بازگشت

ميل العباسيين الي البذخ و الترف و اللهو


كان رجال الدولة و علي رأسهم السلطان ينفقون الأموال الطائلة لشؤونهم الخاصة كاقتناء الجواري و السراري و القيان و المغنين و جميع وسائل اللهو و المجون المتاحة في ذلك العصر، و كانوا يسرفون في الانفاق علي الشعراء و بناء القصور، بينما تعيش الأكثرية الساحقة من الناس علي الكفاف و ينهكها الجوع و الفقر و تفتك بها الأمراض و الأوبئة.

فقد كان المتوكل كثير الانفاق علي الشعراء، حتي قيل: ما أعطي خليفة شاعرا ما أعطي المتوكل، [1] ، فأجاز مروان بن أبي الجنوب علي قصيدة في مدحه بمائة و عشرين ألف درهم، و أعطاه حتي أثري كثيرا فقال:



فأمسك ندي كفيك عني و لا تزد

فقد خفت أن أطغي و أن أتجبرا



فقال لا أمسك حتي يغرقك جودي. [2] .

و قرب المتوكل أبا شبل عاصم بن وهب البرجمي، و كان شاعرا ماجنا، و أنفق عليه حتي أثري، قال أبوالفرج: نفق عند المتوكل بايثاره العبث و خدمه و خص به فأثري، و أمر له بثلاثين ألف درهم علي قصيدة من ثلاثين بيتا. [3] .

و أجاز عبيدالله بن يحيي بن خاقان أباشبل البرجمي أيضا علي قصيدة في



[ صفحه 18]



مدحه خمسة آلاف درهم و دابة و خلع عليه. [4] .

و عن أحمد بن المكي، قال: غنيت المتوكل صوتا شعره لأبي شبل البرجمي، فأمر لي بعشرين ألف درهم، فقلت: يا سيدي أسأل الله أن يبلغك الهنيدة. فسأل عنها الفتح، فقال: يعني مائة سنة، فأمر لي بعشرة آلاف اخري. [5] .

و أجاز المتوكل الحسين بن الضحاك الخليع علي أربعة أبيات أربعة آلاف دينار. [6] .

و كان المتوكل مغرما بالجواري اللاتي يجلبن من أنحاء البلاد بأموال طائلة، فقد روي عن المسعودي أنه قال: كان المتوكل منهمكا في اللذات و الشراب، و كان له أربعة آلاف سرية و وطئ الجميع. [7] .

كما كان ميالا الي التأنق في تشييد القصور الضخمة التي تعج بألوان من مظاهر الترف و البذخ و العبث و اللهو و المجون، قال اليعقوبي: بني المتوكل قصورا أنفق عليها أموالا عظاما منها: الشاه، و العروس، و الشبنداز، و البديع، و الغريب، و البرج، و أنفق علي البرج ألف ألف و سبعمائة ألف دينار. [8] .

و قيل: أنفق علي الجوسق و الجعفري و الهاروني أكثر من مئتي ألف ألف



[ صفحه 19]



درهم. [9] .

أما الاسراف في مراسم البلاط الخاصة باولاد الخلفاء و غيرهم فمما يطول به الحديث، و من شواهد ذلك ما نقله ابن كثير عن مراسم تسليم المعتز علي أبيه بالخلافة، قال: لما جلس [المعتز] و هو صبي علي المنبر و سلم علي أبيه بالخلافة، و خطب الناس، نثرت الجواهر و الذهب و الدراهم علي الخواص و العوام بدار الخلافة، و كان قيمة ما نثر من الجواهر يساوي مائة ألف دينار، و مثلها ذهبا، و ألف ألف درهم غير ما كان من خلع و أسمطة و أقمشة مما يفوت الحصر... [10] .

أما المستعين فقد قالوا عنه: انه كان متلافا للمال مبذرا، فرق الجواهر و فاخر الثياب، و اختلت الخلافة بولايته و اضطربت الامور. [11] .

و ذكروا أن ام المهتدي محمد بن الواثق، التي ماتت قبل استخلافه، أنها كانت تحت المستعين، فلما قتل المستعين صيرها المعتز في قصر الرصافة الذي فيه الحرم، فلما ولي المهتدي الخلافة قال يوما لجماعة من الموالي: أما أنا فليس لي ام أحتاج لها الي غلة عشرة آلاف ألف في كل سنة لجواريها و خدمها و المتصلين بها... [12] .

و أمثلة ذلك كثيرة في التاريخ، و هي تحكي عن حجم التبذير في بيوت



[ صفحه 20]



الأموال و الاسراف في النفقات الخاصة علي حساب الأغلبية المحرومة، و كان من نتائج ذلك أن ابتعد الخليفة عن الرعية و أهمل شؤونهم فكرهه غالبية الناس.

قال ابن كثير في حوادث سنة 249 - خلافة المستعين -: قد ضعف جانب الخلافة، و اشتغلوا بالقيان و الملاهي، فعند ذلك غضبت العوام من ذلك. [13] .

اما المعتمد الذي مات بالقصر الحسني مع الندماء و المطربين... و كان يسكر و يعربد علي الندماء [14] ، فقد قال السيوطي و غيره: انهمك باللهو و اللذات، و اشتغل عن الرعية فكرهه الناس. [15] .

و لعل ذلك هو أحد الاسباب في تعاطف عامة الناس سيما أهل بغداد مع بعض الطالبيين الثائرين بوجه الظلم و الاستئثار، و منهم يحيي بن عمر الشهيد سنة 250 ه فضلا عن حسن سيرته، قال ابوالفرج: كان هوي أهل بغداد مع يحيي، و لم يرو قط أنهم مالوا الي طالبي خرج غيره. [16] .

و قال ابن الأثير: تولاه العامة من أهل بغداد، و لا يعلم أنهم تولوا أحدا من [أهل] بيته سواه. [17] .

كما أنكر أهل بغداد علي المتوكل و كتبوا شتمه علي الحيطان و المساجد و هجاه الشعراء، حينما أمر بهدم قبر الامام الحسين عليه السلام و هدم ما حوله من الدور



[ صفحه 21]



و منع الناس من زيارته. [18] .


پاورقي

[1] تاريخ الخلفاء / السيوطي: 270.

[2] تاريخ الخلفاء / السيوطي: 270.

[3] الأغاني / ابوالفرج الاصفهاني 14: 193 - دار احياء التراث العربي.

[4] الأغاني 14: 199.

[5] الأغاني 14: 193 - 194.

[6] مروج الذهب / المسعودي 4: 388 - دار احياء التراث العربي - 1422 ه، سير أعلام النبلاء 12: 40.

[7] تاريخ الخلفاء / السيوطي: 271، سير أعلام النبلاء 12: 40.

[8] تاريخ اليعقوبي 2: 491.

[9] سير أعلام النبلاء 12: 40، و راجع: معجم البلدان / ياقوت 2: 60 - دار احياء التراث العربي - عند ترجمة الجعفري، و تاريخ اليعقوبي 2: 492، و البداية و النهاية 10: 346، و الكامل في التاريخ 6: 130.

[10] البداية و النهاية: 11: 17.

[11] سير أعلام النبلاء 12: 46.

[12] تاريخ الطبري 9: 396، الكامل في التاريخ 6: 203، البداية و النهاية 11: 18.

[13] البداية و النهاية 11: 3.

[14] سير أعلام النبلاء 12: 552.

[15] تاريخ الخلفاء / السيوطي: 282، سير أعلام النبلاء 12: 540.

[16] مقاتل الطالبيين / ابوالفرج الاصفهاني: 421 - المكتبة الحيدرية - النجف.

[17] الكامل في التاريخ 6: 157.

[18] تاريخ الخلفاء / السيوطي: 268.