو أحب الله أن لا يظهر حقا لما بعث النبيين مبشرين و منذرين، يصدعون بالحق في حال الضعف و القوة في أوقات، و ينطقون في أوقات، ليقضي الله أمره و ينفذ حكمه.



[ صفحه 189]



و الناس في طبقات شتي:

فالمستبصر علي سبيل نجاة، متمسك بالحق، متعلق بفرع أصيل، غير شاك و لا مرتاب، لا يجد عنه ملجأ.

و طبقة لم تأخذ الحق من أهله، فهم كراكب البحر، يموج عند موجه، و يسكن عند سكونه.

و طبقة استحوذ عليها الشيطان، شأنهم الرد علي أهل الحق، و دفع الحق بالباطل (حسدا من عند أنفسهم) [25] .

فدع من ذهب يمينا و شمالا، فان الراعي اذا أراد أن يجمع غنمه، جمعها في أهون سعي.

ذكرت خلاف موالينا. فاذا كانت الوصية و الكتب فلا ريب. و من جلس مجلس الحكم فهو أولي بالحكم.

أحسن رعاية من استرعيت، و اياك و الاذاعة و طلب الرئاسة، فانهما يدعوان الي الهلكة!.

ذكرت شخوصك الي فارس فاشخص. خار الله لك. و تدخل مصر ان شاء الله آمنا. و اقرأ من تثق به من موالينا السلام، و مرهم بتقوي الله العظيم، و أداء الأمانة، و أعلمهم أن المذيع علينا حرب لنا!.

قال: فلما قرأت: خار الله لك في دخولك مصر ان شاء الله آمنا، لم أعرف المعني فيه. فقدمت بغداد عازما علي الخروج الي فارس فلم يقيض لي، و خرجت الي مصر» [26] .



[ صفحه 190]



فقد سأل هذا الرجل اظهار دليل علي امامة أبي محمد عليه السلام ليقطع في الأمر و يتخلص من التردد، فحمله الامام مسؤولية نفسه بأن ينظر في أمرين:

أولهما: أن أدلة الامامة لا تخفي علي من ابتغي الهداية، اما بسماع النص من أهل الثقة، و اما بالشياع حيث لا يسأل المرء أحدا عن امام الزمان الا أجيب: هو فلان، سواء أكان المسؤول مواليا أم معاديا؛ فان أشد الناس عداوة لأهل البيت عليهم السلام، اذا سألته عن الامام في عصره لقال: لا امام في هذا الزمان الا عند الروافض الذين يعتقدون بامامة فلان.

و ثانيهما: أنك اذا سألت - أو سأل الموالي المختلفون - عن الوصية و مواريث النبوة، فلا تكن في ريب أنها معنا لأننا نجلس مجلس الحكم، و ما من أحد أولي به منا.

و بعد ذلك أفهمه أن الموالاة لا تكون الا بحسن الاختيار طلبا للنجاة و تمسكا بالحق، ثم عرض له طبقات الناس الثلاث الذين هم:

المستبصرون الذين لا يفارقون الحق و لا يدعون ولاية آل محمد صلي الله عليه و عليهم.

و المتبعون لأئمة الضلال و قادة السوء، تتقاذفهم الأمواج مع أهواء أئمتهم و قادتهم.

و حزب الشيطان الذين أخذهم بأرسنتهم و جرهم الي حرب الحق و نصر الباطل حسدا و حقدا..

و بعد ذلك أمره باتباع الطريق المستقيم، و أن لا ينحرف يمينا و لا شمالا بعد أن عرف حامل المواريث السماء؛ ثم وعظه و أرشده الي حسن



[ صفحه 191]



سياسة من هم في منطقة وكالته. و وعده بدخول مصر التي ما كانت لتخطر له في بال كجواب عملي يدل علي أنه الامام العالم بما يكون و يحدث في عصره، العارف بما لا يعرفه أحد غيره من البشر.

فأنت تري حين تستعرض هذه الأمور، أن معالم الامامة ترشد الي نفسها بنفسها، و تنادي علي قطب رحاها بمل ء فيها! فلا تبحث عن الامام بين الأنام، فانه كالشمس لا يحجبها الغمام، كما لا يضيعه بين الناس الزحام، و لا يكسف نوره الرباني ظلام و لا ظلام!.

ذكر أبوالقاسم الكوفي في كتاب (التبديل) أن اسحاق الكندي كان فيلسوف العراق في زمانه، أخذ في تأليف تناقض القرآن، و شغل نفسه بذلك و تفرد به في منزله، و أن بعض تلامذته دخل يوما علي الامام الحسن العسكري عليه السلام، فقال له أبومحمد عليه السلام:

أما فيكم رجل رشيد يردع أستاذكم الكندي عما أخذ فيه من تشاغله بالقرآن؟!.

فقال التلميذ: نحن من تلامذته، كيف يجوز منا الاعتراض عليه في هذا، أو في غيره؟!.

فقال أبومحمد عليه السلام: أتؤدي اليه ما ألقيه اليك؟.

قال: نعم.

قال: فصر اليه، و تلطف في مؤانسته و معونته علي ما هو بسبيله.

فاذا وقعت الأنسة في ذلك فقل: قد حضرني مسألة أسألك عنها.

فانه يستدعي ذلك منك، فقل له: ان أتاك المتكلم بهذا القرآن - أي



[ صفحه 192]



الله تعالي - هل يجوز أن يكون مراده بما تكلم به منه، غير المعاني التي قد ظننتها أنك ذهبت اليها؟.

فسيقول: انه من الجائز. لأنه رجل يفهم.

فاذا أوجب ذلك فقل له: فما يدريك لعله قد أراد غير الذي ذهبت اليه، فتكون واضعا لغير معانيه!.

فصار الرجل الي الكندي، و تلطف به الي أن ألقي عليه هذه المسألة.

فقال له: أعد علي.

فأعاد عليه.

فتفكر في نفسه، و رأي ذلك محتملا في اللغة، و سائغا في النظر، فقال: أقسمت عليك الا أخبرتني من أين لك هذا؟!.

فقال: انه شي ء عرض بقلبي، فأوردته عليك.

فقال: كلا، ما مثلك من اهتدي الي هذا، و لا من بلغ هذه المنزلة!. فعرفني من أين لك هذا؟!.

فقال: أمرني به أبومحمد عليه السلام.

فقال: الآن جئت به!. و ما كان ليخرج مثل هذا الا من ذلك البيت!.

ثم انه دعا بالنار و أحرق جميع ماكان ألفه» [27] .

نعم، لا يعرف الفضل الا أهل الفضل!. فان الاشكال الذي أورده الامام عليه السلام علي الكندي في غاية الوجاهة لأن للقرآن الكريم سبعين وجها



[ صفحه 193]



يجد الانسان في كل واحد منها المخرج، فما أدراك بما أراد الله تعالي من آية ما، و من آية متشابهة أخري؟.

و قد أدرك الكندي هذه الحقيقة التي تستعصي علي أفهام الناس معني و مبني مهما بلغت أفهامهم من الدقة و الاستيعاب، فاتخذ موقفا قاطعا كان فيه علي حق مرتين:

مرة حين قال لتلميذه: أعد علي كلامك فأعاده.. ففكر مليا و قال له: أقسمت عليك الا أخبرتني من أين لك مثل هذا الكلام؟. ما مثلك من اهتدي الي هذا، و لا من بلغ هذه المنزلة!. فأفاده عن القائل، فقال: ما كان ليخرج مثل هذا الا من ذلك البيت!.

و مرة ثانية حين دعا الكندي بالنار و أحرق جميع ما كان ألفه من تناقض القرآن، و مما كان يخالف الواقع في كتاب (لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) [28] بل (و انه لكتاب عزيز) [29] لا يهتدي الي خفاياه الا من هداه الي ذلك الله الذي خلقه و سواه.. فقد علم أن اعتراض تلميذه عليه قد خرج من عيبة علم و معدن معرفة، و أنه يفوح منه شذا النبوة و أريج الرسالة و روح السماء.. فأذعن لما لا جواب عليه لأن الراد علي أهل ذلك البيت صلوات الله عليهم راد علي الله عز و علا.. و الكندي فيلسوف يدرك هذه المعاني قبل غيره من أهل المعرفة.

قال محمد بن حمزة السروي:

«كتبت علي يد أبي هاشم، داود بن القاسم الجعفري، و كان لي



[ صفحه 194]



مؤاخيا، الي أبي محمد عليه السلام أسأله أن يدعو لي بالغني، و كنت قد أملقت و قلت ذات يدي، و خفت الفضيحة.

فأوصلها، و خرج الجواب علي يده: أبشر فقد أتاك الغني، غني الله تبارك و تعالي مات ابن عمك يحيي بن حمزة، و خلف مائة ألف درهم، و هي واردة عليك، فاشكر الله. و عليك بالاقتصاد، و اياك و الاسراف فانه من فعل الشيطنة!.

فورد علي بعد ذلك قادم و معه سفاتج من حران، فاذا ابن عمي قد مات في اليوم الذي رجع الي أبوهاشم بجواب مولاي أبي محمد. و استغنيت و زال الفقر عني كما قال سيدي. و أديت حق الله في مالي، و بررت اخواني، و تماسكت بعد ذلك - و كنت مبذرا - كما أمرني أبومحمد» [30] .

و روي هذا الحديث عنه بلفظ: «أملقت و عزمت علي الخروج الي يحيي بن محمد، ابن عمي، بحران. و كتبت الي أبي محمد عليه السلام أن يدعو لي.

فجاء الجواب: لا تبرح، فان الله يكشف ما بك، و ابن عمك قد مات.

و كان كما قال، و وصلت الي تركته» [31] .

و هذا لا ينافي ما سبق، فقد كان حكاية حال عنه.

و مثل ذلك ما حدث به علي بن حميد الذراع الذي قال:



[ صفحه 195]



«كتبت الي أبي محمد عليه السلام أسأله الفرج مما نحن فيه من الضيق.

فرجع الجواب، الفرج سريع، يقدم عليك مال من ناحية فارس.

فمات ابن عم لي بفارس ورثته، و جاءني مال بعد أيام يسيرة» [32] .

فقد قال عليه السلام للسائل الأول: أبشر فقد أتاك الغني!.

ثم قال للسائل الثاني: الفرج سريع!.

في جوابين قالهما بمل ء فيه، و بكامل الثقة و الاطمئنان: و كأنه عليه السلام ملأ سفاتج حران بيده دراهم و نقودا من ارث السروي لابن عمه!. أو كأنه حرر ارث ابن حميد الذراع بفارس الساعة!.

و ليزيد في اطمئنان الأول الي الغني الموعود، أفهمه أنه علي علم باسرافه و تبذيره فأمره بالاقتصاد و عدم التبذير، مشيرا الي أنه عليه السلام عارف بدقائق أمور معاصريه، مطلع علي أحوالهم، عالم بما هم عليه.

و هذا كله، والله، لو كان من غير الامام، لكان مدعاة للتفكير و العجب؛ و لكنه من الامام ليس بمستغرب لأنه من أبسط دلائل امامته و ولايته لأمور الناس، و كونه يستقي معلوماته من السماء لا من شبكات استخبارات أرضية قد تصدق و قد تكذب!.

قال داود بن الأسود:

«دعاني سيدي أبومحمد عليه السلام، فدفع الي خشبة كأنها رجل باب، مدورة طويلة، مل ء الكف، فقال:

صر بهذه الخشبة الي العمري - أي الي نائبه الذي صار نائبا لابنه المهدي عجل الله تعالي فرجه -.



[ صفحه 196]



فمضيت. فلما صرت في بعض الطريق، عرض لي سقاء معه بغل. فزاحمني البغل علي الطريق، فناداني السقاء: ضح علي البغل!. - أي مهلا عليه، و مل عن طريقه -.

فرفعت الشخبة التي كانت معي، فضربت بها البغل فانشقت!. فنظرت الي كسرها فاذا فيها كتب - أي رسائل - فبادرت سريعا فرددت الخشبة الي كمي - لتحت ثيابه - فجعل السقاء يناديني و يشتمني، و يشتم صاحبي.

فلما دنوت من الدار راجعا، استقبلني عيسي الخادم عند الباب الثاني فقال: يقول لك مولاي أعزه الله: لم ضربت البغل و كسرت رجل الباب؟!.

فقلت له: يا سيدي، لم أعلم ما في رجل الباب.

فقال: و لم احتجت أن تعمل عملا تحتاج أن تعتذر منه؟!. اياك بعدها أن تعود الي مثلها!. و اذا سمعت لنا شاتما فامض لسبيلك التي أمرت بها.

و اياك أن تجاوب من يشتمنا، أو أن تعرفه من أنت!. فانا ببلد سوء، و مصر سوء، و امض في طريقك فان أخبارك و أحوالك ترد الينا!. فاعلم ذلك» [33] .

أجل، صدقت يا عيسي الخادم. انكم كنتم ببلد سوء، و مصر سوء.. و لولا ذلك ما دس الامام رسائله في خشبة كأنها رجل باب ليبعث بها الي وكيله مستورة عن أعين الرقباء!.

لقد كنتم في دنيا غير دنيا معاصريكم.. فهم فيها مرتاحون منعمون، مستسلمون لما هم فيه من الملذات الزائلة.. و أنتم فيها متعبون، قلقون في دنيا هي سجن المؤمن و جنة الكافر. و أنتم حذرون - ليل نهار - تعملون لحياة دائمة و نعيم لا يزول.. فاعلم ذلك يا داود بن الأسود!. و اعلم - أيضا - بأن



[ صفحه 197]



أخبارك و أحوالك - و أخبار الناس أجمعين، أكتعين، أبصعين و أحوالهم - ترد علي الامام عليه السلام جملة و تفصيلا.. كل يوم!.

ضع ذلك في معلومك.. و نحن نضعه في معلومنا أيضا!.

فان نظام مملكة السماء تقصر عنه جميع أنظمة ممالك الأرض.

و عن علي بن الحسن بن الفضل اليماني، قال:

«نزل «بالجعفري» من آل جعفر، خلق كثير لا قبل له بهم!. فكتب الي أبي محمد عليه السلام يشكو ذلك.

فكتب اليه: تكفونهم ان شاء الله تعالي.

قال: فخرج اليهم في نفر يسير، و القوم يزيدون علي عشرين ألف نفس، و هو في أقل من ألف، فاستباحهم» [34] .

- أي انتصر عليهم و كسرهم شر كسرة -.

و المراد بجعفر، جعفر بن أبي طالب، الطيار - عليه السلام -. و الجعفري: رجل من أولاد جعفر «المتوكل» استبصر بالحق و قال بالولاية و نسب نفسه الي الامام جعفر الصادق عليه السلام باعتبار المذهب الذي اعتنقه.

و كان الخليفة قد أراد قتل كل من يحتمل أن يدعي الخلافة، فقتل جمعا من الأمراء، و بعث جيشا لقتل «الجعفري» المذكور. فلما أحس أنه حوصر و نزل الجيش بساحته كتب الي الامام عليه السلام، و سأله الدعاء لدفع ذلك الاعتداء الخطير، فأجابه بأنه سيكفي أمرهم.



[ صفحه 198]



و أنت تري أن جواب الامام الملخص بخمس كلمات يحمل آية للمتفكرين، فقد انتصر الجعفري بألف رجل علي عشرين ألفا في جيش شرس مهاجم، و هزمه و استباح ما معه!.

و ان عبارة: «تكفونهم ان شاء الله تعالي» كانت دعاء كافيا لقلب مفاهيم تلك المعركة غير المتكافئة!. فان الامام اذا رفع الي ربه أكف الابتهال و الدعاء، تفتح لدعائه أبواب السماء و معاقد العرش، و يكون كأنه قال للشي ء: كن، فيكون باذن الله السميع المجيب!.

و اذن، فليس انتصار الألف الواحد علي العشرين ألفا بعجيب..

قال أبوالقاسم، ابن ابراهيم بن محمد، المعروف بابن الحربي:

«خرج أبومحمد بن علي من المدينة. فأردت قصده و لم أعلم في أي طريق آخذ. فقلت ليس الا الحسن بن علي عليه السلام - أي أنه يرشد الي الطريق ببركته -.

فقصدته بسر من رأي. و قد دنوت من بابه و هو مغلق؛ فقعدت انتظارا لداخل أو خارج، فسمعت قرع الباب و كلام جارية من خلف الباب فقالت: يا ابن ابراهيم بن محمد، مولاي يقرئك السلام، و معها صرة فيها عشرون دينارا، و يقول: هذه بلغتك الي أبيك. - أي أنها تكفيه حتي يصل الي أبيه -. فأخذت الصرة و قصدت الجبل، و ظفرت بأبي بطبرستان و كان قد بقي من الدنانير واحد، فدفعته اليه و قلت: هذا ما أنفذه اليك مولاك، و ذكرت القصة» [35] .



[ صفحه 199]



و اذ نقرأ هذه الحادثة البسيطة يوقفنا منها اجلال هؤلاء الأصفياء الذين كانوا يعرفون حق الأئمة عليهم السلام حق المعرفة، و ينظرون اليهم قادرين - باذن الله تعالي - علي اجتراح العجائب، و علي انقاذهم في ساعة العسرة، و تخليصهم من مآزق الحياة.

فابن الحربي - هذا - اشتاق الي سيده و مولاه، فخرج يقصده و يحمله الشوق الي التشرف بخدمته، جاهلا أي طريق يسلك اليه، فاعتمد عليه راجيا أن يرشده الله تعالي - ببركته؛ فكان له ما أراد.

و اذ وصل الي بابه - في سر من رأي - وجده مغلقا.. فمن دل الامام عليه السلام علي ساعة وصوله اليه؟. و من عرفه أنه هو بذاته - و باسمه و جسمه - قد قعد منتظرا علي الباب؟. و كيف علم أن هذا الرجل يكفيه عشرون دينارا لمصاريف طريقه الي أبيه؟.

انها أسئلة يجوز أن ترد حول تصرفات أي واحد من البشر، سوي امام الزمان. ذلك بأنه مسخرة له الملائكة و سائر العوامل الطبيعية، فلا يستعصي عليه شي ء، و لا تخفي عليه خافية باذن ربه. و ايراد مثل تلك الأسئلة و التعجبات لا تصدر الا عن جاهل بحق الامام، و بكونه سفيرا ربانيا بين يديه ما لا يحصي من الآلات السماوية و الأجهزة الالهية التي تعمل بسرعة أشد من سرعة البرق، و تطلعه علي الأمور بدقائقها و تفاصيلها، و أنه - الي جانب ذلك - يتمتع بقدرة هائلة علي التلقي و الاعطاء، و أنه.. و أنه من البشر في ظاهر حاله، و فوق البشر بواقعه و بأصل جبلته و خلقه!.. فمن نظر الي امام زمانه نظرته الي عالم كبير من علماء قومه، أو الي عظيم خطير من عظماء بني جنسه، أخطأ الهدف و ضل عن جادة الصواب، لأن الامام ليس كذلك.. بل هو فوق ذلك بما لا يحيط به وصف، و بما لا يقع تحت حس و لا وعي.



[ صفحه 200]



و قال علي بن محمد بن زياد الصيمري:

كنت جعلت علي نفسي أن أحمل كل سنة النصف من خالص انتفاع ضيعتين لي بالبصرة، لم يكن في ضياعي أجل منهما و لا أكثر دخلا، الي أبي محمد عليه السلام. فكانت تزكو غلاتهما و تريع أضعاف الريع قبل ذلك.

فأعددت ألفي دينار لأحملها، فوجه الي ابن عمي: محمد بن اسماعيل بن صالح الصيمري بأموال حملتها اليه من أموالي في كتابي، و ما فصلت ماله عن مالي.

فورد علي الجواب: وصل ما حملته، و من جملته ما حمله الينا علي يدك الاسماعيلي قرابتك، فعرفه ذلك» [36] .

لك الله يا صيمري!. لقد ذقت زكاة غلات ضيعتيك اللتين تضاعف ريعهما حين جعلت علي نفسك أن تحمل النصف الي مولاك أبي محمد عليه السلام.

فما بالك تخلط مالك المرسل اليه، مع مال ابن عمك، دون أن تذكر للامام ذلك؟!.

هل فات علمك أنه عليه السلام يعرف المال، و مصدره، و صاحبه، و حلاله، و حرامه، و كثيره، و قليله؟!.

أم جربت أن تقتنص دلالة بينة علي أنه سلام الله عليه يعلم ذلك؟!.

ربما كان ذلك منك من عمد أو عن غير قصد.. و لكن امامنا عليه السلام كتب لك عن قصد و تصميم، لتعرف - و نعرف نحن من بعدك - أن الامام ذو عين لا تنام!. و هذه هي وظيفته التي رسمه الله تعالي لها.



[ صفحه 201]



و قال ابن الفرات: [37] .

«كان لي علي ابن عم لي عشرة آلاف درهم، فطالبته بها مرارا، فمنعنيها.

فكتبت الي أبي محمد عليه السلام أسأله الدعاء لذلك.

فكتب الي: انه راد عليك مالك، و هو ميت بعد جمعة.

فرد علي ابن عمي مالي، فقلت له: ما بالك في رده و قد منعتنيه؟!.

قال: رأيت أبامحمد عليه السلام في المنام فقال لي: ان أجلك قد دنا، فرد علي ابن عمك ماله» [38] .

و كذلك قال محمد بن موسي:.

«شكوت الي أبي محمد عليه السلام مطل غريم لي.

فكتب الي: عن قريب يموت. و لا يموت حتي يسلم اليك مالك عنده.

فما شعرت الا وقد. دق علي الباب و معه مالي. و جعل يقول: اجعلني في حل مما مطلتك.

فسألت عن موجبه، فقال: اني رأيت أبامحمد عليه السلام في منامي و هو يقول: ادفع الي محمد بن موسي ماله عندك، فان أجلك قد حضر، و اسأله أن يجعلك في حل من مطله» [39] .



[ صفحه 202]



أحسنتما صنعا: يا ابن عم ابن الفرات، و يا غريم محمد بن موسي. فقد قنعتما بأمر جاءكما في المنام، و لم تقولا: أضغاث أحلام!.

و لأنتما - و أيم الحق - عارفان بامام زمانكما، و غنيان بولايتكما، و مصدقان بأن كلام أوصياء النبي صلي الله عليه و آله و سلم في المنام، ككلامهم في اليقظة، فقد أعطاهم الخالق سبحانه ما لم يعط أحدا غيرهم من المخلوقين ليكونوا كفاء ما حملهم من أمر أهل أرضه.

قال عمر بن أبي مسلم:

«قدم علينا بسر من رأي رجل من أهل مصر يقال له: سيف بن الليث، لكي يتظلم الي «المهتدي» في ضيعة غصبها شفيع الخادم و أخرجه منها. فأشرنا اليه أن يكتب الي أبي محمد عليه السلام يسأله تسهيل أمرها. - أي أن يدعو له -.

فكتب اليه أبومحمد عليه السلام: لا بأس عليك. ضيعتك ترد عليك، فلا تتقدم الي السلطان، والق الوكيل الذي في يده الضيعة و خوفه بالسلطان الأعظم الله رب العالمين.

فلقيه فقال الوكيل الذي في يده الضيعة: قد كتب الي عند خروجك من مصر أن أطلبك و أرد عليك الضيعة.

فردها عليه بحكم القاضي ابن أبي الشوارب [40] و شهادة الشهود: و لم يحتج أن يتقدم الي «المهتدي» فصارت الضيعة في يده و لم يكن لها خبر بعد ذلك» [41] .



[ صفحه 203]



بقيت ليثا ابن ليث يا مصري، و لم تبد ثعلبا.. فقد امتثلت أمر الامام و لم تذل نفسك في الوقوف علي باب السلطان.. و رد الله عليك ضيعتك.

و نأسف أننا صرنا نطري من يذعن للحق، و نمدح سامع النصيحة.. لأن الله سبحانه و تعالي قال: (أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون، أم يقولون به جنة بل جآءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون) [42] .

بلي والله، نحن نتعجب ممن رأوا الآيات و الدلائل فعاندوا أهل الحق، تعجبنا ممن يعرفون ذلك في عصرنا هذا، و ينحرفون..

و حدث عمر بن أبي مسلم - أيضا- عن سيف بن الليث المذكور، قائلا:

«قال سيف بن الليث - المصري: خلفت ابنا لي عليلا في مصر عند خروجي منها، و ابنا لي آخر أسن منه كان وصيي و قيمي علي عيالي و في ضياعي. فكتبت الي أبي محمد عليه السلام أسأله الدعاء لا بني العليل.

فكتب الي: قد عوفي ابنك المعتل، و مات الكبير، وصيك و قيمك. فاحمد الله و لا تجزع فيحبط أجرك.

فورد علي الخبر أن ابني قد عوفي من علته و مات الكبير يوم ورد علي جواب أبي محمد عليه السلام» [43] .

و الأمر من معدنه ليس عجيبا.. و سبحان من أعطي أئمة أهل



[ صفحه 204]



البيت عليهم السلام ما لم يعط أحدا من العالمين، و جعلهم مستودع حكمته و باب رحمته، و أناط أمرهم بمشيئته و علمهم علم ما كان و علم ما بقي؛ ليكونوا الناطقين بأمره و الأدلاء علي عظمته و جليل قدرته.

و قال عمر بن أبي مسلم ذاته:

«كان سميع المسمعي يؤذيني كثيرا، و يبلغني عنه ما أكره؛ و كان ملاصقا لداري.

فكتبت الي أبي محمد عليه السلام أسأله الدعاء بالفرج عنه.

فرجع الجواب: أبشر بالفرج سريعا؛ و يقدم عليك مال من ناحية فارس.

و كان لي بفارس ابن عم تاجر، لم يكن له وارث غيري. فجاءني ماله بعدما مات بأيام يسيرة.

و وقع - عليه السلام - في الكتاب: استغفر الله و تب اليه مما تكلمت به.

و ذلك أني كنت يوما مع جماعة من النصاب فذكروا أباطالب، حتي ذكروا مولاي، فخضت معهم لتضعيفهم أمره. فذكرت الجلوس مع القوم؛ و علمت أنه أراد ذلك» [44] .

و في رواية ثانية، ورد جواب الامام عليه السلام بلفظ:

«أبشر بالفرج سريعا؛ و أنت مالك داره».

فمات بعد شهر، و اشتريت داره فوصلتها بداري، ببركته» [45] .



[ صفحه 205]



فلو كنت أنا مكان سميع المسمعي لآذيتك يا عمر بن أبي مسلم، اذ لا يليق بمن هو مثلك في الفضل أن يجالس الذاكرين لأبي طالب و أبي محمد عليهم السلام بما لا يحسن ذكره؛ خصوصا و أنت تعلم أن الامام يؤتي بالكلام علي جناح سرعة هائلة.. أي حين حدوثه بالضبط.. و من أي كان!.

و علي كل حال، قد مات غريمك، و ملكك الله تعالي داره، الي جانب ارث ابن عمك، لأنه علم منك الايمان، و صدق التوبة.

و بغالب ظني أنه قد فاتك أن تعرف أن الامام يعلم جميع ما يحدث في عصره، فحملتك التقية علي مجالسة المناصبين للحق و أهله، ففجأك كتابه عليه السلام بمعرفته بما أنت عليه، ليردك الي الصراط القويم.

و كذلك قال أبوعلي، عمر بن أبي مسلم:

«كتبت الي أبي محمد عليه السلام و جاريتي حامل، أن يسمي ما في بطنها.

فكتب: سم ما في بطنها اذا ظهرت!.

ثم ماتت بعد شهر من ولادتها، فبعث الي بخمسين دينارا علي يد محمد بن سنان الصواف، و قال:

اشتر بهذه جارية» [46] .

فأن يعلم انسان ما في الأرحام، و يعرف هل المولود طويل العمر أم قصيره، فليس ذلك أمرا بسيطا!. و علي الأخص حينما لا يكون ذلك ضربا



[ صفحه 206]



بالرمل، و لا حساب جمل، و لا تخمينا. فذلك من علم الله جل و علا الذي (يهب لمن يشآء انثا و يهب لمن يشآء الذكور) [47] فهو سبحانه لا يشاركه في العطاء و الخلق أحد.. و لكنه - من فضله - يطلع أولياءه المقربين علي كثير مما برأ و ذرأ و قضي و قدر، ليسلحهم بما يقنع أنهم حججه علي الناس، و نجباؤه في الخلق، و ليهتدي بهم من يهتدي الي سماع أوامره و نواهيه فيعمل بها و يكون من الفائزين برضاه في دار ثوابه و نعيمه الدائم.

فاعجب من كل شي ء الا ما كان يخص محمدا و آل محمد صلي الله عليه و عليهم، فانهم بقية الأنبياء و الأوصياء و سادتهم من لدن آدم عليه السلام الي أن تقوم الساعة، و عندهم ما كان عند الأنبياء و الأوصياء و زيادة كما مر سابقا؛ و السماء ترفدهم دائما و أبدأ بما يحتاجون اليه من واضح البرهان، و ساطع البيان.

و التصديق بذلك مأمول من كل أحد، لأنه مفروض علي كل أحد.. و لكنه لا يكون بالاجبار، بل بالاختيار، ليكون للمختار أجره و ثوابه.

فأهل البيت عليه السلام - و هم - «هم الشعار - كما قال أميرالمؤمنين عليه السلام - أي بطانة النبي صلي الله عليه و آله و سلم - و هم - الأصحاب، و الخزنة، و الأبواب، و لا تؤتي البيوت الا من أبوابها. فمن أتاها من غير أبوابها سمي سارقا!.. فهم كرائم القرآن، و هم كنوز الرحمان. ان نطقوا صدقوا، و ان صمتوا لم يسبقوا» [48] .

و أفلح من دخل بيوت النبوة و منازل الوحي من أبوابها، و فاز - والله - فوزا عظيما!.



[ صفحه 207]



قال جعفر بن محمد القلانسي:

«كتبت الي أبي محمد، مع موسي بن عبدالجبار، و كان خادما، يسأله عن مسائل كثيرة. و سأله الدعاء لأخ خرج الي أرمينية يجلب غنما؟.

فورد الجواب بما سأل. و لم يذكر أخاه فيه بشي ء.

فورد الخبر بعد ذلك أن أخاه مات يوم كتب أبومحمد جواب المسائل!. فعلمنا أنه لم يذكره لأنه علم بموته» [49] .

أفرأيت - يا قارئي الكريم - كيف عرف القلانسي لياقة امامه عليه السلام؟!.لقد أجابه سلام الله عليه علي جميع مسائله، و لم يحب أن يذكر أخاه بشي ء تاركا له نسمة من الأمل يتلقي بعدها الخبر المؤلم.

و قد كان يمكنه أن يعزيه سلفا، و أن يعظه بالصبر لنيل الأجر، و لكن موت الأخ كسر جناح و لذا أعرض الامام عليه السلام عن ذكر الأخ و ما أصابه.

و حكي القلانسي نفسه قائلا:

«كتب أخي محمد، الي أبي محمد عليه السلام، و امرأته حامل مقرب، أن يدعو الله أن يخلصها، و يرزقه ذكرا، و يسميه.

فكتب يدعو الله بالصلاح و يقول: رزقك الله ذكرا سويا، و نعم الاسم: محمد، و عبدالرحمان.

فولدت اثنين في بطن؛ أحدهما في رجله زوائد في أصابعه، و الآخر



[ صفحه 208]



سوي. فسمي واحدا محمدا، و الآخر، صاحب الزوائد، عبدالرحمان» [50] .

و يلفت النظر في جواب أبي محمد عليه السلام أنه قال: رزقك الله ذكرا سويا، لا علي سبيل الدعاء، بل علي سبيل الاخبار، لأنه علم بالتوأمين، و بالعلامة المميزة في أحدهما، و بأن أحدهما غيرخ سوي.. ثم انه أشار في جوابه الي مولودين اثنين، و بين أن أحدهما - السوي - اختار له اسم محمد، و لم يوضح العلامة الفارقة في الولد الآخر، و أمر بتسميته عبدالرحمان.

فسبحان الرحمان الذي (و يعلم ما في الأرحام) و يطلع خيرته من خلقه علي شي ء من علمه ليجعله آية لأولي الأبصار!.

و قال محمد بن همام:

«كتب أبي الي أبي محمد، الحسن بن علي العسكري عليه السلام، يعرفه أنه ما صح له حمل بولد، و يعرفه أن له حملا، و يسأله أن يدعو الله في تصحيحه، و سلامته، و أن يجعله ذكرا نجيبا من مواليهم.

فوقع علي رأس الرقعة بخط يده: قد فعل الله ذلك.

فصح الحمل ذكرا» [51] .

و ليست هذه أولي الدلائل علي مواهب الله تعالي لأهل بيت رسوله الكريم صلي الله عليه و عليهم، فان كل ما صدر عن سليل ذلك البيت يدل علي أنه عبدالله المختار، الحامل لأسرار عظمته سبحانه في خلقه. فان



[ صفحه 209]



قوله عليه السلام: قد فعل الله ذلك، يشير الي كونه خازن علم الله تعالي، و مستودع حكمته في ملكوته الأرض؛ و الا فأية جرأة هي هذه التي يستعملها هذا العبد الصالح المجتبي، و يفوه بها بمل ء الثقة مخبرا بأن ربه عزوجل قد وهب سائله ولدا ذكرا بلا أدني ريب؟!

القاسم المفسر، عن يوسف بن محمد بن زياد، و علي بن محمد بن سيار، و كانا من الشيعة الامامية، اماميين، و كانت الزيدية الغالبين بأسترآباد، و كنا في امارة الحسن بن زيد العلوي امام يكثر الاصغاء اليهم، تقتل الناس بسعاياتهم، فخشيناه علي أنفسنا، فقصدنا حضرة الامام أبي محمد، الحسن بن علي بن محمد، أبي القائم عليه السلام.

فقال: مرحبا بالأوابين الينا، الملتجئين الي كنفنا. قد تقبل الله سعيكما، و أمن روعتكما، و صرتما أمينين علي أنفسكما و أموالكما.. الي أن قال:

لا تخافوا السعاة، و لا وعيد المسعي اليه، فان الله عزوجل يقصم السعاة و يلجئهم الي شفاعتكم فيهم (و الحديث طويل) و فيه أن ما أخبر به عليه السلام وقع» [52] .

من أعطي هذا الامام الكريم شيئا من علمه المكنون، و عرفه بما كان و ما يكون، فأرجع صاحبيه مطمنين آمنين علي النفس و المال، بعد أن كانا خائفين مرعوبين في ظل حاكم يأخذ الناس بالظن و التهمة.

في هذه الحادثة أنه - صلوات الله عليه - قد وعد الرجلين بأن يكونا مشفعين عند من هربا منه، و هما ليسا من شيعته و لا من طائفته.



[ صفحه 210]



(ذلك فضل الله يؤتيه من يشآء والله ذوالفضل العظيم).

و نقل أن أباسليمان المحمودي قال:

«كتبت الي أبي محمد أسأله الدعاء بأن أرزق ولدا.

فوقع: رزقك الله ولدا، و آجرك و أصبرك عليه!.

فولد لي ابن، و مات» [53] .

و الخبر ليس بأغرب مما سبقه، و ان كان يحتوي ذلك التلطف بالتعزية بمولود لن يعيش كثيرا بعد أن يبصر النور. ذلك أن من جعل الله تعالي علمه من علمه، لا يصعب عليه أن يجيب بمثل ذلك بتمام البساطة و التأكيد.

لقد ظلم الناس و التاريخ أئمة أهل البيت عليهم السلام، و نفسوا عيهم حقهم المكرس من العلاء، المرسوم من رب السماء.. بجرأة علي الله الذي كرس و رسم، قبل أن تكون جرأة عليهم!.

فهل نكون من الظالمين مع الظالمين لهم؟!.

و روي عن الحجاج بن سفيان العبيدي أنه قال:

«خلفت ابني بالبصرة عليلا، و كتبت الي أبي محمد أسأله الدعاء له.

فكتب الي: رحم الله ابنك، انه كان مؤمنا.

فورد علي كتاب من البصرة أن ابني مات في ذلك اليوم الذي كتب الي أبومحمد بموته.

و كان ابني شك في الامامة للاختلاف الذي جري بين الشيعة» [54] .



[ صفحه 211]



فلاحظ أنه علم بموت الولد ساعة موته!. و أن ذلك مما يقرأه في الزبور السماوي المنشور بين يديه.

ثم علم - كذلك - أن الولد كان قد شك في الامامة حين اختلاف الشيعة فيها، و أنه اعتدل بعد ذلك و آمن و اهتدي، و ذلك مما علمه الله تبارك و تعالي، لأنه يعرفه - بقدرته - علي كل كبيرة و صغيرة تجري في حكومته الربانية كما تطلع الدولة مندوبها علي ما يجري فيها ليكون علي بينة من سائر أحداثها.

و كذلك قال علي بن زيد - المعروف بابن رمش -:

«اعتل ابني أحمد، و كنت بالعسكر و هو ببغداد. فكتبت الي أبي محمد أسأله الدعاء.

فخرج توقيعه: أوما علم علي أن لكل أجل كتابا؟!.

فمات الابن» [55] .

بلي يا سيدي و مولاي، يعلم علي بن زيد - و كل انسان أيضا - أن لكل أجل كتابا. و لكن لا يصدق أحد بذلك الأجل حتي يكبه ذلك الأجل علي منخريه!. اذ أين للناس علم كعلمكم، و ايمان بالله تعالي كايمانكم الذي لو وزن بايمان الثقلين لرجح عليه؟!.

و لئن جهل حقكم بعض أهل الأرض، فما جهله أحد من أهل



[ صفحه 212]



السماء!. و سيأتي اليوم المبارك الذي يظهر الله فيه فضلكم لكل انسان، و يدور ذكركم علي كل شفة و لسان حين يظهر أمركم ولو كره الحساد و أهل العناد.

و قال محمد بن علي بن ابراهيم الهمداني:

«كتبت الي أبي محمد عليه السلام أسأله التبرك بأن يدعو لي أن أرزق ولدا من بنت عم لي.

فوقع: رزقك الله ذكرانا.

فولد لي أربعة» [56] .

في هذا الجواب الكريم ايجاب.. و فيه بشارة بذكران دون اناث.

فكيف يفسر هذا التأكيد القاطع: الذي ان اعتمد فيه علي الدعاء (بقوله: رزقك الله ذكرانا) فكيف ضمن اجابة دعائه و تكفل بالذكران؟!. و ان اعتمد علي علم بأنه سيرزق ذكرانا دون اناث، فكيف علم ذلك الذي لا يعلمه الا الخالق الوهاب؟!.

فهل يهب الامام عليه السلام لمن يشاء اناثا، و يهب لمن يشاء الذكور، فأعطي سائله أربعة صبيان دون أخوات؟!.

لا، لا، و نستغفر الله تعالي الذي جل عن الشريك في خلقه و عطائه!. بل انه عز و علا يعرف أمينه في أرضه بمثل هذه الأمور اذا أراد أن يعرفها. فان الامام - بما معه من امكانيات الهية - هي من عطايا الله الجسام للأنام، من الله تعالي به علينا رحمة بنا، فآمن به قليلون و جحد امامته كثيرون!. و لكن،



[ صفحه 213]



ويل لمن فارق و ناوأ ذلك العبد المكرم الذي أنعم ربه علينا به ليهدينا الي الحق و الي الصراط المستقيم!.

و أنبه الي أنه يخطي ء الصواب من يضع الامام فوق مرتبته التي رتبه الله تعالي فيها كما أنه يضل عنه من أنكر أنه مخلوق هكذا اماما منتخبا منتجبا..

قال محمد بن الحسن بن شمون:

«كتبت الي أبي محمد عليه السلام أسأله أن يدعو لي من وجع عيني، و كانت احدي عيني ذاهبة، و الأخري علي شرف ذهاب.

فكتب الي: حبس الله عليك عينيك.

فأقامت الصحيحة.

و وقع في آخر الكتاب: آجرك الله و أحسن ثوابك.

فاغتممت بذلك و لم أعرف في أهلي أحدا مات،

فلما كان بعد أيام جاءني خبر وفاة ابني طيب، فعلمت أن التعزية له» [57] .

و مثله ما روي عن محمد بن درياب الرقاشي الذي قال:

«كتبت الي أبي محمد أسأله عن المشكاة، و أن يدعو لامرأتي، و كانت حاملا علي رأس ولدها، أن يرزقني الله ولدا ذكرا، و سألته أن يسميه.

فرجع الجواب: المشكاة قلب محمد صلي الله عليه و آله و سلم.

و لم يجبني عن امرأتي بشي ء، و كتب في آخر الكتاب: عظم الله أجرك و أخلف عليك.



[ صفحه 214]



فولدت ولدا ميتا، و حملت بعده فولدت غلاما» [58] .

فسبحان الله الذي (و عنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو و يعلم ما في البر و البحر و ما تسقط من ورقة الا يعلمها و لا حبة في ظلمات الأرض و لا رطب و لا يابس الا في كتاب مبين!) [59] .

و تقديسا له و تنزيها عن الشريك في العلم و القدرة!. و لكنه - بقدرته المطلقة علم الانسان ما لم يعلم، و بارادته أقدر عباده المختارين علي شي ء من علمه (و لا يحيطون بشي ء من علمه الا بما شآء) [60] ليكونوا أدلاء عليه و مرشدين الي معالم دينه و ما شرع للناس من آيات أحكامه و فصول قضائه.. و لولا أنه سبحانه تولاهم بعين عنايته لكانوا بشرا لا فرق بينهم و بين غيرهم، و لكنه ميزهم بمواهب جزيلة جليلة، و فضلهم علي سائر براياه، ليكونوا أبواب معرفته، و الناطقين بحكمته الحاملين لأمره، المحتجين علي ذوي العناد من خلقه؛ ثم جعلهم الوسيلة اليه، الدالين عليه تبارك و تعالي.

و قد جعل سبحانه امام الناس عيبة علم - كل علم - و لولا ذلك ما آمن ابن شمون - باذن الله - علي عينه الصحيحة، و لا عزاه بوفاة ابنه، و لا عزي ابن درياب و وعده بخلف، بتمام الثقة و التأكيد.

من آمن بالله عزوجل، آمن بكل ما جاء من عنده.. و الدين وحدة كاملة لا تتجزأ..

و حذار أن نكون كبني اسرائيل الذين وبخهم الله تعالي بقوله:



[ صفحه 215]



(أفتؤمنون ببعض الكتاب و تكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم الا خزي في الحياة الدنيا و يوم القيامة يردون الي أشد العذاب) [61] .

و عن علي بن أحمد بن حماد، قال:

خرج أبومحمد عليه السلام في يوم مصيف و عليه تجفاف و ممطر، فتكلموا في ذلك. - أي خرج بلباس شتاء في يوم صيف حار، فانتقدوه و تعجبوا من تصرفه -.

فلما انصرفوا من مقصدهم، أمطروا في طريقهم و ابتلوا، سواه!» [62] .

أولي لكم أيها المكابرون فأولي أن تذعنوا للحق اذا ظهر لكم، و أن لا يجركم الشيطان بآذانكم للوقوف بوجه كل ما ينزل من السماء، لأنه لم ينزل عليكم و نزل علي عباد الله المصطفين!.

و ما أولي هؤلاء المتكلمين المنتقدين لتصرف الامام عليه السلام بأن يبتلوا بالماء و يتلطخوا بالوحل!. لا بل ما أحراهم بأن يجرفهم سيل عنادهم، فان ذلك أجدر بهم من أن يجرفهم تيار الجحود و الالحاد بامامة امام افترض الله تعالي طاعته عليهم، و ولاه أمورهم رأفة بهم!. و لم يجعله جبارا شقيا يخشاه بعضهم من أجل دنياه، و يؤازر حكمه الظالم بعضهم الآخر ابقاء علي شهوة بطنه و فرجه و خضما لما في الدنيا، و أكلا للتراث أكلا لما!!!

و لا أعلم كيف خاض هؤلاء في نقد امام عاصروا آياته، و رأوا بيناته، و لم يدعو جهلهم المسيطر عليهم، و لا انتبهوا الي أن انكارهم لامامته، أو اعترافهم بها، لا يؤثر في الواقع الذي قضي به الله تعالي شيئا؛ بل غفلوا عن



[ صفحه 216]



أن في جحودهم لها وبالا عليهم اذ يكتسبون توبيخ الضمير في الحياة، و سوء المصير بعد الممات!.

ألا ان بخر الكروش الملأي بحلال الدنيا و حرامها، رطب مناطق تفكيرهم و كدر صفاءها، و أعمي قلوبهم و بصائرئهم من سائر أرجائها..

و في كتاب (الدلائل) أن أبابكر - لعله الفهفكي - قال:

«عرض علي صديق أن أدخل معه في شراء ثمار من نواحي شتي. فكتبت الي أبي محمد عليه السلام أشاوره:

فكتب: لا تدخل في شي ء من ذلك. ما أغفلك عن الجراد و الحشف؟!.

فوقع الجراد فأفسده، و ما بقي منه تحشف!. و أعاذني الله ببركته» [63] .

و الجراد يجرد الأرض من النبات فيأكل الأخضر و اليابس و لا يدع ورقا و لا ثمرا. و الحشف هو ما يضمر من الثمر و ييبس قبل نضجه و يفسد. و صلي الله علي النفس الزكية الصافية التي استشفت من وراء الغيب أسراب الجراد تغزو الأرض فتمسح أخضرها و يابسها، ثم تراءي لها ضمور الثمار و صيرورتها حشفا ضامرا يابسا لا فائدة فيه!. (ان في ذلك لآية لقوم يتفكرون) [64] .

و حدث القنبري قائلا:



[ صفحه 217]



«كان لأبي محمد وكيل اتخذ معه في الدار حجرة - غرفة - يكون فيها معه خادم أبيض.

فراود الوكيل الخادم الأبيض عن نفسه - أي حاول معه الفعل الشنيع - فأبي الا أن يأتيه بنبيذ - أي شراب هو ماء ينبذ فيه التمر حتي يتخلل فيصير شرابا لذيذا، و لا يكون مسكرا -.

فاحتال له بنبيذ، ثم أدخله عليه، و بينه و بين أبي محمد عليه السلام ثلاثة أبواب مغلقة.

قال: فحدثني الوكيل، قال: اني لمنتبه اذ أنا بالأبواب تفتح حتي جاء بنفسه فوقف علي باب الحجرة ثم قال: اتقوا الله يا هؤلاء!. خافوا الله!.

فلما أصبحنا أمر ببيع الخادم، و اخراجي من الدار» [65] .

قبح الله وجه هذا الوكيل الرذيل!. أتراه ظن نفسه في أحد مواخير قصر سلطان الزمان فحاول هذا الأمر القبيح الذي يجري مثله من عمليات الزني و اللواط في مختلف الدهاليز؟!.

أو لم يعلم أنه في حضرة قدس خصها الله تعالي بعنايته فلا يقع فيها سوء و لا ترتكب فيها فاحشة؟!.

انه لو كان وكيلا علي الدواب في تلك الدارة الشريفة، لأعلمته الدواب أن لتلك الحضرة قدسا و شرفا لا يمسه دنس!. و لأخبرته الحيوانات الصم البكم بضرورة التزام الأدب في مقام مشرع الأدب و الخلق، و لعرفته البهائم بهيبة من أقامه وكيلا.. فوجده سفيها رذيلا!.



[ صفحه 218]



و بالحقيقة ان من الناس من هم كالبهائهم بصورة الأوادم!. أفتظن أنهم يفكرون؟ (أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون ان هم الا كالأنعام بل هم أضل سبيلا) [66] .

و لولا ذلك لعلم هذا الوكيل الوقح و ذلك الخادم السفيل، أنهما في حضرة امام يري ما وراء الجدران،و يسمع همس الوجدان، لأنهما يريان منه في كل ساعة أوضح برهان.

و ذكر البرسي في كتابه (مشارق الأنوار) عن الحسن بن حمدان، عن أبي الحسن الكرخي، قال:

«كان أبي بزازا - بائع أقمشة - في الكرخ، فجهزني بقماش الي سر من رأي.

فلما دخلت اليها جاءني خادم فناداني باسمي و اسم أبي، و قال: أجب مولاك!.

قلت: و من مولاي حتي أجيبه؟!.

فقال: ما علي الرسول الا البلاغ.

فتبعته، فجاء بي الي دار عالية البناء لا أشك أنها الجنة، و اذا رجل جالس علي بساط أخضر، و نور جماله يغشي الأبصار، فقال لي:

ان فيما حملت من القماش حبرتين: احداهما في مكان كذا، و الأخري في مكان كذا، في السفط الفلاني، و في كل واحدة منهما رقعة مكتوب فيها ثمنها و ربحها. و ثمن احداهما ثلاثة و عشرون دينارا، و الربح



[ صفحه 219]



ديناران؛ و ثمن الأخري ثلاثة عشر دينارا، و الربح كالأول. فاذهب فأت بهما.

فرجعت فجئت بهما اليه. فوضعتهما بين يديه، فقال لي: اجلس.

فجلست لا أستطيع النظر اليه اجلالا لهيبته!. فمد يده الي طرف البساط و ليس هناك شي ء، و قبض قبضة و قال: هذا ثمن حبرتيك، و ربحهما.

فخرجت، و عددت المال في الباب، فكان المشتري و الربح كما كتب والدي، لا يزيد و لا ينقص!» [67] .

نفسي الفداء لهذا السيد العظيم الذي يعرف مواليه أينما انقلبوا، و كيفما تقلبوا!.

لقد علم بوصول الكرخي الي سامراء حين وروده اليها،

و عرف مكان نزوله من السوق، و أرسل خادمه ليستحضره،

ثم لما مثل بين يديه دله علي مكان الحبرتين في السفط، و أخبره عن ثمن كل واحدة و عن ربحها المقرر من والده، و أمره باحضارهما.

و لما جاءه بهما، قبض قبضة من تحت طرف بساط - لم ير الرجل تحته شيئا - كان فيها ثمن السلعتين مع ربحهما بلا زيادة و لا نقصان، و من دون عد سابق!.

فكيف تنظر الي هذه الظواهر العجيبة؟.

انه تبارك و تعالي سخر (و لسليمان الريح غدوها شهر و رواحها شهر و أسلنا



[ صفحه 220]



له عين القطر و من الجن من يعمل بين يديه باذن ربه...) [68] في ملك وهبه اياه لم يكن لأحد قبله.

أما آل محمد صلي الله عليه و عليهم فقد رفع منزلتهم علي الأوصياء كما رفع منزلة جدهم علي الأنبياء، و جعل عددا لا يحصي من الملائكة يعملون بين أيديهم فيما بين السماء و الأرض و مختلف أصقاعها، حتي أنك لو كشف لك الغطاء لرأيت حول الامام ملكوتا واسعا شاسعا، و لفتحت عينيك علي ما لايخطر في بالك و لا في بال أحد مما هم فيه من السلطة و القدرة الربانية، و ما هو حولهم من الخدم و الموظفين العاملين بأمر ربهم!.

و اذا قلت ذلك رماك الناس بالغلو و المبالغة.. و اذا عرفته و كتمته أسأت الي الناس بما أخفيت من الحق و لم تنشر عليهم علمك وكتمت شهادة لها خطرها عند الله.. (و من أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله؟!!) [69] .

و لن أكتم شهادة عندي، خدمة للحقيقة، و خدمة لاخواني، ليكونوا علي بينة من أمرهم.

و قال أبوعلي المطهري:

«انه كتب اليه من القادسية - بلدة قرب الكوفة - يعلمه انصراف الناس عن الحج، و أنه يخاف العطش ان مضي.

فكتب عليه السلام اليه: امضوا، و لا خوف عليكم ان شاء الله.



[ صفحه 221]



فمضي من بقي سالمين، و لم يجدوا عطشا و الحمد لله رب العالمين» [70] .

(ان الله لا يخفي عليه شي ء في الأرض و لا في السمآء) [71] .

و ما لا يخفي علي الله سبحانه، لا يخفيه عمن انتدبه مستأمنا علي أمره في أرضه.

فلا عجب أن يجزم الامام عليه السلام بأن لا خوف علي صاحبه - و لا علي الحجاج - أثناء سفرهم، لأنه يصدر بأمره هذا عن علم، و يتكلم عن رؤية واضحة صادقة من بها عليه ربه عزوجل الذي هو يقدر الأمور و يجريها بحسب مشيئته و تقديره.

و انني لأغبط أولئك الأصحاب الذين نعموا بمعاصرة الامام عليه السلام، و تولوه و كانوا يعملون بأمره و لا يحيدون عن طريقته المثلي التي تجعلهم مرضيين عند ربهم، و لم يكونوا في المعاندين لما يرونه من الآيات و البينات.

قال سعيد بن جناح الكشي:

«سمعت محمد بن ابراهيم الوراق السمرقندي يقول:

خرجت الي الحج، فأردت أن أمر علي رجل كان من أصحابنا، معروف بالصدق و الصلاح و الورع و الخير، يقال له: يورق اليوشنجاني



[ صفحه 222]



- نسبة الي قرية في الهراة - و أزوره و أحدث به عهدي. فأتيته، فجري ذكر الفضل بن شاذان، فقال يورق: الفضل بن شاذان شديد العلة، و له بطن - أي أنه مصاب بالاسهال - و هو يختلف في الليل مائة مرة، الي مائة و خمسين مرة!. و قال: خرجت حاجا فأتيت محمد بن عيسي العبيدي، فرأيته شيخا فاضلا، في أنفه اعوجاج هو القنا، و معه عدة رأيتهم مغتمين محزونين، فقلت لهم: ما لكم؟!.

فقالوا: ان أبامحمد عليه السلام قد حبس.

فحججت، و رجعت. ثم أتيت محمد بن عيسي و وجدته قد انجلي ما كنت رأيته به. فقلت: ما الخبر؟.

قال: قد خلي عنه. - أي أطلق سراح الامام عليه السلام -.

فخرجت الي سر من رأي و معي كتاب «يوم و ليلة». فدخلت علي أبي محمد عليه السلام و أريته ذلك الكتاب فقلت له: جعلت فداك، اني رأيت أن تنظر فيه.

فنظر فيه و تصفحه ورقة ورقة و قال: هذا صحيح، ينبغي أن يعمل به.

فقلت له: الفضل بن شاذان شديد العلة، و يقولون: انه من دعوتك بموجدتك عليه لما ذكروا أنه قال: وصي ابراهيم خير من وصي محمد صلي الله عليه و آله و سلم. و لم يقل، جعلت فداك، هكذا، كذبوا عليه.

فقال: نعم، كذبوا عليه رحم الله الفضل، رحم الله الفضل.

فرجعت فوجدت الفضل قد مات في الأيام التي قال أبومحمد عليه السلام: رحم الله الفضل» [72] .



[ صفحه 223]



قد سبق أن قلنا: ان علم المنايا و البلايا يدور علي ألسنة أئمتنا عليهم السلام دوران بسم الله الرحمن الرحيم علي ألسنة المصلين، و هو في جملة ما في أيديهم من منن اله عزوجل، و لا يرتاب في ذلك الا المرتاب في امامتهم و اختيارهم لمأمورية أرضية، بانتداب سماوي رباني لا مراء فيه الا عند أهل المراء و الافتراء.. فليس من العجيب - اذن - أن يعرف الامام بموت واحد من شيعته وقت موته.

و روي أن رجلا من موالي أبي محمد العسكري عليه السلام، دخل عليه يوما، و كان حكاك فصوص، فقال:

«يا ابن رسول الله، ان الخليفة دفع الي فيروزا أكبر ما يكون و أحسن ما يكون، و قال: انقش عليه كذا و كذا. فلما وضعت عليه الحديد صار نصفين، و فيه هلاكي، فادع الله لي.

فقال: لا خوف عليك ان شاء الله.

فخرجت الي بيتي.

فلما كان من الغد، دعاني الخليفة و قال: ان حظيتين اختلفتا في ذلك الفص و لم ترضيا الا أن تجعل ذلك بنصفين بينهما. فاجعله.

و انصرفت، و أخذته و قد صار قطعتين، فأخذتهما الي دار الخلافة فرضيتا بذلك، و أحسن الخليفة الي بسبب ذلك فحمدت الله» [73] .

و الحظية هي الجارية الأثيرة التي تكون ذات منزلة و مكانة و تقدير عند الرجل.



[ صفحه 224]



و في رواية مثلها عن كافور - خادم الامام عليه السلام، قال:

«كان يونس النقاش يغشي سيدنا الامام و يخدمه. فجاءه يوما يرعد فقال: يا سيدي، أوصيك بأهلي خيرا.

قال: و ما الخبر؟.

قال: عزمت علي الرحيل.

قال: و لم يا يونس؟. و هو يبتسم.

قال: وجه الي ابن بغا بفص له قيمة!. - أي أنه غال لا يقدر بثمن - أقبلت أنقشه فكسرته باثنين، و موعده غدا، و هو ابن بغا!. ألف سوط أو القتل!.

قال: امض الي منزلك الي غد. فرح فلا يكون الا خيرا.

فلما كان من الغد و اتاه بكرة يرعد، فقال: قد جاء الرسول يلتمس الفص.

فقال: امض اليه، فلن تري الا خيرا.

قال: و ما أقول له يا سيدي؟!.

فتبسم و قال: امض اليه و اسمع ما يخبرك به، فلا يكون الا خيرا.

فمضي، و عاد يضحك و قال: قال لي يا سيدي: الجواري اختصمن، فيمكنك أن تجعله اثنين حتي نغنيك!.

فقال الامام عليه السلام: اللهم لك الحمد اذ جعلتنا ممن يحمدك حقا. فأيش قلت له؟!.

قال: قلت له: حتي أتأمل أمره.



[ صفحه 225]



فقال: أصبت» [74] .

و قال قال المجلسي رحمه الله في (بحاره) الزاخرة: أوردنا هذه القصة - أي الثانية - بعينها في معجزات أبي الحسن الهادي عليه السلام، و هو الظاهر و الأصح، لأنه كان من أصحابه عليه السلام.

و نحن نؤكد صحة قوله، و قد ذكرناه في كتابنا «الامام الهادي» و لم نوردها هنا الا منعا لاعتراض من يراها في سيرة العسكري عليه السلام ثم لا يجدها واردة عنده هنا. و هي - أو سابقتها - ان دلت فانما تدل علي معرفة الامام بما كان و ما يكون في الأرض، لأنه أمين الله فيها بالطول و العرض!.

و قال أبوالقاسم، علي بن راشد رحمه الله:

«خرج رجل من العلويين من سر من رأي في أيام أبي محمد عليه السلام الي الجبل يطلب الفضل.

فلقيه رجل - من همدان - بحلوان، فقال له: من أين أقبلت؟.

قال: من سر من رأي.

فقال: هل تعرف درب كذا، وموضع كذا؟.

فقال: نعم.

قال: هل عندك من أخبار الحسن بن علي عليه السلام شي ء؟.

قال: لا.

قال: فما أقدمك الجبل؟.

قال: أطلب الفضل.



[ صفحه 226]



قال: لك عندي خمسون دينارا، فاقبضها و انصرف معي الي سر من رأي حتي توصلني الي الحسن بن علي عليه السلام.

قال: نعم.

فأعطاه خمسين دينارا، و عاد العلوي معه. فوصلا الي سر من رأي، و استأذنا علي الحسن بن علي عليه السلام. فأذن لهما، و دخلا و الحسن عليه السلام قاعد في صحن الدار.

فلما نظر الي الجبلي - أي الهمداني - قال له: أنت فلان بن فلان.

قال: نعم.

قال: أوصي اليك أبوك، و أوصي الينا بوصية فجئت تؤديها. و هي معك أربعة آلاف دينار، هاتها.

فقال الرجل: نعم. فدفعها اليه.

ثم نظر عليه السلام الي العلوي فقال: خرجت الي الجبل تطلب الفضل، فأعطاك الرجل خمسين دينارا فرجعت معه. و نحن نعطيك خمسين دينارا. فأعطاه» [75] .

فهل كان الامام العسكري عليه السلام مع الرجل العلوي حين خرج الي أرض فارس يطلب الفضل، و رأي ما جري، و سمع ما حدث بين العلوي و الهمداني؟!.

أم كان بينه و بين الهمداني حين أعطاه خمسين دينارا ليعود معه الي سر من رأي ليؤدي الأمانة التي يحملها اليه صلوات الله عليه؟!.



[ صفحه 227]



و كيف عرف بوصية والد الهمداني جملة و تفصيلا.

و من عرفه به و باسم أبيه، و بأنه يحمل اليه أربعة آلاف دينار؟!.

ان هل، و أم، و كيف، و من، و جميع مثيلاتها من أدوات التعجب و الاستفهام تنفد، و علم الامام عليه السلام لا ينفد لأنه من علم خالقه الذي ينفد البحر و لا تنفد كلماته!. (فمن شآء فليؤمن و من شآء فليكفر..) [76] و انما أنا مذكر..

و حدث أبوجعفر، محمد بن عيسي بن أحمد الزرجي، قال:

«رأيت بسر من رأي رجلا شابا في المسجد المعروف بمسجد زبيد، في شارع السوق، و ذكر أنه هاشمي من ولد موسي بن عيسي - لم يذكر أبوجعفر اسمه -.

و كنت أصلي، فلما سلمت قال لي: أنت قمي أو رازي.

قلت: أنا قمي، مجاور بالكوفة في مسجد أميرالمؤمنين عليه السلام.

فقال لي: تعرف دار موسي بن عيسي التي في الكوفة؟.

قلت: نعم.

فقال: أنا من ولده. كان لي أب و له أخوان، و كان أكبر الأخوين ذا مال، و لم يكن للصغير مال. فدخل علي أخيه الكبير فسرق منه ستمائة دينار. فقال الأخ الكبير: أدخل علي الحسن بن علي بن محمد الرضا عليه السلام و أسأله أن يلطف للصغير، لعله أن يرد مالي، فانه حلو الكلام.

فلما كانت وقت السحر بدا لي عن الدخول الي الحسن بن علي عليه السلام،



[ صفحه 228]



و قلت: أدخل علي أسباس التركي، صاحب السلطان، و أشكو له.

فدخلت علي أسباس التركي و بين يديه نرد - أي طاولة زهر - يلعب به، فجلست أنتظر فراغه.

فجاءني رسول الحسن بن علي عليه السلام فقال: أجب.

قال الزرجي: فقام معه. فلما دخل علي الحسن قال له: كان لك الينا أول الليل حاجة، ثم بدا لك عنها وقت السحر. اذهب فان الكيس الذي أخذ من مالك رد؛ و لا تشك أخاك، و أحسن اليه، و أعطه؛ فان لم تفعل فابعثه الينا لنعطيه.

فلما خرج تلقاه غلامه بوجود الكيس.

فلما كان من الغد حملني الهاشمي الي منزله و أضافني. ثم صرخ بجارية و قال: يا غزال - أو يا زلال -! فاذا أنا بجارية حسنة، فقال لها: يا جارية، حدثي مولاك بحديث الميل و المولود.

فقالت: كان لنا طفل وجع، فقالت لي مولاتي: ادخلي الي دار الحسن بن علي عليه السلام، فقولي لحكيمة [77] تعطينا شيئا يستشفي به مولودنا. فدخلت عليها فسألتها ذلك.

فقالت حكيمة: ائتوني بالميل الذي كحل به المولود الذي ولد البارحة، يعني - الحجة - ابن الحسن بن علي عليه السلام.

فأتيت بالميل، فدفعته الي. و حملته الي مولاتي، و كحلت به المولود فعوفي، و بقي عندنا، و كنا نستشفي به، ثم فقدناه.



[ صفحه 229]



قال أبوجعفر الزرجي: فلقيت في مسجد الكوفة أباالحسن بن برهون البرسي، فحدثته بهذا الحديث عن الهاشمي، فقال: قد حدثني هذا الهاشمي بهذه الحكاية حذو النعل بالنعل سواء، من غير زيادة و لا نقصان» [78] .

و ما هذه القصة بفرعيها - الا كمثيلاتها مما سبق و يأتي. و هي دلالة واضحة علي عظمة الله عزوجل الذي جعل أهل بيت الوحي عليهم السلام في مرتبة تفوق مراتب البشر علما و حكمة، و عظمة و جلالا، اذ جبلهم علي أن يكونوا خزان علمه و أبواب حكمته ليدلوا عليه و يرشدوا اليه و يكونوا الوسيلة بينه و بين خلقه.

قال القطب الراوندي في كتابه:

روي أحمد بن محمد، عن جعفر بن الشريف الجرجاني، فقال: «حججت سنة، فدخلت علي أبي محمد عليه السلام بسر من رأي.

و قد كان أصحابي حملوا معي شيئا من المال، فأردت أن أسأله الي من أدفعه؟ فقال قبل أن أقول ذلك: ادفع ما معك الي المبارك خادمي.

ففعلت. و خرجت و قلت: ان شيعتك بجرجان يقرأون عليك السلام.

قال: أولست منصرفا بعد فراغك من الحج؟

قلت: بلي.

قال: فانك تصير الي جرجان من يومك الي مائة و سبعين يوما - و قيل و تسعين يوما - و تدخلها يوم الجمعة لثلاث ليال يمضين من شهر ربيع الآخر



[ صفحه 230]



في أول النهار. فأعلمهم أني أوافيهم في ذلك اليوم في آخر النهار، فامض راشدا فان الله سيسلمك و يسلم ما معك، فتقدم علي أهلك و ولدك، و يولد لولدك الشريف ولد فسمه الصلت؛ و سيبلغ الله به و يكون من أوليائنا.

فقلت: يابن رسول الله ان ابراهيم بن اسماعيل الجلحتي - الجرجاني - هو من شيعتك، كثير المعروف الي أوليائك، يخرج اليهم في السنة من ماله أكثر من مائة ألف درهم!. و هو أحد المتقلبين في نعم الله بجرجان.

فقال: شكر الله لأبي اسحاق، ابراهيم بن اسماعيل، صنيعه الي شيعتنا و غفر له ذنوبه، و رزقه ذكرا سويا قائلا بالحق. فقل له: يقول لك الحسن بن علي: سم ابنك أحمد.

فانصرفت من عنده، و حججت، فسلمني الله حتي وافيت جراجان يوم الجمعة في أول النهار لثلاث ليال مضين من شهر ربيع الآخر علي ما ذكره عليه السلام. و جاءني أصحابي يهنئوني، فوعدتهم أن الامام عليه السلام و عدني أن يوافيكم في آخر هذا اليوم، فتأهبوا لما تحتاجون اليه، واغدوا في مسائلكم و حوائجكم كلها.

فلما صلوا الظهر و العصر اجتمعوا كلهم في داري. فوالله ما شعرنا الا وقد وافانا أبومحمد عليه السلام، فدخل و نحن مجتمعون، فسلم هو أولا علينا، فاستقبلناه و قبلنا يده، ثم قال:

اني كنت وعدت جعفر بن الشريف أن أوافيكم في آخر هذا اليوم، فصليت الظهر و العصر بسر من رأي و صرت اليكم لأجدد بكم عهدا. و ها أنا قد جئتكم الآن، فاجمعوا مسائلكم و حوائجكم كلها.

فأول من ابتدأ المساءلة النضر بن جابر، قال: يابن رسول الله، ان ابني جابرا أصيب ببصره منذ شهر، فادع الله أن يرد اليه عينيه.



[ صفحه 231]



قال: فهاته.

فجاء به، فمسح يده علي عينيه، فعاد بصره.

ثم تقدم رجل فرجل يسألونه حوائجهم. و أجابهم الي كل ما سألوه، حتي قضي حوائج الجميع، و دعا له بخير. فانصرف من يومه ذلك» [79] .

في هذه الرواية عدة نقاط تسترعي انتباه القاري ء، و لا بد من الاشارة اليها:

أولاها: أن الامام صلوات الله عليه قال لزائره الجرجاني: ادفع ما معك من المال الي المبارك خادمي، قبل أن يذكر الجرجاني أنه يحمل له مالا، و قبل أن يسأل الي من يدفعه!. فكيف عرف ما حمله اليه، و كيف علم ما أراد الزائر أن يسأله؟!.

و الثانية: انه سلام الله عليه أخبر الجرجاني بأنه يعود الي بلده بعد انقضاء مائة و سبعين - أو مائة و تسعين يوما - و أنه يدخلها أول النهار من يوم معين، و شهر معين بالتأكيد!. فكيف ضمن حياة هذا الذاهب الي الحج من ايران فالي العراق فالحجاز ذهابا و اقامة و ايابا لمدة نصف سنة تقريبا، ثم أكد له عودته في وقت معين لا يسبقه و لا يتأخر عنه؟!.

و الثالثة: أنه صلي الله عليه بشره بسلامته و سلامة ما معه طيلة هذه المدة، و بأنه سيعود الي أهله و ولده و يكونون بتمام الصحة و العافية. فمن أين له هذه الكفالة و هذا الضمان علي الله تعالي؟!.



[ صفحه 232]



و الرابعة: قد بشره بولد جديد ذكر - بلا شك في ذلك - و أمره بتسميته. فهل وضعه بيده و علم متي يولد؟!.

و الخامسة: أخبره بأن ابراهيم بن اسماعيل يرزق ولدا ذكرا سماه له سلفا!. فكيف عرف حمل امرأة في أقاصي فارس، و كيف علم بما في بطنها؟!.

و السادسة: أنه عليه السلام وعده بزيارة جرجان عصر يوم وصوله اليها، و أمره بأن يخبر أولياءه من أهلها ليستعدوا للقائه و مساءلته. فكيف ضمن انجاز هذا الموعد بكافة ما يواكبه من أحداث و مفارقات تقع فيما بينه و بين مائة و سبعين - أو مائة و تسعين يوما -؟!.

و السابعة: أنه عليه السلام وافي أهل جرجان في الموعد المضروب بدقة متناهية!. فعلام استند في ضمان نفسه قرابة نصف سنة، و أنجز الوعد دون أن يخالف بيوم، و لا بساعة، و لا دقيقة؟!.

و الثامنة و الأهم: أنه صلوات الله عليه و تحياته و بركاته صلي الظهر و العصر بسر من رأي، ثم وافي جرجان و أهلها بعد أن انتهوا من صلاة العصر في ذلك اليوم بالذات!. فكيف قطع مئات ومئات الكيلومترات، و اجتاز تلك المشقات في ومضة عين و طرفتها؟!!.

هذا الي جانب أنه شفي من العمي باذن ربه، و قضي الحوائج، و أجاب علي المسائل.. و عاد الي بلده قبل غياب شمس ذلك النهار!.

ان كل واحدة من هذه النقاط تستدعي التفكر و التبصر و تقتضي كثيرا من الكلام و التعليل و التحليل لكي يستوعبها العقل.. و لكنها بصدورها عن الامام المكرسة امامته من ربه عزوجل، لا تحتاج الي أكثر من تسبيح الله تعالي و تنزيهه و تعظيم قدرته، اذ خلق من البشر عبدا صالحا من بيت النبوة،



[ صفحه 233]



استأمنه علي علمه و النطق بأمره، ليبلغ الناس مشيئته و قضاءه في أرضه، و ينبههم الي أن بين السماء و الأرض بابا مفتوحا، و طريقا معبدا، و حبلا ممدودا من تمسك به نجا، و من لم يأخذ به ضل و هوي.. ثم نحتاج - أيضا الي حمده سبحانه أن أنعم علينا بذلك، و ألهمنا التصديق به، و بما يجري علي لسانه و يده.



[ صفحه 234]




پاورقي

[1] سورة البقرة: 31.

[2] بحارالأنوار ج 7 ص 288 و ص 289 و الاختصاص ص 286 و هو في بصائر الدرجات كما أشرنا في مكان آخر، و في كثير من مصادر بحثنا.

[3] المصدر السابق.

[4] المصدر السابق.

[5] بصائرالدرجات ج 9 ص 429 و مصادر أخري. و الآية الكريمة في التوبة: 105.

[6] بصائرالدرجات ج 3 ص 122 و بعض مصادر هذا الكتاب.

[7] المصدر السابق ج 3 ص 114 ومصادر أخري كثيرة.

[8] بصائرالدرجات ج 5 ص 253 - 252.

[9] المصدر السابق ج 3 ص 123.

[10] المصدر السابق ج 6 ص 267.

[11] بحارالأنوار ج 50 ص 259 و ص 295 بلفظ آخر، و هو كذلك في كشف الغمة ج 3 ص 292 و المحجة البيضاء ج 4 ص 328 و اثبات الهداة ج 6 ص 331.

[12] اثبات الوصية ص 210 - 209 و كشف الغمة ج 3 ص 206 باختلاف يسير.

[13] كشف الغمة ج 3 ص 206 و ص 292 مكررا، و بحارالأنوار ج 50 ص 295 و اثبات الهداة ج 6 ص 331 و في مدينة المعاجز ص 567 رواه المعلي بن محمد بن عبدالله.

[14] بحارالأنوار ج 50 ص 272 نقلا عن مختار الخرائج و الجرائح ص 315 و مدينة المعاجز ص 576 - 575 و اثبات الهداة ج 6 ص 320.

[15] سورة ابراهيم: 22.

[16] سورة الحشر: 16.

[17] الارشاد ص 323 و الفصول المهمة ص 286 و الكافي ج 1 ص 510 - 509 و مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 432 و اثبات الوصية ص 214 و كشف الغمة ج 3 ص 203 و اعلام الوري ص 352 وحليةالأبرار ج 2 ص 492 - 491 و بحارالأنوار ج 50 ص 281 - 280 و وفاة العسكري ص 29 - 28 و الأنوار البهية ص 260 - 256 و المحجة البيضاء ج 4 ص 327 - 326 و مدينة المعاجز ص 571 و اثبات الهداة ج 6 ص 289 - 288.

[18] مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 432 و كشف الغمة ج 3 ص 200 و الارشاد ص 322 و الكافي ج 1 ص 508 و وفاة العسكري ص 26 - 25 و الأنوارالبهية ص 252 و حليةالأبرار ج 4 ص 492 و بحارالأنوار ج 5 ص 267 و هو أيضا في اعلام الوري ص 154 و اثبات الهداة ج 6 ص 211 و المحجة البيضاء ج 4 ص 326 و مدينة المعاجز ص 563 و اثبات الهداة ج 6 ص 256.

[19] كشف الغمة ج 3 ص 207 و بحارالأنوار ج 50 ص 297 و اثبات الهداة ج 6 ص 332.

[20] مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 432 و الكافي ج 1 ص 513 و بحارالأنوار ج 50 ص 286.

[21] هو علي الأحول، و أبوه زيد النسابة الملقب بالشبيه. كان فاضلا صنف كتاب «المقاتل» المبسوط في علم النسب، و اليه تنتهي سلسلة عظيمة. و هو من ولد الحسين الملقب بذي الدمعة ابن زيد الشهيد، ابن زين العابدين عليه السلام.

[22] كشف الغمة ج 3 ص 204 - 203 و مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 431 - 430 و حليةالأبرار ج 2 ص 483 و بحارالأنوار ج 50 ص 267 - 266 نقلا عن مختار الخرائج و الجرائح، و هو في اعلام الوري ص 352 و المحجة البيضاء ج 4 ص 327 و مدينة المعاجز ص 564 - 563 و اثبات الهداة ج 6 ص 289 و الكافي ج 1 ص 510 و الارشاد ص 324 - 323 و اثبات الوصية ص 415 و وفاة العسكري ص 30 - 29.

[23] كشف الغمة ج 3 ص 218 و حليةالأبرار ج 2 ص 423 و مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 431 و بحارالأنوار ج 50 ص 264 نقلا عن مختار الخرائج و الجرائح ص 214 و هو في المحجة البيضاء ج 4 ص 332 - 331 و اثبات الهداة ج 6 ص 318 و مدينة المعاجز ص 575.

[24] بحارالأنوار ج 50 ص 272 نقلا عن مختار الخرائج و الجرائح ص 215 و هو في مدينة المعاجز ص 576 و اثبات الهداة ص 321.

[25] اشارة الي الآية 109 من سورة البقرة، و مفادها أن أهل الكتاب يحبون أن تعودوا كفارا مثلهم بعد أن رأوا الحق معكم، حسدا من عند أنفسهم.

[26] اثبات الوصية ص 207 و كشف الغمة ج 3 ص 207 - 206 باختلاف يسير، و هو في بحارالأنوار ج 50 ص 297 - 296 نقلا عن مختار الخرائج و الجرائح ص 291، و هو في تحف العقول ص 361 باختصار، و هو في مدينة المعاجز ص 576.

[27] الأنوار البهية ص 263 - 262 و مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 424 و بحارالأنوار ج 50 ص 311 الي قوله: سائغا في النظر.

[28] سورة فصلت: 42.

[29] سورة فصلت: 41.

[30] بحارالأنوار ج 50 ص 292 و كشف الغمة ج 3 ص 214 و الفصول المهمة ص 286 - 285.

[31] مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 429 و مدينة المعاجز ص 579 و اثبات الهداة ج 6 ص 335.

[32] اثبات الوصية ص 213.

[33] مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 428 - 427 و بحارالأنوار ج 50 ص 283 و مدينة المعاجز ص 578.

[34] الارشاد ص 322 و الكافي ج 1 ص 508 و بحارالأنوار ج 50 ص 280 و كشف الغمة ج 3 ص 302 و مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 431 و المحجة البيضاء ج 4 ص 325 و اثبات الهداة ص 285 - 284 و مدينة المعاجز ص 562.

[35] مدينة المعاجز ص 578.

[36] اثبات الوصية ص 217.

[37] في المحجة البيضاء رواه عن يحيي بن المرزبان النقيب.

[38] كشف الغمة ج 3 ص 219 و مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 429 و بحارالأنوار ج 50 ص 284 و المحجة البيضاء ج 4 ص 333 - 332 و مدينة المعاجز ص 578 و ص 579 و اثبات الهداة ج 6 ص 339.

[39] مصادر الرقم السابق ذاتها.

[40] ابن أبي الشوارب هو أحمد بن محمد بن عبدالله الأيوبي؛ كان قاضي بغداد من عهد «المتوكل» الي زمن «المقتدر» و توفي سنة 317 ه.

[41] الكافي ج 1 ص 511 و مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 433 - 432 و بحارالأنوار ج 50 ص 286 - 285 و مدينة المعاجز ص 564 و اثبات الهداة ج 6 ص 291 - 290.

[42] سورة المؤمنون: 70 - 69.

[43] الكافي ج 1 ص 511 و بحارالأنوار ج 50 ص 292 و كشف الغمة ج 3 ص 214 و مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 433 و مدينة المعاجز ص 564 و اثبات الهداة ج 6 ص 291.

[44] بحارالأنوار ج 50 ص 274 نقلا عن مختار الخرائج و الجرائح.

[45] كشف الغمة ج 3 ص 212 و بحارالأنوار ج 50 ص 289 و المحجة البيضاء ج 4 ص 329 و اثبات الهداة ج 6 ص 323 و ص 334 و مدينة المعاجز ص 576.

[46] بحارالأنوار ج 50 ص 284.

[47] سورة الشوري: 49.

[48] نهج البلاغة - الخطبة رقم 154.

[49] اثبات الوصية ص 211 و كشف الغمة ج 3 ص 208 و بحارالأنوار ج 50 ص 298 و في اثبات الهداة ج 6 ص 333 روي الحادثة محمد بن عبدالجبار.

[50] أنظر مصادر الرقم السابق و مدينة المعاجز ص 571 و اثبات الهداة ج 6 ص 333 - 330.

[51] بحارالأنوار ج 50 ص 302 - 301 و عن رجال النجاشي ص 295 قال هارون بن موسي: أراني أبوعلي بن همام الرقعة و الخط و كان محققا. و الظاهر أن الحمل كان محمد بن همام نفسه. و الخبر موجود أيضا في مدينة المعاجز ص 572.

[52] اثبات الهداة ج 6 ص 340.

[53] كشف الغمة ج 3 ص 218 و بحارالأنوار ج 50 ص 269.

[54] بحارالأنوار ج 50 ص 274 نقلا عن مختار الخرائج و الجرائح ص 215 و هو في كشف الغمة ج 3 ص 212 و اثبات الوصية ص 213 و مدينة المعاجز ص 576 و اثبات الهداة ج 6 ص 323.

[55] كشف الغمة ج 3 ص 218 و بحارالأنوار ج 50 ص 269 و المحجة البيضاء ج 4 ص 332 و اثبات الهداة ج 6 ص 338.

[56] كشف الغمة ج 3 ص 218 و بحارالأنوار ج 50 ص 269 و المحجة البيضاء ج 4 ص 332 و اثبات الهداة ج 6 ص 338.

[57] الكافي ج 1 ص 560 و في مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 432 روي عن أشجع بن الأقرع، و كذلك في بحارالأنوار ج 50 ص 285 و مدينة المعاجز ص 564 و اثبات الهداة ج 6 ص.

[58] بحارالأنوار ج 50 ص 289 و كشف الغمة ج 3 ص 214 و اثبات الوصية ص 213 و اثبات الهداة و مدينة المعاجز ص.

[59] سورة الأنعام: 59.

[60] سورة البقرة: 255.

[61] سورة البقرة: 85.

[62] مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 439 و بحارالأنوار ج 50 ص 288 و مدينة المعاجز ص 580.

[63] كشف الغمة ج 3 ص 213 و بحارالأنوار ج 50 ص 290 و اثبات الهداة ج 6 ص 334 و مدينة المعاجز ص 564.

[64] سورة النحل: 11 و 69.

[65] بحارالأنوار ج 50 ص 285 - 284 و مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 433 و الكافي ج 1 ص 511 و فيه: يحيي القشيري بدل يحيي القنبري، و هو في اثبات الهداة ج 6 ص 292.

[66] سورة الفرقان: 44.

[67] بحارالأنوار ج 50 ص 315 - 314 نقلا عن مشارق الأنوار، للبرسي، و هو كذلك في اثبات الهداة ج 6 ص 331 - 330 و مدينة المعاجز ص 583.

[68] سورة سبأ: 12.

[69] سورة البقرة: 140.

[70] الكافي ج 1 ص 508 - 507 و الارشاد ص 322 و بحارالأنوار ج 50 ص 279 و كشف الغمة ج 3 ص 202 و مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 431 و المحجة البيضاء ج 1 ص 325 و اثبات الهداة ج 6 ص 284 و هو في مدينة المعاجز ص 562 عن علي بن مطهر، و هو الأصح ظاهرا، و هو أيضا في ص 579.

[71] سورة آل عمران: 5.

[72] بحارالأنوار ج 50 ص 300 - 299 عن رجال الكشي ص 452 - 451 و الوسائل م 18 ص 71.

[73] بحارالأنوار ج 50 ص 276 و اثبات الهداة ج 6 ص 329 - 328.

[74] مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 427 و بحارالأنوار ج 50 ص 282.

[75] حلية الأبرار ج 2 ص 494 و بحارالأنوار ج 50 ص 295 و كشف الغمة ج 3 ص 216 رواية عن أبي القاسم، كاتب راشد، و هو كذلك في وفاة العسكري ص 20 - 19 و في المحجة البيضاء ج 4 ص 330 و اثبات الهداة ج 6 ص 337.

[76] سورة الكهف: 29.

[77] حكيمة هي المرأة الجليلة الشريفة: بنت الامام الجواد و عمة الامام العسكري و هي مدفونة في مقام العسكريين الي جانب أم القائم عليهم السلام جميعا.

[78] بحارالأنوار ج 50 ص 248 - 247 نقلا عن كمال الدين ج 2 ص 195 - 194 و هو في اثبات الهداة ج 6 ص 304.

[79] كشف الغمة ج 3 ص 318 - 317 و بحارالأنوار ج 50 من ص 262 الي ص 264 نقلا عن مختار الخرائج و الجرائح ص 413 و المحجة البيضاء ج 4 ص 331 - 330 و اثبات الهداة ج 6 ص 318 - 317 ووفاة العسكري ص 22 - 21.