بازگشت

ملكيةبنت يشوعا بن قيصر الملك


اختلف المؤرخون في اسمها فقالوا: مريم، صيقل، سوسن، ريحانة، حكيمة، نرجس راجع الهداية الكبري للحضيني ص 328، البحار ج 51، ص 17

روي الصدوق عن محمد بن علي بن حاتم النوفلي، قال: حدثنا أبوالعباس أحمد بن عيسي الوشاء البغدادي،: قال: حدثنا احمد بن طاهر القمي، قال: حدثنا أبوالحسين محمد بن بحر الشيباني، قال: وردت كربلاء سنة ست و ثمانين و مائتين، قال: وزرت قبر غريب رسول الله صلي الله عليه و آله ثم انكفأت الي مدينة السلام متوجها الي مقابر قريش في وقت قد تضرمت الهواجر و توقدت السمائم، فلما وصلت منها الي مشهد



[ صفحه 62]



الكاظم و استنشقت نسيم التربة المغمورة من الرحمة المحفوفة بحدائق الغفران، أكببت عليها بعبرات متقاطرة و زفرات متتابعة و قد حجب الدمع طرفي عن النظر، فلما رقأت العبرة و انقطع النحيب فتحت بصري فاذا أنا بشيخ قد انحني صلبه و تقوس منكباه و ثفنت جبهته و راحتاه و هو يقول لآخر معه عند القبر: يابن أخي لقد نال عمك شرفا بما حمله السيدان من غوامض الغيوب و شرائف العلوم التي لم يحمل مثلها الا سلمان، و قد أشرف عمك علي استكمال المدة و انقضاء العمر، و ليس يجد في أهل الولاية رجلا يفضي اليه بسره قلت: يا نفس لا يزال العناء و المشقة ينالان منك باتعابي الخف و الحافر في طلب العلم، و قد قرع سمعي من هذا الشيخ لفظ يدل علي علم جسيم و أثر عظيم.

فقلت: أيها الشيخ و من السيدان؟

قال: النجمان المغيبان في الثري بسر من رأي.

فقلت: اني اقسم بالموالات و شرف محل هذين السيدين من الامامة و الوراثة أني خاطب علمهما و طالب آثارهما و باذل من نفسي الأيمان المؤكدة علي حفظ أسرارهما،

قال: ان كنت صادقا فيما تقول فأحضر ما صحبك من الأثار عن نقلة أخبارهم.

فلما فتش الكتب و تصفح الروايات منها قال: صدقت أنا بشر بن سليمان النخاس من ولد أبي أيوب الأنصاري، أحد موالي أبي الحسن و أبي محمد عليهماالسلام و جارهما بسر من رأي.

قلت: فأكرم أخاك ببعض ما شاهدت من آثارهما.

قال: كان مولانا أبوالحسن علي بن محمد العسكري عليهماالسلام فقهني في أمر الرقيق فكنت لا أبتاع و لا أبيع الا باذنه فاجتنبت بذلك موارد الشبهات حتي كملت معرفتي فيه، فأحسنت الفرق [فيما] بين الحلال و الحرام.

فبينما أنا ذات ليلة في منزلي بسر من رأي و قد مضي هوي من الليل اذ قرع الباب قارع فعدوت مسرعا فاذا أنا بكافور الخادم رسول مولانا أبي الحسن علي بن محمد عليهماالسلام يدعوني اليه، فلبست ثيابي و دخلت عليه فرأيته يحدث ابنه أبامحمد و أخته حكيمة من وراء الستر، فلما جلست قال:



[ صفحه 63]



«يا بشر انك من ولد الأنصار و هذه الولاية لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف، فأنتم ثقاتنا أهل البيت و اني مزكيك و مشرفك بفضيلة تسبق بها شأو الشيعة في الموالات بها: بسر أطلعك عليه و أنفذك في ابتياع أمة»،

فكتب كتابا ملصقا بخط رومي و لغة رومية و طبع عليه بخاتمه، و أخرج شستقة صفراء فيها مائتان و عشرون دينارا فقال:

«خذها و توجه بها الي بغداد، و أحضر معبر الفرات ضحوة كذا، فاذا وصلت الي جانبك زواريق السبايا و برزن الجواري منها فستحدق بهم طوائف المبتاعين من وكلاء قواد بني العباس و شراذم من فتيان العراق، فاذا رأيت ذلك فأشرف من البعد علي المسمي عمر بن يزيد النخاس عامة نهارك الي أن يبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا و كذا لابسة حريرتين صفيقتين تمتنع من السفور و لمس المعترض و الانقياد لمن يحاول لمسها و يشغل نظره بتأمل مكاشفها من وراء الستر الرقيق فيضربها النخاس فتصرخ صرخة رومية، فاعلم أنها تقول: و اهتك ستراه فيقول بعض المبتاعين علي بثلاثمائة دينار فقد زادني العفاف فيها رغبة، فتقول بالعربية: لو برزت في زي سليمان و علي مثل سرير ملكه مابدت لي فيك رغبة فأشفق علي مالك، فيقول النخاس: فما الحيلة و لابد من بيعك!؟ فتقول الجارية: و ما العجلة و لابد من اختيار مبتاع يسكن قلبي [اليه و] الي أمانته و ديانته، فعند ذلك قم الي عمر بن يزيد النخاس و قل له: ان معي كتابا ملصقا لبعض الأشراف كتبه بلغة رومية و خط رومي و وصف فيه كرمه و وفاه و نبله و سخاءه فناولها لتتأمل منه أخلاق صاحبه فان مالت اليه و رضيته فأنا وكيله في ابتياعها منك.»

قال بشر بن سليمان النخاس: فامتثلت جميع ما حده لي مولاي أبوالحسن عليه السلام في أمر الجارية، فلما نظرت في الكتاب بكت بكاءا شديدا و قالت لعمر بن يزيد النخاس: بعني من صاحب هذا الكتاب، و حلفت بالمحرجة المغلظة انه متي امتنع من بيعها منه قتلت نفسها، فما زلت اشاحه في ثمنها حتي استقر الأمر فيه علي مقدار ما كان أصحبنيه مولاي عليه السلام من الدنانير في الشستقة الصفراء؛

فاستوفاه مني و تسلمت منه الجارية ضاحكة مستبشرة.

و انصرفت بها الي حجرتي التي كنت آوي اليها ببغداد، فما أخذها القرار حتي أخرجت كتاب مولاها عليه السلام من جيبها و هي تلثمه و تضعه علي خدها و تطبقه علي جفنها و تمسحه علي بدنها.



[ صفحه 64]



فقلت: تعجبا منها: أتلثمين كتابا و لا تعرفين صاحبه؟

قالت: أيها العاجز الضعيف المعرفة بمحل أولاد الأنبياء، أعرني سمعك و فرغ لي قلبك، أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، و امي من ولد الحواريين تنسب الي وصي المسيح شمعون، أنبئك العجب العجيب، ان جدي قيصر أراد أن يزوجني من ابن أخيه و أنا من بنات ثلات عشرة سنة فجمع في قصره من نسل الحواريين و من القسيسين و الرهبان ثلاثمائة رجل و من ذوي الأخطار سبعمائة رجل، و جمع من امراء الأجناد و قواد العساكر و نقباء الجيوش و ملوك العشائر أربعة آلاف، و أبرز من بهو ملكه عرشا مسوغا من أصناف الجواهر الي صحن القصر، فرفعه فوق أربعين مرقاة، فلما صعد ابن أخيه و أحدقت به الصلبان و قامت الأساقفة عكفا و نشرت أسفار الانجيل، تسافلت الصلبان من الأعالي فلصقت بالأرض و تقوضت الأعمدة، فانهارت الي القرار، و خر الصاعد من العرش مغشيا عليه فتغيرت ألوان الأساقفة و ارتعدت فرايصهم، فقال كبيرهم لجدي: أيها الملك أعفنا من ملاقات هذه النحوس الدالة علي زوال هذا الدين المسيحي و المذهب الملكاني، فتطير جدي من ذلك تطيرا شديدا و قال للأساقفة: أقيموا هذه الأعمدة و ارفعوا الصلبان و احضروا أخا هذا المدبر العاثر المنكوس جده و لأزوج منه هذه الصبية فيدفع نحوسه عنكم بسعوده، فلما فعلوا ذلك حدث علي الثاني ما حدث علي الأول، و تفرق الناس، و قام جدي قيصر مغتما و دخل قصره، و أرخيت الستور،

فاريت في تلك الليلة كأن المسيح و الشمعون و عدة من الحواريين قد اجتمعوا في قصر جدي و نصبوا فيه منبرا يباري السماء علوا و ارتفاعا في الموضع الذي كان جدي نصب فيه عرشه، فدخل عليهم محمد صلي الله عليه و آله مع فتية و عدة من بنيه فيقوم اليه المسيح فيعتنقه فيقول: يا روح الله اني جئتك خاطبا من وصيك شمعون فتاته مليكة لابني هذا، و أومأ بيده الي أبي محمد صاحب هذا الكتاب فنظر المسيح الي شمعون فقال له: قد أتاك الشرف فصل رحمك برحم رسول الله صلي الله عليه و آله قال: قد فعلت، فصعد ذلك المنبر و خطب محمد صلي الله عليه و آله و زوجني و شهدا المسيح عليه السلام و شهد بنو محمد صلي الله عليه و آله و الحواريون.



[ صفحه 65]



فلما استيقظت من نومي أشفقت أن أقص هذه الرؤيا علي أبي و جدي مخافة القتل، فكنت أسرها في نفسي و لا أبديها لهم، و ضرب صدري بمحبة أبي محمد حتي امتنعت من الطعام و الشراب، و ضعفت نفسي و دق شخصي و مرضت مرضا شديدا فما بقي من مدائن الروم طبيب الا أحضره جدي و سأله عن دوائي، فلما برح به اليأس قال: يا قرة عيني فهل تخطر ببالك شهوة فأزود كها في هذه الدنيا؟ فقلت: يا جدي أري أبواب الفرج علي مغلقة، فلو كشفت العذاب عمن في سجنك من اساري المسلمين و فككت عنهم الأغلال و تصدقت عليهم و مننتهم بالخلاص لرجوت أن يهب المسيح و امه لي عافية و شفاء.

فلما فعل ذلك جدي تجلدت في اظهار الصحة في بدني، و تناولت يسيرا من الطعام فسر بذلك جدي و أقبل علي اكرام الأساري و اعزازهم.

فرأيت أيضا بعد أربع ليال كأن سيدة النساء قد زارتني و معها مريم بنت عمران و ألف وصيفة من وصائف الجنان فتقول لي مريم: هذه سيدة النساء ام زوجك أبي محمد عليه السلام فأتعلق بها و أبكي و أشكو اليها امتناع أبي محمد من زيارتي، فقالت لي سيدة النساء عليهاالسلام: ان ابني أبامحمد لا يزورك و أنت مشركة بالله و علي مذهب النصاري، و هذه اختي مريم تبرأ الي الله تعالي من دينك فان ملت الي رضا الله عزوجل و رضا المسيح و مريم عنك، و زيارة أبي محمد أياك فتقولي: أشهد أن لا اله الا الله و أشهد أن - أبي - محمد رسول الله،

فلما تكلمت بهذه الكلمات ضمتني سيدة النساء الي صدرها فطيبت لي نفسي، و قالت: الآن توقعي زيارة أبي محمد اياك فأني منفذه اليك، فانتبهت و أنا أقول: و اشوقاه الي لقاء أبي محمد، فلما كانت الليلة القابلة، جاءني أبومحمد عليه السلام في منامي فرأيته كأني أقول له: جفوتني يا حبيبي بعد أن شغلت قلبي بجوامع حبك؟

قال: «ما كان تأخيري عنك الا لشركك و اذ قد أسلمت فاني زائرك في كل ليلة الي أن يجمع الله شملنا في العيان» فما قطع عني زيارته بعد ذلك الي هذه الغاية.

قال بشر: فقلت لها: و كيف وقعت في الأسر؟

فقالت: أخبرني أبومحمد ليلة من الليالي أن جدك سيسرب جيوشا الي قتال المسلمين يوم كذا ثم يتبعهم، فعليك باللحاق بهم متنكرة في زي الخدم مع عدة من



[ صفحه 66]



الوصائف من طريق كذا، ففعلت فوقعت علينا طلائع المسلمين حتي كان من أمري ما رأيت و ما شاهدت و ما شعر أحد [بي] بأني ابنة ملك الروم الي هذه الغاية سواك؛ و ذلك باطلاعي اياك عليه، و لقد سألني الشيخ الذي وقعت اليه في سهم الغنيمة عن اسمي فأنكرته، و قلت: نرجس، فقال: اسم الجواري.

فقلت: العجب أنك رومية و لسانك عربي؟

قالت: بلغ من ولوع جدي و حمله اياي علي تعلم الآداب أن أوعز الي أمرأة ترجمان له في الاختلاف الي فكانت تقصدني صباحا و مساء، و تفيدني العربية حتي استمر عليها لساني و استقام.

قال بشر: فلما انكفأت بها الي سر من رأي دخلت علي مولانا أبي الحسن العسكري عليه السلام فقال لها: كيف أراك الله عزالاسلام و ذل النصرانية و شرف أهل بيت محمد صلي الله عليه و آله؟

قالت: كيف أصف لك يابن رسول الله ما أنت أعلم به مني؟

قال: فاني أريد أن أكرمك فأيما أحب اليك عشرة آلاف درهم؟ أم بشري لك فيها شرف الأبد؟

قالت: بل البشري

قال عليه السلام: فأبشري بولد يملك الدنيا شرقا و غربا و يملؤ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا.

قالت: ممن؟

قال عليه السلام: ممن خطبك رسول الله صلي الله عليه و آله من ليلة كذا من سنة كذا بالرومية،

قالت: من المسيح و وصيه؟

قال: فمن زوجك المسيح و وصيه!؟،

قالت: من ابنك أبي محمد؟

قال: فهل تعرفينه؟

قالت: و هل خلوت ليلة من زيارته اياي منذ الليلة التي أسلمت فيها علي يد سيدة



[ صفحه 67]



النساء أمه.

فقال أبوالحسن عليه السلام: يا كافور ادع لي اختي حكيمة،

فلما دخلت عليه قال عليه السلام لها: هاهيه فاعتنقتها طويلا و سرت بها كثيرا،

فقال لها مولانا: يا بنت رسول الله أخرجيها الي منزلك و علميها الفرائض و السنن فانها زوجة أبي محمد و ام القائم [1] .

قلت: هذا تمام ما رواه الصدوق و الطبري و الطوسي حول اسم و نسب زوجة العسكري عليه السلام، و أنها كانت مليكة بنت يشوعا بن قيصر الملك، و أنها اسرت و وقعت بيد المسلمين و اشتراها الامام الهادي عليه السلام و استودعها حكيمة لتعلمها الفرائض و قال لها انها زوجة أبي محمد؛ و يتبين من ملاحظة هذه القصة امور:

1- أن اسمها مليكة، و اسم أبيها يشوعا بن قيصر الملك.

2- أن الامام الهادي عليه السلام اجتمع مع ابنه الحسن العسكري عليه السلام و أخته حكيمة ذات ليلة و تشاوروا في أمر زواجه، ثم أرسلوا الي بشر بن سليمان النخاس.

3- أنها كانت بالغة، بل كان عمرها أكثر من ثلاث عشرة سنة.

4- أنها كانت عارفة أديبة و عالمة باللغة العربية.

5- أنها كانت مسلمة حين الأسر.

6- أن الامام الهادي (ع) استودعها حكيمة لتعلمها الفرائض و السنن.

و لم يذكر لنا التاريخ ماذا جري بعد ذلك و كم بقيت - زوجة الحسن عليه السلام - في بيت حكيمة و متي دخل الامام العسكري (ع) بيت حكيمة لزيارتها، و متي تزوج بها.


پاورقي

[1] كمال الدين ج 2، ص 417 و رواه الطبري في دلائل الامامة ص 263 و الطوسي في غيبته ص 124.